Saturday, February 20, 2010

Structure of a Corrupt Regime - One

السلطة الخامسة


 


 

اللجنة الحاكمة

في الواقع، أنا لا أنشغل بسيناريو التوريث ولا أخشى منه، لسبب بسيط، وهو أن التوريث قد حدث بالفعل ويحدث من زمان، فقد اعتدنا منذ وفاة الرئيس عبد الناصر أن يرث نائب الرئيس مقعد الرئاسة، أي أن النظام يأتي بأحد أبنائه من ذوي الثقة أو ممن يظن أولو الأمر أنهم طوع إرادة اللجنة الحاكمة، بما يضمن استمرار اللجنة الحاكمة في إدارة شئون البلاد بصرف عمن يجلس على مقعد الرئاسة. وفكرة اللجنة الحاكمة توجد في العديد من دول العالم بما فيها الدول الديمقراطية بصورة أو أخرى، فالبعض يؤكد أن تلك اللجنة الحاكمة قررت أن تتخلص من الرئيس الأمريكي جون كينيدي – وتتخلص من أخيه روبرت كينيدي وزير العدل فيما بعد - لأنه خرج عن طوعها وبدأ يكتسب شعبية سوف تمكنه من تمرير قوانين وسياسات تتعارض مع مصالح تلك اللجنة رغم أنف اللجنة ومن يقف وراءها من رجال أعمال وشبكات مصالح. والبعض الآخر يؤكد أن "المؤسسة الإنجليزية" هي التي قررت التخلص من الأميرة ديانا وهكذا.


 

وعندما توفي الرئيس عبد الناصر، يكتب بعض من عاصروا تلك الأيام، أن اللجنة الحاكمة رأت أن السادات هو أقل أعضاء مجلس قيادة الثورة خطراً وشعبية، وأنهم بتنصيبه رئيساً سوف يضمنون استمرارهم في الحكم من وراء الستار. ولكن السادات أثبت أنه يفوقهم في الدهاء، وكان أيضاً محظوظاًً بقدر كبير، فقد استطاع في مايو 1971 أن يزيح معظم من أسماهم بمراكز القوى بضربة واحدة أطلق عليها السادات فيما بعد "ثورة التصحيح".


 

وطوال فترة الستينيات، رأى السادات عن قرب الشلل الذي أصاب الإدارة المصرية نتيجة لسيطرة اللجنة الحاكمة على مقدرات الحكم وكل مجالات الحياة في مصر رغم أنف الرئيس الرسمي للبلاد – جمال عبد الناصر – بدءاً من كرة القدم مروراً بالفن والصناعة والتجارة، وهو الشلل الذي أدى في النهاية لأسوأ هزيمة تتعرض لها مصر على مر تاريخها الطويل، هزيمة 1967 التي لا زلنا نعاني من آثارها السلبية. ولهذا حاول السادات ألا يسمح بإعادة تكوين اللجنة الحاكمة، عن طريق التغيير المستمر في الوزراء والمسئولين، وأحاط نفسه بدائرة هو مركزها من رجال الأعمال والمستشارين والإعلاميين استمدوا جميعهم تأثيرهم من الجالس على الكرسي في مركز الدائرة، بحيث لم يكن لهم مجتمعين علاقات وطيدة كمجموعة مصالح.


 

وفكرة اللجنة الحاكمة، أو السلطة الخامسة الخفية، تفترض أن هناك ناد شبه سري، بعض أفراده قريبون بحكم مناصبهم الرسمية من دائرة صنع القرار، بينما يستمد البعض الآخر نفوذه من الدور الحيوي للنظام، رغم أن هذا الدور لا يمكن الإفصاح عنه في دائرة الضوء لحساسيته.


 

وبعد وفاة الرئيس السادات، ولأسباب عديدة وبصورة تدريجية، بدأت سلطة خامسة جديدة تتشكل على استحياء، بحيث أصبح أفرادها يشكلون أعمدة رئيسية يقوم عليها البنيان الموازي للنظام. وهذه الأعمدة، سواء إعلامية، أو سياسية، أو تنفيذية، أو أمنية، أو تشريعية، أو قانونية، أو مالية، أو إدارية، أو معلوماتية، أو مؤثرة في دوائر مهنية أو عمالية بعينها، أصبحت هي البديل الموازي عن الأعمدة الرسمية المؤسسية التي يفترض أن تدعم بقاء النظام وشرعيته. ولأن جميع الكيانات الموازية بطبيعتها هي كيانات غير معلنة ولا تخضع لقواعد المساءلة أو المحاسبة أو الرقابة، فإن هذه الكيانات حتى لو بدأت بنوايا حسنة أو توجهات وطنية، فإنها سرعان ما ينخر فيها الفساد، وتبدأ في العمل كدويلات أو إقطاعيات أو نظم فرعية، ويصبح هدف القائمين على هذه النظم هو بقاء النظام الفرعي نفسه بصرف النظر عن الفائدة أو الضرر الذي يعود على الوطن أو حتى على نظام الحكم ككل من جراء استمرارها وبقائها. وهذا الفساد يصبح بسرعة حملاً ثقيلاً على الوطن، بل يصبح مثل كيان سرطاني أو طفيلي يمتص دماء الوطن وينتقص من شرعية وشعبية النظام الذي أوجدها في الأساس ليكتسب مثل هذه الشرعية.


 

No comments:

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook