السبت، أغسطس 18، 2012

المرحلة الانتقالية الثانية - التحرير

المرحلة الانتقالية الثانية - التحرير

التحرير
18 أغسطس 2012
وائل نوارة


القرارات الأخيرة التى اتخذها الرئيس المنتخب بتعيين قيادات جديدة للجيش، جاءت بمثابة بلسم شافٍ هلل لملمسه الكثيرون، بينما وجد فيه البعض نذير شر. وجاء تباين ردود الأفعال باختلاف المناظير، فمن المنظور الثورى، هذه القرارات تُنهِى بسلام وتَراضٍ ودون صدام عنيف فترة حكم المجلس العسكرى، الذى كان يسبب قلقا عميقا من أن تدخل مصر فى نظام يعانى من ثنائية السلطة، مثل باكستان أو تركيا فى الماضى، حيث يمثل الجيش سلطة فوق السلطة المنتخَبة، تدير الأمور من وراء ستار. أما من المنظور الدستورى، فقد تَخوّف البعض من انقلاب الرئيس على الإطار الدستورى الذى أقسم على احترامه، ووجدوا فى تركز كل السلطات التنفيذية والتشريعية فى يد شخص واحد وتيار بعينه خطرا كبيرا على عملية التحول الديمقراطى، حيث أصبح لرئيس منتخب بعد الثورة سلطات لم يتمتع بها الرئيس المخلوع أو من سبقوه من رؤساء.

دعونا نرَ الموضوع أولا بمنظار التفاؤل، وهو المنظار الثورى، ونقُل إن إغلاق طريق ازدواجية السلطة فى مرحلة مبكرة حفظنا من صراعات كثيرة خطيرة فى المستقبل، لأنه حتى إذا اتفقنا مع الفريق الثانى الذى يدلل بهذه القرارات وانعدام المقاومة لها، على أن المشير طنطاوى وأعضاء المجلس العسكرى السابق لم يكن لهم أطماع فى السلطة، إلا أنه لا يوجد أى ضمانة أن المجالس القادمة ستكون بنفس العقيدة، كما أن هذه التغييرات ستيسر إصلاح أى أوضاع موروثة من النظام السابق. وفى نفس الوقت، لا بد أن نرى أيضا قرار الرئيس بأنه انقلاب ثورى لا مجرد تغيير بالشرعية الدستورية، فهو يخلق إطارا جديدا يستند إلى الشرعية الثورية والقبول الشعبى للقرارات، وينقلب على الإطار الدستورى القديم، ويأذن بفتح مرحلة انتقالية ثانية. نحن إذن فى بداية «المرحلة الانتقالية الثانية» بعد أن فشلت المرحلة الانتقالية الأولى… وعلامات فشل الأولى أنه لا يوجد لدينا دستور ولا مجلس تشريعى كما لم يتم تطهير مؤسسات الدولة. فنحن لسنا فى وضع اعتيادى بل فى فترة انتقالية، تماما مثل الوضع الذى بدأ صباح 13 فبراير مع أول إعلان دستورى يحدد مبادئ المرحلة الانتقالية الأولى. أنبه لهذا لأن هناك قواعد ومعايير دولية متعارَفا عليها تحكم عمل المراحل الانتقالية، وهى المراحل التى تقوم فيها الدول بالانتقال من نظام شمولى إلى نظام ديمقراطى.

والمراحل الانتقالية لا بد أن يكون لها ضمانات معينة وتختلف عن الوضع العادى، فى أن المراحل الانتقالية تشهد بناء المؤسسات التى تحقق التحول الديمقراطى، أى وضع قواعد اللعبة السياسية، فإذا انفرد بها طرف منافس -مثل الحادث الآن- فبطبيعة الأمور ستميل أرض الملعب ناحيته، وستأتى قواعد اللعبة لصالحه فتفسد ما يأتى من تنافس، ولذلك فالمراحل الانتقالية تحتاج إلى توافق من جميع أو معظم اللاعبين والمجتمع، ولذلك سعدت عندما سمعنا أن الرئيس سيسعى لفتح الحوار مع القوى السياسية والثورية والمجتمعية، سعيا لحل الأزمة الدستورية الحالية. ولا مانع فى تصورى أن يقوم الرئيس بالإشراف على المرحلة الانتقالية الثانية بضمانات محددة، أولها أن يتعهد بالوقوف بقوة ضد هيمنة تيار واحد على كتابة الدستور، وأن يفوض التأسيسية فى سلطة التشريع، أو يقوم بتشكيل مجلس تشريعى مؤقت، يكون متوازنا فى تمثيله ولا يهيمن عليه أى تيار، ويمكن أن يستدل بأقرب مرجعية لتمثيل القوى السياسية من نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حيث اقتسمت أصوات المصريين تيارات متعددة لم يحصل أى منها على أكثر من ربع أو ثلث الأصوات، حتى لا ينفرد رئيس الجمهورية بالسيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية.

هذه الأيام تشهد تأسيس نظام جديد، ووضع قوانين جديدة للانتخاب، وهنا يصبح الانفراد بالسلطتين التنفيذية والتشريعية وبكتابة الدستور والسيطرة على الصحف والإعلام والمحافظين وغيرها من سلطات، كلها للأسف أمور قد تغرى أى رئيس وجماعته بتفصيل قواعد العملية السياسية لصالح فريقهم، مما يهدم تنافسية العملية السياسية وتكافؤ الفرص وقد يؤدى مهما حسنت النية إلى نظام استبدادى فاشى.

والمعتاد فى الظروف المماثلة، أن من يشرف على المرحلة الانتقالية وكتابة الدستور يُحرَم من الترشح فى الانتخابات التالية، فى ليبيا مثلا تَعهَّد أعضاء المجلس الانتقالى بأنهم لن يترشحوا فى الانتخابات التالية، وهناك ضمانات أخرى هامة لإصلاح النظام الانتخابى ليميل ناحية الأحزاب المتوسطة والصغيرة، لا الكبيرة، بإلغاء التحيز الموجود حاليا، حيث تذهب بواقى الأصوات الآن للأحزاب الكبيرة على حساب الصغيرة، وتفعيل القوانين المنسية التى تحدد سقف الإنفاق الانتخابى. كما يجب تشكيل هيئة مستقلة من المهنيين والكتاب والمثقفين للإشراف على الإعلام المملوك للدولة وإلغاء وزارة الإعلام، مع الحفاظ على استقلالية القضاء بصورة دستورية وقانونية، والالتزام بحجية المحكمة الدستورية العليا كحكم بين السلطات بعد المرحلة الانتقالية، حيث تنتفى صفة الرئيس كحكم بين السلطات بعد وضع الدستور الجديد. ولعل أهم هذه الضمانات هو تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين لضمان شفافية مواردها وإدارتها، والفصل بينها وبين حزب الحرية والعدالة، مع تجريم قيام أى حزب أو جماعة بتسييس أو اختراق أجهزة الأمن القومى مثل الجيش والشرطة والمخابرات والأمن الوطنى، إلخ، حتى تبقى هذه الأجهزة محترفة ومهنية، ولاؤها الأول والأخير للوطن وللشرعية الدستورية وسيادة الشعب، وليس لصالح أى تيار سياسى، وهو ما رأيناه وأثلج صدورنا فى ردود أفعال المؤسسة العسكرية على قرارات الرئيس المنتخب. كما يجب تشكيل هيئة مستقلة من المربين والأكاديميين وخبراء التنمية البشرية والكتاب والمبدعين للإشراف على وزارة التعليم، وهيئات مماثلة للإشراف على باقى وزارات الوجدان، مثل الثقافة والأوقاف، مع ضمان استقلال الأزهر واحتفاظه بالهوية المصرية الوسطية، أمام محاولات التيارات الوهابية والمتطرفة لاختطافه. دعونا نحتفل بعبورنا مأزق ازدواجية السلطة بسلام، وفى نفس الوقت نضع الضمانات التى تكفل أن لا يعود الماضى السلطوى بأى صورة، وأن يكون الرئيس المخلوع، هو آخر رئيس مخلوع فى مصر.



هناك تعليق واحد:

Räumung Wien يقول...

موضوع ممتاز جدا شكرا لكم

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook