السبت، سبتمبر 08، 2012

السيادة لصاحب الدكان - التحرير

الدستور.. السيادة لصاحب الدكان - التحرير

رؤية مصرية
الدستور: السيادة لصاحب الدكان

وائل نوارة

تـعـمـل اللجـنة التأسيسية لوضع الـدسـتـور المصري منذ أسابيع وتجتهد بلا شك في وضع دستور يليق بمصر التي ولدت من جديد – أو يفترض أنها ولدت من جديد – بعد ثورة 25 يناير. ولكن أحياناً تصلنا تسريبات وأخبار مزعجة عن صياغات مواد بعينها، وإصرار فريق أو جماعة على وضع "أحكام" مشددة هنا، أو تعبيرات "شورية" هناك، أو تغيير من يملك "السيادة" ونزع ملكيتها من الشعب الغاصب لتصبح السيادة لله، رغم أن المولى عز وجل لا ينتظر بالتأكيد اعتراف اللجنة بسيادته على الكون الذي خلقه. نسمع هذا وغيره من  أنباء وربما إشاعات لا ندرك إن كانت حقيقية، أو مجرد خواطر أو أضغاث أحلام، أطلقها البعض كريح طيبة أو خبيثة في بعض اجتماعات اللجان، ولا ترقى لتشكل اتجاها يتبناه تيار مؤثر داخل الهيئة التأسيسية، أو ربما بالونات اختبار يريد البعض أن يقيس بها حجم المعارضة المجتمعية، لتوجهات وهابية إقصائية متصحرة، وهل الناس منتبهة لها - أم يمكن أن تمر تحت جنح الظلام، رغم أن الهدف لا يجب أن يكون سرقة الدستور تحت جنح الظلام، "والمصريين مش واخدين بالهم" ومشغولين بمصاعب الحياة اليومية المعتادة.

 

عبارة "السيادة للشعب" هي توثيق لضمانة ومرجعية أمام كل حاكم أو حكومة - إخوانية كانت أم ليبرالية، سلفية أم تقدمية – توضح أن صاحب الدكان هو الشعب، وأن الرئيس والمحافظ والحكومة وكل موظفي العموم هم خدام يعملون في الدكان، وعليهم القيام على تحقيق مصالح صاحب الدكان وأولاده، فإن زاغت أعينهم أو قصروا، استبدلهم بغيرهم. والشعب يمارس هذه السيادة ويوظف مدير الدكان والعاملين فيه من خلال الانتخابات، كل مدير يعلن عن برنامجه لتحسين أوضاع الدكان، والارتقاء بالخدمات فيه، وتعظيم موارده، وتقليل نسبة المصروفات للإيرادات الكلية، حتى يستمتع أبناء صاحب الدكان بريعه، وهكذا، وليس لهم مثلاً أن يفرضوا على أصحاب الدكان طريقة حياة تختلف عما ألفوه، أو أزياء أو عادات بعيدة عما اعتادوه. باختصار، الشعب – صاحب الدكان – يريد توظيف حكومة خادمة - وليست مربية.

 

ما معني أن يتضمن الدستور المصري عبارة مثل "السيادة لله" – بدلاً من "السيادة للشعب"؟ هل يريد المشرع أن يقول أن الله يملك الدكان مثلاً؟ هذا أكيد ولا يحتاج لأي مادة في الدستور – لأن الله في علاه يملك الأرض والسماء وما بينهما، ولكن في عقود التمليك والتوظيف والإيجار، نجد أن هناك تحديداً واضحاً للمالك الآدمي الأرضي – في هذه الحالة الشعب – رغم أننا جميعا نعرف ونقر أن الملك لله، فما بال أعضاء اللجنة يتهربون من إعطاء الحقوق لأصحابها، بحجة أن الملك لله؟ الملك لله في كل شيء، لكن الله سبحانه استخلف الإنسان على الأرض، وأمر أن تُــؤدَى الحقوق لأصحابها، فلماذا يماري هذا العضو أو ذاك، ويتعللون بالله ليمنعوا الحقوق عن أصحابها، ويخدعوا صاحب الدكان وأولاده في العقد الدستوري، فلا يقرون صراحة أن مالك الدكان هو الشعب؟ الشعب كما قلنا يمارس سيادته وملكيته للدكان من خلال تعيين الرئيس والحكومة والمشرعين، عبر الانتخابات، أما عندما نقول السيادة لله، فهل يقصد العضو أن الله سيمارس هذه السيادة من خلال العضو مثلاً، باعتباره شيخاً بلحية عظيمة، يحتكر من خلالها صلته بالله مثلاً، فيتهرب من أداء حقوق صاحب الدكان، بحجة أن الله يقول كذا وكذا، وعلينا أن نستمع له هو وجماعته، العالمة ببواطن التفاسير والمتون الصفراء، التي تحمل في تلافيفها - من وجهة نظرهم - تعليمات الله في كيفية التصرف في أمور الدكان؟ وكيف يستقيم هذا مع حديث رسول الله، وهو الموحَى إليه ورغم ذلك يقول "أنتم أعلم بشئون دنياكم"؟  وكيف يستوي هذا مع قول الله جل وعلى "ليست عليهم بمسيطر"!

 

قد يظن المرء - وإن بعض الظن إثم – أن العضو هداه الله وهدانا، يحاول أن ينصب على صاحب الدكان – وهو الشعب، مثل أي دجال في الكفور والنجوع، يتستر وراء دخان البخور وهمهمات وطلاسم الشعوذة، ويشتري بآيات الله ثمنا قليلاً، ينصب باسم الله وتحت راية الدين، والله منه براء، والدين من دجله وأفعاله وفضائحه القبيحة يشكو ويستغيث - لو أنصتنا وفهمنا. الدجال يحاول أن يختلس ملكية المحل متراً مربعاً بعد متر، بحجة أن الله أمره بهذا، وأن التقرب لله يستوجب أن نغير العقد، وبدلاً من أن ينص على أن الملكية لصاحب المحل، نعطيها لله، وبالطبع نضع مادة أخرى في العقد تمنع أي شخص من التحدث باسم الله، إلا العضو وجماعته وفئته، بحجة أن هذه الأمور لا يفهما صاحب المحل ولا أولاده أو غيرهم. ثم نضع مادة ثانية، تقضي بجلد ورجم وصلب صاحب المحل وأولاده، بل وتقطيع أطرافهم من خلاف، إن هم أساءوا الأدب، وطالبوا بحقوقهم، التي يقوم عليها العضو الجليل وجماعته، التي تنشغل حالياً بالإمساك بمفاتيح الدكان ودفاتره ومخازنه وأركانه ومحافظاته ووزاراته.

 

قد يظن العضو – وبعض المظان مهلكة – أن صاحب الدكان جاهل فقير لا حول له ولا قوة، وأن هذه الشعوذة ستنطلي عليه. صاحب الدكان يؤمن بالله، ويحب كتابه ونبييه وآلهم واصحابهم، ويحسن الظن مبدئياً بكل متحدث أو عضو أو جماعة، لكن صاحب الدكان ليس بعبيط أو درويش، ويستطيع أن يكشف ألاعيب الدجالين والمشعوذين، مهما كان حجم سحابات البخور والدخان التي يطلقها النصابون، لتعمى الأبصار عما يدبره المشعوذون، أو تخفي ما يحيكه الدجالون. ويخلق ما لا تعلمون.


هناك تعليقان (2):

Entrümpelung wien يقول...

موضوع ممتاز جدا شكرا لكم

Entrümpelung wien يقول...

شكرا لكم ..))

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook