‏إظهار الرسائل ذات التسميات feudal system. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات feudal system. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، يناير 21، 2011

الإقطاعيون الجدد: تزاوج الفساد بالاستبداد





أحياناً ما يغيب عنا أن النظام الاقتصادي والنظام السياسي لأي دولة، هما وجهان لعملة واحدة، وجه يمثل الثروة، والآخر يمثل السلطة. فالنظام الاقتصادي يحدد قواعد توزيع ثروة المجتمع وموارده المشتركة، كما يحدد قواعد تقييم الجهد والقيمة المضافة لكل طائفة وفرد في المجتمع، وهو يحدد هذه القواعد طبقاً للنظام السياسي الموجود، الذي يمنح المزايا الاقتصادية للطبقة المسيطرة على السلطة أو "النخبة الحاكمة"، والطوائف القريبة منها ليضمن ولاء كل هذه العناصر في ترسيخ سلطته وتجذيرها في رحم وتربة المجتمع. ومن الناحية الأخرى، يحدد النظام السياسي قواعد توزيع السلطة، وطريقة اتخاذ القرار المجتمعي، سواء من خلال التفاعلات السياسية التي ينتج عنها تدوال السلطة من عدمه، والتشريعات التي تحدد القوانين الحاكمة، أو الشكل الإداري التنظيمي للدولة واللوائح التنفيذية، أو السياسات التي تحدد الضرائب والجمارك والموارد السيادية التي تدخل الخزانة العامة، وتوزيع هذه الموارد سواء جغرافياً أو قطاعياً، في الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، أو البنية الأساسية، أو الاستثمارات الإنمائية والحوافز التنموية، وبهذا تستطيع السلطة أن تتحكم في النظام الاقتصادي، وفي توزيع الثروة.

وفي الستينيات، عاشت مصر مرحلة رأسمالية الدولة State Capitalism  حيث تملكت الدولة معظم أدوات الإنتاج، ووضع النظام يده على مقاليد النشاط الاقتصادي، من خلال "تأميم" الشركات الكبيرة والمتوسطة، وإنشاء المشروعات المملوكة للدولة، ووضع أعوان النظام على رأسها، وتوسيع دور وسلطات ونطاق المنظومة الحكومية حتى أصبحت الدولة تسيطر على 75% من الوظائف لضمان سيطرة النظام على الأرزاق، أما الـ 25% الباقية فقد سيطرت الدولة عليها أيضاً من خلال القيود واللوائح والبيروقراطية الحكومية المانعة، وبالتالي فإن النظام السياسي الذي يمثل الوجه الآخر لهذا الوضع، كان نظام الحزب الواحد، حيث استأصل النظام السياسة من المجتمع المصري كلية، فالسياسة في واقع الأمر تمثل عملية التفاوض السلمي لتقسيم هذه الأرزاق وتسوية مصالح الفئات المختلفة، وعندما يقوم نظام سلطوي باحتكار تحديد طريقة توزيع الثروة والأرزاق، فإنه لا يمكن أن يفعل ذلك إلا مع احتكار القرار السياسي ومنع التفاعلات السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى تداول السلطة وبالتالي تغير في طريقة تقسيم وتوزيع الثروة.

ومع فشل النظام في إدارة الحياة الاقتصادية بتلك الصورة، انهارت البنية الاقتصادية للبلاد، ووصلت مصر لشفا الإفلاس، مع اتساع نزيف خسائر القطاع العام نتيجة سوء الإدارة والفساد وغياب آليات السوق والمنافسة، فقرر النظام التحول من نظام رأسمالية الدولة – إلى نظام السوق الحر – أو هذا ما أعلنه على الأقل، وصاحب ذلك تطور طبيعي على المستوى السياسي، بإعادة نظام التعددية الحزبية، على أمل أن تتفاعل تلك الأحزاب لتعبر عن مصالح مختلف فئات المجتمع، لتنتج القرار السياسي المتوازن. لكن في بدايات التطبيق، فوجئ النظام بأمرين: أولهما أن المعارضة بدأت تتسع سلطتها وأرضيتها السياسية، بما هدد تركيز السلطة في أيدي النظام وهدد أيضاً بظهور إمكانية لتداول السلطة وهو ما لم يقبله النظام. الأمر الآخر، فوجئ النظام بتمدد وتوسع القوة الرأسمالية بسرعة توازي الفراغ الاقتصادي الذي عانت منه مصر عبر عقود رأسمالية الدولة الاحتكارية، وأدرك أن هذه الرأسمالية الجديدة بدأت تشتري النفوذ والذمم والقرار من خلال العمولات والرشاوى وآليات كشوف البركة وما شابهها، وبالتالي زادت سلطتها بما يهدد بفقدان السيطرة على الأمور.

وهنا ابتدعت السلطة نظاماً اقتصادياً جديداً، أو استحضرت نظاماً قديماً - هو النظام الإقطاعي – ومعه تحولت مصر من مرحلة رأسمالية الدولة الذي تحدثنا عنه إلى مرحلة  "رأسمالية وكلاء الدولة" State Agents' Capitalism حيث تحولت فيها مصر لنظام يشبه إلى حد ما النظام الإقطاعي في القرون الوسطى. أصبحت مصر مثل وكالة تمنح التوكيلات للموزعين، على شكل مجموعة من الإقطاعيات في مختلف المجالات الاقتصادية، حيث يقوم "وكلاء النظام" بالقيام بدور رأسمالية الدولة ولكن هذه المرة لصالح النظام والحكام وبالمشاركة في الريع معهم ومع كبار المسئولين بصورة مؤسسية، ولعل أهم تلك المجالات – تماماً مثل العصور الوسطى وعصور المماليك – هي الأراضي أو الإقطاعيات سواء على السواحل أو حول المدن الكبرى أو الطرق الرئيسية أو الظهير الصحراوي، علاوة على خلق احتكارات في قطاعات عديدة من خلال تحديد قائمة قصيرة من "الإقطاعيين أو الوكلاء" الذين تمنح لهم الدولة القروض أو الأراضي أو تبيعهم شركات القطاع العام فيما عرف بالخصخصة، أو تمنحهم التراخيص الحصرية في قطاعات الاتصالات أو العبارات أو الحديد والأسمنت والسيراميك والسجاد والسياحة والبث التليفزيوني الخاص، علاوة على المدن الجديدة واستصلاح الأراضي، ويقوم النظام بحمايتهم من المنافسة من خلال فرض رسوم الإغراق، أو تفصيل قوانين الاحتكار في خدمتهم، أو حمايتهم من الملاحقة القانونية الجنائية من خلال الطرمخة على القضايا وتهريب المتهمين قبل استصدار قرارات المنع من السفر أو تسخير الإعلام الحكومي للدعاية لهم. وفي المقابل انضم هؤلاء للحزب الحاكم أو فروع الحزب الحاكم في أحزاب المعارضة المدجنة. كما يضخ أعضاء هذه الشبكة المليارات من أرباح هذه الأنشطة الاحتكارية في جيوب شركائهم من العناصر الفاسدة في منظومة السلطة أو مباشرة في صندوق الولاء، الذي يمول بدوره مظاريف الولاء، وغيرها من نفقات "موازية" خارج المنظومة الرسمية.

وفي الوجه الآخر، فإن النظام السياسي المقابل لهذا النظام  الاقتصادي الإقطاعي، هو النظام السياسي الإقطاعي أيضاً، حيث يتكفل كل إقطاعي أو وكيل للنظام، بحشد وشراء التأييد السياسي للنظام في حزبه أو دائرته أو مصنعه أو مدينته أو قريته، لضمان بقاء الأوضاع على ما هي عليه، وهي مقايضة مربحة للطرفين، حيث يضمن المحتكرون والإقطاعيون أن يستمروا في حصد الفوائض الفاحشة من أنشطة يضفي عليها النظام المشروعية، كما يضمن النظام إخصاء البلاد سياسياً من خلال شراء ذمم ألوف الإقطاعيين، فتنعدم فرص تداول السلطة، أو يأتي التداول بجنين مسخ هو ثمرة التناكح أو التزواج غير الشرعي بين الفساد والاستبداد. أما الخاسر الوحيد فهو الشعب المسكين – حسبنا الله ونعم الوكيل.

الخميس، يوليو 23، 2009

State of the Republic


في ذكرى الثورة


إزي الحال يا جمهورية

"سقفنا وياما هتفنا

وادينا حاضرين الدفنة

والورث اتباع"


من 57 سنة بالتمام والكمال، قامت ثورة 23 يوليو. وأنا بأقول ثورة، رغم إن ناس كتير تحب تسميها انقلاب، معلش، هي يجوز ابتدت انقلاب، لكن الناس قلبتها ثورة، المصريون صنعوا منها ثورة، ساعات بالتأييد والهتاف والتسقيف، وساعات بالنواح والعياط والنهنهة، وفي معظم الأحيان بالسكات المشين والصمت بدون أنين، علماً بأن السكوت في بر مصر، من علامات الرضا الدفين.

قامت الثورة، وحطت 6 أهداف، والدحاحين في التاريخ اللي بيحفظوا بطريقة الكتاتيب قالك 3 قضاء و3 بناء أو إقامة.

طيب نبتدي بالقضاء، 3 قضاء. القضاء على الإقطاع، القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، والقضاء على الاستعمار.

أهو ممكن تقوللي إن الثورة نجحت في أي حاجة، إلا موضوع القضاء على الإقطاع ده، بأمارة اللي عندهم آلاف الأفدنة، و3000 كم سواحل شرقية وشمالية اتباعت المتر باتنين جنيه بالتقسيط للمحاسيب كتر خير الراجل السكرة اللي نغنغ كل المسئولين وحبايبهم، صانع المليونيرات الحاصل على القلادة، اختفى شوية زي كارت السنيورة في لعبة التلات ورقات، وأهو رجع ومسك منصب كبير أوي.

واحد من اللا إقطاعيين الجدد عامل مجموعة مدن، الإعلان قال 20 دقيقة من مصر الجديدة، 20 دقيقة من المعادي، 20 دقيقة من الجيزة، قلنا دي سحابة إيه السودا دي، ولا هي مدينة معلقة في الهواء زي حدائق بابل، مدينة شايلاها مثلاً مجموعة طيارات هليكوبتر ولا إيه، طلعت فعلاً المدينة من وسعها ورحابتها، لأنها مقامة على ملايين الأمتار المربعة المصطفاة دون غيرها على الطريق الدائري، قريبة من كل مطرح، وواسعة ما شاء الله العاطي الوهاب. زمان أيام العصر البائد، كان يقولك عزبة الأميرة فلانة ترمح جنبها الخيل ساعة، جتها نيلة الأميرة الخايبة، خيل إيه وبغال إيه وحمير إيه، هو ده اللي قدرت عليه الأميرة الهايفة؟ دي كانت فدادين فكة كده، أي كلام يعني، دلوقتي ومع تقدم وسائل المواصلات، تمشي الطيارة فوق مدن اللا إقطاعيين الجدد شوية حلوين. طبعاً الراجل عضو لجنة السياسات لما لقى الدولة بتديله الأراضي بالكيلومترات والقناطير، والمسئولين بتشاركه وتباركه، والحكام بيزوروه ويفتحوا مشروعه، وولاد الحكام صحابه وبيلعبوا مع بعض ومع القانون لعبة الاستغماية المسلية، يعني بيع وشراء واستئجار ألخ من الدولة رغم إنه عضو ولا مؤاخذة في البرلمان وممنوع عليه قانوناً المتاجرة مع الدولة، لكن نقول إيه بأه، أصول لعبة الإستغماية كده. المهم، الراجل حس إنه فوق القانون، مخه اتلحس وبعت عقيد أمن دولة سابق عشان يموت مراته السابقة – سابق وسابقة بأه، قام التاني طار على ارتفاع 30 ألف قدم فوق القانون وراح قتلها في بلد تانية. الله يرحمها ويرحم الهدف بتاع الإقطاع. قطيعة تقطع الإقطاع وسنينه، واضح إنه "لابد" لنا في أرض البلد دي زي القرادة ما بتلبد في جلد الكلاب البلدي. ماشي. بلاه إقطاع.

طيب إيه رأيك في هدف القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم؟


آه، عدت دي. معلش. الشوطة دي للأسف "جلت"، والكورة لفت وبرده رجعت تدخل هدف في مرمانا وجل من لا يسهو. ليه؟ اقولك يا سيدي.

الهوا. الهوى يا سيدي وما أدراك ما الهوى. الهوى كان جامد أوي. زق الكورة والأشرعة حيث لا تشتهي السفن. فاضطر المسئولين غصب عنهم وهما زعلانين جداً - ربنا يسترهم، إنهم يسمحوا يعني بموضوع الاحتكار ده. بص، أصل الأسهل نلم الغلة من مجموعة صغيرة من الشركاء الموثوق في ولائهم، يعني مثلاً، مثلاً يعني، لو كان اصحاب البلد، أعطوا امتيازات الحديد لكذا واحد، وما باعوش مصنع الحديد للأخ بتاع لجنة السياسات بسعر أخوي يعني باعتباره عضو معاهم، كان لم الغلة يبقى صعب. تصور بأه لما تتعامل مع 100 تاجر ولا مصنع صغير.اللي تعدي عليه يقولك والله النهارة ما بعناش، والتاني يفتح لك الدرج ويقولك السوق وحش وإن لقيت فلوس خدها، لكن لما شخص واحد يسيطر على السوق لحسابنا – قصدي لحسابهم، يتحكم في الأسعار، واحنا برده نساعدة بشوية قضايا إغراق ضد الحديد المستورد والذي منه، يقوم يوم ما نطلب منه مثلاً مثلاً يعني يصرف على الحزب ولا على الحملات الانتخابية، يرحب ويصرف عن وسع ويفنجر إيده آخر فنجرة، وهو يعني دافع حاجة من جيبه. طيب. بس كمان في المقابل يا خفيف، أياك تهوب جنب قانون الاحتكار ولا عقلك يقولك مثلاً إنك حتعمل قانون زي الدول الوحشة اللي مش مستهدفة، يمنع الاحتكار صح أو يستهدفه مثلاً. لازم تخلي البيه نفسه هو اللي يكتب القانون اللي على كيفه، مش بفلوسه ياجدعان؟ هو فيه إيه. أكل وبحلقة؟ طيب ييجي السؤال بأه، ده ممكن مثلاً مثلاً يعني يكون صورة مصغرة من موضوع سيطرة رأس المال على الحكم أو شبهه في أيتها حاجة؟ أبداً وحياتك، لا شبهه ولا حاجة، ولا يقربوا البعض ألبتة ولا حتى إخوات في رضاعة الكبير، ويخلق من الشبه أربعين.

خلاص بلاه الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.

طيب بلاش موضوع القضاء والهدم والمسائل السلبية دي، خلينا إيجابيين، خلينا في موضوع البناء والإقامة، وأهو الحمد لله في كل حي عندنا أكتر من 300 مؤذن بيقيم الصلاة في مكبرات صوت 500 ميجا وات، يعني شاطرين جداً في الإقامة. وبعدين المصري هو أبو البناء وهو المعماري الأول في التاريخ من أيام أهرامات خوفو ومعابد الأقصر وحتى ملايين المساكن العشوائية التي بناها المصريون بدون ترخيص ولا رسومات، ولا فن ولا هندسة، ولا سحر ولا شعوذة، يعني كمان أكيد شاطرين في البناء.


طيب، نبدأ بهدف إقامة حياة ديمقراطية سليمة. آه، الشوطة دي بأه بالذات، جت دوبل كيك باكوارد عدل في مرمى الحضري ومن سوء الحظ كان الحضري ساعتها في سويسرا. يعني دخلت دون أن يسأل عنها، جون أكيد فينا. ليه؟ إنت حتستعبط. إنت ما تعرفش إن البلد مستهدفة، عايز شوية سناكيح ييجوا بالانتخابات ما حدش عارف ولاءهم لمين؟ أما إنت خاين إمبريالي عميل صحيح. وبعدين إحنا عندنا أزهى عصور الديمقراطية ولو مش مصدق إسأل رئيس لجنة القضاء على الأحزاب اللي هو برده وسبحان الله قدر وما شاء فعل، أمين عام الاتحاد الاشتراكي قصدي الحزب الأوتوقراطي. وبعدين الديمقراطية دي أصلاً لا هي من توبنا ولا تناسبنا، بذمتك عمرك شفت أي فرعون أو حتى والي من المماليك عامل انتخابات ولا أحزاب ولا غيره؟ يا راجل فضها سيرة بأه وعيب عليك التشبه بالفرنجة وبدعهم، وانت عارف، كل بدعة ضلالة وربنا يكفيك شر الفكر. وبعدين حكم شعب إيه اللي انت عايزة. دا الشعب جاهل وأمي وكمان ما تهموش الأمور دي. والنبي تفضها سيرة.

إقامة عدالة اجتماعية؟ بلاش دي عشان جسمي بيقشعر كل ما افتكر الشاب المسكين المتفوق أول دفعته اللي حرق نفسه بجاز في الشارع عشان رفضوا تعيينه لانعدام العدالة الاجتماعية – قصدي اللياقة الاجتماعية.

*******

من 57 سنة، قامت الثورة، وحطت 6 أهداف، لكن الأهداف الستة كلها للأسف جت في مرمانا إحنا، اتهزمنا واتبهدلنا واتشتم فريقنا كمان من اللي مايسواش عالهوا، جماعة قالوا الهزيمة دي أصلها نكسة، وجماعة تانيين قالك أصل مصر مستهدفة، وشوية قالولنا الهزيمة دي قضاء وقدر، واضطرينا نقبل بقدرنا المقندل لأن مافيش قضاء، والماتش خلص على 6 – صفر لصالح الأعادي.

من 57 سنة، قامت الثورة، وقال قادتها أنهم سيعودون للثكنات ويتركون الحكم للمدنيين من رجال السياسة، لكنهم لم يعودوا قط إلى الثكنات، وبعد سنة من قيام الثورة، قال قادتها أنهم سيقيمون النظام الجمهوري، لكن الشعب أخذ يورث من يد ليد، وماتت أجيال وولدت أجيال لم ير أي منها الديمقراطية ليوم واحد، بل لم ير أي دليل مادي على قيام الجمهورية نفسها، واليوم وبعد 57 عاماً من قيام الثورة، ما هو حال الجمهورية؟ في الحقيقة، حال الجمهورية زي حال الأخبار والأهرام. كذبة كبيرة. نفاق ورياء وبروباجاندا وطنطنة فارغة من محبي عيش السرايا، أتباع النظام وقططه الأليفة. في العيد الـ 57 للثورة التي تظاهرت بإقامة الجمهورية، الظاهر لكل ذي عين إن احنا ما عندناش نافع من صنف الجمهورية غير حاجتين: شارع الجمهورية ومسرح الجمهورية.

الثلاثاء، أغسطس 05، 2008

Feudal System - State Capitalism

عزبنة الدولة

خلال الخمسين عاماً الأخيرة، تعرضت "الدولة" لحالة من "الحكمنة" ثم "العزبنة". فمنذ بداية الستينات، قررت الحكومة أن تسيطر كل أوجه الحياة في مصر، "فأممت" أو في الواقع "حكومت" أو "حكمنت" كل شيء وكل نشاط. والحكمنة تختلف تماماً عن الحوكمة. فالأخيرة تشير إلى ترسيخ مبادئ الإفصاح والشفافية وقواعد الرقابة والمساءلة، للوصول إلى الحكم الرشيد للمؤسسات. أما الحكمنة فهي مرادف للقرصنة، وتشير إلى نوع من أنواع البلطجة الحكومية المقننة والمنسوبة ظلماً إلى الأمة في تعبير "التأميم"، والأمة منها براء. وكما سنرى فالحكمنة عكس الحوكمة في كل شيء وإن اتفقت معها في بعض الحروف.

في البداية تأتي الدولة "فتلقح جثتها" على صاحب العمل أو المبادرة وتتحرش بمشروعه أو مؤسسته، ثم تجبره على "طلب" الانضمام إلى الشركة القابضة الفلانية أو القطاع الإنتاجي العلاني، وتعطيه تعويضات هزلية عن قيمة هذا "الانضمام التطوعي"، وتحوله إلى موظف في المؤسسة التي بناها، ثم تطرده بعد قليل، وفي النهاية تتركه "ليموء" في الشارع. والحكمنة كلمة جامعة مانعة، تدل على سيطرة الحكومة على حياة الناس من قبل ومن بعد، فكل حرف من حروف "الحكمنة"، يشير لحكمة بالغة أو معنى نبيل، فالحاء والكاف يدلان على احتكار الحكومة لكل نشاط، والميم تشير إلى الموت الذي أصاب الدولة من جراء ذلك، والنون تشير إلى "نبوت الفتوة" الذي هو الحكومة وبطشها، والبلطجة التي تمارسها بارتياح تام ودون أي تأنيب ضمير، فهي تمرر القوانين تحت جنح الظلام لتضفي الشرعية على تسلطها وقرصنتها، وتعطي غطاءً أخلاقياً لموظفي عموم الجباية ليردوا به على أي متظلم "أنا لا أضع هذا المال في جيبي، هو يذهب لخير البلد والخزانة العامة."

تجد الحكومة مشروعاً ناجحاً يدر على صاحبه دخلاً يكفيه شر سؤال الناس والحكومة، فتستكثر عليه أن يعيش في كرامة دون أن يحتاج التذلل للحكومة، فتأممه، أو تفرض عليه الضرائب الباهظة حتى يفلس، أو تتهمه بتوظيف الأموال ثم تخضعه للحراسة، أو تلاحقه لسداد قروض بنكية وهي "تأكل عليه" مستحقاته بالمليارات، أو تجعله هدفاً للإعدام المعنوي بتسريب الشرائط الجنسية، أو تلفيق التهم الكيدية، إلى أن تنهار أعماله، فتشعر الحكومة براحة وسعادة بالغة وترى ثمرة نجاحها في حماية الشعب من المستغلين. ولم يقتصر هذا على الأنشطة الاقتصادية، بل امتد للقطاعات الثقافية والاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها.

وعندما أممت الدولة كل شيء و"طفشت" كل صاحب مبادرة أو موهبة أو مهارة، فوجئت أن لديها مجموعة ضخمة من "الخرابات المؤسسية". ففي غياب الإحساس بالتملك تحولت الشركات والجمعيات إلى خرابات ومجمعات. لم تكمن المشكلة فقط في ضياع مفهوم التملك بمعناه القانوني، ولكن الأخطر هو اندثار الشعور بامتلاك جزء من الحلم وبعض لبنات من البناء. ومع اختفاء الفكر الإداري وروح المبادرة والإبداع، وجدت الحكومة أن حصيلة أعوام القرصنة هو أسطول ضخم من السفن "الخربانة" و"المنقورة" ومعظمها على وشك الغرق. نعم، الدفاتر المحاسبية تحتوي على "أصول" موجودة، من مبان ومكاتب وخطوط إنتاج ومخازن على الورق، ولكنها جميعاً خالية من الروح ولا تمثل "أصولاً ذات قيمة سوقية أو قدرة على أن تدر أرباحاً مستقبلية" بالمفهوم الاقتصادي.

ومع هذا الخراب، وجدت الدولة نفسها في وضع فريد. فلديها كيان ضخم، ولكنه "مخوخ" من الداخل، لا يوجد من يديره أو يتحمل مسئوليته، فعهدت بهذه المهمة لمجموعة من المحاسيب وأهل الثقة، سواء من ضباط "الحركة" المباركة أو زملائهم أو تلاميذهم أو من يدينون لهم بالولاء، وفيما بعد اعتمدت على رجال "التنظيم الطليعي"، ثم أعضاء لجان حزب الحاكم الأوفياء والملتزمين بقانون الصمت "الأومرتا"، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ولأن تلك المؤسسات والمصالح أصبحت خرابات جرداء، ذبل الزرع فيها وجف الضرع وتبخر الماء، فقد عجزت الحكومة أن تعطي المقابل أو الراتب "المناسب" للقائمين على تلك المصالح أو العاملين فيها، فوقع بينهما تراض تمخض عن اتفاق غير مكتوب، هو عبارة عن امتياز وترخيص بالاستغلال، استغلال المواطنين طبعاً وسرقتهم و"تقليبهم"، وفرض العمولات الفاحشة والإتاوات والرشاوى الباهظة عليهم إن هم أرادوا التعامل مع المؤسسة أو التعاقد معها بيعاً أو شراءً أو استئجاراً أو توريداً من أي نوع، هذا بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية.

أما الهيئات الحكومية المتحكمة في شئون البلاد وحياة العباد، والمسئولة عن الترخيص لأي نشاط، سواء عقاري أو تجاري أو صناعي، أو حتى تراخيص القيادة والسيارات وتراخيص التصدير أو الاستيراد، أو التحرك أو السفر أو التصريح لأي نشاط من أي نوع، فحدث ولا حرج عن المشارط والأمواس والأدراج نصف المفتوحة، والإتاوات والسرقة بالإكراه وتحت تهديد سلاح "توقيف الحال"، والذي تفضلت الحكومات المتعاقبة مشكورة بوضعه في أيدي هؤلاء الموظفين العموميين عن طريق طبقات ورقع متتالية من القوانين واللوائح التي تمنع وتجرم كل شيء، وتجعل الالتزام بالقانون أمراً شبه مستحيل حتى في أي نشاط بسيط وطبيعي. وبين تلك الطبقات والرقع، تأتي بعناية الثغرات والحفر، والبثور والدمامل والبؤر، التي تتيح للموظف العام أن "يمشي الحال" بعد توقيفه. ولكي "يمشي الحال" مرة أخرى فهو يحتاج إلى تشجيع كبير، وتصفيق وزق وشاي وسجائر، فضلاً عن حافز مادي ضروري لتسليك الطرق الواقفة، وفك العكوسات والأعمال الشريرة، ويعمل بمثابة "المشاية" أو "العصاية" التي يتعكز عليها هذا الحال هو والسيد المسئول.

وهكذا سار الأمر، فمع كل شهر يحصل فيه الموظف على راتب هزلي لا يتناسب مع ظروف الحياة، يتسلم مع إذن القبض تصريحاً ضمنياً يسمح له باستكمال دخله عن طريق الرشوة. ثم صدرت فتوى شرعية تحلل تقديم الرشوة في ظروف معينة، وأصبح الأمر "عال العال".

أعطت الحكومة لعمالها ترخيصاً ضمنياً غير مكتوب بالاستغلال، ينص على أنه "يحق لكل مسئول استخدام سلطته العمومية لاستكمال دخله الحكومي الهزيل عن طريق استغلال الشعب وفرض الإكراميات والرشاوى والإتاوات عليه، وهذا الترخيص لن يعترف به في حالة ضبط الموظف متلبساً، وسوف تنكر الحكومة أي وجود لهذا الترخيص في تلك الحالة."

ولشرح مفهوم "العزبنة"، فقد قسمت الحكومة الدولة إلى مجموعة من العزب والإقطاعيات، ومنحت كل واحد من كبار الموظفين صكاً بملكية إحدى تلك العزب أو بإدارة إحدى تلك الإقطاعيات مع تمتعه بحق الانتفاع. وينص الصك على أنه "يحق لكل مدير مصلحة أن يستخدم المصلحة وأصولها من أجهزة وسيارات حكومية ومصايف وخلافه في أغراضه الشخصية والعائلية، كما يمكن له استخدام مرءوسيه في أعمال التنظيف وشراء لوازم البيت والطهي ورعاية الأطفال وإعطاء مجموعات التقوية لهم. ويمكن التجديد للمسئول حتى يبقى في موقعه بدون حق أقصى والأعمار بيد الله، ويمكن للمدير أن يورث إدارة الشركة أو المصلحة لأولاده، بشرط أن يتجاوزوا سن الثلاثين، وأن يأتي التوريث من خلال ثني ولي القواعد الإدارية، ويمكن في حالات الضرورة القصوى اللجوء لتكسير تلك القواعد في الخفاء وبشرط عدم إحداث ضجيج أو رذاذ أو رائحة كريهة. والحكومة تشجع قيام سوق مقايضة لتبادل المناصب والخدمات بين كبار الموظفين، للأخذ في الاعتبار تباين مؤهلات الأبناء الأحباء وميولهم، وتنوع احتياجات الأقارب وأهل "المدام" لدى المصالح الحكومية المختلفة، مما يحتاج لتعاون المسئولين عنها تحقيقاً للمصلحة المشتركة. كما يحق للمسئول أن يستعين بأولاده في التصدي للمسئولية العامة عن طريق تشجيعهم على مساعدته في العمل، بأن يشرعوا في تكوين الشركات التي تقوم بالتوريد للمصلحة عن طريق الأمر المباشر ودون حد أقصى للقيمة. وفي حالات سوء الحظ قد يتعرض المسئول للملاحقة القانونية إذا قامت حملة إعلامية ضده لفترة تزيد عن 3 أسابيع من النشر المتوالي في الصحف، وهنا سوف تنكر الحكومة أي وجود لهذا الصك، ومع ذلك، فسوف يلقى كبش الفداء كل رعاية في سجون الخمسة نجوم."

ومع انتشار الحكمنة و العزبنة، لم يجد الشعب المسكين أمامه سوى "الحسبنة". حسبنا الله ونعم الوكيل.

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook