السبت، سبتمبر 15، 2012

مصر 2030 «1» - التحرير



رؤية مصرية
مـصـر 2030 (1)

وائل نوارة



في يناير عام 2000، بدأنا ومجموعة من الزملاء في صياغة رؤية 2020 لمصر. وكان منطلق تلك الرؤية أن مصر غنية، ولكنها غنية بثروات مهدرة، وأن السبب الرئيسي في هذا الإهدار وما نتج عنه من فقر وتخلف كنا نعاني منه وقتها – وإلى الآن – هو غياب الرؤية، وبالتالي عدم وجود إرادة مجتمعية لتحقيق تلك الرؤية – الغائبة – وغياب الإدارة الرشيدة التي تستطيع أن تأخذنا من الوضع الذي نحن فيه للوضع المأمول – نتيجة لأننا ليس لدينا فكرة واضحة عن المكان الذي نريد أن نصل إليه – بل أكاد اقول أننا لا نعلم بالتحديد أين نقف الآن – ليس فقط نتيجة لغياب الإحصائيات والمعلومات الدقيقة، واعتذار المؤشرات والتحليلات الملهمة، لكن أيضاً وهو الأهم، نتيجة لحالة من التوهان الحضاري تجعلنا لا نعلم من نحن.

عندما تقابل درويشاً مذهولاً في طريقك، ربما لا تلتفت إليه كثيراً، لكن بالتنقيب وراء ذلك الشخص الذاهل عن الواقع، قد تكون هناك أسرة كريمة ذات حسب ونسب، وأم ملتاعة دامعة، وأبناء مشتاقين لرجوع أبيهم، ومكانة محترمة وعلم راسخ ومهارات فريدة، وثروة صنعها فيما مضى من الزمان حين كان بكامل وعيه. أي رفعة وسمو ورقي غابر، تشهد عليهم المعابد والقصور التي شيدها، والأهرامات والمقابر التي سجل فيها حضارته وتقدم أجداده، نقوش وتماثيل وتقاويم ومسلات وصروح مشيدة، وتطبيب وهندسة ومعمار وشبكات ري ممهدة، كل هذه الأشياء لا يمكن إنكارها، فما الذي حدث لذلك الدرويش الطيب، وكيف فقد وعيه وذاكرته فهام على وجهه تائها بين الأمم؟ كيف فقد الذاكرة، أم أن الذاكرة موجودة – بل محفورة على تلك الجدران التي يتطلع إليها أحياناً، لكنه لا يعلم إن كانت تخصه أم هو من الغرباء الذين وفدوا حديثا مع من وفد على تلك الأرض الطيبة؟ ينظر ذاهلاً إلى جدران تلك الصروح العظيمة، ويتلقف شاكراً دراهم وحسنات الزوار القادمين من بعيد في خضم كرم انبهارهم بعظمة أجداده، ويسرع ليشتري رغيفا مستورداً يقيم به أوده بعد طول جوع مقيم.

قال الواعظ أنه كان رجل سوء في غابر الزمان، وأن أجداده كانوا كفاراً ظالمين، وأن الله قد من عليه بالنسيان، حتى يتخلص من تلك الذنوب القديمة، وعليه أن يبتعد عن كل ما يذكره بهويته الأولى، حتى لا يلحق به غضب الإله المنتقم الجبار. وهكذا ومع مرور الزمن تآكلت تدريجياً خيوط الحبل الذي ربطه بهويته الحقيقية خيطاً بعد خيط، حتى أصبح اليوم كما تراه، درويشاً هائما على وجهه مشعث اللحية أسود الجبهة، يتعيش على صدقات المحسنين، وربما تذكر بعض المارة سابق فضله وتوقفوا عنده يحاولون أن ينتشلوه من عثرته المؤقتة، فيستقبلهم ببشاشته المعهودة التي تعيد لهم الأمل في شفائه وإنقاذه، وما يلبث أن يبدأ في الهوس بترديد حديث الكهان وأسلافهم الماكرين، وتهديداتهم لكل من يخالفهم بأنه موصوم بالكفر مدان، وعليه سيحل الغضب المقيم، ويزيد على ذلك فيشرع في الهذيان المحموم، وتنتابه حالة من الصرع ورجفات لا إرادية عنيفة تؤذي القريبين، فيهز الأصدقاء القدامى رأسهم ويبتعدون آسفين، يائسين من شفاء الدرويش المسكين.

لابد أن نبدأ إذن بالاستيقاظ من غيبوبتنا الحضارية، ونعلم جيداً من نحن، ونعترف بأصولنا كلها على تنوعها، حتى نستطيع أن نعرف أين نقف، وما هي منابعنا الثقافية، حتى نرى النهر الحضاري الذي نستطيع أن نبحر فيه لآفاق المستقبل. يلي ذلك أن نعلم، أن مصر قدرها أن تكون رائدة وقائدة لحيها، ولا يستقيم ذلك مع أن تكون تابعة لجزيرة أو إمارة أو طائفة أو جماعة، وأن تلك القيادة لا تتحقق إلا من خلال التصرف والتعامل بشخصيتنا الحقيقية، وفقاً لقيمنا الحضارية الأصيلة، التي قد لا يرضاها كهان الغبرة. ثم نبحث في مصادر ثروتنا وتفردنا. فنجد أولاً أن مصر موقعها العبقري يضعها في سرة العالم، وكأنها ميدان التحرير نفسه من القاهرة، تتلاقى في رحابها مسالك الشرق والغرب، ودروب الشمال والجنوب، وندرك أنه كما للموقع مزاياه المادية واللوجيستية، فهو يأتي مع تحدياته الحضارية، ويفرض التزامات أخلاقية وسلوكية، تجسدها الشخصية المصرية الأصيلة، في تسامحها وجنوحها للسلام والصداقة والانفتاح على كل عابر، بثقة الشجرة المتجذرة الأصيلة الراسخة التي لا يضيرها أن يستظل العابرون بأوراقها، وفي نفس الوقت امتلاك القوة الفائقة على محاورها المختلفة، التي تتناسب مع الأهمية الاستراتيجية الفائقة أيضاً لذلك الموقع. وعندما نقول القوة، فنحن نعني القوة الحامية الرادعة، التي تتوازن فيها القدرة العسكرية الدفاعية، مع مكونات القوة الناعمة - من مصالح مغزولة جيداً بضفائر اقتصادية وسياسية وثقافية وروحية واجتماعية مع الأمم والقوى الإقليمية والدولية، وإعلام مبدع مؤثر، يبث جوهر وروح الحضارة المصرية ويكتسب المؤيدين والأصدقاء بل والعشاق لمصر التي تستحق العشق، وأزهر يعود كمنارة لنشر الرؤية المصرية للإسلام الوسطي السمح الذي أحبه العالم، وكنيسة مصرية رائدة تشع الحب والإخاء، وجامعات وشركات ومنظمات أهلية، والمصريين أنفسهم الذين يساهمون في بناء الحضارة في الدول التي تستضيفهم، ويعملون كسفراء يقدمون المثل في تحضرهم عن مصر وحضارتها وشعبها، ويتوازن هذا كله مع علاقات دبلوماسية واتفاقيات سياسية واقتصادية تجسد الصداقة والمصالح المشتركة بيننا وبين العالم كله. لا تسلني أين كل هذا من اقتحام السفارات وخطاب التكفير والكراهية، بل سل الكهان الذين أتى من قبل ذكرهم. الخطوات التالية، هي تحديد باقي مميزاتنا الحضارية، وكيف نصنع حواراً مجتمعياً، تتمخض عنه الرؤية المأمولة، بحيث تخرج من رحم الأمة المصرية، لتحظى بالتوافق اللازم، وهذا حديث نتمنى أن نستكمله - نحن وغيرنا - في لقاءات قادمة بإذن الله.


الخميس، سبتمبر 13، 2012

الحلقة المفرغة



لماذا رفضت أمريكا قيام البنك الدولي بتمويل السد العالي وناصبت عبد الناصر العداء؟

لماذا دعمت الرجعيات العربية على حساب النظم التقدمية ودفعتها دفعا للارتماء في أحضان السوفييت؟

لماذا دعمت أمريكا الإخوان وأجبرت المجلس العسكري على خريطة طريق تسلم الحكم للرجعيين في مصر؟

لماذا دعمت أمريكا بن لادن والوهابيين والتكفيريين؟

دورة متكررة ... 

كالعادة - تتحالف الولايات المتحدة مع الرجعيين لضمان ضعف العرب والسيطرة على أسعار النفط - فتدفع الثمن غالياً من دماء أبنائها على يد من دعمتهم

وتأتي الاعتداءات على المصالح الأمريكية لتكتمل الحلقة - فتتدخل الولايات المتحدة عسكريا وتدور الآلة الحربية وتنتعش صناعة السلاح - وتزداد سيطرة الولايات المتحدة على منابع البترول والمنطقة


بينما يستمر المنافقون في حديث رباعي الأوجه: حديث غير رسمي بالعربية يهيج مشاعر العامة ضد الأجانب - وحديث بالانجليزية يشر تسامح

وحديث في الغرف المغلقة يبيع ثوابت الأمة لأعدائها - وأضغاث أحلام في مكتب الإمام ... عن خطة لغزو العالم



الثلاثاء، سبتمبر 11، 2012

السبت، سبتمبر 08، 2012

السيادة لصاحب الدكان - التحرير

الدستور.. السيادة لصاحب الدكان - التحرير

رؤية مصرية
الدستور: السيادة لصاحب الدكان

وائل نوارة

تـعـمـل اللجـنة التأسيسية لوضع الـدسـتـور المصري منذ أسابيع وتجتهد بلا شك في وضع دستور يليق بمصر التي ولدت من جديد – أو يفترض أنها ولدت من جديد – بعد ثورة 25 يناير. ولكن أحياناً تصلنا تسريبات وأخبار مزعجة عن صياغات مواد بعينها، وإصرار فريق أو جماعة على وضع "أحكام" مشددة هنا، أو تعبيرات "شورية" هناك، أو تغيير من يملك "السيادة" ونزع ملكيتها من الشعب الغاصب لتصبح السيادة لله، رغم أن المولى عز وجل لا ينتظر بالتأكيد اعتراف اللجنة بسيادته على الكون الذي خلقه. نسمع هذا وغيره من  أنباء وربما إشاعات لا ندرك إن كانت حقيقية، أو مجرد خواطر أو أضغاث أحلام، أطلقها البعض كريح طيبة أو خبيثة في بعض اجتماعات اللجان، ولا ترقى لتشكل اتجاها يتبناه تيار مؤثر داخل الهيئة التأسيسية، أو ربما بالونات اختبار يريد البعض أن يقيس بها حجم المعارضة المجتمعية، لتوجهات وهابية إقصائية متصحرة، وهل الناس منتبهة لها - أم يمكن أن تمر تحت جنح الظلام، رغم أن الهدف لا يجب أن يكون سرقة الدستور تحت جنح الظلام، "والمصريين مش واخدين بالهم" ومشغولين بمصاعب الحياة اليومية المعتادة.

 

عبارة "السيادة للشعب" هي توثيق لضمانة ومرجعية أمام كل حاكم أو حكومة - إخوانية كانت أم ليبرالية، سلفية أم تقدمية – توضح أن صاحب الدكان هو الشعب، وأن الرئيس والمحافظ والحكومة وكل موظفي العموم هم خدام يعملون في الدكان، وعليهم القيام على تحقيق مصالح صاحب الدكان وأولاده، فإن زاغت أعينهم أو قصروا، استبدلهم بغيرهم. والشعب يمارس هذه السيادة ويوظف مدير الدكان والعاملين فيه من خلال الانتخابات، كل مدير يعلن عن برنامجه لتحسين أوضاع الدكان، والارتقاء بالخدمات فيه، وتعظيم موارده، وتقليل نسبة المصروفات للإيرادات الكلية، حتى يستمتع أبناء صاحب الدكان بريعه، وهكذا، وليس لهم مثلاً أن يفرضوا على أصحاب الدكان طريقة حياة تختلف عما ألفوه، أو أزياء أو عادات بعيدة عما اعتادوه. باختصار، الشعب – صاحب الدكان – يريد توظيف حكومة خادمة - وليست مربية.

 

ما معني أن يتضمن الدستور المصري عبارة مثل "السيادة لله" – بدلاً من "السيادة للشعب"؟ هل يريد المشرع أن يقول أن الله يملك الدكان مثلاً؟ هذا أكيد ولا يحتاج لأي مادة في الدستور – لأن الله في علاه يملك الأرض والسماء وما بينهما، ولكن في عقود التمليك والتوظيف والإيجار، نجد أن هناك تحديداً واضحاً للمالك الآدمي الأرضي – في هذه الحالة الشعب – رغم أننا جميعا نعرف ونقر أن الملك لله، فما بال أعضاء اللجنة يتهربون من إعطاء الحقوق لأصحابها، بحجة أن الملك لله؟ الملك لله في كل شيء، لكن الله سبحانه استخلف الإنسان على الأرض، وأمر أن تُــؤدَى الحقوق لأصحابها، فلماذا يماري هذا العضو أو ذاك، ويتعللون بالله ليمنعوا الحقوق عن أصحابها، ويخدعوا صاحب الدكان وأولاده في العقد الدستوري، فلا يقرون صراحة أن مالك الدكان هو الشعب؟ الشعب كما قلنا يمارس سيادته وملكيته للدكان من خلال تعيين الرئيس والحكومة والمشرعين، عبر الانتخابات، أما عندما نقول السيادة لله، فهل يقصد العضو أن الله سيمارس هذه السيادة من خلال العضو مثلاً، باعتباره شيخاً بلحية عظيمة، يحتكر من خلالها صلته بالله مثلاً، فيتهرب من أداء حقوق صاحب الدكان، بحجة أن الله يقول كذا وكذا، وعلينا أن نستمع له هو وجماعته، العالمة ببواطن التفاسير والمتون الصفراء، التي تحمل في تلافيفها - من وجهة نظرهم - تعليمات الله في كيفية التصرف في أمور الدكان؟ وكيف يستقيم هذا مع حديث رسول الله، وهو الموحَى إليه ورغم ذلك يقول "أنتم أعلم بشئون دنياكم"؟  وكيف يستوي هذا مع قول الله جل وعلى "ليست عليهم بمسيطر"!

 

قد يظن المرء - وإن بعض الظن إثم – أن العضو هداه الله وهدانا، يحاول أن ينصب على صاحب الدكان – وهو الشعب، مثل أي دجال في الكفور والنجوع، يتستر وراء دخان البخور وهمهمات وطلاسم الشعوذة، ويشتري بآيات الله ثمنا قليلاً، ينصب باسم الله وتحت راية الدين، والله منه براء، والدين من دجله وأفعاله وفضائحه القبيحة يشكو ويستغيث - لو أنصتنا وفهمنا. الدجال يحاول أن يختلس ملكية المحل متراً مربعاً بعد متر، بحجة أن الله أمره بهذا، وأن التقرب لله يستوجب أن نغير العقد، وبدلاً من أن ينص على أن الملكية لصاحب المحل، نعطيها لله، وبالطبع نضع مادة أخرى في العقد تمنع أي شخص من التحدث باسم الله، إلا العضو وجماعته وفئته، بحجة أن هذه الأمور لا يفهما صاحب المحل ولا أولاده أو غيرهم. ثم نضع مادة ثانية، تقضي بجلد ورجم وصلب صاحب المحل وأولاده، بل وتقطيع أطرافهم من خلاف، إن هم أساءوا الأدب، وطالبوا بحقوقهم، التي يقوم عليها العضو الجليل وجماعته، التي تنشغل حالياً بالإمساك بمفاتيح الدكان ودفاتره ومخازنه وأركانه ومحافظاته ووزاراته.

 

قد يظن العضو – وبعض المظان مهلكة – أن صاحب الدكان جاهل فقير لا حول له ولا قوة، وأن هذه الشعوذة ستنطلي عليه. صاحب الدكان يؤمن بالله، ويحب كتابه ونبييه وآلهم واصحابهم، ويحسن الظن مبدئياً بكل متحدث أو عضو أو جماعة، لكن صاحب الدكان ليس بعبيط أو درويش، ويستطيع أن يكشف ألاعيب الدجالين والمشعوذين، مهما كان حجم سحابات البخور والدخان التي يطلقها النصابون، لتعمى الأبصار عما يدبره المشعوذون، أو تخفي ما يحيكه الدجالون. ويخلق ما لا تعلمون.


التحرير: الدستور.. السيادة لصاحب الدكان http://t.co/wLJGn9ya

‏"@Tahrir_News:

التحرير:


الدستور.. السيادة لصاحب الدكان



http://t.co/wLJGn9ya"



Sent using BlackBerry® from mobinil

الثلاثاء، سبتمبر 04، 2012

للمهتمين بالوضع الدستوري "للرئيس" مرسي الآن - راجع هذا المقال http://t.co/spdVN2fR

أرجو مراجعة ضمانات المرحلة الانتقالية في هذا المقال والتي بدأ مرسي يخرق كل ضمانة منها

http://t.co/spdVN2fR

للتذكرة مرسي الآن ليس رئيسا منتخبا - بل راعيا للمرحلة الانتقالية

اتمنى ان يقوم من حول مرسي بتنبيهه لوضعه الحساس الذي يضع عليه مسئوليات غير عادية ويتطلب منه قدر عال من الحياد في التعامل مع إلاخوان والتيار الإسلامي الذي ينتمي اليه


Sent using BlackBerry® from mobinil

الوضع الدستوري "للرئيس" محمد مرسي - لا تكن كمن يحاول احراز الأهداف اثناء تخطيط الملعب

‏أذكر "الرئيس" مرسي أنه بانقلابه على الإطار الدستوري الذي أقسم عليه فهو الآن ليس رئيس جمهورية منتخب - بل راع للمرحلة الانتقالية


‏ولا يصح ان يتعامل كرئيس عادي فيضع مثلا قيادات حزبه في موقع السيطرة على مفاتيح السلطة


تمكين أحد المنافسين من السيطرة على مقاليد السلطة في البلاد في وقت وضع الدستور ورسم أسس وقواعد اللعبة السياسية القادمة - ويفسد تكافؤ الفرص في الجولة الأولى من المنافسة السياسية



للحفاظ على وضعك كراع أمين ونزيه للعملية السياسية ابتعد عن أسلوب ترسيخ حكم إلاخوان وأبحث عن التكنوقراط أو تنوع يشمل كل الاطياف


ولا تكن
كمن يحاول احراز الأهداف اثناء تخطيط الملعب


Sent using BlackBerry® from mobinil

السبت، سبتمبر 01، 2012

الحق فى الجمال - التحرير

الحق فى الجمال - التحرير



الحق في الجمال
وائل نوارة


مدينون للجمال باعتذار، وإعادة الاعتبار. فطر الله الروح تتغذى على الحب والجمال. وعندما نزيح الجمال جانباً ليصبح القبح هو الخيار الوحيد للوجود المادي، يتدهور البقاء المادي  نفسه تدريجيا حتى تفنى الأمة أو تكاد. لأن الأمم تبنى على الروح الإنسانية. ونحن الآن نكتب دستور الأمة المصرية: هل هناك فعلاً ما يسمى بالحق في الجمال؟ والحق في الحق؟ والحق في الحلم والكرامة والإنسانية؟ ماذا عن الحق في الأهمية؟ أن كل شخص -بل كل حياة- مهمة في ذاتها، ويجب أن نحتفل بوجودها؟

الجمال قيمة رئيسية في منظومة "ماعت" التي شكلت الأساس الثقافي والأخلاقي للتوازن والبقاء في الحضارة المصرية القديمة. نجد هذا واضحاً في عمارة المعابد، واللوحات الجدارية والتماثيل التي احتفلت بالجمال في الإنسان والنيل والزرع والطبيعة. في الرجل والمرأة والحيوان والنبات والأرض والنهر العظيم. إذن،  كيف اختفت هذه القيمة من حياتنا، وصار القبح شعاراً لوجودنا – يعلن عن نفسه في كل مناسبة وبدون مناسبة، في الكتل الخرسانية القبيحة، في العشوائيات المتغلغلة في كل شيء في حياتنا، في قبح لغوي ولفظي وابتذال أدبي وعاطفي؟ في اختفاء المساحات الخضراء والاعتبارات الجمالية تحت مبررات اقتصادية وسياسية عديدة. أين إعادة الاعتبار للجمال في مشروع النهضة أو في أي مشروع سياسي أو اقتصادي آخر؟ وهل يمكن أن نبني نهضة على القبح والأرف المخفي والمعلن؟

لقد تعرض الجمال لعدوان من الجميع. دعاة الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، على ما يبدو رأوا أن الجمال والأناقة ترفا برجوازيا لا يخص الفقراء، فشيدوا مجمعات المساكن "العمالية" على نموذج واحد، الصندوق أو الكفن الخرساني الشهير باسم نموذج 6 – عبارة عن متوازي مستطيلات ترابي اللون، قبيح تنشع المجاري من جنباته لتعطي لكل مار صورة متكاملة عن  حياة قاطنيه، باعتبار أن ليس لهم الحق في الجمال، رغم أن العدالة الاجتماعية يجب أن تكون عدالة في توزيع وانتشار الجمال ليستمتع به الجميع – وليس في انتشار القبح والدمامة والوساخة والعطانة وتوزيعها إجبارياً ليعاني كل مواطن ويكتئب.

المتأسلمين والمتاجرين بالدين، رأوا في الجمال والفن وسواس الخطيئة، وملهاة عن ذكر الله، فاجتهدوا في إخفاء الجمال وتقبيح الوجود والوجوه والأزياء والأرواح شكلاً وموضوعاً، باعتبار أن الزهد يظهر في القبح، وعلامات الصلاح لابد أن تظهر في اللحية المشعثة والجبين المكفهر، وطاردوا الفن والفنانين والأدباء والمبدعين وكفروهم أجمعين، واحتفوا بعذاب القبر والثعبان الأقرع باعتباره رمزاً لحكمهم الأغبر، وبالكتب الصفراء التي تتحدث عن أهوال يوم يبعثون، رغم أن الله جميل يحب الجمال، وفي الكون آياته التي تهدينا لحكمته في كمال صنعه، وجمال الطبيعة التي خلقها لنا بروعة، ترشدنا لوجوده وكماله، تعالى عما يصفون.

الرأسماليين أيضاً ابتذلوا الجمال كسلعة، ووظفوه فقط للربح. عندما لا يكون هناك ربح فيه – لا داعي لتحمل تكلفة الجمال. تجد هذه الرؤية القاصرة مثلاً في بعض الفنادق والشركات: الأماكن التي يراها العملاء جميلة منمقة، والمناطق التي يعمل فيها الموظفون قبيحة وسقيمة الذوق. الجمال في حد ذاته ليس قيمة إنسانية بالنسبة لهم، بل يكتسب قيمته المادية فقط إذا كان يمكن استخدامه في زيادة المبيعات والأرباح!

المتاجرين بآلام الكادحين، أعلنوا أن التفرد والمساحة الفردية والملكية الفردية هي محاولة بورجوازية آثمة لتميز المترفين الفاسدين، عن العاملين الكادحين – رغم أن العمل الذي يخلو من الجمال، ضعيف أو معدوم القيمة، ولا يوفر للكادحين سوى الكفاف، ويحاصرهم في وجود هامشي قبيح. وبالتالي لا عجب أن تجتهد الدولة بكل أجهزتها في نشر القبح والترويج له، سواء في المدارس أو الكتب القبيحة الخالية من أي مسحة من موهبة أدبية أو فنية، أو في المباني الحكومية المؤذية للعين والروح، أو وسائل الإعلام المملوكة للدولة التي تجتهد في نشر القبح والابتذال والسماجة وانعدام الموهبة كدين جديد.


حجة الدولة أن الجمال مكلف ولا نحتمل نفقاته، رغم أن الجمال تكلفته الرئيسية في التأمل والتصميم والخيال والتفكير قليلاً قبل التنفيذ، لأن التنفيذ هو الذي يمثل التكلفة الرئيسية، ورغم أن انتشار الجمال يحسن من صورة الدولة ومن القيمة المضافة والقدرة التنافسية لها ككل.

البعض فسر مقال : "متحرشون حركة احتجاجية أبيحة" بأنني أرجع مشكلة التحرش للأزمة الاقتصادية - رغم أن المقال بأكمله يتحدث في الأساس عن مشكلة في الثقافة والقيم ... وهي تفشي القبح والنفاق والتدين المظهري -- على حساب الجمال والمساحة الفردية.  إذا كانت المشكلة هي القبح والنفاق والمظهرية على مستوى المجتمع- واغتيال المساحة الفردية على مستوى الفرد - فما هي الحلول؟

قد تكون في إعادة الاعتبار للجمال كقيمة معنوية ومادية أيضاً - على المستوى الثقافي والقانوني والتنظيمي -- الإعلامي والتعليمي ... بمعنى ... هل الكتب التعليمية تهتم بالجمال والأناقة كقيمة في المناهج - أو كمعيار لتصميم الكتاب نفسه؟ هل القواعد التي تنظم التخطيط العمراني والبناء في مختلف الأحياء السكنية تراعي الاعتبارات الجمالية والمساحات الخضراء والجمال الكلي؟ وعندما نتحدث عن الاعتبارات الاقتصادية - فنضحي بالجمال مثلاً بحجة تخفيض التكلفة – يجب أن ننظر للناحية المقابلة، وندرك أن الجمال والتصميم والإبداع يحمل في طياته جل القيمة الاقتصادية، ولا يمكن أن نتقدم اقتصاديا دون تنمية الحس بالذوق والجمال والإبداع في كل منتج أو خدمة أو كيان اقتصادي، ونضع لهذا الحلول الثقافية والتوعوية وأيضاً التشريعية – لضمان الجمال الكلي والجزئي. أما دعاة التدين المظهري، الناشطين في محاربة الجمال والفن والإبداع، وتحريمه على الناس، مع الترويج للقبح والوجود المكفهر المشعث كدليل على الصلاح، فلابد من معالجتهم من داخل المؤسسة الدينية نفسها، من خلال مفكرين ودعاة حقيقيين، مؤمنين بجمال الله وكماله، وبأن قدرته وآياته تتجلى في جمال الكون والوجود، وأن الإبداعات الإنسانية ما هي إلا قبس بسيط يحاول أن يحاكي الجمال الرباني في الطبيعة.

مشكلتنا ليست مشكلة اقتصادية -- بل أن المشكلة الاقتصادية هي أحد أعراض المشكلة – مشكلتنا ثقافية في الأساس -- وبالتالي حلها ثقافي – وبدايته هو استعادة التوازن في منظومة القيم المصرية الأصيلة، بعيداً عن الانحرافات الوهابية القبيحة، وربما تكون بداية عودة الروح تكمن في الإصرار على هذا الحق الإنساني المصري الأصيل: الحق في الجمال.


My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook