Saturday, February 25, 2023

علي بابا والاربعـين حرامي – مشهد ما بعـد النهاية

وائل نوارة

في عصور ما قبل التاريخ المكتوب، ولدت القصص والحكاوي، وظهر القصاص والراوي، ولاحظ الرواة أن أحدهم كان دائما ما يعود لمنزله محملاً بأفخاد الغزلان بينما الباقون يحصلون على الفروة والحوافر، وربما الرأس بعد نزع اللسان في أفضل الحالات، فحاروا في سر غريمهم المحظوظ، وقرروا أن يقوموا بإجراء أول بحث تسويقي في التاريخ لدراسة المنافسين. اختبأ أحدهم وراء الصخور بجوار تجويف يكشف ما بداخل كهف زعيم القبيلة، وراقب ما يحدث. الحكايات عادية جداً، لكنه لاحظ أن زوجات زعيم القبيلة الأربعة وأولادهن العشرين، يجلسون على الأرض مأخوذين بل مسحورين، بينما يتربع صاحبنا الراوي المحظوظ على صخرة أمامهم، ويتمايل وهو يحكي الروايات المليئة بالمغامرات الخطيرة في مواجهة الوحوش الضارية، ويتمهل وهو يصف الموقف المرعب حينما تحيط الأسود والنمور السائمة، بالفتاة الجميلة النائمة، وتستعد لالتهامها، ويسكت قليلاً ثم يزعق فجأة فيرتجف المستمعون خوفاً من أن تكون صرخته صدى لصرخة الفتاة عندما تهجم عليها الوحوش المفترسة، لكن هيهات، فالصيحة الحيوانية هي للبطل الزعيم، يلقي من خلالها الرعب في قلوب أشرس الوحوش، في ظهور مفاجئ في اللحظة الأخيرة، حيث يطير الزعيم المنقذ فوق رءوس الوحوش متعلقاً بإحدى يديه بأغصان الأشجار، بينما تلتقط ذراعه الأخرى الفتاة الجميلة لينقذها، ويقفز بها في النهر العميق ويعود بها للقرية، فتفتن به وتقع أسيرة لحبه، ويصر أهلها على تزويجها له، حيث يعيشان منذ تلك اللحظة معا وإلى ما شاء الله في سعادة مقيمة، وينجبان الأطفال الأصحاء الذين يصبح كل منهم زعيماً لقبيلة ضخمة! وما أن يسدل الراوي ستار النهاية، حتى تنتفض المستمعات والمستمعين في نشوة وجذل، وتصفق الفتيات بأيديهن الصغيرة في فرح، ويطالبن بالمزيد، بينما تنهال الخيرات على الراوي من زوجات الزعيم. هكذا اكتشف الرواة أن الزبون يحب النهايات السعيدة، رغم أن النهايات في العادة حزينة بطبيعة الحياة المتقلبة، لكن المستمع دائماً على حق، وفخذة الغزالة غالباً أطيب من لحم الرأس.

لكن، ماذا حدث في الواقع بعد مشهد النهاية؟ النهاية السعيدة ما هي إلا مشهد مؤقت، ولا نعلم في الحقيقة كيف عاش الزعيم مع الفتاة الجميلة، وهل كان مثلاً بصباصاً لبنات الكهوف المجاورة، فاشتعلت غيرة الزوجة الجميلة وأطلقت عليه ثعباناً ساماً وهو نائم في الليل ليقبض روحه؟ أم تربصت به وبها الوحوش بعد ذلك الموقف المهين والتهمت أول أولادهما، فجن الزعيم لفقدان وريثه الذكر وحطم رأسها بحجر كان في متناول يده وقت أن صدمه الحادث، ثم انتبه لفعلته الشنعاء، فطفق يبكيهما معاً، وهام على وجهه في الغابات والفيافي يطلب الموت هرباً من الذكريات الدامية؟

خذ عندك مثلاً، قصة علي بابا وعصابة الأربعين حرامي، الذين عاثوا في الأرض فساداً وكونوا أول لجنة سياسات في التاريخ مهمتها تقليب أهل البلد ونهب ثرواتهم إلى أن كنزوا الذهب والفضة والمجوهرات من حصيلة السلب والنهب والقروض وتخصيص أراضي البلد السخنة والساقعة والانفراد بالأحكار المتعددة، وخزنوا ثروتهم في مغارة قريبة من النهر العظيم، لا تفتح إلا بشفرة خاصة. ولأن الراوي يحتاج لبطل نزيه ومنزه عن الطمع والشر لتكتمل الحبكة ويحصل على مكافأته من السميعة فتة بالفخذة، يصنع من علي بابا بطلاً، ويغفل مثلاً أن يذكر أن علي بابا نفسه زعيم عصابة سرية، تشفط أموال الهبات والتبرعات وصناديق رابطات الصناع والحرفيين، ويتعامى الراوي عن وصف العلاقات الممتدة، والتفاهمات والصفقات التي ميزت التعاون بين العصابة وعلي بابا وإخوانه، وأنهم حصلوا من قبل في إحدى المناسبات – مثلاً - على 88 جرة مترعة بالخيرات نظير مساعدتهم العصابة في وأد إحدى انتفاضات أهل البلد. ويشتد ظلم العصابة وطغيانها، وينجحون في إسكات كل معارض وشراء كل راوي وإفساد كل مسئول، حتى استحالت العيشة مراراً. وفي أحد الأيام كما هو متوقع، يفيض الكيل بأهل البلد، عندما يقوم أحد الزبانية بتهشيم رأس شاب من فتيان البلد دون سبب، سوى أنه تجرأ وعارض بعض التصرفات الإجرامية لأحد العسس الموالين لزعيم العصابة. يثور شباب البلد ويتوجهون نحو المغارة يوم عيد العسس، مطالبين برءوس مجرمي العصابة وزعيمهم. ويعلم علي بابا بالكارثة، فيتبرأ منها علناً، ويبعث ببعض إخوانه ليطيبوا خاطر الشباب المحتجين، متعللاً بأن وقوفه علنا معهم يفسد خطتهم، وفي نفس الوقت يبعث أسرع خيوله، برسول وكتاب مختوم فيه 10 نقاط، ينصح من خلالها زعيم العصابة بأن ينحني للموجة، ويقوم ببعض الترضيات الشكلية، لوأد الفتنة وتنفيس غضب الشباب، حتى تعود الأمور لسابق عهدها. ويرفض الزعيم العنيد اي حلول وسط، محتمياً بعصابته والعسس الموالين له، ولكن في لحظة، تنهار مقاومة العسس، ويبدأ أعوان زعيم العصابة في التساقط أو الهرب ناجين بأنفسهم، ويصبح الطريق مفتوحاً أمام الشباب لاقتحام المغارة. وفجأة يظهر علي بابا وكأن الأرض انشقت عنه، وينتشر إخوانه في الميدان، يحاولون ركوب الموجة بأي صورة. أما علي بابا، فيتمتم بأن دخول المغارة يحتاج لشفرة خاصة، أشبه بالفوازير، لكن لكل فزورة حل، والسمسم هو الحل في هذه الحالة.

وتنفتح المغارة ويدخل علي بابا وإخوانه، وينسدل ستار النهاية بينما يدخل علي بابا الكهف محمولاً على الأعناق وسط تهليل أنصاره، وتدخل بجواره الست مرجانة، ليعيشا في تبات ونبات، ويزعق إخوان علي بابا المندسين وسط الجموع بأن أحد أعوان علي بابا هو الأحق بولاية البلد، ويصرفون الشباب، ويعدونهم بأن الأمور سوف تنصلح في خلال 100 يوم، وليس عليهم سوى الانتظار والصبر الجميل.  وتنتهي الحكاية من وجهة نظر الراوي الذي لم يدخر وسعاً في تنقية القصة من أي قبائح قد تزعزع الوضع البطولي لعلي بابا وجماعته.

 

ماذا بعض مشهد النهاية؟ تقول بعض البرديات العتيقة أن علي بابا ما أن أغلق عليه أبواب المغارة، حتى حفر أرضها بسرعة واستخرج صناديق الذهب والمجوهرات المدفونة، حيث أخذ إخوانه يشاركون كل تاجر أو صانع أو قهوجي، تماماً كما كان الوضع من قبل، وبدأوا في إنشاء سلاسل لدكاكين البقالة والثياب ومستلزمات الحرائر والجواري، وجلابيب وسراويل الرجال والخصيان، ثم بدأ يضع أعوانه في كل مناصب البلد، ويمسك بمفاتيح أسوارها، وعين أحد أتباعه كبيراً للرواة حتى يسيطر على الحكايات، وأمر أن تطفأ أنوار المدينة بعد العشاء، ونشر المخابيل والمتطرفين يهاجمون الشباب وكل صاحب رأي أو نقد بالعصي والسيوف، بحجة أنهم يسيئون الأدب في حق ولاة الأمر أو يخرجون عن تقاليد السلف الصالح.

يقول البعض أن الأمور لم تختلف كثيراً أو قليلاً في عهد علي بابا عن عصر عصابة الأربعين حرامي، بينما يمجد آخرون علي بابا ويبرئونه من أي إثم، ويذكرون له فضله في إزاحة العصابة، متعللين بأن ما حصل عليه من ثروات كان للعصابة المفترية، لكن كبار السن يتذكرون يوم أن كانت هذه الأموال والأراضي والثروات ملك أهل البلد، قبل أن تنهبها العصابتين. أما علي بابا، فمطمئن بأن البلد قد دانت له ولإخوانه، ويطرب لمديح الراوي الذي اكتراه بنفسه، بل يبدأ جشعه في إغرائه بالتطلع لبسط نفوذه على البلدان والممالك والأقطار المجاورة، متناسياً ما حدث لسلفه حينما سقط وسط أعوانه وجنوده، وانمحت من ذاكرة علي بابا فورة الشباب وصحوة الشعب الذي لم يعد يطيق الظلم، متوهماً أن هذا هو المشهد الأخير.

 



من أرشيف 2012

31-10-2012

نشرت في التحرير ثم ضاع السيرفر!

رؤية مصرية

 

No comments:

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook