عـيش مضفــر بعــزة
كانت نادين في مخبزها المفضل عندما التقت عيناها صدفة بعيني سيدة ترتدي ملابس كلاسيكية تشعر فيها بروح عز قديم.
تبادلت نادين الابتسام مع السيدة في تلقائية، ثم أشارت السيدة لنادين فاقتربت منها، مالت عليها السيدة وقالت لها تقريباً في أذنها، "نفسي أوي في العيش المضفر ده"، ثم ابتعدت برأسها وقد أحمر وجهها من الخجل، وكأنها لم تصدق أنها قد امتلكت الجرأة لأن تفعل ذلك.
اشترت نادين خبز السندوتشات لمدارس الصباح وبعض المخبوزات الأخرى، ثم اشترت رغيفين من "العيش المضفر"، واحد للبيت والآخر في كيس منفصل للسيدة.
وبعد أن انتهت من الشراء، كانت السيدة بالخارج، تقف وظهرها للمخبز، تنظر للسيارات المارة، بعفوية من لا ينتظر شيئاً محدداً.
قالت لها نادين،" اتفضلي"، وناولتها الكيس، نظرت السيدة في عينيها للحظات وهي تبتسم في ود وقالت لها ببساطة "ميرسي". واستدارت لتذهب في طريقها في عزة.
*************************
تعليق
لم أشعر للحظة أن السيدة كانت في وضع ينتقص من عزتها، ربما نتيجة لخلفيتها الاجتماعية، شعرت أن هناك رباط يربطها بنادين. ولكن الرباط الأقوى والأعمق، رباط يربط الإنسان بالبحر الواسع، الذي يرمي فيه الكثير من الناس بالخير، وهم لا يتوقعون مقابلاً أو جائزة ...
إنه الخير للخير ...
وهذا الرباط في تصوري ينشأ فقط، لدى من يغذيه شخصياً بفعل الخير للخير، ومثل هؤلاء الأشخاص يعلمون داخلهم أن البحر، بحر الخير ... أو بنك الخير.
بنك الخير ... يحفظ الحسابات، ويزيد عليها، ليوم الحاجة، وبالتالي فمثل هؤلاء الأشخاص، وهم أهل خير وكرم، يستطيعون أن يشعروا بزملائهم، عملاء ومودعي بنك الخير! بينهم زمالة أخوية لا تخطئها الضمائر ولا القلوب، وهم لا يتأخرون عن مساعدة بعضهم البعض، دون تردد، وهذا ما شجع السيدة أن تطلب ما طلبته بعزة، لأنها على ما يبدو لي، سبق وأودعت الكثير في بنك الخير، وتعلم أن مثل تلك الإيداعات لا تضيع، بل تزيد وتنمو ويظهر رصيدها، في البطاقة الممغنطة داخل كل منا.
أحيانا قد ينجح البعض في أن يخدعنا، ببطاقة ممغنطة مزورة، ولكن عملاء بنك الخير يعلمون، أنهم لا يخسرون، طالما اقتنعت ضمائرهم بأهلية العطاء، حتى لو كانوا مخطئين، فإن الرصيد ينمو ويزدهر.
نعم ... السيدة لم تكن في حاجة ماسة لهذا الرغيف، ولكنها اشتهته، ومثلها لا يجب أن يحرم مما يشتهي، وليس فقط مما يحتاج، لأنه مودع كريم، وهذا البنك يحرص على أن يوسع على عملائه "ويدلعهم"، حتى في أوقات الشدة، يبعث لهم بإشارة، أو علامة، تؤكد لهم أن البنك موجود ...
وأن الفرج قريب ...