العادي أن تقوم ثورة فتذبح الطاغية وحاشيته، ولكن أن تتم محاكمتهم بكل ضمانات العدالة - هنا نقول بكل فخر أن مصر تعيد كتابة تاريخ التحضر ...
هذا دليل آخر على الذين يشككون أن الثورة المصرية هي ثورة سلمية - تعكس الطبيعة المتحضرة للشعب
يفاخر بعض من يمثلون ميلشيات الإسلاميين اليوم بأنهم قتلوا السادات وحاولوا اغتيال مبارك سبع مرات وشنوا حربا عنيفة على الدولة المصرية وقع ضحيتها مئات المدنيين من المصريين والأجانب فضلا عن رجال الشرطة
وهنا نقول ... حيث فشلت حربكم الدامية في أن تغير أي شيء بالعنف - نجح الشعب المصري في هذا التغيير التاريخي بالطرق السلمية
واليوم - لابد أن ندرك أن هذه ليست النهاية - بل نحن لازلنا في البدايات المبكرة للطريق
لا يمكننا أن نقلل من قيمة الإنجازات التاريخية التي حققتها الثورة حتى الآن
لكننا لا زلنا بين عصرين - عصر النظام السلطوي بكل مؤسساته وهياكله - التي لا زالت تتحكم في كل شيء في مصر
وعصر ما بعد الثورة التي نريد أن نبني فيه مصرنا الجديدة - بنظام ديمقراطي حقيقي - يعبر عن الشعب بكل طوائفه - لا عت أقلية ولا عن أغلبية - ليس فقط عن الأقلية من أصحاب الملايين والعصبيات القوية - أو الأغلبية من العمال والفلاحين والطبقات الأكثر فقرا - نلا نريد نظاما يعبر فقط عن التيارات الإسلامية لأن الإسلام هو دين الأغلبية - أو تقف فيه الكنيسة فوق القانون بدعوى حماية الأقلية - ... نريد نظاما يمثل الجميع والجميع فيه سواء أمام القانون - أغلبية وأقلية ...
هذه المحاكمة هي محاكمة رمزية للنظام - هدفنا منها العدالة وليس الانتقام أو التشفي - هدفنا أن يتذكر الحكام في المستقبل أن السيادة للشعب مصدر السلطات - وليست للحكام أو الحكومات ...
يسوءني أن أرى الاتهامات وقد اقتصرت على قتل المتظاهرين وبعض قضايا الفساد المالي ...
ماذا عن الخرق الممنهج للدستور؟ ماذا عن التزوير الممنهج للانتخابات؟ ماذا عن الاعتداء على استقلالية القضاء؟ عن حرية الصحافة؟ عن حرمة الحياة الخاصة؟ عن التلاعب في العملية السياسية بواسطة البوليس السياسي - مباحث أمن الدولة - الذي اخترق جميع الأحزاب والنقابات واتحادات الطلبة وأجهزة الإعلام والمصالح الحكومية والخاصة والمؤسسة الدينية؟
ماذا عن الحنث بالقسم الجمهوري الذي تحويه المادة 79 من دستور 71 الذي حكمنا به مبارك ...
عندما أرى الود والاحترام الرسمي الزائد الذي أظهره ضباط الشرطة والجيش المكلفون بحراسة المحكمة للعادلي وأنجال مبارك - أقول - لازلنا بين عصرين - بين سلطتين تتصارعان - النظام القديم - ومصر الجديدة التي لازالت بويضة في رحم الثورة
ولأننا لا زلنا في البداية ... لازال أمامنا التحديات الجسام في إقامة دولة مصرية حديثة على أسس الديمقراطية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون ... دولة متقدمة تستطيع أن تلحق بركب دول العالم الأول ... لأننا لا زلنا بين عصرين
لابد أن نستعيد روح التوحد بين جميع القوى التي شاركت في الثورة - ليبراليين ويساريين وقوميين وإسلاميين - حزبيين ومستقلين - شعبا وجيشا - ثوار ومجلس عسكري ... إيد واحدة كانت هي الوصفة السحرية التي أوصلتنا لما نحن فيه اليوم - يجب ألا ننسى ذلك -
يجب ألا نلتفت لمن يظنون أن الشطط والتطرف والانفراد بالرأي وتخوين الآخرين واتهام الشعب بالكسل والخنوع ومعاداة الجيش هو طريقنا للمستقبل ...
طريقنا كان ولا زال - إيد واحدة - وهو ما يجب أن نعمل بسرعة على استعادته - من أجل أن تنجح الثورة - وقبل كل شيء ...
من أجل مصر