ضد الدولة الإله «٢-٢» إعلان حرب علي الهوية المصرية بقلم وائل نوارة ١٥/ ١١/ ٢٠٠٧ |
أعلنت في مقال سابق اعتراضي الصريح علي تغول سلطان الدولة التي تتسربل بالغطاء الديني لتتقمص دور الإله زورا وبهتانا، فتتنامي سلطاتها بصورة شمولية علي حساب حريات مواطنيها، وقد جاء موضوع «المجلس الملي» أو «هيئة كبار علماء الدين» «صفحة ١٠» المنوط به «تطبيق الشريعة الإسلامية» الذي أعطاه البرنامج سلطات فوق- دستورية، باعتباره مجلسا يحتكر تفسير الإرادة الإلهية، بمثابة الصدمة للمراقبين، الذين رأوا في المجلس تكريسا للدولة الدينية وولاية الفقيه، إلا أن هذه الصدمة حجبت أمورا فنية جوهرية في البرنامج، وهي أمور أراها أخطر بكثير وتعد بمثابة إعلان حرب علي «الهوية المصرية» نفسها. ورغم أن البرنامج تحدث عن «دولة تقوم علي مبدأ المواطنة»، تساوي بين كل المواطنين في صفحة ١٢ و٢٦ فإن البرنامج عاد وأعلن أن «الهوية الإسلامية» هي أساس العقد الاجتماعي، والعلاقات الخارجية، والبناء الثقافي في صفحات «١٨، ٢٨، ٣٢، ١١٣، ١١٤»، بينما لم يأت أي ذكر «للهوية المصرية» ولا مرة واحدة في البرنامج المكون من ١٢٨ صفحة. وهنا يبرز تناقض واضح، كيف تقوم دولة مصرية علي مبدأ المواطنة كما يدعي البرنامج، بينما هي لا تري أن مصر لها هوية أصلا، وتصر علي أن الهوية الإسلامية هي الأساس التعاقدي للمجتمع؟ كيف تكون الهوية الدينية هي أساس العقد الاجتماعي في الدولة، التي يفترض فيها ألا تفرق بين مواطن وآخر علي أساس الدين؟، إن الدولة الوحيدة في العالم تقريبا التي تركز علي الدين كأساس للمواطنة هي إسرائيل، بالطبع إلي جانب الدولة التي يدعو لها هذا البرنامج. إن الأساس في الهوية القومية هو شعور «بالزمالة» والاشتراك في المصلحة الوطنية، بناء علي اشتراك في معظم أو كل العوامل التي تحدد الهوية، من عرق، ودين ، ولغة، وأرض وثقافة وطريقة حياة بتفاعلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة، دون التركيز علي عنصر واحد فيأتي تعريف الهوية عنصريا متحيزا للعرق أو الدين مثلا علي حساب باقي العناصر التي تشكل في مجملها تعريف الهوية القومية. فلا يعقل مثلا أن يكون الماليزي المسلم أقرب للمصري المسلم من المصري المسيحي، والهوية المصرية هي هوية راسخة تشكلت ونضجت قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام بآلاف السنين، والمصريون أمة، يشترك أعضاؤها في ميراث حضاري وثقافي وديني وأخلاقي ولغوي متميز. فاللغة العامية المصرية مثلا تحتوي علي آلاف الكلمات والتعبيرات والتراكيب المشتقة أساسا من لغة الأجداد، والعرق المصري لم يتأثر تقريبا بموجات الغزو الفارسي أو اليوناني أو الروماني أو العربي، طبقا للأبحاث الجينية التي أثبتت أن التركيب الجيني للعمال المصريين الذين بنوا الأهرامات منذ ٤٦٠٠ عام يكاد يتطابق مع التركيب الجيني للمصريين الذين يعيشون علي أرض مصر اليوم، وحتي الدين المسيحي والدين الإسلامي، يشتركان مع الأديان المصرية القديمة في آلاف القيم والتفاصيل والطقوس، بما جعل بعض المفكرين الإسلاميين يقولون إن أوزوريس ما هو إلا النبي إدريس مثلا، وعبر القرون نجد أن مصر قد احتضنت المسيحية والإسلام، واستوعبتهما ومصرتهما بصبغة مصرية خالصة وسطية معتدلة وأعادت تصديرهما للعالم من خلال مؤسساتها الدينية التي تشع نورها الروحي في الشرق والغرب. إن الحرب علي الهوية المصرية لم تبدأ اليوم، بل بدأتها الجماعات المتأسلمة منذ عدة عقود، تغلغلت خلالها في المجتمع بجامعاته ونقاباته ومؤسساته التعليمية والثقافية والخيرية، في محاولة لطمس الهوية المصرية فقد حاربت تلك الجماعات مثلا الاحتفالات المصرية والعادات المصرية، فانتشرت الأزياء التي ترمز لهذا التغلغل مثل الجلباب الأفغاني، والنقاب، والخمار، وإطالة الذقون، وحلق الشارب، أما الاحتفال بالمولود الجديد علي سبيل المثال فقد غيروا اسمه من «سبوع» إلي «عقيقة»، مع تحريم الاحتفال بعيد شم النسيم باعتباره عيدا وثنيا، وتحريم الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية باعتباره تقليدا مسيحيا، وأن الأعياد المعترف بها هي عيد الفطر وعيد الأضحي فقط وهكذا، استمرت الحرب المستترة علي الهوية المصرية، تتمسح برداء الدين والدين منها براء، وتبث سموم الكره والفرقة بين المصريين، مما نتج عنه تصاعد للمد الطائفي، والمواجهات العنيفة بين أبناء الوطن الواحد نتيجة خلخلة الأساس الذي تستند إليه الوحدة الوطنية، وهو الهوية المصرية ومحاولة استبداله بأساس ديني طائفي للهوية، إلي أن جاء إعلان البرنامج المنسوب للإخوان، ليعلن الحرب علي الهوية المصرية بصورة رسمية. ويتضح في البرنامج الهدف الرئيسي من هذه الحرب، حينما يدعو إلي «دولة تحقق وحدة الأمة الإسلامية» «صفحات ١٥ و١٦ و٢٧ و٣٢» وهي في الواقع دولة الخلافة الإسلامية التي أعلن الشيخ علي عبدالرازق منذ ثمانين عاما أنها سبب تخلف الدول الإسلامية كلها، في كتابه التاريخي «الإسلام وأصول الحكم» واليوم يعلن علينا الإخوان أن مسح الهوية المصرية هو السبيل لتحقيق الوحدة، رغم أننا رأينا كيف استطاعت دول أوروبا أن تتحد مع الاحتفاظ بالهوية القومية والحضارية لكل شعب واحترامها، وفي تصورنا أن التحالف أو الاتحاد مع الدول الأخري لابد أن يأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية والعوامل المختلفة للهوية وليس الدين فقط. إن برنامج الإخوان، هو مانفستو للغزو الثقافي باستغلال الدين، وتعبير صارخ عن الحرب علي الهوية المصرية، التي تعرضت لحالة من العدوان الشامل عليها خلال نصف قرن، تحت دعاوي القومية العربية أو الهوية الإسلامية، وحان الوقت لكي يستيقظ الشعب المصري من سباته، ليواجه هذا العدوان ويؤكد هويته المصرية القومية دون أن يعني هذا تخليه عن عقيدته، ليوقف هذا الغزو الفكري المنظم، من أولئك الذين يضعون شعارا لهم «طظ في مصر» لقد سمعنا بعد انتخابات البرلمان في عام ٢٠٠٥ عن مانفستو آخر منسوب للإخوان بعنوان «الفتح الثاني لمصر»، وهاج الإخوان وماجوا، وأنكروا أن يكونوا قد أصدروا هذا المانفستو، وادعوا أن الأمن قد دسه عليهم، ولكن ها هو برنامج الإخوان يأتي في ١٢٨ صفحة خالية من أي ذكر للهوية المصرية، بينما تذكر فيه الهوية الإسلامية ودولة الوحدة الإسلامية عشرات المرات، فهل هذا البرنامج أيضا مدسوس عليهم من الأمن؟ نتمني ذلك وننتظر توضيحا رسميا منهم في هذا الصدد. نحن لسنا دعاة للشوفونية القومية أو العزلة، ونؤمن بأهمية تحالف مصر مع أخواتها الدول العربية ودخول الجميع في منظومة تكاملية في الوقت المناسب، ولكن التعاون والتحالف وحتي الاتحاد لا يمكن أن يحدث قبل أن نتحد أولا مع أنفسنا، ونعرف من نحن، وننبذ الطائفية الدينية المقيتة، فكيف نتحد مع الآخرين في الخارج، إذا كان دعاة التعصب الديني يضربون أساس وحدتنا من الداخل، وهو هويتنا المصرية؟ إن تفرد الهوية المصرية واضح، وهو مجال لمئات الكتب والأبحاث، ومع ذلك لا ننكر اشتراكنا مع الآخرين في بعض عوامل الهوية، عبر دوائر أوسع، سواء كان هؤلاء الآخرون عربا أم مسلمين أم أفارقة أم يونانًا أم طليانًا، فأهل الدنمارك علي سبيل المثال يعتزون بهويتهم القومية، مع هذا فهم علي الأوسع اسكندنافيون، وعلي الأشمل أوروبيون، ومصر قد تكون عربية وبحر أوسطية ولكنها في الأساس مصرية. والتأمل في السياق التاريخي، والبحث في الدلائل الجغرافية والتاريخية والعرقية والحضارية واللغوية، والنظر في الواقع الأليم الذي نحن فيه بعد ٢٣ قرنًا من الاحتلال الأجنبي، ووضع رؤية للمستقبل الذي نتمناه، يجعلنا نسأل أنفسنا: إذا كان بيدنا اليوم أن نعيد تعريف الهوية المصرية، ولدينا بعض المنابع الحضارية التي نشترك فيها مع الآخرين.. عربية.. بحر متوسطية.. إسلامية، ومنبع أصيل عميق لا آخر له، نتفرد به عن العالم أجمع، ونتباهي به في كل مناسبة ودون مناسبة، لا ينازعنا فيه أحد، وهو أيضا منبع المنابع الحضارية في العالم أجمع، منبع الحضارة المصرية، أم الحضارات في العالم القديم وأصل الحضارة الحديثة، فماذا نأخذ من هنا وماذا نأخذ من هناك، لأن الهوية كما هي قدرية في بعض أجزائها، فهي اختيارية في أجزاء أخري، ويحضرني هنا قول رينان «Renan» في أواخر القرن التاسع عشر: «الهوية هي أن نعي أننا فعلنا الكثير من الأشياء العظيمة مع بعضنا البعض، وأننا نتطلع لعمل المزيد منها معا»، فهذا ولاشك يجعلنا نتمسك بهويتنا المصرية التي نتفرد بها عن جميع أمم الأرض. إخواني من تحاولون اغتيال الهوية المصرية، هوية الوطن الأم، وتفتحون الباب واسعا لاغتيال وحدة مصر، ربما بحسن نية، أدعوكم لمراجعة النفس، والنظر في تاريخنا الذاخر، ثم في المستقبل وكيف يمكن أن تستعيد مصر عبره مكانتها كدولة رائدة في العالم، لنرسم معا صورة لما نتمني أن نري مصر عليه ثم دعونا نعود إلي الحاضر، لنعلن كلمتنا في كنه ومكونات هوية مصر، إن كان في قلوبكم مكان يتسع لهوية مصرية أما إذا كنتم لا تظنون أن هناك هوية مصرية من الأساس، فأهلا بكم أيها الأشقاء علي أرض مصر، لأننا شعب مضياف، يرحب بكم ضيوفا أعزاء في وطننا مصر، ونرجوكم وأنتم ضيوف لدينا، أن تكفوا عن إشعال نار الفتنة الطائفية تحت دعاوي الهوية الدينية، ومن باب إكرام الضيف، نعدكم بأن نعرفكم علي هويتنا المصرية التي لا تفرق بين مسلم أو مسيحي علي أرض هذا الوطن مصر، كيمي أو كيميت، في مقالات قادمة بإذن الله. |