من البداية أنا كنت ضد اقتصار محاكمة مبارك على قتل المتظاهرين - يعني باختصار محاسبته عن آخر أسبوعين من حكمه ... وكنت مع محاكمته بمحكمة خاصة طبقاً للمادة 85 من دستور 71 الساري وقت حكمه ... ويمكن مراجعة رأيي في المقالات الموجودة اسفل هذه التدوينة ...
أما وقد أدين مبارك والعادلي بتهم التقاعس عن حماية المتظاهرين - بينما تمت تبرأة القيادات الميدانية لوزارة الداخلية فهذا الحكم يحتوي على أسئلة أكثر من الأجوبة ...
مبارك والعادلي حصلا على مؤبد للتقصير فى حماية المتظاهرين - بينما حصلا على البراءة من تهمة التحريض لعدم توافر الأدلة على التحريض
ولن أتحدث عن طمس الأدلة وتقصير المباحث والمخابرات في مد المحكمة بالأدلة
لن أتحدث عن تقصير النيابة العامة - علماً بأن النائب العام هو نفسه معين من مبارك - في تقديم اتهامات بالفساد المالي في شراء فيلات بسعر أقل من سعر السوق (!) رغم انها تهم سقطت بالتقادم وهو عيب خطير في الإجراءات ... وكأن فساد نظام مبارك يتلخص في الحصول على بعض فيللات بخصم من حسين سالم !!!
لكن ما يشغلني هو التناقض بين إدانة مبارك والعادلي - وزير الداخلية - من ناحية ... وبراءة مساعدي وزير الداخلية من ناحية أخرى
صحيح أن الحكم قال - لا يوجد أي دليل على أن الشرطة هى من قامت بقتل المتظاهرين
فوارغ الطلقات ليست من النوع الذي تستخدمه الشرطة ...
لكن لو مبارك أراد أن يحمي الشعب - كيف يحميه دون استخدام جهاز الشرطة
المفروض أن تقوم قيادات الشرطة الميدانية بحماية الشعب وحماية المتظاهرين - دون الحاجة لأوامر - لأن هذه هي وظيفتهم
فقيادات الميدان هي أدوات الرئيس في حماية المتظاهرين - وبالتالي التقاعس عن حمايتهم مسئولية قيادات الداخلية الأقرب للميدان قبل أن تكون مسئولية الرئيس أو الوزير - وهذا لا يعني أنني أعفيه من تلك المسئولية - فقط اشير إلى تناقض ...
طيب نفترض أن مبارك لم يأمرهم - ولهذا أدين - هم أيضا متقاعسون - كان يجب أن يقوموا بحماية المتظاهرين دون الحاجة لأي أوامر ... هذه هي وظيفتهم - هم يتقاضون رواتبهم من أجل أن يحموا الشعب !!!!
لابد أن يكون هناك مجموعة مسئولة ميدانيا عن القتل - سواء بالفعل - أي بالقتل أو إعطاء الأوامر بالقتل - أو سلبا بالتقاعس عن حمايتهم - لا يمكن أن المسئولية تصعد للرئيس دون مرور بقيادات الميدان - هذا ضد منطق التسلسل في القيادة والمسئولية
البعض يقول ... هذه مقدمة لاتهام حماس أو مرتزقة البلاك ووتر أنهم هم الذين قتلوا المتظاهرين ...
والرد سهل : حتى لو قتل المتظاهرين جاء على يد مهاجمين من المريخ - لا يستقيم أن يُدان الرئيس بالتقاعس عن حمايتهم وتُبرأ قيادات الميدان وهم الأقرب للمسئولية
ليس منطقيا أن تحصل قيادات الشرطة على البراءة بينما يدان مبارك والعادلي - بالقياس القيادات الميدانية أيضا تقاعست عن حماية الشعب
إلا إذا ...
الحالة الوحيدة لإدانة مبارك والعادلي وتبرأة قيادات الشرطة :
- أن يكون هناك جهاز سري آخر تابع لمبارك ومعلوم للعادلي
- أو تابع للعادلي ومعلوم لمبارك
- أو تابع لجهة ثالثة ومعلوم لمبارك وللعادلي
ولكنه جهاز غير معلوم لباقي قيادات الشرطة - هو الذي قام بقتل المتظاهرين - ولم يقم مبارك أو العادلي بمنعه أو محاولة منعه من هذا رغم علمهما به وقدرتهما على منعه أو على الأقل محاولة منعه - ولم تستطع قيادات الشرطة التي تمت تبرئتها مجابهة ذلك الجهاز لعدم علمها به ... أو لم يستطع القاضي التثبت من علم قيادات الشرطة بذلك الجهاز لأنه أعلى تنظيميا من مستواهم ... أو خارج تشكيل الشرطة المعلوم لهم ...
ما هو هذا الجهاز؟ هل هو جهاز للاغتيالات؟ قناصة مثلاً يستهدفون قتل أو جرح أنشط المتظاهرين مثلاً باعتبارهم قيادات محركة ومحرضة - أو حتى قتل عشوائي واحد داخل مجموعة - لترويع باقي المجموعة المحيطة به وتخويفها - لاستحالة قتل كل المتظاهرين؟
ولصالح من يعمل هذا الجهاز؟
وبأمر من يؤتمر؟ ... هل كان لهذا الجهاز يد في جرائم قتل المتظاهرين أثناء أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء؟ هل ما زال هذا الجهاز موجود يعمل وقت الطلب؟
هل هو جهاز عمليات سوداء Black Ops كما ألمحنا من قبل ؟
أين المسئول عنه ؟؟؟؟ أين المسئول عن القتل لنحاسبه؟
هل هذه رسالة مشفرة أراد المستشار رفعت أن يبلغنا بها؟
هل هذا هو السبب - في اضطراب القاضي وتلعثمه؟ أنه أدرك أن هناك "عمليات سوداء" Black Ops خطيرة ومخيفة يمكن أن تورط رءوساً كبيرة في الدولة ... أكبر من رأس الرئيس المخلوع - باعتباره مخلوعا - بل ربما أنه قد تم خلعه ليحمل هو المسئولية منفردا - ويفلت باقي المسئولين؟
هذا الحكم ربما يحمل رسالة خطيرة من المستشار رفعت لم نتنبه لها
وأكرر ربما
بالإضافة لما ألمح له الحكم من إفساد الأدلة وعدم تعاون أجهزة المخابرات والمباحث والشرطة
فالحكم قد يحمل أتهامات أخطر بكثير مما نعلم
والله أعلم
مقالات سابقة مرتبطة بهذا الموضوع
محمود أبو الليل وزير العدل الأسبق - أحد الشهود على المواد التي اخترقها مبارك ونظامه في دستور 71 الساري وقت خلعه
محاكمة مبارك - بداية وليست نهاية