Sunday, January 07, 2024
Western Media Pundits Continue to Say that Gaza was not Occupied before Oct 7, 2023. They ARE WRONG
The show host @seanhannity from @FoxNews is unaware of the facts. Gaza has continued to be under occupation even after the unilateral disengagement as per International Organizations:
https://www.un.org/unispal/document/auto-insert-205755/
Quoting:
Sunday, March 26, 2023
تمصير الحوار مع وزير الاستثمار Egyptianizing the Debate
تمصير الحوار مع
وزير الاستثمار
بعد الاستئذان، دخل مساعد الوزير يحمل مجموعة من
التقارير ووضعها أمام الوزير. قطب الوزير حاجبيه، وطلب من المساعد أن يتركه
ليتفحصها. دفن الوزير رأسه بين راحتيه وتنهد. وفجأة بدأ الوزير يكلم نفسه بصوت
مسموع: "ماذا يريدون؟ هل يحاولون تخريب الإصلاح الاقتصادي؟ أما يكفينا الحروب
الضارية من الحرس القديم داخل حزبنا حتى تأتي أحزاب وحركات المعارضة وتقف بدورها
ضد الإصلاح؟" وتذكر الوزير رحلته إلى أمريكا في الشهر الماضي، وما لاقاه من
متاعب بسبب ما ادعاه الأمريكيون من قمع الحكومة المصرية للمعارضين، سواء بالسجن في
طره، أو الحصار في وسط البلد، أو تكسير العظام في كفر صقر! وفجأة قرر الوزير أن
يفهم بنفسه لماذا تتصرف المعارضة بهذه الطريقة.
ارتدى الوزير ملابس بسيطة ونظارة قاتمة، وخرج من منزله
متخفياً عن الحرس عبر السلم الخلفي للمبنى. اتجه الوزير لندوة بمقر أنشط أحزاب
المعارضة، وجلس ينتظر بدء الحوار. جلس الوزير لما يقرب من ساعة كاملة في قاعة غير
مكيفة تمتلئ بمئات من البشر في انتظار المحاضر، حتى كاد يشعر بالاختناق من رائحة
العرق وتلامس الأجساد ولكنه قرر أن يتحمل ليفهم ما الذي يجعلهم ينتظرون والأهم، ما
الذي يغري المعارضة "بتخريب" الإصلاح الاقتصادي. من حوله كان الحاضرون
يتغلبون على ملل الانتظار بالخوض في أحاديث السياسة والاقتصاد، ويتندرون بقصص
كوميدية لفساد كبار وصغار مسئولي الحكومة، وقصص درامية لمن وقعوا ضحايا للروتين
والبيروقراطية وطول إجراءات التقاضي. العامل المشترك الوحيد بين القصص الكوميدية
والدرامية كان دعاء لله يتكرر بانتظام "بأن يخرب العلي القدير بيت الحزب
الحاكم ومن عليه ويأخذ رجاله أخذ عزيز مقتدر". سأل الوزير نفسه ... لماذا كل
هذا الكره؟ ترى ماذا يفعلون بي إن اكتشفوا أنني من الحزب الوطني؟ وجالت في خاطره
أهوال مرعبة من السحل والضرب وتكسير العظام، فتحسس النظارة القاتمة في حركة لا إرادية،
وطمأن نفسه بأن الشعب المصري طيب ولا يميل للعنف وخاصة الطائفة الليبرالية التي
يحضر اجتماعها.
وفجأة قرر الوزير أن يبدأ حواراً مع جاره وكان رجلاً في
منتصف العمر تبدو عليه مخايل عز قديم. "ما رأيك في الإصلاحات الاقتصادية
الجديدة؟" نظر إليه الرجل في ريبة ثم قال: "أي إصلاحات؟" تحمس
الوزير وقال: "الجيل الثالث من الإصلاحات الاقتصادية" تضاعفت ريبة الرجل
وفكر مليا ثم أشار بيده متضايقاً لنهاية القاعة وقال: "الأمن يجلس في نهاية
القاعة من فضلك!" وعلى ذكر الأمن التفت كل الرءوس نحو الوزير في غضب فأسرع
بنفي التهمة: "والله العظيم أنا موش أمن ولا حاجة" فرد شاب غاضب:
"أمال إيه نظارة المخبرين اللي انت لابسها دي؟" خلع الوزير منظاره
محاولاً تبرئة نفسه وفجأة صرخ الشاب: "يا نهار أسود ... ده ... ده وزير
الاستثمار!" تراجع الجميع وكأن الوزير يحمل مرضاً معدياً حتى كونوا شبه دائرة
حاصرت الوزير، فلتت أعصاب أحد الحاضرين وبدأ يقترب من الوزير وهو يصيح بعبارات
غاضبة وقبل أن يفتك بالوزير انشقت الأرض عمن تبين فيما بعد أنه المحاضر المنتظر وأحد
قيادات المعارضة، واتجه المحاضر رأساً للوزير لينتشله من وسط التجمع الغاضب وساقه
نحو المنصة.
"نرحب بالسيد الدكتور وزير الاستثمار الذي يشرفنا
في ندوة اليوم." قالها المحاضر في
لهجة حاول بها أن تكون طبيعية قدر المستطاع ولكن الهمهمات كانت لا تزال تتردد في
القاعة. "سيادة الوزير سوف يحدثنا عن ... ما هو موضوعنا اليوم سيادة
الوزير؟" تنحنح الوزير واضطر أن يساير المحاضر ... "أود أن أتحدث عن
الجـيل ... أعني عن الإصلاحات الضريبية والجمركية وأثرها في تشجيع
الاستثمار!" بدأ الوزير يتحدث وأسهب في امتداح المناخ الجديد الذي سوف يعمل
على جذب المستثمرين من الخارج والمليارات التي سوف تمطرها السماء علينا قريباً. وقبل
أن يختتم كلامه تردد قليلاً ثم استجمع شجاعته وقال: "وللأمانة، يجب أن أذكر
أن الاحتقان السياسي والمظاهرات التي نراها قد تزعزع الاستقرار، على الأقل في ذهن
المستثمر الأجنبي، مما قد يؤدي إلى عدم الاستفادة المثلى من هذه الإصلاحات، كما أن
المعارضة تضخم من بعض الأحداث أمام وكالات الأنباء العالمية مثل أحداث كفـر ...
أعني أحداث نقابة الصحفيين وضريح سعد، بما يؤثر سلباً على صورتنا في الخارج ويصعب
من مهمتنا في الحصول على المنح والقروض والاستثمارات، وهو ما يعوق النمو الاقتصادي
ويضعف من قدرة الحكومة على مواجهة الـمعـ ... المعضلات الكبرى مثل الفقر
والبطالة." لم يصفق أحد، حتى رجال الأمن المندسين لم يصفقوا طبعاً حتى لا
ينفضح أمرهم. ولكن المحاضر الأصلي صفق بعد ثوان قليلة، فتبعه جزء من الحضور،
وابتسم الوزير ممتناً وجلس.
قام المحاضر الأصلي واستهل كلامه بالتأكيد على أهمية
احترام تعدد الآراء ثم قال: "أشفق على وزير الاستثمار وعلى وزير التجارة
والصناعة وعلى رئيس الوزراء وعلى كل من يحاول أن يخوض مسيرة للإصلاح الاقتصادي،
دون أن يفهم أسباب الإفساد والركود الاقتصادي. سيادتك تظن أن الحل لأزمتنا
الاقتصادية هو أن تستكين المعارضة وتستسلم لفتوات البلطجة دون أن تشكو أو تتذمر أو
تطالب بتغيير الوضع السياسي الاحتكاري، حتى لا تفسد الجو على لقاءاتكم بالمسئولين
الأمريكيين، الذين تظنون أن بيدهم حل مشكلاتنا الاقتصادية، وهنا تكمن مشكلتكم
الحقيقية. لابد أنك تعلم أن المصريين قد ضخوا 80 مليار دولار خلال الفترة بين عامي
1991 و 1995 استخدم جزء كبير منها في الاستثمار الصناعي والتجاري والعقاري، لمجرد
أنهم صدقوا وعود الحكومة بالإصلاح. نعم، خلال أربع سنوات، ضخ المصريون مليارات
تزيد عن مجموع الاستثمار الأجنبي والمعونات التي حصلت عليها مصر عبر ربع قرن!
الاستثمار يا عزيزي لن يبدأ إلا من المصريين. ولكن، كيف يستثمر المصريون مجدداً
وهم يرون المستثمرين القدامى وقد أفلسوا أو دخلوا السجون بعد أن تعثروا أو اضطروا
لمغادرة البلاد هاربين؟ كيف يستثمر المصريون وهم يرون الفساد يضرب أطنابه في
الجهاز الإداري، ويعانون من القوانين واللوائح التي تمنع كل شيء، وفي نفس الوقت
يأتي من يريهم الطريق الدائري الذي يسمح دائماً بكل شيء ويلتف حول كل القوانين
بشرط ترطيب منقار كبار المسئولين أو إدخال أنجال الوزراء والحكام كشركاء في
المشروع؟
أنت تريد مهلة نسكت فيها عن الإصلاح السياسي حتى تستكمل
أنت ما تظنه إصلاحاً اقتصادياً، ولكن دعني أسألك، ألم تكن فترة 24 عاماً مهلة
كافية؟ ما هو الضمان أننا إذا أجلنا الإصلاح السياسي سوف نحصل على الرخاء الذي
ننتظره طبقاً لوعودكم لأكثر من ربع قرن. ربما تظن أن الدكتاتورية تسهل من السيطرة
على الأمور عند تطبيق الإصلاح الاقتصادي، وربما تظن أن الظرف الآن يستدعي القبول
"بالمستبد العادل" حتى ننهض بالاقتصاد، ولكن دعني أقول لك شيئاً: لا
يمكن أن يكون المستبد عادلاً، لأن العدل يبدأ بالمساواة، والاستبداد يغتالها. دعني
أكون أكثر صراحة، هل تعلم لماذا لن تثمر إصلاحاتكم؟ لأنها تأتي منكم. الشعب لم
يختركم، ولا يحبكم، ولن يستجيب الشعب أو المستثمرون لأي دعوة تأتي منكم سواء
لزيادة الإنتاج أم دفع الضرائب، أم تطوير البناء المؤسسي، أم الاستثمار في التنمية
البشرية أو نظم المعلومات أو التسويق أو البحوث والتطوير أو غيرها من أولويات،
ببساطة لأنكم فقدتم مصداقيتكم ولا شرعية لحكمكم. أنتم بالنسبة للشعب الآن مجموعة
اغتصبت السلطة لمدة نصف قرن. استولت على الحكم بوضع اليد، وهي تريد الآن أن تقنن أوضاعها،
وتكتسب شرعية لليد ووضعها. هل يمكن أن يستجيب أصحاب المزرعة لدعاوى اللصوص
الغاصبين بزيادة إنتاج المحصول أو الحليب، مهما كانت تلك الدعاوى قائمة على أسس
علمية أو تجارية؟
سيادتك غاضب لأن المعارضة شوهت صورتك أمام الأمريكان ببث
صور الاعتداء على مصريين في كفر صقر وفي بيراميزا وفي عبد الخالق ثروت وعند ضريح
سعد. أنت غاضب لأن الأمريكان الآن يعرفون مدى وحشية أساليبكم، ولكنك لست نادماً
على استخدام مثل تلك الأساليب. لم تعتذر حكومتكم للضحايا أو المصابين، ولكنها
اعتذرت للأمريكان! مشكلتك يا عزيزي أنك تظن أن الحلول لدى أمريكا، ولكنني أقول لك
أن الحلول هنا، في مصر، لدى الشعب المصري الطيب الذي قد نسيتموه من طول تطلعكم
للبيت الأبيض. المصريون هم الذين سوف يعملون وينتجون وهم الذين سوف يستهلكون
ويدخرون ويستثمرون. المصريون بيدهم زيادة الناتج القومي، ولكنهم لن يفعلوا ذلك
وأنتم في مقاعدكم. لابد أن ترحلوا أولاً.
المصريون سوف يحصلون على التكنولوجيا من الداخل والخارج
وسوف يستثمرون في تحديث شركاتهم كما فعلوا على مدى 30 عاماً بعد وضع دستور 1923،
حتى أصبحت بريطانيا مدينة لمصر وكانت قيمة الجنيه المصري أعلى من الإسترليني.
ولكنهم سوف يفعلون ذلك بعد أن يحصلوا على الدستور الذي يضمن قدرتهم على إزاحتكم
والإتيان بمن يريدون إلى الحكم. وعندما يحصل المصريون على القوانين العادلة
المتسقة والتي تتماشى مع الطبيعة والواقع والعرف، عندما يشعرون بآثار انحسار
الفساد وترسيخ الحكم الرشيد، سوف تزدهر شركاتهم، ويصدرون للعالم كله، فيأتي
المستثمر الأجنبي مهرولاً بعد أن رأى نجاح أولاد البلد. أما أن تتصور أن زيارتك
لأمريكا وتجميل الأمور وإنكار التصرفات القمعية سوف يأتي بمستثمرين أجانب، في
الوقت الذي يعاني فيه المستثمرون من أصحاب البلد من التعثر والبيروقراطية والفساد
وضياع الحقوق وتخبط السياسات، ويعاني المواطن العادي من الإذلال والقمع وفساد
التشريعات وضياع العدالة والشعور بالغربة، إن كنت تتصور أن إخفاء القاذورات
والتعفنات والتقيحات تحت البساط سوف يساعد على جذب المستثمرين، فهذا خداع ساذج
وينم عن عدم فهم للأمور.
يا عزيزي، دعنا نمصر الحوار، فمشاكلنا هنا، وحلولنا هنا،
والعالم كله سوف يساعدنا ويحترمنا، بشرط أن نحترم نحن أنفسنا ونحترم بعضنا
البعض." انتهى كلام المحاضر. ونظر الجميع إلى الوزير. كاد الوزير أن يطلب
التعقيب ليتحدث عن الأغلبية التي يتمتع بها الحزب الوطني، والشعب الذي يلتف كله
حول المبايعة، ولكنه تردد في آخر لحظة وفضل الصمت. نظر الوزير في عيون الحاضرين
فرأى انتظاراً ولهفة. أطرق الوزير وفكر قليلاً، وفجأة استجمع الوزير شجاعته، وفي
لحظة صدق، أعلن الوزير استقالته من منصبه ومن الحزب الحاكم، ودوت القاعة بالتصفيق
الحاد.
وائل
نوارة
ملاحظة: هذه القصة خيالية ... بكل أسف.
تأريخ المستقبل Past or Future
تأريخ المستقبل
قرأ
المصريون جميعاً تصريح السيد أمين عام الحزب الوطني، الذي أعلن فيه عن تسمية مجلس
الشعب للرئيس في مايو القادم، بحيث يجري الاستفتاء في شهر سبتمبر، وأعلن السيد أمين عام الحزب،
أن مجلس الشعب سوف يُدعى إلى الانعقاد لمدة يوم واحد عقب إعلان نتيجة الاستفتاء،
موضحاً أن الرئيس مبارك سوف يقوم في تلك الجلسة "التاريخية"
بحلف اليمين إيذاناً ببداية فترة رئاسية "جديدة". لم يقل الأمين المساعد
أن "الرئيس المنتخب"، أو "الرئيس الفائز" في الاستفتاء سوف
يقوم بحلف اليمين، بل أكد أن الذي سوف يقوم بحلف اليمين هو الرئيس مبارك. لم يستخدم
الأمين المساعد أي ألفاظ محايدة أو عبارات غير مؤكدة، قد توحي – مجرد الإيحاء –
بأن هناك فرصة أمام الشعب للاختيار، أو بأن هناك أدنى شك في نتيجة الاستفتاء، مما يؤكد فعلاً أن الجلسة "تاريخية"،
وليست في علم الغيب أو قيد المستقبل، فقد تحددت نتيجتها مقدماً، بل لعلها حدثت بالفعل
ونحن نيام.
لقد
تحول المستقبل على يد الحزب الوطني ليصبح مجرد صفحة من نفس التاريخ الذي مضى. وهذا
إنجاز عظيم يحسب للحزب الوطني، الذي نجح في عبور بوابات الزمن وكتابة الغيب عن
طريق "تأريخ المستقبل"، وهي ريادة غير مسبوقة ولا ينكرها إلا جاحد. وبين
"تأريخ المستقبل" و"تأخير المستقبل" علاقة وثيقة، لا يعرف
أسرارها إلا الحزب الوطني بفكره الجديد. فقد نجح الحزب الوطني أولاً في تجميد
الزمن لمدة ربع قرن، وأثناء تجمد الزمن ونوم الشعب في سبات عميق، يتسلل الفكر
الجديد ليسرق المستقبل ويعيده إلى الماضي، ثم يروج لذلك الماضي ويحاول أن يبيعه
للشعب باعتباره المستقبل. أي مستقبل يكون ذلك؟ بل هي بقايا كوابيس الماضي بكل أسف.
وفروا الجهود ودعونا ندخل في الموضوع
وأنا
أتساءل هنا، فيم تضييع جهود وتكبد نفقات لا جدوى منها، في تسميات واستفتاءات
و"حلفانات" إذا كانت النتيجة معروفة مسبقاً والأمور محسومة بصورة لا تدع
مجالاً للشك؟ أليس من الأفضل أن نتفق على أن أسلوب اختيار رئيس الجمهورية طبقاً
للدستور الحالي لا يسمح بأي تغيير، وهو ما عبر عنه السيد الأمين العام المساعد
بواقعية وبلاغة شديدة، ويصبح من الأولى أن نوفر الوقت والأموال في شيء مفيد؟ كأن
يطرح علينا السيد الأمين المساعد مثلاً رؤية حزبه في كيفية الوصول لعملية اختيار
حقيقية، تضمن تداول السلطة بشكل سلمي، وتسمح للشعب باختيار من يحكمه، فيعود هذا
الشعب المهمش للاهتمام بالشأن العام بصورة تدريجية، وتقوى خيوط انتمائه لوطن
أصبحنا نشعر أننا فيه أغراب، ويبدأ المواطن المصري في احترام الدولة بمؤسساتها،
عندما تحصل السلطة على شيء من الشرعية المكتسبة من اختيار الحاكم للمحكوم، والتفويض
الذي يمنحه الشعب لمن يمثلونه.
إنني
أدعو أصحاب القرار لمراجعة تصريحات السيد أمين مساعد الحزب الحاكم، واقترح عليهم
تبني مشروع قرار بتجميد كل أشكال الانتخاب والاستفتاء لحين يريدون، بشرطين. الأول،
أن تحتوي الانتخابات - وقتما يسمحون بها – على ضمانات تكفل أن تأتي هذه الانتخابات
بنتائج غير "تاريخية" وغير محسومة مسبقاً لصالح الحزب الاحتكاري،
والشرط الآخر، أن يتم إعلاننا بصورة رسمية بتوقيت حدوث ذلك، حتى نأخذ جميعاً أجازة
من الاهتمام بالشأن العام، ونلتفت لأمور أكثر جدوى حتى ذلك "التاريخ".
عزبنة الدولة License to Exploit
عزبنة
الدولة
خلال الأربعين عاماً
الأخيرة، تعرضت "الدولة" لحالة من "الحكمنة" ثم "العزبنة".
فمنذ بداية الستينات، قررت الحكومة أن تسيطر كل أوجه الحياة في مصر،
"فأممت" أو في الواقع "حكومت" أو "حكمنت" كل
شيء وكل نشاط. والحكمنة تختلف تماماً عن الحوكمة. فالأخيرة تشير إلى
ترسيخ مبادئ الإفصاح والشفافية وقواعد الرقابة والمساءلة، للوصول إلى الحكم الرشيد
للمؤسسات. أما الحكمنة فهي مرادف للقرصنة، وتشير إلى نوع من أنواع البلطجة الحكومية
المقننة والمنسوبة ظلماً إلى الأمة في تعبير "التأميم"، والأمة منها
براء. وكما سنرى فالحكمنة عكس الحوكمة في كل شيء وإن اتفقت معها في بعض الحروف.
في البداية تأتي
الدولة "فتلقح جثتها" على صاحب العمل أو المبادرة وتتحرش بمشروعه أو
مؤسسته، ثم تجبره على "طلب" الانضمام إلى الشركة القابضة الفلانية أو
القطاع الإنتاجي العلاني، وتعطيه تعويضات هزلية عن قيمة هذا "الانضمام
التطوعي"، وتحوله إلى موظف في المؤسسة التي بناها، ثم تطرده بعد قليل، وفي
النهاية تتركه "ليموء" في الشارع. والحكمنة كلمة جامعة
مانعة، تدل على سيطرة الحكومة على حياة الناس من قبل ومن بعد، فكل حرف من حروف
"الحكمنة"، يشير لحكمة بالغة أو معنى نبيل، فالحاء والكاف يدلان
على احتكار الحكومة لكل نشاط، والميم تشير إلى الموت الذي أصاب الدولة من جراء ذلك،
والنون تشير إلى "نبوت الفتوة" الذي هو الحكومة وبطشها، والبلطجة التي
تمارسها بارتياح تام ودون أي تأنيب ضمير، فهي تمرر القوانين تحت جنح الظلام لتضفي الشرعية
على تسلطها وقرصنتها، وتعطي غطاءً أخلاقياً لموظفي عموم الجباية ليردوا به على أي
متظلم "أنا لا أضع هذا المال في جيبي، هو يذهب لخير البلد والخزانة العامة."
تجد الحكومة مشروعاً
ناجحاً يدر على صاحبه دخلاً يكفيه شر سؤال الناس والحكومة، فتستكثر عليه أن يعيش
في كرامة دون أن يحتاج التذلل للحكومة، فتأممه، أو تفرض عليه
الضرائب الباهظة حتى يفلس، أو تتهمه بتوظيف الأموال ثم تخضعه للحراسة، أو تلاحقه
لسداد قروض بنكية وهي "تأكل عليه" مستحقاته بالمليارات، أو تجعله هدفاً
للإعدام المعنوي بتسريب الشرائط الجنسية، أو تلفيق التهم الكيدية، إلى أن تنهار
أعماله، فتشعر الحكومة براحة وسعادة بالغة وترى ثمرة نجاحها في حماية الشعب من
المستغلين. ولم يقتصر هذا على الأنشطة الاقتصادية، بل امتد للقطاعات الثقافية
والاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها.
وعندما أممت الدولة
كل شيء و"طفشت" كل صاحب مبادرة أو موهبة أو مهارة، فوجئت أن لديها
مجموعة ضخمة من "الخرابات المؤسسية". ففي غياب الإحساس بالتملك
تحولت الشركات والجمعيات إلى خرابات ومجمعات. لم تكمن المشكلة فقط في ضياع مفهوم
التملك بمعناه القانوني، ولكن الأخطر هو اندثار الشعور بامتلاك جزء من الحلم وبعض
لبنات من البناء. ومع اختفاء الفكر الإداري وروح المبادرة والإبداع، وجدت الحكومة
أن حصيلة أعوام القرصنة هو أسطول ضخم من السفن "الخربانة"
و"المنقورة" ومعظمها على وشك الغرق. نعم، الدفاتر المحاسبية تحتوي على
"أصول" موجودة، من مبان ومكاتب وخطوط إنتاج ومخازن على الورق، ولكنها
جميعاً خالية من الروح ولا تمثل "أصولاً ذات قيمة سوقية أو قدرة على أن تدر أرباحاً
مستقبلية" بالمفهوم الاقتصادي.
ومع هذا الخراب، وجدت
الدولة نفسها في وضع فريد. فلديها كيان ضخم، ولكنه "مخوخ" من الداخل، لا
يوجد من يديره أو يتحمل مسئوليته، فعهدت بهذه المهمة لمجموعة من المحاسيب وأهل
الثقة، سواء من ضباط "الحركة" المباركة أو زملائهم أو تلاميذهم أو من
يدينون لهم بالولاء، وفيما بعد اعتمدت على رجال "التنظيم الطليعي"، ثم أعضاء
لجان حزب الحاكم الأوفياء والملتزمين بقانون الصمت "الأومرتا"، ولله
الأمر من قبل ومن بعد.
ولأن تلك المؤسسات
والمصالح أصبحت خرابات جرداء، ذبل الزرع فيها وجف الضرع وتبخر الماء، فقد عجزت
الحكومة أن تعطي المقابل أو الراتب "المناسب" للقائمين على تلك المصالح
أو العاملين فيها، فوقع بينهما تراض تمخض عن اتفاق غير مكتوب، هو عبارة عن امتياز
وترخيص بالاستغلال، استغلال المواطنين طبعاً وسرقتهم و"تقليبهم"، وفرض
العمولات الفاحشة والإتاوات والرشاوى الباهظة عليهم إن هم أرادوا التعامل مع
المؤسسة أو التعاقد معها بيعاً أو شراءً أو استئجاراً أو توريداً من أي نوع، هذا بالنسبة
للمؤسسات الاقتصادية.
أما الهيئات الحكومية
المتحكمة في شئون البلاد وحياة العباد، والمسئولة عن الترخيص لأي نشاط، سواء عقاري
أو تجاري أو صناعي، أو حتى تراخيص القيادة والسيارات وتراخيص التصدير أو الاستيراد،
أو التحرك أو السفر أو التصريح لأي نشاط من أي نوع، فحدث ولا حرج عن المشارط
والأمواس والأدراج نصف المفتوحة، والإتاوات والسرقة بالإكراه وتحت تهديد سلاح
"توقيف الحال"، والذي تفضلت الحكومات المتعاقبة مشكورة بوضعه في أيدي
هؤلاء الموظفين العموميين عن طريق طبقات ورقع متتالية من القوانين واللوائح التي
تمنع وتجرم كل شيء، وتجعل الالتزام بالقانون أمراً شبه مستحيل حتى في أي نشاط بسيط
وطبيعي. وبين تلك الطبقات والرقع، تأتي بعناية الثغرات والحفر، والبثور والدمامل والبؤر،
التي تتيح للموظف العام أن "يمشي الحال" بعد توقيفه. ولكي "يمشي
الحال" مرة أخرى فهو يحتاج إلى تشجيع كبير، وتصفيق وزق وشاي وسجائر، فضلاً عن
حافز مادي ضروري لتسليك الطرق الواقفة، وفك العكوسات والأعمال الشريرة، ويعمل
بمثابة "المشاية" أو "العصاية" التي يتعكز عليها هذا الحال هو
والسيد المسئول.
وهكذا سار الأمر، فمع
كل شهر يحصل فيه الموظف على راتب هزلي لا يتناسب مع ظروف الحياة، يتسلم مع إذن
القبض تصريحاً ضمنياً يسمح له باستكمال دخله عن طريق الرشوة. ثم صدرت فتوى شرعية
تحلل تقديم الرشوة في ظروف معينة، وأصبح الأمر "عال العال".
أعطت الحكومة لعمالها
ترخيصاً ضمنياً غير مكتوب بالاستغلال، ينص على أنه "يحق لكل مسئول استخدام
سلطته العمومية لاستكمال دخله الحكومي الهزيل عن طريق استغلال الشعب وفرض
الإكراميات والرشاوى والإتاوات عليه، وهذا الترخيص لن يعترف به في حالة ضبط الموظف
متلبساً، وسوف تنكر الحكومة أي وجود لهذا الترخيص في تلك الحالة."
ولشرح مفهوم "العزبنة"،
فقد قسمت الحكومة الدولة إلى مجموعة من العزب والإقطاعيات، ومنحت كل واحد من كبار
الموظفين صكاً بملكية إحدى تلك العزب أو بإدارة إحدى تلك الإقطاعيات مع تمتعه بحق
الانتفاع. وينص الصك على أنه "يحق لكل مدير مصلحة أن يستخدم المصلحة
وأصولها من أجهزة وسيارات حكومية ومصايف وخلافه في أغراضه الشخصية والعائلية، كما
يمكن له استخدام مرءوسيه في أعمال التنظيف وشراء لوازم البيت والطهي ورعاية
الأطفال وإعطاء مجموعات التقوية لهم. ويمكن التجديد للمسئول حتى يبقى في موقعه
بدون حد أقصى والأعمار بيد الله، ويمكن للمدير
أن يورث إدارة الشركة أو المصلحة لأولاده، بشرط أن يتجاوزوا سن الثلاثين، وأن يأتي
التوريث من خلال ثني ولي القواعد الإدارية، ويمكن في حالات الضرورة القصوى اللجوء
لتكسير تلك القواعد في الخفاء وبشرط عدم إحداث ضجيج أو رذاذ أو رائحة كريهة.
والحكومة تشجع قيام سوق مقايضة لتبادل المناصب والخدمات بين كبار الموظفين، للأخذ
في الاعتبار تباين مؤهلات الأبناء الأحباء وميولهم، وتنوع احتياجات الأقارب وأهل "المدام"
لدى المصالح الحكومية المختلفة، مما يحتاج لتعاون المسئولين عنها تحقيقاً للمصلحة
المشتركة. كما يحق للمسئول أن يستعين بأولاده في التصدي للمسئولية العامة عن طريق
تشجيعهم على مساعدته في العمل، بأن يشرعوا في تكوين الشركات التي تقوم بالتوريد
للمصلحة عن طريق الأمر المباشر ودون حد أقصى للقيمة. وفي حالات سوء الحظ قد يتعرض
المسئول للملاحقة القانونية إذا قامت حملة إعلامية ضده لفترة تزيد عن 3 أسابيع من
النشر المتوالي في الصحف، وهنا سوف تنكر الحكومة أي وجود لهذا الصك، ومع ذلك، فسوف
يلقى كبش الفداء كل رعاية في سجون الخمسة نجوم."
ومع
انتشار الحكمنة و العزبنة، لم يجد الشعب المسكين أمامه سوى "الحسبنة".
حسبنا الله ونعم الوكيل.
إعلام الريادة بين المبايعة والإشادة Propagandist Media
إخترناك: إعلام الريادة بين المبايعة والإشادة
خرج علينا
أحد كبار أقطاب الحكومة الجديدة بتصريح مطمئن للغاية، مفاده أن الدولة سوف تستمر
في "رعاية" الإعلام، وأن التكهنات الإصلاحية التي توقعت البدء في خصخصة
قطاع الإعلام تمهيداً لحل وزارة الإعلام (الإرشاد القومي سابقاً) هي تكهنات خاطئة.
وهذا
التصريح مطمئن جداً، بالطبع ليس للمواطن المصري المسكين الذي لا يستطيع غالباً
مشاهدة المباريات الدولية لفريقه القومي إلا على القنوات الفضائية الأجنبية، ولا
يستطيع متابعة أخبار بلده إلا من خلال قنوات "الجعير" الأجنبية أيضاً،
لأنها رغم تشنجها تبث الأخبار في حينها، عكس القنوات المصرية التي عليها أن تنتظر
التوجيهات، لتحديد ما إذا كانت الأخبار مناسبة للشعب الغرير، أم أنها سوف تفسد
أخلاقه وتفتح عينيه على أشياء لا تناسب سنه وهو بالتأكيد في غنى عن معرفتها. على
المواطن المصري أن ينتظر خمسة أيام كاملة، ليتابع أحد استجوابات مجلس الشعب، رغم
أن مجلس الشعب يبعد عن ماسبيرو بمسافة تقل عن كيلومتر واحد، ولكن عمليات المونتاج
والتجميل وشد الجلد، هي عمليات صعبة وتحتاج لعودة الخبراء من الخارج، وكان الله في
العون.
هذا
التصريح لاقى الترحيب الحار، ليس من المواطن المصري المغلوب على أمره، ولكن من
القنوات الفضائية الخاصة، العربية والمستعربة بتمويل أمريكي. ويسعدنا أن يهتم
المسئول الكبير بطمأنة هذه القنوات الخاصة، وتشجيعها على التوسع في جذب واستقطاب
المشاهد المصري والعربي، والانفراد به أمام المرمى في الملعب الإعلامي في كل
المجالات، بدءاً بالقطاع الإخباري (الجزيرة وعربية)، مروراً بالقطاع الشبابي
(روتانا وأخواتها علاوة على قنوات الرياضة العربية)، وقطاع الدراما (شوتايم
وأوربيت وART)، حتى قطاع الأطفال لم يسلم من الغزو الفضائي (كارتون نتورك وقناة
ديزني وسبيس تون)، وهذا شيء عظيم ويؤكد قدرة مسئولينا على تحقيق الريادة، فقد
حققوا الريادة لتلك القنوات الأجنبية والشقيقة في سنوات قليلة، وهذا إنجاز في حد
ذاته يحسب لهم، مما يدل أيضاً على ريادة المصريين في كرم الأخلاق والترحيب بكل
وافد شرط أن يكون فضائياً لا أرضياً، ولعل في هذا تأكيد لنظرية التواصل المثمر بين
الفراعنة والمخلوقات الفضائية.
في ظل
"رعاية" الدولة للإعلام المصري، تحققت إنجازات عظيمة وريادة غير مسبوقة،
تمثلت في زيادة عدد القنوات المصرية إلى ما يقرب من أربعين قناة خالية من أي محتوى
ولا يشاهدها أحد، بعد أن باع التليفزيون كنوزه من أصول الأفلام المصرية القديمة.
أربعون قناة تسبح بحمد الحكومة وتشيد بعظمتها في الغداة والعشي، وتدافع عن جميع
المسئولين في كل المواقع، وتؤكد لنا أن الشمس ساطعة والجو مشرق في نفس الوقت الذي
تجتاح فيه السيول البلاد. وإن ننس فلا ننس مبنى التليفزيون الفخيم المطل على النيل
السعيد، وهذا المبنى تقطنه عدة قبائل قوامها حوالي 50 ألف موظف، كل منهم ينتمي
لأحد البطون الرئيسية، ولابد للترقي أن يكون الموظف قريب أو نسيب أحد شيوخ
القبائل، لتأكيد الجو الأسري، الذي يحفل مع ذلك بالمقالب اللطيفة، والصراعات
الأخوية، التي كثيراً ما تنتهي في السجن، عند الخلاف بين الشيوخ على توزيع الغنائم
والأسلاب، فيتم القبض على واحد من صبيان المعلمين الكبار قوي ذراً للرماد في
العيون. 50 ألف موظف موجودون نظرياً ولكن لا يعلم أحد ماذا يفعلون، في الوقت الذي
نجد المحطات الفضائية الجديدة التي تكتسح السماوات والأرض وما بينهما من منازل
ومطاعم وفنادق ومقاه، نجد تلك المحطات تُدار بعدة عشرات قليلة من المتخصصين
الموهوبين، وكثير من هؤلاء الموهوبين فشل في الالتحاق بقبائل التليفزيون المصري،
لأن الموهوب كما هو واضح مما سبق فاشل والعيب فيه أصلاً، لعدم خروجه من البطن
المناسبة، أو عدم قدرته على التكيف مع جو الفساد العليل، وعلى المتضرر اللجوء
للفضائيات.
وعلى سبيل
المثال، فقد نجح الإعلام المصري في ظل "رعاية" الدولة في تحقيق سبق فني
وتقني وثقافي جليل، وهو تطوير أغاني المبايعة وأناشيد الإشادة
"الدائرية" (مثل أغنية "أخترناك")، التي يلتحم أولها بآخرها
ويمكن نظرياً أن يتم بثها للأبد ودون توقف. وقد استطاع التليفزيون بالفعل أن يحقق
أرقاماً قياسية عندما قام ببث إحدى تلك الأغاني لساعات طويلة متصلة، وتم قطع
الإرسال في النهاية لأسباب طبية عندما عجزت المستشفيات العقلية عن استيعاب الأعداد
الغفيرة ممن أصيبوا بنوبات الصرع والتخلف العقلي المفاجئ أثناء البث. وهذه الأغنية
الأوبرالية الأوركسترالية، يؤديها مئات المغنيين والممثلين والريجسيرات الذين
يصطفون على المسرح، لأن عدم المشاركة في الغناء يعد بمثابة الخيانة العظمى، يُحرم
معها الممتنع من التعامل مع التليفزيون والإذاعة والمسرح والسينما بل والنوادي
الليلية لسنوات طويلة. وهؤلاء المئات من "الفنانين"،
يغني كل منهم نفس المقطع لعدة دقائق، ثم يختار زميل يتسلم الراية من بعده، إلى أن
تعود له من جديد بعد عمر طويل ليستكمل الغناء بدوره وهكذا دواليك. وهذه الأغنية
تعد من أسلحة الدمار الشامل الاستراتيجية والتكتيكية في نفس الوقت، وعادة ما
تطلقها الحكومة علينا في شكل جرعات عشوائية متكررة، فتصيب المشاهد إما بالبله أو
الصرع أو الوفاة، حسب سرعة رد فعله وقرب أصابعه من زر الإغلاق في الريموت كونترول،
وذلك لأن تغيير المحطة لا يجدي، حيث أن جميع المحطات عادة ما تنضم معاً، لتتحالف
ضد المشاهد أثناء البث، لحصاره وتحقيق أكبر خسائر في الأرواح، مساهمة من إعلام
الريادة في مكافحة الزيادة السكانية، بعد فشل برامج الريادة ماركة "حسنين
ومحمدين" في تنظيم الأسرة.
في ظل
"رعاية" الدولة للإعلام، تبوأ عديمو الموهبة مقاعد الموهوبين، وطرد
الفاشلون ممن ينتمون لأحد بطون قبائل ماسبيرو، طردوا الناجحين ممن لا قريب لهم ولا
نسيب، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وكانت النتيجة أن تنامت الأكاذيب لتطغى على
الحقائق، واستشرت السخافة والسماجة لتغتال فنون الإعلام الأصيلة، واختلط الإعلام
بالإعلان، والحابل بالنابل، وترعرعت المجاملات على حساب الأمانة المهنية، وانتشرت
عمليات غسل المخ لتضخم الأمور العادية وتحولها إلى منجزات بلهنية ومعجزات خيالية،
بهدف تزييف وترويش الواقع الصفري الأليم، وتكفلت خدع المونتاج بتضليل المشاهد وحجب
الحقائق عنه، لأنه قاصر وعديم الأهلية ولا يستطيع تحمل الحقيقة، والحقيقة في
النهاية نسبية، ومن لا نسب له يضيع وسط قبائل أدغال ماسبيرو.
كل هذه
الإنجازات العظيمة هي نتيجة مباشرة "لرعاية" الدولة للإعلام، وهذه
"الرعاية" بالطبع ليست مجانية، فنحن نسدد ثمنها من جيوبنا كل يوم،
فميزانية الإعلام تستهلك عشرات المليارات، وهي بالمناسبة مليارات سائبة وغير خاضعة
لرقابة مجلس الشعب لأنها تمس الأمن القومي. ولا أعلم معنى إقحام الأمن القومي في
حماية الفشل القومي في مجال الإعلام، وهو الفشل الذي يتنامى يوماً بعد يوم. هل
نعلم أنه لا توجد أية محطة مصرية في قائمة أفضل عشر قنوات عربية، حسب استطلاعات
الرأي لاختيار أكثر المحطات العربية مشاهدة - مع الاعتذار لخيبة المونديال؟ وفي
نهاية الأمر، ما هو الهدف من هذه "الرعاية"؟ هل تظن الحكومة حقاً أن
الشعب المصري "أهبل" و"ريالته على صدره" حتى يصدق الطنطنة
الفارغة أو أكاذيب "أبو لمعة" الإعلامية؟ يعني صرف وصرفنا، وقرف
واتقرفنا، ورقدنا على ظهورنا كده مستسلمين ومستعدين لتصديق كل ما يقال، ولكن إذا
كان المتكلم "لا مؤاخذة"، فالسامع وهو الشعب لا يزال مع الأسف لديه بقية
من عقل وذوق، رغم أن الأول في تدهور يشهد عليه تزايد نسب الإصابة بالاكتئاب،
والثاني في انحدار يشهد عليه انهيار الذوق العام.
حقيقة لا
نعلم ما كان يمكن أن يحدث لولا هذه "الرعاية". هل كان يمكن أن يحدث أسوأ
مما نحن فيه الآن؟ ألم يشهد المسئول العظيم الغزو الثقافي والإعلامي الشامل الذي
جاء كنتيجة مباشرة "لرعاية" الدولة للإعلام؟ بالله عليك، إذا فرضنا أن
أحد الأعداء رصد كل الموارد المطلوبة بهدف غزو مصر ثقافياً وإعلامياً، هل كان يمكن
أن ينجح في تحقيق ربع الاختراق الناتج عن هذه "الرعاية"؟ إننا مع جزيل
شكرنا وكامل تقديرنا لتعب الحكومة معنا و"رعايتها" الشديدة لنا، فإننا
نقول لحكومة "الرعاية"، إن رعايتك على عنينا ولكنها لم تعد تلزمنا، وأنه
قد حان وقت الراحة، ونتمنى للحكومة نوماً هادئاً وأحلاماً طويلة
"دائرية"، على ألا تضيع أموالها – ولن أقول أموالنا- في هذه
"الرعاية" التي نرفضها، بل أعلن أننا في حاجة للتخلص من هذه
"الرعاية" في أقرب فرصة، قبل أن نجد أنفسنا جميعاً في غرف
"الرعاية" المركزة.
رسالة من الأم - بردية A Message from the Mother
حديث الأم
بردية
من أرشيف 2004 - نشرت في المصري اليوم أكتوبر 2004
أنا مصر، أمك، فانهض واستمع.
قلبي غاضب عليك وغضبي سيأكل قلبك إن لم تفعل ما يجب. إني أنظر إلى العالم الذي
يحيط بك وأشعر بالخطر. روح سخمت اقتربت من الأرض لتهيم قلقة فوق البحار والأنهار
والفيافي. لقد نسيت الطرق القديمة التي إياك علمت، ولم تتعلم أي شيء جديد له
فائدة. لقد منحني الله سر الحياة، وهو مخبوء في أرضي إلى يوم الدين، لا يستطيع أحد
أن يستخرجه. فقط لمن يؤمن بالخالق ويحرث الأرض ويرمي البذور ويعطي الفقير، سوف
يجيء الفيضان فيخرج الزرع وفيراً لكل من يحتاج. سري لن يفهمه المغرور الذي يتباهى
بالوفرة والراحة والتخمة ويستسلم للشبق. لن يستطيع الجشع أن يستخرج أسراري ليعبأها
في قنائن معدنية. لقد تعلمت الحكمة عبر آلاف السنين ولا تصدق من يقول أنه يستطيع
أن يحتال على الزمن أو يخدع الأرض. لابد أن تعمل بهمة عالية حتى يعرف البشر من كل
أمة قدري ويستمعوا لأحاديثي ففيها نجاتهم. إن لم تفعل هلكت وهلكوا معك أو بعدك
بقليل.
تشكو من الفاقة وتسألني
"لماذا أنا فقير؟" وأنت لم تخرج تبحث عن الرزق بعزة، بل اكتفيت بالجلوس تحت
قدمي الوالي تنتظر فتات خبزه في مذلة. تشكو من الظلم وأنت تجور على جارك، وتشهد
بالزور إكراماً للقوي، وتصنع التماثيل لتمجد المفسدين. تشكو من التيه وأنت تخشى من
الحفر لا تكاد عيناك تفارق الأرض. تشكو من الغزاة الأجانب الظالمين، وأنت لم تعلم
أبناءك فنون القتال بل تحايلت ألا يخدموا في الجيوش لأنك رغبت أن يعيشوا في دعة.
دولتك سوف تسقط يا كل من
حاربت الماهر والمتقن والموهوب ومنعته أن يتبوأ مكانه الذي يستحق ولو كان كرسيك
الذي تجلس عليه الآن. ملكك سوف يزول يا من عاقبت العامل وسجنت الطيب ووصمت الأبرياء.
لديك ملايين الجواهر التي أودعتها مملكتك وأقمتك عليها حام. الآن تشكو من زيادة
النسل وكثرتهم لك ثروة. كل جوهرة تأتي بالخير الوافر لمن يرفعها أو تجرح أقدام من
يمشي فوقها. الخرس لا ينشدون والأقزام لا يشيدون المسلات العظيمة. العبيد لن
ينصروك على كثرتهم وإن أقسموا على الطاعة والولاء. فقط الأحرار يمكن أن تقودهم إلى
النصر دون أن ينكصوا على أعقابهم فيخذلوك. فقط اللئيم يخشى من أعوانه الشجعان. لا
تضعف إخوتك الأقوياء ظناً أن هذا يحميك. لا يحميك إلا أن يكون لك إخوة أقوياء. أطلق
طاقاتهم تجدهم معك في كل ميدان فتنتصر. لا تدع جنودك يعيثون في الأرض فساداً
ويجورون على أولادي. معسكرات الجنود خارج المدينة ورزقهم يأتيهم من أهلهم المزارعين
طواعية. لا تدع عمالك يتكبرون على أولادي ويرهقونهم بالصكوك والأختام.
أنا أعطيك ما يكفيك فلا تأخذ
ما هو ليس لك. لا تأخذ جل المحصول من الفلاح الفقير بدعوى تدعيم الجيوش. العامل لن
يعمل إن لم ير ثمرة عرقه. لا تعط عمالك أقل مما يستحقون حتى لا يستحلوا أموال
الدولة التي أنت عليها راع. اسمع للصغير والكبير واعمل بأفضل ما تسمع مهما كان
مصدره. أجزل في العطاء لصاحب كل رأي تستحسنه. إن تنكر فضل الناصح لن يتردد على
مجلسك سوى السفهاء ويخلو رأسك من الأفكار الملهمة. لا ينقص من قدر الحكيم أن يعترف
بالخطأ ويرجع عنه. من يركبنه العناد والصلف عن أن يقول أنا أخطأت يغوص في الأوحال
حتى قمة رأسه. إن تصم أذنيك عن شكوى المظلوم يثقل قلبك بالخطايا ويأتيك صراخه يفزع
نومك. أنت وجنودك تتقاضون معاشكم مقابل
خدمة أولادي وحمايتهم. إذا انقلبت الآية وصار أولادي عبيداً لدولتكم زال ملككم ولو
بعد حين. خذ عبرة ممن ذهب من قبلك وهو في وسط جنوده.
إن ترغب في الاستفادة من
الكنز أنا أدلك على مكانه. في قلب كل واحد من أولادي وفي ساعديه وفي رأسه. إذا
جعلت قلبه حزيناً، وقيدت ذراعيه بالسلاسل، ووطأت رأسه بحذائك، فلا تشكو من الفاقة
وسوء المآل.
وائل نوارة
wael_nawara@hotmail.com