عادة ما يستخدم تعبير «التفتيش فى النوايا» بصورة سلبية ليدل على القمع والفاشية التى تصل لحد البحث فى مكنون الأنفس. ولكن فى حالتنا هذه، فإن البحث فى نوايا السلطة، قد يكون أهم بكثير من أى شواهد أو أدلة منطقية، ويصدق قول «إنما الأعمال بالنيات» إلى أبعد حد. نوايا السلطة يدركها المصريون بحدسهم العبقرى من شواهد بسيطة. الهدف الحقيقى من هذا المقال هو الخروج من الأزمة الحالية من خلال إعادة تثبيت النوايا وتغيير الإطار الفكرى الحاكم لدى المجلس العسكرى والثوار معاً. المقال ينطلق من الشعور بوجود فراق تدريجى فى النوايا تراكم حتى أدى إلى أزمة ثقة متبادلة بين الثوار والقوى السياسية من ناحية وبين المجلس العسكرى من ناحية أخرى.
بداية سوء التفاهم يكمن فى خلاف حول مصدر شرعية حكم المجلس العسكرى. المجلس العسكرى يقول إن مصدر شرعية حكمه هو إرادة الشعب التى ظهرت فى نتائج استفتاء 19 مارس، والثوار يرون أن المجلس يحكم بالشرعية الثورية وبموافقة الثوار التى تجلت فى العديد من هتافات الثورة (واحد - اتنين - الجيش المصرى فين) والرأى العام الذى ساد الميدان، وتأكد هذا بفض الاعتصام يوم 12 فبراير، وبموجبه فقد فوض الثوار المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الحكم، وقبل المجلس هذا التفويض كما ظهر فى بياناته، والأهم ظهرت «نيته» فى عمل بسيط ولكنه عظيم الرمزية، فى تحية عسكرية أو «تعظيم سلام» قام به اللواء الفنجرى – نيابة عن المجلس – تحية لروح شهداء الثورة. اغرورقت أعين المصريين أمام هذه التحية، التى حملت رسالة عميقة بصورة عبقرية.
فوض الثوار المجلس العسكرى فى الحكم لتحقيق أهداف محددة، وهى تفعيل الإرادة الثورية فى التحول الديمقراطى، وبهذا انحصرت مهمة المجلس العسكرى فى هدم أركان النظام القديم، وإدارة المرحلة الانتقالية لبناء نظام جديد. من الناحية الأخرى، المجلس يقول إنه شريك فى الثورة، وبعض الثوار يقولون إن المجلس شريك فى فساد النظام القديم ولا علاقة له بالثورة. وهذه بكل موضوعية مغالطة من جانب بعض الثوار، صحيح أن المجلس جزء من النظام القديم، لكن انحياز المجلس المبكر للثورة هو الذى أجبر «مبارك» على التنحى وجنب البلاد خطر مواجهات عنيفة.
والآن، يبدو أن البلاد تتنازعها إرادتان، إرادة الثورة فى التطهير وبناء نظام جديد نظيف ومعقم من فلول نظام الفساد، وإرادة المجلس فى أن يبقى الحال على ما هو عليه مع القيام بأقل التغييرات الممكنة. وجود هاتين الإرادتين يمزق مصر فى اتجاهين متضادين. الآن على المجلس العسكرى أن يعيد إعلان التزامه بكل أهداف الثورة روحاً، وليس فقط فى تنفيذ مظاهر شكلية لا تحقق التطهير الحقيقى المطلوب. على المجلس أن يستجيب لإرادة الثورة ويقوم بتطهير الإعلام والقضاء والشرطة وباقى وزارات وأجهزة الدولة. على المجلس أن يصدر مرسوماً بقانون بحرمان قيادات ونواب الفساد – من أعضاء الحزب الحاكم المنحل – من ممارسة الحياة السياسية تأسيساً على حكم المحكمة الإدارية بحل الحزب. على المجلس العسكرى أن يقوم فوراً بالإفراج عن الثوار المعتقلين الذين صدرت ضدهم أحكام عسكرية. على المجلس أن يستجيب لمطالب الثورة بخصوص قانون الانتخاب بالقوائم النسبية، ويبتعد عن فكرة مد العمل بالطوارئ أو التضييق على الإعلام.
كل هذه الإجراءات ستثبت أن المجلس مازال محتفظاً بنيته فى تنفيذ أهداف الثورة، وهى النية التى بموجبها استأمنه الثوار على الحكم فى المرحلة الانتقالية. أما إذا كان المجلس قد عدل عن نيته، فمن الأمانة أن يعلن عن هذا، ويتنحى عن تلك المهمة، ويعهد بالحكم لمجلس رئاسى أو مجلس انتقالى آخر يمثل الثورة. النية إذن مهمة، لأن الأعمال بالنيات، ولكل مجلس ما نوى
No comments:
Post a Comment