رؤية مصرية
الاغتصاب والاغتيال والتعذيب وأدوات الحوار
الأخرى – مقارنة بين عصر مبارك وعصر الليمون
وائل نوارة
في صباح 4
فبراير عام 2005، نشرت مقالا في المصري اليوم بعنوان " السجن والتشهير ...
وأدوات الحوار الأخرى"، وكان المقال يتحدث عن "الحوار الوطني" الذي
أقامه "الحزب الوطني" بدءاً من يوم 31 يناير 2005، والهدف المعلن لذلك
الحوار طبقا لكلام السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب
الوطني - (مبروك الإفراج والبراءة) - لجريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 19 يناير 2005
فإن "الحوار الوطني الذي دعا إلي إجرائه الرئيس حسني مبارك بين الحزب الوطني ومختلف
أحزاب المعارضة ... هو من أجل مصلحة الوطن في المقام الأول وتحقيق إصلاح مستمر يتفق
وقيم ومسيرة الإصلاح التي بدأها الرئيس مبارك، منذ أن تولي المسئولية."
أما الهدف الحقيقي الذي تكشف من محاضر جلسات الحوار فكان "تأجيل التعديلات
الدستورية التي طالبت بها قوى التغيير وعلى رأسها حركة كفاية وحزب الغد".
ونتيجة لإصرار حزب الغد الذي كان قد خرج رسميا للنور قبلها بثلاثة أشهر، على رفض
تأجيل تعديل الدستور، فقد استهل النظام الحوار – قبل الحوار نفسه بيومين – برفع
الحصانة عن النائب أيمن نور عضو مجلس الشعب والقبض عليه بتهمة تزوير توكيلات حزب
الغد يوم 29 يناير 2005، وفي نفس اليوم (قبل بدء الحوار بـ 48 ساعة) "أبدى
الرئيس المصري حسني مبارك، رفضه لمطالب المعارضة المصرية بتعديل الدستور، لاختيار
رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر بين أكثر من مرشح ، بحجة أن أي مساس
بالدستور سيؤثر على أمن واستقرار الوطن."
وقال مبارك لرؤساء تحرير الصحف - الذين رافقوه
على متن الطائرة التي أقلته السبت 29 يناير إلى أبوجا، حيث تعقد قمة الاتحاد الإفريقي
"إن الدعوة إلى تغيير الدستور باطلة ومن يتحدثون عن الانتخاب المباشر والاستفتاء،
ومحاولة المفاضلة بينهم، عليهم أن يدركوا أن الاستفتاء مؤسس على ترشيح من ممثلي الشعب".
ولإثراء الحوار، بعث النظام برجاله داخل حزب الغد لتهديد من لم يقبض عليه
"بعد" من الحزب بالويل والثبور والسجن والتشريد والتشهير، إن استمروا في
هذا الطريق، وصدرت تصريحات لجنة شئون الأحزاب بعد القبض على أيمن نور "بأن
حزب الغد ما زال قائماً وأن مجلس الشورى "يراقب" ما يحدث داخله من
تفاعلات عديدة سوف تحدد مستقبله" في دعوة لباقي قيادات الحزب بإعادة النظر في
موقف الحزب من القضايا المطروحة إن أرادوا "السلامة".
وكانت أهم شروط النظام لهذه
"السلامة" ووقف حملة الملاحقة والإفراج عن أيمن نور هي تغيير موقف الحزب
في الحوار الوطني من الإصرار على تعديل الدستور للقبول بتأجيله لما بعد الاستفتاء،
والشرط الثاني كان استبعاد الأستاذ "إبراهيم عيسى" من رئاسة تحرير جريدة
الغد. وكان إبراهيم عيسى فور أن تم القبض على أيمن نور قد عرض بنبل أن يتحمل هو
تكاليف تحرير وتجهيز الجريدة "لحين ميسرة" بما في ذلك أجور فريق العمل
ومصاريف التجهيز الفني، وكان المانشيت الرئيسي للعدد الأول بعنوان "حتى
القرود في حديقة الحيوان تعلم أن الاستفتاءات مزورة" – وهي الاستفتاءات التي
أشار لها مبارك في حديثه كرمز للنزاهة والتعبير الحر عن إرادة الشعب. وجاء مندوبو
النظام وعملاء مباحث أمن الدولة داخل حزب الغد بقرار شفوي وحاسم من النظام للعلم
والإحاطة، لن تطبع الجريدة واسم "إبراهيم عيسى" في الترويسة، وكان ردنا
هو إذا أراد النظام أن يوقف الجريدة فعليه أن يصادرها، ولكننا لن نقوم بحرمانه من
هذا الشرف بأن نتطوع نحن بوقف الجريدة. وهو ما حدث بالفعل.
وجاء مقالي يوم 4 فبراير في جريدة المصري اليوم
ليصف تلك الأحداث، ويقارن بين "الحوار الوطني" الرسمي المعلن، الذي يتم
في قاعات فخمة مكيفة، بالآليات المتعارف عليها، من خطابات وأوراق عمل ومواقف،
تتناولها وسائل الإعلام الرسمية بالتغطية، والمستقلة بالتعرية، وبين الحوار الوطني
الحقيقي في العالم العرفي المستتر على أرض الواقع، حيث أدوات الحوار، الاعتقال،
والتشهير، والتهديد. وانتهى ذلك المقال بهذه العبارة:
"لقد أرادت السلطة التصعيد، وبدأت في
الضرب بقوة تحت الحزام، ظناً منها أن هذا يكفل لها السلامة والخلود، ولكنني أقول،
أن هذا الطريق رأيناه من قبل، وهو طريق وعر عواقبه وخيمة، وأنا أدعو السلطة لإعادة
النظر في الأمر. فلن تستطيع السلطة، أي سلطة، أن تنتصر على إرادة الشعب. أيها
السادة لا تستمعوا، لأقاويل الخلود أو تنخدعوا، فاليوم آت آت، بل لعله قد أتى
بالفعل وأنتم لا تشعرون. أيها السادة، التغيير هو سنة الحياة، وإنكاره لا يعوقه
ولا يؤخره، بل أن قمع من يذكرونكم به يعجل به ويبرره."
واليوم، وبعد مرور 8 سنوات من النضال وقيام
ثورة أخرجت الرئيس محمد مرسي من السجن ووضعته على
مقعد الرئاسة، بينما حل محله في السجن الرئيس مبارك راعي الحوار السابق - كان
من المفترض أن توقظ هذه الثورة ضمير من بدلت أماكنهم، وأن يهز هذا المشهد الذي
تبادل فيه الرئيسان الكراسي والأسرة (جمع سرير) وجدان الرئيس الجديد القادم بقوة
الليمون، وأن ترج هذه المعجزة التي حول فيها الشهداء المستحيل إلى ممكن – أن ترج
قلوب غلاظ في جوف جماعة مافيا اعتادت على الصفقات المشينة والمهينة مع أعداء الوطن
والأنظمة القمعية السابقة – مثل صفقة الـ 88 كرسي، ولكن بدلاً من ذلك نجد المشهد
التالي المكرر.
الرئيس محمد مرسي (مبارك) يدعو المعارضة لحضور
جلسة الحوار الوطني (الرسمي) حيث ما زال هدف المعارضة كما هو رغم مرور 8 سنوات –
وهو تغيير الدستور وقيام دولة القانون وإخضاع الجميع – بما فيها جماعة الإخوان
المسلمين (الحزب الوطني الجديد) للقانون. ومع ذلك يتم الحوار في غياب المعارضة،
بينما يشارك في الحوار حلفاء الرئيس وجماعته، فيصبح حوارا من طرف واحد – أي
مونولوج، ومن المفارقات أن يكون من حلفاء الرئيس هذه المرة "أيمن نور"
وحزب غد "الثورة"، وهذا هو الحوار الرسمي المعلن الشكلي عديم الأثر.
أما الحوار الحقيقي العرفي، بين النظام الفاشي
ومعارضيه الحقيقيين، فيتم في الواقع الموازي بأدوات أخرى أشد عنفاً وتنكيلاً مما
مضى. فشباب الثورة وقادة حملة "إخوان كاذبون" مثل جيكا وكريستي والجندي،
يتم اغتيالهم واحداً بعد الآخر، والمتظاهرين المعارضين مثل السفير يحي نجم
والمهندس مينا والسيد "حمادة" يتم سحلهم وتعريتهم وتقليعهم هدومهم أمام
الكاميرات لإذلالهم وتحذير كل من تسول له نفسه أن يحذو حذوهم، ومن لا يستمع
للتحذير تتكفل به ميليشيات الرئيس بالتعذيب داخل قصر الاتحادية بإشراف رئاسي ثم
يضغط النائب العام على وكيل النيابة لسجنهم رغم كونهم ضحايا للتعذيب - حتى لا يحرج
قرار الإفراج عنهم الرئيس، والناشطات والمتظاهرات يتم اغتصابهن والتحرش بهن من
خلال عصابات بلطجة منظمة، وزعماء المعارضة يتم تكفيرهم واستحلال دمائهم والتحريض
على قتلهم، والإعلاميون يتم استهدافهم بالاغتيال مثل الحسيني أبو ضيف إن هم وثقوا
التعذيب والقتل – أو توجه التهم إليهم ويتم استدعائهم للنيابة كل يوم ويخرجون بكفالات
مالية ضخمة في خطوة أولى للتهديد، ويحاصرون في مدينة الإنتاج الإعلامي أو في مقار
صحفهم، أو ينكل بهم في التليفزيون المصري المملوك للشعب، أما القضاة، فتحاصر
ميليشيات الرئيس المحكمة الدستورية العليا وتمنع قضاتها من دخول المحكمة، وهناك
أدوات أخرى للحوار لباقي فصائل المجتمع مثل حجب اليوتيوب الذي فضح مؤامرة برهامي
لسرقة الدستور، ويفضح كل يوم ازدواجية خطاب الرئيس والجماعة في كل شأن أو سياسة.
فالحوار لا يستبعد أحداً، ويستخدم أدوات مصممة خصيصا لإرهاب كل فصيل وإحداث أكبر
قدر من الردع المادي والمعنوي ضده – من القتل إلى الاغتصاب والسحل والتعذيب وحسن
أولئك رفيقاً.
اليوم تطورت أدوات الحوار الوطني العرفي في
العالم الموازي الحقيقي: تطورت من مجرد السجن ومصادرة الصحف في عصر مبارك
"الطاغية" – لتتوسع في عصر الليمون - عصر الرئيس الرباني يوسف العصر
الحديث - الدكتور "محمد مرسي" فتشمل: الاغتيالات، والاغتصاب والتحرش
والتعذيب والسحل والتعرية والتكفير واستحلال دماء المعارضين وحصار القضاة والإعلاميين.
في عصر الليمون - اليوم في فبراير 2013 – نتأمل
الفرق بين المشهدين – ما حدث في فبراير 2005 – وما يحدث اليوم في فبراير 2013 –
بعد 8 سنوات من النضال والثورة – ربما نستطيع أن نتنبأ بنهاية هذا الحوار الوطني
الجديد، ونهاية هذا الحزب اللاوطني الجديد، وندرك عظمة وتميز الحوار بقوة الليمون في
عصر الليمون.
No comments:
Post a Comment