من أرشيف 2005
المصري اليوم فبراير 2005
الإصلاح بعد نقطة
انعقد الحوار الوطني ثم انفض، وأحيل ملف الإصلاح للسيد الرئيس، ليقول كلمته في بنود الإصلاح وفحواها وتوقيت كل من تلك البنود. ويرى أحد الأصدقاء من دكاترة السياسة، أن هذا هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع السلطة في مصر، منذ عهد الفراعنة وإلى الآن، فهي سلطة أبوية لها وجهان، أحدهما يتميز بالحنان والكرم، والآخر يكشر عن الحزم والشدة. والحصول على الوجه الأول - وجه الحنان والكرم - يتطلب الأدب والحلم، والتماس الطلبات في خنوع وخضوع، وتواضع وخشوع. أما أسلوب المطالبات والعرائض من عينة "لقد خلقنا الله أحراراً"، فلا يؤدي لنتيجة، سوى التفاف رأس السلطة، ليظهر وجه الحزم والشدة، وهراوات الأمن المركزي، وحصول رءوس المعارضة المتبجحة على كميات كبيرة من الشاش والقطن الطبي.
وإذا اقتنعنا بهذا التحليل، فيجب أن نشكر رؤساء الأحزاب المصرية، ونقدر لهم عميق فهمهم لآداب التعامل مع الحكم الأبوي، ولكننا نقترح أن يتم الحوار الوطني القادم في ميدان السيدة زينب، بحيث يجلس رؤساء الأحزاب على الرصيف، ولا بأس أن يطيلوا الذقون ويعفروا الوجوه بالتراب مثل المجاذيب، إظهاراً للغُلب والاستكانة وقلة الحيلة، وتأكيداً على روح التسول والمسكنة، ويستحسن أن يكون موعد الحوار قريباً من وقت الغروب، بحيث يكشف رؤساء الأحزاب عن رءوسهم حاسرين وقت المغربية، وترتفع أصواتهم في الدعاء الحار بطلبات تعديل الدستور– آمين. ولا بأس من الاستعانة بالخبراء الموجودين عادة بالميدان، سواء الحاجة "نظاكة" أو "أم سمسم"، وطبقاً لشروط الحوار، لابد من تعيين السيدتين في منصب حزبي رفيع كرئيس أو كنائب رئيس أحد الأحزاب المشاركة، لأن الحوار يقتصر فقط على رؤساء الأحزاب أو نوابهم.
ولقد جاء المقال الافتتاحي بأحد الصحف في اليوم التالي للحوار تحت عنوان "رجالة يا أحزاب مصر" بقلم (س.ر)، وعلى ما أذكر، احتوت الصفحة على عدة صور لشخصيات نسائية، ولم تظهر بها صور لأية قيادة حزبية من الرجال، ولا يمكن أن يأتي هذا كمصادفة، بل أظن أن الكاتب أراد أن يداعب قادة الأحزاب المصرية ويتندر باستكانتهم الشديدة، ولا أعلم ما هو محل التندر، إذا كان هؤلاء القادة الوطنيون قد قاموا بواجبهم في حدود الإمكانيات المتاحة، وطبقاً للسيناريو الموضوع. كما أصر رئيس حزب معارض عريق (ن.ج) على رفض استخدام كلمة "إصلاح" من الأصل، وعلل ذلك بأن الدعوة للإصلاح توحي بوجود "شبهة" فساد، وهو ما لا يتوفر في مصر على الإطلاق. فعلاً اللي اختشوا ماتوا وشبعوا موت، الفاتحة على أرواحهم الطاهرة.
ها هم القادة المغاوير، وقد أدوا دورهم في التوسل والمسكنة على أكمل وجه، وتصديقاً منا لنظرية الصديق الدكتور الخبير السياسي، سوف يأتي الإصلاح قريباً بإذن الله، وليس علينا سوى الانتظار والأدب والصبر الجميل، دون مطالبات حادة سخيفة مزعجة وعالية الصوت، قد تضر بموقفنا التسولي، حتى لا تهشنا السلطة وتنهرنا بعيداً عن الميدان، ونخرج من زفة الإصلاح صفر اليدين، دون الحصول على حسنة قليلة أو دستور جديد.
هناك مشكلة بسيطة، وهي أن الشعب قد يسأل عن موعد الإصلاح المرتقب، وهي بجاحة متناهية من عينة "شحات ويتأمر"، وأعتقد أن الحل أيضاً بسيط، فقادة الأحزاب بينهم أحد أساطين قراءة الكف والفنجان، ويمكن أن يدلنا على موعد الإصلاح بدقة كاملة، سواء بعد نقطة أو نقطتين، بما يعني شهراً أو شهرين، سنة أو سنتين، مدة أو مدتين، أسرة أو أسرتين، ولكنني أعتقد أن الإصلاح سوف يأتي بعد "نقطة" مؤكدة، سوف تصيب الشعب قريباً لا محالة.