تفسير
علمي مبسط لنحس الجماعة
رؤية مصرية
من أرشيف 2013 - نشرت بجريدة التحرير
وائل نوارة
احترنا في تفسير السلسلة المتلاحقة والمتسارعة للكوارث التي تلاحق مصر تحت حكم الإخوان، حيث يسقط الضحايا الأبرياء في حوادث قطارات وسفن وانهيار عقارات واشتعال حرائق بصورة متكررة أسبوعياً، ثم تطورت الأمور لتصبح الكوارث يومية، مع انضمام الأعاصير والزلازل لجبهة معارضي الجماعة، ثم تفاقم النحس بصورة غير مسبوقة حيث بدأت الكوارث تقع بمعدل كل ساعة، وأحياناً عدة كوارث أثناء الساعة الواحدة، وأصبح الواحد يستيقظ قلقاً بعد نوم سويعات، يتساءل عن عدد الضحايا الذين سقطوا من لحظة ما نام، ويتحسس رأسه ويقرص خده ليتأكد إن كان هو شخصياً ما زال حياً يرزق، أم انهار البيت على رأسه، أو خرم أحد القطارات على مُـلة السرير في غرفة نومه ظناً أنها أحد قضبان السكة الحديد، وذلك أثناء بحث القطار عن سيمافور شارد جنب الكومودينو، أو مزلقان تايه ناحية التسريحة.
ومع تزامن الكوارث مع زيارات وتشريفات كبار وصغار مسئولي الجماعة ومندوبيها، أصبح المحافظون والمواطنون يخشون من زيارة مسئولي الإخوان لمواقعهم، بل أشيع أن بعض الدول الأجنبية بدأت في إلغاء زيارات إخوانية كانت مقررة لبلادهم لتفادي النحس الإخواني الدكر، مع رفع حالة التأهب والاستعداد لأقصى درجة. ومع فشل الحكومة والوزارات المختلفة في تفادي هذه الكوارث أو التخفيف من حدتها المتصاعدة بالوسائل التقليدية، بدأ البعض يقترح بجدية استحداث جهاز حكومي جديد متخصص في طرد الأرواح الشريرة التي لبست البلد من ساعة ما مسكها اللي ما يتسموش، سواء عن طريق حفلات الزار، أو باستخدام السحر الشعبي والرقية الشرعية مع ما تيسر من البخور بالمستكة والحبهان والحشيش الأفغاني، مع إضافة قشر الليمون طبعاً من أطنان بقايا الليمون المعصور.
ورغم عدم إيمان الكثيرين بالنحس والتطير، إلا أن هناك تفسير علمي مبسط و"محصن" لكل هذه الحوادث وارتباطها بالجماعة الملعونة.
لقد خلق الله الكون ووضع فيه قوانين فيزيائية تجسد التناغم بين قوى الطبيعة، وشاءت حكمة المولى عز وجل، أن تعاقب الطبيعة كل من يحاول أن يهدم هذا التناغم أو يتجاهل قوانينها التي هي آية من آيات الله في الكون وفي الآفاق. مثال بسيط: لو تجاهلت قانون الجاذبية، وحاولت أن تغير مسار مياه نهر، لتصعد من الأرض الواطية لا مؤاخذة للأرض العالية، ستتكبد مشقة شديدة، بينما لو سايرت النهر واستفدت من قوة اندفاعه يمكنك أن تستخدمها في النقل وتوليد الطاقة والري وهكذا، ومن هنا نطق الأجداد بحكمة عظيمة تجسد إرادة الله: الميه مش بتمشي في العالي.
نفس الشيء في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية. نفترض
أن أحد الأحزاب مثلاً له شعبية 20% أو 25%، لكنه قرر أن يسرق بلداً بالكامل عن
طريق الصفقات السياسية المشبوهة والحيل والتلاعب مثلاً في تشكيل الجمعية التأسيسية،
كما نبهتنا اعترافات الشيخ برهامي كرم الله وجهه. ماذا سيحدث آنذاك؟ يتنبه أصحاب
البلد أن تياراً صغيراً منهم، يريد أن يسيطر وحده على مقدرات بلدهم ويغزو دولتهم
من خلال "تمكين" تنظيم عصابي "شاطر" من مفاصل السلطة ومفاتيح
الثروة، واغتصاب جسد البلاد وقتل روحها بالتلاعب في جيناتها الثقافية. وينتج عن
هذا بالطبع أن تقاوم البلد وتفلفص محاولة أن تنجو من الاغتصاب وخاصة مع قبح أفراد
هذه العصابة الذين يشبهون أبا لهب وأبا جهل وباقي الكفار في أفلام فجر الإسلام، مع
تميزهم بالغلظة وسوء الأخلاق والكذب والنفاق والجشع ونقض العهود والحنث باليمين
وتحليل الحرام وتحريم الحلال حسبما تكون مصلحة جماعتهم التي يكادون يعبدونها من
دون الله، حيث بدأت الجماعة كوسيلة دعوية لغاية نبيلة، ثم تحول تنظيم الجماعة نفسه
لمعبد وغاية في حد ذاته، وتناسى أفراد العصابة الغاية الأولى.
هل يمكن أن تلوم البلد على رفضها هذا الاغتصاب وإصرارها على
مقاومة هذا الغزو الفيروسي أو السرطاني الشرير؟ بالطبع لا. ما هي نتيجة المقاومة؟
حمى شديدة، حيث تتزاحم كريات الدم البيضاء وأجسام المناعة وتتسابق في مهاجمة
الفيروس أو الخلايا المصابة بالسرطان والعياذ بالله، وبالتالي تصاب بعض الخلايا
السليمة مع الخلايا المصابة في سبيل دحر الغزاة، فترتفع درجة الحرارة وينشغل الجسد
بالمقاومة. ماذا إذا كان هذا الجسد في الأصل يعاني من أمراض أخرى مزمنة؟ أو كان
يحتاج لعملية جراحية عاجلة؟ قد يضطر الجراح أن يؤجل العملية حتى تستقر حالة الجسد
وتنخفض درجة حرارته، وقد يتسبب تأخير العملية في مضاعفات سلبية تحل على الجسد، لكن
ما باليد حيلة، فالجسد مشغول بمقاومة الغزو كأولوية أولى.
هل يمكن أن ينتصر الفيروس أو الورم، وهو تركيبته الجينية
مستوردة أو محورة ومختلفة عن الجسد الأصلي؟ عادة لا. قد ينجح الفيروس أو السرطان في
أن يخدع خلايا الجسم ويغزوها بالكامل، ولكن في نفس اللحظة التي يعلن فيها انتصاره
النهائي والحاسم، يموت الجسم، ويموت معه الورم السرطاني، لأن خلايا الورم تحتاج
لعائل مكون من خلايا سليمة، ولأن خلايا الورم في حد ذاتها ليست بجسد صحي سليم، بل
هي مجرد خلايا سرطانية دخيلة.
نفس الشيء في السياسة. عندما تحاول جماعة واحدة أن تنصب على
باقي الشعب وتغير من هويته، تكون النتيجة الطبيعية أن يتصدى لها الشعب بمختلف
الوسائل، وبالتالي يحتدم الصراع، وبدلاً من استغلال موارد البلاد والطاقات الخلاقة
لشعبها في إصلاح المرافق المهترئة، والشبكات المتهالكة، والمنظومات الفاسدة، ينشغل
أهل البلاد في الدفاع عن هويتهم وحقوقهم وحرياتهم المسلوبة بـ "قيود كاملة لم
توجد من قبل في أي دستور مصري"، وصد عدوان جماعات الأمر بالمنكر، والتصدي
لبلطجة ميليشيات جماعات الشر، والإضراب احتجاجاً على غياب العدالة والعدوان على
القضاء والنيابة، والتخطيط للاحتجاجات والتظاهرات والعصيان المدني لرفض محاولات
الهيمنة وتغيير الهوية وسرقة الأرض والعرض.
وتمر الشهور والسنوات، وجماعة الشر لا تفكر إلا في التمكين
لنفسها وسلب ما ليس لها، وبالتالي تستمر المصادمات والصراعات، وتتوقف عمليات
الإصلاح والتحديث والإحلال والتبديل، فتتفكك وصلات القطارات وتتعطل أجهزة التحكم
عن بعد لغياب الصيانة، وتتدهور أحوال مرافق الدولة يوما بعد يوم، وتتآكل هوامش الآمان،
وتتضاعف مخاطر الانهيارات والحوادث والكوارث الطبيعية، ويصبح وقوع الحوادث بصورة
يومية أو شبه يومية حتمية إحصائية، بل أن الغريب والاستثناء يصبح أن تمر ساعة
واحدة دون حوادث. هذا هو النحس الدكر.
هناك فرق كبير بين النحس وبين البركة.
ما هي البركة؟ هي عكس النحس. البركة هي أن ترضى بنصيبك بل
تتنازل عن جزء منه، فيزيد ما عندك! هي أن تتحسن الأمور بصورة غير متوقعة نتيجة
وجود نفوس راضية ووجوه مبتسمة وناس تدعو لك بالتوفيق وتعمل على أن يأتي لك هذا
التوفيق. البركة هي أن تجد العون من آخرين قد لا تعرفهم، فيساعدونك على تحقيق هدفك
أو الهدف المشترك.
البركة تأتي من طاعة الله والتسليم بقوانينه وتعاليمه. إذا كان
لك 25% من بيت على المشاع ولإخوتك ملكية باقي الأنصبة، احرص على أن تشاركهم في ريع
العقار والقرارات التي تمس البيت. أما إذا احتلت عليهم للاستيلاء على أنصبتهم، فلا
عجب بعد ذلك إن امتنع أحدهم عن إصلاح عمود أو كمرة لأنه ذاهب ومهاجر بعيدا عنك وعن
جشعك. وعندما يقع البيت وينهار فوق دماغك، فلا تشكوَّن من النحس. فقد جلبته على
نفسك.