Thursday, June 17, 2010

Why Change

لماذا التغيير ؟ ١


 

لابد من ربط قضية التغيير السياسي بالمشاكل الحياتية للمواطن، الذي قد يعتقد لأول وهلة أن التفكير في – فما بالك بالمشاركة في أو المطالبة بـ – تعديل الدستور أو إصلاح النظام السياسي هو ترف لا يملكه من يشغله هموم قوت يومه، أو الحصول على موقع متقدم في طابور الخبز أو أنابيب البوتاجاز.


 

لكن حقيقة الأمر بالطبع هو أن كل هذه المعاناة في شتى أمور الحياة وراءها بالتأكيد سبب سياسي مباشر.


 

  • فبداية - مواد الدستور الحالية لا تسمح بتداول السلطة، وبالتالي، لا يمكن للمواطن أن يقوم بتغيير رئيس الجمهورية أو حتى رئيس الوزراء، ولا حتى أحد الوزراء، وبالتالي، فإن ولاء هؤلاء ليس للمواطن لأنه لم ينتخبهم ولا يستطيع في ظل النظام السياسي القائم أن يقوم بتغييرهم إن لم يرض عن أدائهم، أو لم يرض عن أحواله وأحوال أسرته التي تتدهور باستمرار في ظل حكمهم المؤبد. ما الداعي لأن يعمل هؤلاء على توفير الحياة الكريمة له ولغيره من المواطنين، إذا كان بقاؤهم غير مرتبط برضاه أو تحسن أحواله المعيشية؟ بل أن هؤلاء باقون بسطوة الأمن، فينفقوا جزءاً كبيراً من موارد البلاد – التي كان من المفترض أن تستثمر في تحسين الوضع الاقتصادي والبنية التحتية والخدمات الأساسية من تعليم وصحة وطرق ومياه وكهرباء وخلافه – ينفقوا كل تلك الأموال على المزيد من قوات الأمن الداخلي لقمع المواطنين وإعاقة حركة التداول المرن للسلطة.
  • الفساد في أصله هو فساد في العلاقات، بحيث يحصل البعض من ثروات الوطن وأراضيه وفرص العمل فيه، والارتقاء الاقتصادي والاجتماعي والوظيفي والأكاديمي (إلخ)، على قيمة تفوق بكثير القيمة التي يقدمونها للاقتصاد وللمجتمع. وفي ظل الحكم الأبدي الطويل، تتولد شبكة من العلاقات الفاسدة بين الحكام وبين شركائهم من رجال الأعمال الفاسدين، لتحل محل القوانين الطبيعية القويمة، التي تكفل لكل مواطن فرصاً متكافئة، فتكون النتيجة أن يستولى الفسدة على مقدرات وثروات الوطن في ظل زواج غير شرعي بين السلطة والثروة، كل هذا على حساب المواطن، ولا يمكن أن تتحسن أحوال المواطنين إلا بفك هذه العلاقات غير المشروعة من خلال تقنين وتحدبد مدد الحكم، بحيث يعلم كل مسئول أن بقاءه لفترة محدودة، يخرج بعدها من السلطة، وتقل فرص تكوين تلك التصاهرات الفاسدة بين السلطة وبين الفسدة من أصحاب الاحتكارات.
  • نسمع كثيراً عن احتكارات متنوعة في مجال مثل الحديد مثلاً، وهو صناعة رئيسية تدخل في البناء وفي معظم السلع والخدمات بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ماذا يحدث عندما يسيطر أحد المحتكرين على القرار في الحزب الحاكم فتصبح سلطاته فوق سلطات الحكومة ومجلس الشعب ومجلس الشورى ومجلس الوزراء. كل هذه المجالس تخضع لمشيئته وتعمل في خدمته، تفصل قوانين غسيل الأموال وقوانين "منع الاحتكار" على مقاسه وحسب مزاجه الخاص.، ورغماً عن الحكومة، ووزير التجارة، أقر مجلس الشعب قانون منع الاحتكار بصورة معيبة تخدم ذلك المحتكر وتمنع محاسبته. كيف أصبح شخص "يتهمه الرأي العام بالاحتكار"، هو المسئول عن صياغة قانون "منع" الاحتكار في "البرلمان"؟ وأي برلمان يكون هذا؟ كيف أصبح من يتهمه الرأي العام بالاستيلاء على أحد أهم أصول الدولة بسعر بخس وبأسلوب يفتقر للشفافية، هو المسئول عن الصياغة النهائية، لقوانين غسيل الأموال؟ ألم يتراءى لأولي الأمر أن هذا قد يدخل في باب تضارب المصالح لا قدر الله؟ أي قوة وجبروت، بل أي عبث سيريالي خيالي، يجعل مثل هذه اللامنطقيات العبثية حقائق واقعية؟ هو منطق القوة والفساد الذي هو فوق العدل. منطق السلطة التي هي فوق الشعب. منطق الفساد الذي استشرى حتى أصبحت الكتابة عنه تصيب المعارضين بالخجل.

وهكذا ...


 

  • المقال التالي – يتحدث عن كارثة اختلاط مياه الصرف (غير) الصحي بمياه الشرب (غير) النظيف، وعلاقة هذا بفساد البنية الدستورية والإدارية للدولة، عندما يحرم المواطن من اختيار العمدة والمحافظ ورئيس الحي ....


 


 

محافظ التيفود :


 

أنت فعلاً


 

غير مسئول


 

السيد المستشار الدكتور اللواء المحافظ أعلن بكل جرأة أمام مجلس الشعب أنه غير مسئول عن إصابة المئات من إحدى القرى التابعة للأبعدية القائم عليها بالتيفود نتيجة لتناكح كائنات الصرف غير الصحي - بكائنات صديقة تسكن مياه الغسيل المخصصة حالياً للشرب. وأعلن المحافظ بعين واسعة جدا أن المسئول هو وزارة الإسكان والمركزية البغيضة الوحشة. وأنا من جانبي أؤيد المحافظ، لأنه بالفعل غير مسئول.

من أسبوعين تصادف أن كنت أؤدي واجب عزاء في قرية بلقس بمحافظة القليوبية، وهي تبعد عن القاهرة مقر كرسي البابوية المركزية البغيضة حوالي 4 أو 5 كيلومتر. وهالني ما رأيته فور أن انحرفت عن الطريق الدائري، في طريق الندامة إلى بلقس إن جاز استخدام لفظ طريق ليصف تجمع عشوائي من الحفر والمطبات والعوائق والألغام والأسبتة التي تغطي الآبار العميقة. فالدليل الوحيد والعلامة الأكيدة أنك على الطريق هو هذه العوائق المرصوصة وراء بعضها، ولو تركت الأرض لحالها دون أي تمهيد لكان من المستحيل أن تحصل على هذا التنوع الطبوغرافي والجيولوجي غير المسبوق، فهناك الهضاب والتلال العالية، والوديان والمنخفضات العميقة، والمنحدرات الوعرة، والآبار والمصارف المغطاة والمفتوحة، والأحجار البركانية والنيزكية والترسيبية والطباشيرية المتنوعة، وهكذا. وما أن دخلت بلقس نفسها حتى علمت أن الطريق خارج بلقس هو نعمة تستحق الحمد والشكر الجزيل، فما اضطررنا للمرور به من أهوال تعجز الأقلام بل المطابع عن بيانه، وتجف أحبار العالم قبل أن نفيه حقه وصفاً، فحمدنا الله شاكرين على نعمة المشي، وأدركنا لماذا حبا الصانع الأعظم الإنسان بأرجل ولم يجعله يمشي على عجل بكرونة للجر الخلفي أو كبالن للجر الأمامي.

وتعجبت، إذا كان هذا هو حال بلقس التي تبعد عن كرسي الحكم بعدة كيلومترات، فما بالك الحال في قرى النوبة أو جمهورية قنا الشقيقة التي تبعد ألف كيلومتر عن كرسي المركزية البغيضة. لم يدر في خلدي في لحظتها أن ألقي باللوم على السيد المحافظ إطلاقاً، لعلمي أنه غير مسئول. لماذا يزور المحافظ -غير المسئول- بلقس أو غيرها أو يهتم بمشاكلها؟ هل يقوم أهل بلقس مثلاً باختيار المحافظ وبالتالي يتعين عليه أن يحقق مصالحهم أو يعمل على اكتساب رضاهم وأصواتهم؟ أبداً، فالمركزية البغيضة هو الذي يعين المحافظ وهو الذي سوف يرفده بعد زمن طال أو قصر، ليلقي للجماهير الهائجة بكبش فداء جديد يغرسون فيه أنياب الغضب ويلهيهم عن المشكلة الحقيقية، وهذه هو التوصيف الوظيفي الحقيقي للمحافظ أو الوزير، حيث تنحصر مسئولية المحافظ في أن يكون رمزاً لرمي الجمرات واللعنات، بمبدأ واضح ومعروف للكافة قبل التعيين، أن الإنجاز لنا والخير منا أما الشر فهو من أنفسكم ونتيجة لسيئات أعمالكم.

هل لا يعلم المحافظ أن جزءاً كبيراً من أهل القليوبية وأهل محافظات أخرى كثيرة لهم سنوات يشترون المياه من سيارات الفناطيس لأن الله حباهم بحاستي الشم والتذوق ، أي أن لديهم ذوق على عكس غيرهم، وما تذوقوه من مياه الشرب أكد لهم دون شبهة شك بوجود التناكح غير الشرعي الذي تحدثنا عنه بين مياه الصرف – غير الصحي – وبين مياه الغسيل الذي يوافق المحافظ على أن يشربوها عوضاً عن مياه الشرب؟

المحافظ طبعاً غير مسئول عن بقاء هذا الوضع لسنوات طويلة، ولكن عندما يتعلل بالمركزية البغيضة، أهمس في أذنه الطاهرة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فالمركزية البغيضة الذي يتحدث عنه هو الذي وضعه في مكانه وتركه فيه لاهياً عن حال أهل محافظته مشغولاً بمبايعته. لماذا يهتم المحافظ بأهل الأبعدية إذا كان ليس لهم يد في اختياره أو بقائه؟ يكفيه أن يبايع ويبارك المركزية البغيضة ثم يلقي باللوم على وزارة أو حكومة، أو شركة مقاولات، أو مهندس أو حتى خفير درك، فكل هذا لا يهم ما دام حاصل على رضا المركزية البغيضة بدليل استمراره في منصبه رغم أنف أهل الأبعدية. المحافظ بدلاً من أن يحافظ على أهل الأبعدية، انشغل بأن يحافظ على المركزية البغيضة، وبالتالي أصبح محافظاً على التيفود وكل المصائب الأخرى.


 

طيب، عندما اكتشف الوزير لمدة سنوات طويلة تدهور شبكة الصرف المرضي، وتناكح كائنات المجاري بمواسير مياه الغسيل، لماذا لم يحرك ساكناً؟ لأنه كان مشغولاً في إرضاء المركزية البغيضة. طيب – عندما شكا للحكومة بفرض أنه شكا، واكتشف أن الحكومة لم تهتم أو أن الوزارة مهملة أو أن الشركة وحشة وكخة، ماذا كان رد فعله؟ الله أعلم. طيب نرجع نسأل: هل إذا تجرأت مياه الصرف بمعاكسة وليس مناكحة مياه الشرب في قصر الوزير، وأهمل السباك في الإصلاح، أو أهمل الحي كله، هل كان المحافظ سيصبر لأعوام طويلة ثم يلقي باللوم على الآخرين عندما يمرض أولاده والعياذ بالله بينما يستمر هو في مبايعة المركزية البغيضة؟ لماذا لم يستقل المحافظ من مركزه عندما اكتشف أن المركزية بغيضة وكخة ولا علاج لها سوى العزل الذي ليس بيده؟


 

هنا السؤال يصبح، إذن من هو المسئول الحقيقي عن وجود واستمرار المركزية البغيضة؟ بالتأكيد المحافظ والوزير والحزب مسئولون كل بقدر في مجاله، لكن المسئول الحقيقي هو أهل بلقس نفسها. أهل القليوبية. أهل الدقهلية وأسوان والأسكندرية والقاهرة، الذين قبلوا أن تقوم المركزية البغيضة بانتزاع حقهم في اختيار ومساءلة وعزل المحافظ والعمدة وشيخ البلد، المسئول هو كل شخص قال لا يهمني الدستور ولا السياسة، لا يهمني أن أختار العمدة أو رئيس الحي أو المدينة، لا يعنيني أن أختار المحافظ أو الرئيس، ما دمت أتسمم عيشاً ولو معجوناً بمياه الصرف فسوف أمشي جنب الحيط. عندما قبل أهل البر، أن يستمعوا لكلام دعاة الشر الوطني الأوتوقراطي، الذين دائماً ما ينصحونهم بأن أن يصمتوا ويطأطؤا الرأس، ويقولوا وانا مالي، فقد وقعوا جميعاً وبصموا بأصابع أيديهم وأرجلهم هم وأهلهم أجمعين على تفويض باستمرار المبايعة للمركزية البغيضة، بل وقعوا وختموا على طلب حار ورجاء ذليل بالإصابة بتيفود الصرف غير الصحي، والموت حرقاً في قطارات المركزية البغيضة، والوفاة غرقاً في عبارات المركزية البغيضة، ثم الموت ضحكاً على كلام محافظ التيفود ربيب المركزية البغيضة.

No comments:

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook