Thursday, January 20, 2011

بين وعي اللا وجود و وجود بلا وعي 7


قصة لم تتم فصولها بعـد



بينما ترفرف روح خالد سعيد بيننا عبر أيام وليال طويلة، تقودنا نحو ما يجب أن نفعله، تنجلي الحقيقة المؤلمة أمامنا وكأنها حيوان اسطوري يواجهنا عيناً لعين للحظة  قبل أن ينقض علينا ليغرس أنيابه في قلوبنا.

لقد مات خالد سعيد، لكن وعيه حي، يتمدد بصورة طاغية، ليسد الفجوات الواسعة التي تقطن مكان أرواحنا.

ننظر إلى وجهه الذي لا يبتسم ولا يعبس، فقط ينظر، هو كتلة من وعي اللا وجود تفرض نفسها على كل موجود بلا وعي.


ننظر إليه، لنستمد قوة  استحال علينا لسنوات استخلاصها في أوضاع يومية منحنية بخزي، عندما يبيع كل منا نفسه مقابل كسرات خبز يغمسها  باللا وعي، يتبلعها بسائل مسكر نتجرعه كل يوم، محلى بسم فيه فناء الأمة.









جمعة الغضب 6



متى نقيم التكبيرة الرابعة؟



وفيما انتهت الصلاة رفض الخطيب على ما يبدو أن يؤم صلاة الجنازة على الميت، ربما لأنه خشي أن تحسب تلك الصلاة بصلاة الغائب على الفقيد خالد سعيد شهيد الطوارئ، فيلقى العقاب والتوبيخ من الجهاز الأمني التابع له، فأم صلاة الجنازة أحد الحاضرين، وفي الأرجح أن تلك الصلاة لم تتضمن سوى 3 تكبيرات بدلاً من أربعة بسبب حالة العرج والفوضى التي تسبب فيها ما حدث  ... وتبقى التكبيرة الرابعة، التي لابد وأن يقيمها المصريون جميعا، يوم أن تتحرر مصر، وعندها تستريح روح خالد سعيد، ويستطيع أهله أن يتقبلوا العزاء فيه ...

وبالطبع أغضب هذا كله أهل الميت المكلومين في فقيدهم، كما أغضب المتظاهرين المكلومين في وطنهم، ولكن يبقى السؤال، إلى متى تقوم الأجهزة الأمنية في استخدام رجال الدين بهذه الطريقة المهينة للدين وطقوسه ورجاله ...

ومع خروج المصلين من المسجد وجدوا آلاف المتظاهرين ينتظرونهم في الشارع، ولم تزد تلك الحيلة الأمنية الخائبة الموقف إلا سخونة وغضباً، وبالطبع فشلت جهود الأمن كالعادة في تحقيق أهدافها وانقلب السحر على الساحر مثلما يحدث في كل مناسبة.


جمعة الغضب 5



 الخطبة العشرينية


وتواصوا بالحق ... وتواصوا بالصبر




وفجأة صاح أحد المصلين وهو من أهل الميت على الأرجح، معترضاً على هذا التطويل الممجوج، الذي لايراعي ظروف الموتى ولا الأحياء، ولا يرضى به أهل الأرض ولا رب السماء، وفي لحظة، انقلب صحن المسجد لساحة من التكبير والصياح والاستنكار حتى ينهي الخطيب خطبته العشرينية، حيث تحتوي على عشر معاريج وعشر سنوات وما لا يقل عن عشرين قصة من قصص الأنبياء والرسل المرتبطين بتلك المعاريج ...

قاوم الخطيب هذه الثورة محاولاً تنفيذ التعليمات، والإطالة في الخطبة، فبدأ في إلقاء الأشعار والأهازيج، مستنكراً سلوك المصلين، محذراً إياهم من نقمة أكيدة تحل عليهم قريباً، معلناً بطلان صلاة من صاحوا من أهل اللغو، بينما بدأ بضعة من المخبرين المدسوسين وسط المصلين في الاعتراض على المعترضين، موضحين حرمانية ما يفعله هؤلاء، ولكن معظم المخبرين خشي من انفضاح أمره وسوء العاقبة إن اجتمع عليه المصلون الغاضبون، فآثر الصمت، واستمر الخطيب لعدة دقائق في خطبته التي لم تعد مسموعة من فرط الصياح الغاضب ، ولكن مجموعة من المصلين الغاضبين بدأوا يقتربون من المنبر، فخشي الرجل على نفسه من فتك الجماهير الغاضبة، فنزل مهرولاً في خزيه من على المنبر وأقام صلاة مضطربة، بدأ فيها بسورة النجم التي يبدو أنه كان انتوى بها استهلاك نصف ساعة إضافية في الركعة الأولى، ولكنه أدرك أن ظهره مكشوف بعد أن نزل عن المنبر، وخشي من المصلين وأهل الميت أن يفتكوا به وسط الصلاة بعد أن تبينت نياته الأمنية، فاقتصر على بضع أيات من السورة في الركعة الأولى، ثم عرج على سورة العصر في الركعة الثانية وهي إحدى أقصر قصار الصور من جزء عم،  موجها رسالة قرآنية للمصلين والمتظاهرين، كمنت في أيات سورة العصر، بأن مصير سعيهم هو الخسران، ما لم يتحلوا بالصبر ويتواصوا به فيما بينهم. لكن الله أبى إلا أن يتم نوره في آخر آية، مطالبا المؤمنين في النهاية أن يتواصوا بالحق الذي - غاب ودفن كما سيدفن خالد سعيد - قبل أن يتواصوا بالصبر الذي قصده الخطيب ومن قبله المباحث.

جمعة الغضب 4




معراجان من المعاريج العشرة


وبعد مرور حوالي نصف ساعة، بدأ الخطيب في موضوع الخطبة، بالشرح التفصيلي لكل معراج، وبدأ بالمعراج الأول، حيث السماء الدنيا، وبه أول البشر آدم عليه السلام، ثم بدأ يشرح لماذا جاء آدم في السماء الدنيا رغم أنه أبو البشر أجمعين، وأكد أن مكان آدم هذا لا ينتقص من مكانته، وبأن مفهوم المكان عند البشر لا علاقة له بالمكانة عند الإله، ودلل على ذلك بأن العبد في السجود هو أقرب إلى الله مكانة، رغم أن رأس الشخص المنتصب القامة أقرب إلى السماء عن رأس الساجد، ثم شرح أوجه النبوءة والتشابه بين السماء الأولى، وبين السنة الأولى من الهجرة، حيث خرج آدم من أحب مكان إلى قلبه وهو الجنة، وخرج الرسول عليه الصلاة والسلام من أحب الأماكن إلى قلبه وهي مكة، واستغرق حوالي ربع ساعة في ذلك المعراج رغم أن لم يكن به إلا نبي واحد، وهو آدم عليه السلام.

وبعد أن مرت ثلاثة أرباع ساعة من الخطبة الدسمة، دخل الخطيب في المعراج الثاني، وشرح أن به عيسى عليه السلام ويحي عليه السلام، وبدأ بتوضيح سريع، يربط بين تسمية أتباع سيدنا عيسى بالنصارى لأنهم نصروه، بينما وتهامس المصلون بأن سيدنا عيسى جاء من الناصرة(!)، ولكن الخطيب استمر دون تردد أو شكوك، ليربط بين تسمية مؤيدي عيسى بالنصارى، وبين تسمية أهل المدينة بالأنصار لنفس السبب وهو نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهم الذين استقبلوا الرسول وأيدوه لتصبح المدينة قاعدة لانطلاق الإسلام ونصرته في مشارق الأرض ومغاربها، وكيف جاء انتصار بدر، وكيف قاتل أهل المدينة جنباً بجنب مع الرسول عليه الصلاة والسلام في بدر، رغم خلو بيعة العقبة من بند يلزمهم بذلك ...

مرت ساعة كاملة والخطيب لا يزال في منتصف المعراج الثاني، يشرح بعض أحداث السنة الثانية من الهجرة، وهو لم يتحدث بعد سوى عن نبيين، ولا زال أمامه في المعراج الثاني يحيى عليه السلام، وهناك معاريج ثمان أخرى، تذخر بالعديد من الأنبياء والرسل، مثل يوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم ونوح عليهم السلام أجمعين، ولا زال هناك ثمان سنوات ونصف من الهجرة لابد من شرحها، وتوضيح العلاقة الدقيقة بين كل سنة والسماء التي تقابلها في المعاريج، والدلائل التي تؤكد هذه العلاقة بما هو وراء أي شك، والأراء المختلفة للعلماء الأجلاء حول هذه الأدلة، وما هو راجح منها وما هو غير راجح، ...

وفي نفس الوقت، انتظر الآلاف من المصلين والمتظاهرين الذين لم يسعهم مسجد سيدي جابر تحت شمس يونيو القاحلة خارج المسجد، محاطين بجحافل قوامها عشرات الآلاف من قوات الأمن المركزي وقوات قمع التظاهر، وسيارات  الشرطة المدرعة، ومئات اللواءات والعمداء والعقداء والضباط والمساعدين والأمناء والمرور في حللهم الرسمية، ورجال المباحث والمخبرين ورجال البوليس السياسي في ملابس مدنية، كل هؤلاء مهددين بالإصابة بضربة قاضية من شمس يونيو الحامية.

وبات واضحاً أن الخطيب قد تلقى تعليمات صريحة من الجهات الأمنية، بأن حشد كل قدراته على الإطناب والحديث لساعات طويلة مضنية، حتى يرهق المتظاهرين فيصابوا بالضربة القاضية الشمسية، بما يضمن إجهاض المظاهرة الوطنية، وانتقال المتظاهرين في سيارات الأسعاف إلى المستشفيات الدانية والقصية.

وبينما صبر المتظاهرون على هذا الأذى المتعمد حتى لا يتهموا بإساءة الأدب في المسجد، كانت هناك جثة مسجية، حولها أهل مكلومون، ينتظرون انتهاء الصلاة ليقوموا بالصلاة على فقيدهم أو فقيدتهم، وإكرام الميت دفنه، وخاصة في هذا الحر الشديد الذي يؤذي أجساد الموتى قبل الأحياء ...

بدأ المصلون كل في ذهنه يقوم بحساب الوقت المتبق من الخطبة، فإذا كان أول معراجين قد استغرقا حوالي الساعة، وهناك معاريج ثمان أخرى، فمن الممكن إن استمر الحال على ما هو عليه، أن تستمر الخطبة لأربع أو خمس ساعات إضافية، فتتصل صلاة الجمعة بالعصر والمغرب، ...

جمعة الغضب 3

حشود فات وقتها؟









من كل هؤلاء القادمين؟ لماذا لم يتدخل أي منهم ليمنع عنه بطش المعتدين؟ وما الفائدة الآن من هذه الحشود؟


لكن خالد ينظر باهتمام. هو لا يبتسم ولا يعبس




فقط ينظر بوعي من يعرف سرا لن يبوح به الآن.




هذه الحشود ستتضاعف، عندما تحين الساعة.




هذه الحشود، لم يفت وقتها، بل أن ساعتها لم تحن بعد




هي في مرحلة الاستعداد.




جمعة الغضب 2

علماء السلطان :


خطيب برتبة مباحث

استفاض الخطيب في الاستهلال بالشعر والزجل لمدة حوالي ربع ساعة، مطنباً في المقدمات والحواشي والتواضيح ثم دخل على ما حدث بالطائف وقصة الأخشبين،  واستشهد بها ليدلل على صفات الدعاة وكيف يجب أن تأتي أخلاقهم وصفاتهم، وأردف مستعيناً بالمزيد من الأشعار والتسبيح لرب الأرباب ومسبب الأسباب والمديح في الرسول المصطفى، ثم أعلن عن نيته في الحديث عن الإسراء والمعراج بمناسبة قرب حلول ذكرى الإسراء والمعراج بعد حوالي شهر والله أعلم، وشرح شهور السنة، والأشهر الحرم، وما يستحب فيها وما هو مكروه، وبدأ بشرح الأدلة الأكيدة على حدوث الإسراء والمعراج حقيقة وليس مناماً، مستشهداً بالآيات والبراهين المنطقية، ثم ذكر أن المعاريج عشرة، كل معراج منها يمثل سماء، وفي نفس الوقت يمثل نبوءة لما سيأتي من أحداث، فكل معراج في رأيه كان يصف سنة من السنوات العشر الأولى من الهجرة، ثم وصف الخطيب المعاريح العشرة باختصار في حوالي ربع ساعة، منبهاً المصلين للأنبياء والرسل الكرام الموجودين بكل معراج، مصلياً على كل منهم، شارحاً كيف فضل الله الرسول عليه الصلاة والسلام على كافة الرسل والأنبياء بأن عرج به وحده على سدرة المنتهى وما بعدها، حيث يغشى البصر ما يغشى، وقرأ الآيات التي تؤكد هذا.






جمعة الغضب 1


خالد سعيد : وعي اللاوجود



رفرفرت روحه مع آذان الظهر في قلق من لا يعلم كيف ستنتهي الأمور، نظر للحشود المتقاطرة من بعيد، فشعر بموجة هي خليط هادر من مشاعر لم يستطع أن يحدد كنهها، فاضت على روحه فسالت دموعه رغماً عنه، مد يده ليمسح تلك الدموع، ليصطدم خالد لعاشر مرة اليوم بوعي اللاوجود، بأنه لا دموع له ولا يد تمسحها، بعد أن قررت طغمة من الساديين، أن تخرج شحنة من غضب مكبوت مغلف بالنقص ومتشح بسلطة غاشمة، لتفرغها في جسده النحيل، تطحن رأسه في الأراضي والحوائط،، متلذذة بتصويبها نحو زوايا حادة مؤلمة لرخام بارد، تتفجر معها أجزاء متفرقة داخل رأسه بصنابير نازفة، ليحمل الرخام إلى الأبد في تجويفاته شعيرات من بقايا جسده، مزيج وردي يحوي طحين جلده ولحمه ودمائه وعظامه.



رأى طوال الليل عربات الأمن الضخمة تنقل قطع لا تنتهي من سياجات حديدية، ومنذ شقشقة الفجر، تحركت عربات أخرى، تحمل مئات الجنود، وكأن الحرب ستقوم غداً. 




وبالتدريج، تمدد وعي اللا وجود لديه، ليدرك أن كل هذه السيارات والمدرعات، إنما جاءت لتواجهه هو.




ليس لتواجه المتظاهرين أو المحتجين الذين حملوا لافتات تستلهم صورته.




هو ... الميت الحي، كتلة من وعي اللا وجود، يتمدد تأثيرها فيستدعي الحشود، ويتقاطر المخبرين والضباط والجنود، ليحاربوا عودة الوعي المفقود.









My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook