تأريخ المستقبل
كتبت في يناير 2005
صالحة حتى اليوم في سبتمبر 2010 – وتمتد فترة الصلاحية للمستقبل المنظور طالما ظل النظام على حاله
قرأ المصريون جميعاً تصريح السيد أمين عام الحزب الوطني، الذي أعلن فيه عن تسمية مجلس الشعب للرئيس في مايو القادم، بحيث يجري الاستفتاء في شهر سبتمبر، وأعلن السيد الحزب، أن مجلس الشعب سوف يُدعى إلى الانعقاد لمدة يوم واحد عقب إعلان نتيجة الاستفتاء، موضحاً أن الرئيس مبارك سوف يقوم في تلك الجلسة "التاريخية" بحلف اليمين إيذاناً ببداية فترة رئاسية "جديدة". لم يقل الأمين المساعد أن "الرئيس المنتخب"، أو "الرئيس الفائز" في الاستفتاء سوف يقوم بحلف اليمين، بل أكد أن الذي سوف يقوم بحلف اليمين هو الرئيس مبارك. لم يستخدم الأمين المساعد أي ألفاظ محايدة أو عبارات غير مؤكدة، قد توحي – مجرد الإيحاء – بأن هناك فرصة أمام الشعب للاختيار، أو بأن هناك أدنى شك في نتيجة الاستفتاء، مما يؤكد فعلاً أن الجلسة "تاريخية"، وليست في علم الغيب أو قيد المستقبل، فقد تحددت نتيجتها مقدماً، بل لعلها حدثت بالفعل ونحن نيام.
لقد تحول المستقبل على يد الحزب الوطني ليصبح مجرد صفحة من نفس التاريخ الذي مضى. وهذا إنجاز عظيم يحسب للحزب الوطني، الذي نجح في عبور بوابات الزمن وكتابة الغيب عن طريق "تأريخ المستقبل"، وهي ريادة غير مسبوقة ولا ينكرها إلا جاحد. وبين "تأريخ المستقبل" و"تأخير المستقبل" علاقة وثيقة، لا يعرف أسرارها إلا الحزب الوطني بفكره الجديد. فقد نجح الحزب الوطني أولاً في تجميد الزمن لمدة ربع قرن، وأثناء تجمد الزمن ونوم الشعب في سبات عميق، يتسلل الفكر الجديد ليسرق المستقبل ويعيده إلى الماضي، ثم يروج لذلك الماضي ويحاول أن يبيعه للشعب باعتباره المستقبل. أي مستقبل يكون ذلك؟ بل هي بقايا كوابيس الماضي بكل أسف.
وفروا الجهود ودعونا ندخل في الموضوع
وأنا أتساءل هنا، فيم تضييع جهود وتكبد نفقات لا جدوى منها، في تسميات واستفتاءات و"حلفانات" إذا كانت النتيجة معروفة مسبقاً والأمور محسومة بصورة لا تدع مجالاً للشك؟ أليس من الأفضل أن نتفق على أن أسلوب اختيار رئيس الجمهورية طبقاً للدستور الحالي لا يسمح بأي تغيير، وهو ما عبر عنه السيد الأمين العام المساعد بواقعية وبلاغة شديدة، ويصبح من الأولى أن نوفر الوقت والأموال في شيء مفيد؟ كأن يطرح علينا السيد الأمين المساعد مثلاً رؤية حزبه في كيفية الوصول لعملية اختيار حقيقية، تضمن تداول السلطة بشكل سلمي، وتسمح للشعب باختيار من يحكمه، فيعود هذا الشعب المهمش للاهتمام بالشأن العام بصورة تدريجية، وتقوى خيوط انتمائه لوطن أصبحنا نشعر أننا فيه أغراب، ويبدأ المواطن المصري في احترام الدولة بمؤسساتها، عندما تحصل السلطة على شيء من الشرعية المكتسبة من اختيار الحاكم للمحكوم، والتفويض الذي يمنحه الشعب لمن يمثلونه.
إنني أدعو أصحاب القرار لمراجعة تصريحات السيد أمين مساعد الحزب الحاكم، واقترح عليهم تبني مشروع قرار بتجميد كل أشكال الانتخاب والاستفتاء لحين يريدون، بشرطين. الأول، أن تحتوي الانتخابات - وقتما يسمحون بها – على ضمانات تكفل أن تأتي هذه الانتخابات بنتائج غير "تاريخية" وغير محسومة مسبقاً لصالح الحزب الاحتكاري، والشرط الآخر، أن يتم إعلاننا بصورة رسمية بتوقيت حدوث ذلك، حتى نأخذ جميعاً أجازة من الاهتمام بالشأن العام، ونلتفت لأمور أكثر جدوى حتى ذلك "التاريخ".
No comments:
Post a Comment