التضبيش قبل الغرق
و
الهلال اللي اتسرق
في عز الظهر، والشمس ساطعة وأمام رجال القانون والإعلام، فوجئنا بحادث سرقة من نوع فريد، سرقة جرم سماوي عظيم، لا يمكن إخفاؤه أو تشله، ولكن حزب الحكومة متمرس وعتيد في الفن، ولا يهمه أي شيء. الحكاية أنه بعد منتصف ليلة الجمعة بقليل وصل ثلاثة من مندوبي المرشح (مرشح انتخابات الرياسة 2005) إلى مقر لجنة تلقي طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية ليأخذ المرشح دوره مبكراً في سبيل الحصول على أولوية اختيار الرمز الانتخابي.
وبعد مناقشات وشد وجذب مع الأمن والأمناء، والمباحث واللواءات والعقداء، توصل المتلاحون لحل وسط، يقوم بموجبه مندوبي المرشح بإثبات أسبقية حضورهم عن غيرهم الذي لم يحضر أصلاً. وفي الصباح قدم أيمن نور أوراقه بنفسه كأول المرشحين، واختار الهلال الجميل، كرمز مصري أصيل. وأعلنت وكالات الأنباء الخبر السعيد، وبدا للجميع أن الانتخابات القادمة ستدخل بنا لعصر ديمقراطي جديد. ولكن، لم تدم الفرحة إلا ساعات قليلة، وفجأة خيم الظلام، عندما أعلن الحزب الحاكم بأمره، أن مندوبه الخفي قد جاء مبكراً وتسلل دون أن يراه أحد من مئات الحاضرين، وأنه كان أول المتقدمين، فحصل على الهلال بإيصال متين. أي والله. حتى الهلال سرقوه. طاروا بمركبة فضائية، وقودها الفساد والمحسوبية، ليقتطفوا الهلال ويتركوا السماوات والأرض، يشكوان من الظلام عبر خطوط الطول والعرض.
يا أيها الحزب البطال: لماذا تستكثر علينا نور الهلال؟ هل تظن أن خدعة الإيصال، يمكن أن تنطلي حتى على الأطفال؟ كيف سولت لك نفسك أن تسمي خطتك الانتخابية هلال المستقبل، قبل أن تقوم اللجنة العليا بإعلان الرموز؟ ألا تكفيكم مناورات النجم الساطع، لتحاولوا أن تخطفوا نور الهلال الطالع؟ ألم تشبعوا من احتكار الماضي واحتضار الحاضر، لتحتكروا المستقبل وتدنسوا المولود الطاهر؟
وإذا عجز قاضي القضاة في قلب القاهرة المحروسة، عن التصدي لضغوط السلطة المفروسة، في حضور المرشح نفسه مع مندوبيه، وعلى مرأى ومسمع من التليفزيون ومشاهديه، فكيف يعقل أن نتوقع الصمود وقدر من الحياد، من وكيل نيابة أو قاض عاد؟ لله در المرشحين، وجموع الشعب من الناخبين، الأحياء منهم والمتوفين.
ألم يكن الحزب الحاكم قادراً، على أن يرسل مندوبه مبكراً، أو تحت جنح الظلام متستراً؟ لماذا تفضحوننا أمام العالم؟ هل تستكثرون علينا قبس أمل يوقظ هذا الشعب النائم؟ وماذا بعد سرقة الهلال؟ هل سوف تسرقون الشمس والكواكب السيارة؟ في نهاية الأمر، نكتشف أن الحكومة لا تنوي إصلاحاً ولا فلاحاً ولا تبتغي حرية ولا ديمقراطية، وأن الموضوع كله تمثيلية هزلية، موجهة لأمريكا والدول الغربية. لقد أثبت أشاوس الحزب الحاكم قدرة عظيمة على التضبيش، شوية يقولون الانتخابات نزيهة وشفافة، ثم يقومون بنشل الهلال بصنعة لطافة. ولكنني لا زلت متفائلاً، فنهاية النفق على ما يبدو قد اقتربت، والدليل هو ذعر الحكومة وارتباكها العظيم، بدءاً بأسطورة الكرة التي اخترقت قدم عضو الغد ببنها، وانتهاءً بفضيحة الهلال اللي اتسرق، وسبب تفاؤلي أن التضبيش عادة ما يسبق الغرق.