Showing posts with label Corruption. Show all posts
Showing posts with label Corruption. Show all posts

Tuesday, February 23, 2010

Repairing Life Algorithm

الفساد

وإعادة بناء


روابط الانتماء





وائل نوارة

مجلة الإصلاح الاقتصادي CIPE نوفمبر 2008




الفساد

هناك تعريفات عديدة للفساد، ولكن ببساطة، يمكننا أن نعرف الفساد بأنه خلل في منظومة الحقوق والواجبات في المجتمع، يعطي أفراداً أو جماعات حقوقاً غير مستحقة، على حساب الافتئات من حقوق الآخرين، أو يعفي مجموعة معينة من الواجبات أو الخضوع للقوانين المتفق عليها في المجتمع نتيجة لاقترابهم من السلطة أو قدرتهم على التأثير فيها بالمال أو غيره. ويأخذ الفساد في مصر عدة أشكال:

* شبكة الفساد الصغير: وهذه الشبكة عبارة عن قنوات محددة للاستثناءات، تمكن الوكلاء السياسيين للدولة من القفز فوق القوانين المانعة، أو تيسير الإجراءات البيروقراطية، ليس بالضرورة عن طريق الرشاوى الصريحة، بل أيضاً عن طريق سوء استخدام السلطة Abuse of Power

* شبكة الإقطاع الجديد: مع خروج مصر من مرحلة رأسمالية الدولة State Capitalism حيث امتلكت الدولة كل أدوات الإنتاج لتسيطر على الحياة الاقتصادية بصورة كاملة، دخلت مصر في مرحلة "رأسمالية وكلاء الدولة" State Agents' Capitalism تحولت فيها مصر لنظام يشبه إلى حد ما النظام الإقطاعي في القرون الوسطى. أصبحت مصر مثل وكالة تمنح التوكيلات للشركاء التجاريين، على شكل مجموعة من الإقطاعيات في مختلف المجالات الاقتصادية، حيث يقوم "وكلاء النظام" بالقيام بدور رأسمالية الدولة ولكن هذه المرة لصالح النظام والحكام وبالمشاركة في الريع معهم ومع كبار المسئولين بصورة مؤسسية، مثل قطاعات الحديد والأسمنت والسيراميك والسجاد والاتصالات والسياحة والعبارات والبث التليفزيوني الخاص والمدن الجديدة واستصلاح الأراضي، عن طريق مجموعة محددة من "رجال الأعمال" الذين تقتصر عليهم التصاريح والتراخيص والأراضي والقروض وهكذا، علاوة على مجموعة من الشركات الأمنية التي تحصل على تعاقدات بمئات الملايين أو المليارات بالأمر المباشر بعيداً عن أي رقابة أو تدقيق. وهذه الشبكة تضخ جزءاً من ريع مثل تلك الأنشطة الاحتكارية في صندوق الولاء، الذي يمول بدوره رواتب "موازية" (مظاريف الولاء) لكبار موظفي الدولة، لضمان ولائهم للنظام، وغيرها من نفقات "موازية" خارج المنظومة الرسمية.


ومع تمدد "الدولة الموازية" وتغول شبكات الفساد المؤسسي، ترسخ شعور المواطن بالظلم وانعدام المساواة، وانهيار العدالة وتكافؤ الفرص، وخاصة مع عدم قدرة معظم المواطنين على الحصول على حقهم العادل من موارد المجتمع.



الهجرة
رأينا كيف يتولد شعور المواطن بالانتماء للوطن والمجتمع من وجود روابط ثقافية واقتصادية واجتماعية بينه وبين أفراد المجموعة، وأن قوة هذا الانتماء تتوقف على مدى قدرة المجتمع على تحقيق توازن في المصالح بين المواطنين، وبين الفرد والمجتمع، بحيث يستطيع كل فرد أن يحقق قدراً معقولاً من أهدافه الشخصية ويشبع حاجاته الأساسية.


وقد اجتمع عجز المواطن عن تحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة، مع الخواء الثقافي والتناقضات الصارخة والمعايير المزدوجة في منظومة القيم، مع انتشار "الاحتراب المجتمعي"، وأدى هذا كله لظهور حالة من الاغتراب القومي نتيجة لإحساس الكثيرين بأن "البلد مش بلدنا"، ونتج عن هذا وجود شعور قوي بالحاجة إلى الهجرة، وشعور بالانفصام القومي، نتيجة لمجموعة ضخمة من المتناقضات والمتباينات، وأخيراً حالة مزمنة من الإحباط والاكتئاب القومي وشعور عام بالحصار وفقدان الأمل في الخروج من هذا الحصار.


وقد رأينا أنواعاً عديدة من الهجرة التي عبرت عن تلك الحالة، فعلى سبيل المثال نجد من يلجأون إلى الهجرة المكانية، فيحاولون مثلاً الهجرة إلى دول الشمال الغني، أو شرقاً أو غرباً إلى دول النفط. ورغم أن تحويلات العاملين بالخارج والمهاجرين قد تشكل مصدراً هاماً من مصادر الدخل القومي والنقد الأجنبي، إلا أن خسارة الدولة بهجرة خهيرة عقولها ومواهبها ليضيف هؤلاء للمزايا الاتنافسية لاقتصاد مجتمع ودولة أخرى، هي خسارة فادحة، وخاصة عندما يكون منطق الأمور و"كتالوج الحياة" في مصر لا يسمح غالباً بنجاح الموهوب أو المتقن أو ارتقائهما، عندها يصبح الحجم العددي الكبير مجرد إضافة أرقام ضعيفة الفاعلية والأداء لمجتمع أداؤه أصلاً ضعيف.


وهناك من يحاولون الهجرة الزمانية بالتشبه بملابس ومظاهر المجتمعات الإسلامية الأولى مثلاً، ونجد من يعجزون عن الهجرة المكانية فيلجئون إلى الهجرة العقلية إلى الشمال أيضا بأن يحيطوا أنفسهم بمظاهر الحياة في المجتمعات الغربية من موسيقى وملابس وأثاث ومعمار وغيرها من مظاهر الحياة الغربية، ونجد آخرون وقد وجدوا العلاج في ذهاب العقل برمته باللجوء للمخدرات في أشكالها المختلفة، ولا يجب أن ننسى من يهاجرون إلى الآخرة سواء بالانتحار أو "بالاستشهاد" في عمليات فدائية تحاول مقاومة الواقع المرير بمبادلته بأغلى وأقصى ما يستطيع إنسان أن يقدمه، وهو حياته.



العصيان المدني غير المعلن

ومع تفشي الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وتآكل روابط الانتماء، يدخل المواطن في حالة "عداء" مع الحكومة أو الدولة التي تمثل الوطن وتجسده، ويبدأ المواطن في "الانتقام" من تلك الدولة التي افتئتت على حقوقه وفشلت بصورة مزمنة في توفير الحياة الكريمة له كمواطن، ونتيجة لما يلمسه من فساد القوانين وتخلفها وتعنتها، وفقدان النظام للشرعية، ومختلف الأسباب التي أدت إلى تراكم الإحباط والتعاسة والاكتئاب له ولأسرته ولباقي المواطنين. ويظهر هذا العداء في عدم احترام القوانين، والتنصل من أداء واجبات "المواطنة"، مثل التهرب من الضرائب والجمارك، بل والتحايل مثلاً لعدم أداء الخدمة العسكرية، في حالة تشبه العصيان المدني غير المعلن، لدرجة التباهي بالتحايل على القانون وخرقه، بعكس الدول المتقدمة حيث يكون هذا مدعاة للخزي والنبذ من المجتمع.


استعادة الانتماء

رأينا كيف يؤدي تآكل روابط الانتماء لحالة خطيرة من "العداء" بين المواطن و"الدولة" التي تجسد مفهوم الوطن، بما يقف كعقبة كؤود أمام التقدم والتنمية، بل ويؤدي لانفراط عقد المجتمع، نتيجة لاهتراء خيوط الانتماء التي تربط المواطنين ببعضهم ببعض من ناحية، وتربطهم "بالوطن" من ناحية أخرى.


ولذلك، لابد من اتخاذ التدابير والسياسات على المدى القصير والطويل، بهدف إعادة بناء وغزل خيوط الانتماء، حتى تنتظم الحبات المنفرطة في عقد الوطن مرة أخرى، ليتحرك المواطنون في اتجاه واحد لتحقيق رؤية واحدة، تؤدي لرفعة الوطن وتقدمه، وفي نفس الوقت رفاهية المواطنين ورخائهم.


وأول هذه التدابير كما نتصور، هو المكاشفة والمصارحة بالمرض الخطير الذي تسلل إلى قلوب وعقول الملايين من أبناء الوطن ليغتال انتمائهم للوطن أو يزعزعه، فبدون الاعتراف بالمرض لا يمكن طلب العلاج أو الالتزام به. ويصاحب ذلك استعراض للأسباب التي أدت للإصابة بذلك المرض وتغوله واستفحاله. ثم إعلان رؤية قومية للخروج من هذا المأزق، وإعادة تعريف الوطن والمواطنة على أسس جديدة. أما أن نتغنى بأناشيد مثل "ما تقولش إيه ادتنا مصر، قول حندي إيه لمصر" والاكتفاء بذلك دون حل المشاكل العويصة التي تواجه الانتماء في بلادنا، وهي المشاكل التي تسأل عنها الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، الأنظمة الشمولية السلطوية، وهي أنظمة أثبتت عبر عقود طويلة افتقارها للرؤية أو الموهبة عدا في تجميد الأوضاع والحفاظ على مقاعد الحكم بصرف النظر عن معاناة الوطن والمواطن، هنا نكون كمن يعالج السرطان بأغنية "الدنيا ربيع والجو بديع" دون أن يأخذ اي علاج من ذلك المرض الخطير.


العـقـد الاجتماعي

ويلي ذلك إعادة صياغة هذا "التعاقد" المجتمعي، أو العقد الاجتماعي، في صورة "دستور" عصري يخرج من رحم الأمة، وينتج من تفاعل مختلف قطاعاتها الجغرافية والمهنية والفئوية التي تمثل مختلف المصالح المتباينة، في حوار وطني حقيقي، وليس عملية شكلية محددة النتائج سلفاً. إن هذا الدستور هو الذي يجسد مفهوم المواطنة، ويحدد حقوق المواطنين وواجباتهم، وينظم عملية بناء مؤسسات الدولة، والحدود التي تفصل سلطاتها المختلفة، حتى لا تجور سلطة على أخرى كما هو حادث الآن، وهو ما أدى لهذا الوضع الخطير الذي ينذر بكوارث وانفجارات مجتمعية بدأنا نرى بكل اسف بوادرها ونلمس عواقبها الوخيمة.


وهذا الدستور ايضاً يرسم خطوط ومساحات الملعب السياسي، وقواعد العملية السياسية، التي تؤدي إلى تمكين المواطنين من المشاركة في صنع القرار المجتمعي، بصورة ديمقراطية، وينظم عملية تداول السلطة على كافة الأصعدة، بدءاً من الإدارة المحلية متمثلة في عمدة القرية والمجالس المحلية، ورئيس المدينة، ومحافظ الإقليم، وصولاً لنواب الشعب الذين يمثلون السلطة التشريعية، وقيادات السلطة القضائية والتنفيذية.


والخطوة التالية، هي عملية شاقة وطويلة من تنقية القوانين واللوائح وإعادة تصميم النظم الإدارية لتصبح أكثر اتساقاً مع الواقع والعرف، حتى تنتفي الحاجة تدريجياً للدولة الموازية ويعود ولاء المواطن للدولة الرسمية التي تجسد مفهوم الوطن. إن إعادة تصميم هذه القوانين واللوائح، يجب أن يصاحبه جهد إعلامي وثقافي دءوب لإعادة ترسيم وترسيخ القيم الحاكمة للمجتمع التي تشكل "طريقة الحياة" Culture أو "كتالوج الحياة"، "منطق الحياة" أو "برنامج الحياة" أو "لوغاريتم" الحياة Life Algorithm في هذا الوطن والتي تحدد طبيعة التعاملات، ثواب المتقن، عقاب الفاسد، احتضان الموهوب، الترحيب بالمبادر، مد العون لغير القادر، سيادة القانون والمساواة أمامه، إلخ ... .


هذا "المنطق" هو الذي يحدد "إذا فعلت كذا يحدث كذا"، لأن المنطق الموجود حالياً يكافئ الفاسد والمنافق والراشي ويتغاضى عمن يخرج عن القانون أو يرتشي، يحتضن أصحاب المحسوبية والتوصيات والاستثناءات، ويعاقب أو يتوجس من المبادر أو الموهوب أو الناجح ويترصد للمتعثر بالمشانق. هذا المنطق أو القانون الجديد، لابد أن نتبناه في حياتنا، وننشره بالقدوة من أعلى إلى أسفل، ونعلن عنه في كل مناسبة بصورة متحضرة راقية بعيداً عن النصائح والمحاضرات المباشرة والعظات المبتذلة.


ونتيجة تطبيق "الكتالوج الجديد" لابد أن تظهر في أن تعود الدولة الرمسية لتحل مكان الدولة الموازية، فيشعر المواطن أن خدمات التعليم والصحة والرصف والصرف والأمن والعدالة والترخيص تفي باحتياجاته الحياتية، وأن قوانين الإسكان والمرور والنقل والهدم والبناء قوانين منطقية وواقعية، وأن التعامل مع الدولة الرسمية يمكن أن يكفيه شر الدولة الموازية، فينتقل ولاؤه من الثانية للأولى.


نتيجة تطبيق المنطق الجديد أو "الكتالوج الجديد" للحياة في مصر، لابد أن يراها المواطن العادي في تقلص الفساد، وعقاب رادع للفاسدين، بعيداً عن تسييس القضاء والضغط عليه في إصدار أحكام البراءة على القتلة ولصوص المليارات ومافيا الأراضي والمحتكرين، أو نحر الشهود في السجون وادعاء انتحارهم، للتغطية على جرائم الأصدقاء والمحاسيب. وهذا كله لا يأتي إلا بطلاق بائن بين السلطة والاحتكارات الاقتصادية، فمن غير المنطقي أن يظل المواطنون على انتمائهم بينما يسمعون أخباراً عديدة تصنع في النهاية رأياً عاماً قوامه التالي – بصرف النظر عن صحته:


  • أحد رجال الأعمال القريب من السلطة - يشتري 10% من حصة الدولة في أحد أكبر مصانع الحديد بسعر يراه البعض بخس ممول بقروض البنوك
  • ثم يصبح رئيسا لمجلس الإدارة ويستحوذ على الشركة
  • ثم ينخرط في الحزب الحاكم ويصل لأعلى المناصب فيه
  • وتخصص له ملايين الأمتار في المناطق الصناعية
  • ويصبح أكبر محتكر للحديد في مصر
  • تصدر قوانين الإغراق وتطبق لخدمة مصانعه
  • يصبح عضواً في مجلس الشعب
  • يصبح المسئول عن صياغة قوانين منع الاحتكار وغسيل الأموال، وتصدر تلك القوانين بصياغة غير كافية لدرء الأخطار عن المجتمع من وجهة نظر الحكومة والوزير المسئول
  • يصبح مسئولاً عن إدارة تنظيم الحزب الحاكم وبالتالي يتمتع بسلطة ضخمة في توجيه مسار الانتخابات القادمة
  • تصل ثروته طبقاً لتقديرات البعض إلى 40 مليار جنيه



المواطنة الاقتصادية

فلا يكفي أن نتشدق بالجانب القانوني أو السياسي للمواطنة، من تحديد للحقوق والواجبات وترسيخ المساواة بين جميع المواطنين في تلك الحقوق والواجبات دون تمييز، ثم نجد تفاوتاً واسعاً بين "حظ" المواطن القاهري وزميله "السوهاجي" مثلاً من موارد الدولة ورعايتها واهتمامها، هنا يصبح الكلام عن المواطنة من باب النيات الحسنة، بل يجب أن يمتد مفهوم المواطنة ليشمل الجانب الاقتصادي، من حيث المساواة في "إتاحة الفرصة"، ليس المساواة في الدخول أو إثابة العامل بمثل العاطل، بل المساواة في صنع الفرص، وإتاحة الآليات التي تشجع على الحراك الاقتصادي والاجتماعي Social and Economic Mobility، بحيث لا يكون هناك مواطن "سجين" أو "معتقل" أو "محاصر" في "طبقة" اقتصادية أو اجتماعية نتيجة لموقعه الجغرافي، أو لونه أو عقيدته، بل يجب أن تتدخل الدولة بالحوافز الإيجابية التي تشجع التنمية الشاملة، وتسعى لتحقيق تكافؤ الفرص في نصيب كل جزء من أجزاء الوطن، وكل فرد من المواطنين، في تلك التنمية. إن أقوى آليات هذا الحراك المنشود، هو إتاحة واسعة لمستوى مقبول من التعليم والتدريب في كل أرجاء الوطن، وتحفيز الشركات المحلية والعالمية على الاستثمار الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والخدمي في مختلف المناطق، بما قد يتطلب نوعاً من التمييز الإيجابي أحياناً لمناطق محرومة، وهو تمييز مؤقت، ينتهي عندما ينتفي السبب من وجوده، عندما يصيب المنطقة المحرومة حظ عادل من التنمية و"الفرصة" Opportunity.


إن أفضل علاج للاكتئاب القومي الذي ذكرناه، هو إتاحة "فرص" الحراك الاقتصادي والاجتماعي على أوسع الأصعدة، لأنه من الممكن أن يقبل الشخص بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية ويتكيف معها لفترة، إذا رأى أمامه الفرصة متاحة لتحسين وضعه، أما إذا شعر المواطن بأنه محاصر في ذلك الركن المضغوط دون أمل في الإفلات، فإنه يصاب بالاحباط والاكتئاب المزمن، أو ينقض بالهجوم لينتقم من ذلك المجتمع الظالم الذي حاصره وسجنه تحت تلك الضغوط التي لا يمكن احتمالها للأبد.



الخلاصة



لقد سقط نصف قرن من عمر الأمة المصرية، وتجمد الزمن عند نقطة معينة، بل إنه في كثير من الأحيان تستيقظ في الصباح وتفتح ما يسمى بالصحف القومية لينتابك شعور بأنك ربما قد طال نومك لما يقرب من ربع قرن، ترى العناوين وينتابك شعور بأنك رأيت نفس العناوين من قبل آلاف المرات في كابوس يمثل الجحيم بعينه. فالبعض يرى أن الجحيم ما هو إلا تعذيب أبدي يتكرر يوماً بعد يوم دون أي أمل في مجيء نهاية له، حتى المؤبد هناك فرصة للعفو والتخلص منه عند انتهاء نصف المدة، ولكن أن تذبل كل فرص التغيير فهذا أمر لا يمكن احتماله، لأنه يعني أن الإنسان يسير في نفق مظلم لا نهاية له، وبالتالي فقد اتخذ الكثيرون القرار بالتوقف عن السير، وهو ما نسميه بالـ apathy لأن كلمة السلبية لا تستطيع التعبير عن تلك الحالة المفزعة من التوقف عن الحياة.


ومع اختلال "منطق الحياة" أو "كتالوج الحياة" في مصر، وتغول الفساد والمحسوبية وتمدد الدولة الموازية على حساب الدولة، وانتفاء الشعور بالمساواة أو العدل أو تكافؤ الفرص، أخذت خيوط الانتماء تتآكل وتهترئ يوماً بعد يوم، حتى جاء الوقت الذي اقتربنا فيه من انفراط عقد المجتمع، ليتبعثر المصريون أفراداً وجماعات تتجمع أو تتنافر لحظياً طبقاً لمصالح عشوائية لا رابط بينها، مع غياب أية آلية ديناميكية تتكفل بالوصول إلى توازن بين مصالح تلك الجماعات وأولئك الأفراد والحفاظ على مثل ذلك التوازن، وهو ما نرى بوادره الآن مع تفشي حالة من "الاحتراب المجتمعي" والعداء بين "المواطن" وبين الدولة الرسمية التي تجسد مفهوم هذا الوطن.


لقد أصبح علينا الآن أن نسارع بعلاج تلك المشكلة الخطيرة، وعلاجها ليس بالسهل أو السريع، ولكنه عملية شاقة ومشوار طويل نعيد فيه ترسيم ثقافتنا القومية والقيم الحاكمة للحياة في مصر، نضع فيه قواعد "كتالوج الحياة" في مصر، من خلال عملية تفاعل وحوار مجتمعي حقيقي نتحاور فيه ونتناقش حول "الأيديولوجية المصرية"، لنعلن أسلوبنا المصري الخالص، الذي نستجيب من خلاله للمعضلة الأساسية التي تواجه كل شعب وأمة: تحد البقاء.

Political Monopoly - One

فنون الاحتكار السياسي

عندما تصبح "مسرحية" الديمقراطية

عملية بدون نتيجة


المعارضة تلعب حول المواسير والحاكم يمسك بكل المحابس
خلال العقود الماضية، قام النظام بجهد خارق تكلف المليارات وانشغل في تنفيذه مئات الآلاف من موظفي الدولة التي بدأت في عملية جديدة ومثيرة، انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بإشراف القضاء في كل مراحلها بشرط واحد، أن تأتي بالنتائج التي رسمها النظام. سمح النظام للمعارضة باللعب بجوار المواسير ولكن النظام الخبيث قرر أن يتحكم في جميع المحابس. هذه هي ديمقراطية النظام. ديمقراطية المواسير. أما المحابس فتخضع كلها للتوجيهات المسبقة والتعليمات اللاحقة التي تهبط على القضاة كالقضاء والقدر بالمحمول. هناك بعض الماء الذي يتسرب من المحابس فيختلط بالتراب وتلهو المعارضة باللعب في الطين ثم تهيله على رأسها وتلطم عندما تنتهي المسرحية بالنهاية المعدة سلفاً.

من أجل عدة أيام إضافية في مقاعد الحكم، كلف النظام زبانية البوليس السياسي بتعقب أحزاب المعارضة وشقها بزرع العملاء وابتزاز قياداتها وتجنيدهم للعمل كمرشدين للأمن. وبدلاً من أن يقوم النظام بالعمل على تقوية الأحزاب المدنية انشغل بتلفيق التهم الكيدية لرموز المعارضة واجتهد في إسقاطهم والإساءة إليهم. اجتهد النظام في منع المعارضة من التوسع بتهديد أصحاب العمارات والشقق بعدم تأجيرها كمقرات لأحزاب المعارضة، وتهديد المعلنين في صحف المعارضة، مثلما حدث مع أحد المعلنين من أصحاب مصانع السيراميك بعد قيامه بوضع إعلان في صحيفة الغد قيمته عدة آلاف من الجنيهات، اضطر بعد التوبيخ والتهديد أن ينشر عدة إعلانات في الصحف القومية قيمتها مئات الآلاف من الجنيهات ينفي فيها وينكر ويتبرأ من وضع إعلان في صحيفة الغد المعارضة. ولا ننسى اختطاف الصحفيين المعارضين والاعتداء عليهم بالضرب واستخدام تجمعات من البلطجية لمهاجمة مسيرات ومؤتمرات المعارضة والأمثلة كثيرة في بيراميزا وكفر صقر وأمام نقابة الصحفيين وضريح سعد. بدلاً من أن تشجع الحكومة صعود قيادات شابة معارضة لديها الجرأة والقدرة على المنافسة وجذب الجماهير حول أحزاب مدنية، بذلت الحكومة كل جهودها في التشهير بتلك القيادات، وتلفيق التهم لها، وإنهاكها 24 ساعة في اليوم حول مختلف أقسام الشرطة والنيابات لاستجوابهم في تهم عبثية مثل سب الحزب الوطني بينما تقوم قوات الأمن بحماية البلطجية ذوي السيوف المشرعة وتكفل الدولة الحصانة لمسئولي الزراعات المسرطنة.

نجاح العملية بنجاة الطبيب رغم وفاة الجنين والأم
كل هذا الجهد الخارق كان الهدف منه اصطناع "عملية" ديمقراطية وفي نفس الوقت التحكم في نتائجها بالحفاظ على الوضع القائم دون أي تغيير. أي نجاح "العملية" بنجاة الطبيب - رغم وفاة الجنين والأم. كان الهدف هو التلاعب في إرادة الشعب بوسائل حديثة غير مباشرة، وبدلاً من التزوير المباشر قرر النظام أن يحصل على مبتغاه في بقاء الأوضاع على ما هي عليه من خلال اغتيال المعارضة وتفتيتها واتهامها بالعمالة والخيانة ثم اختيار مرشحي الحزب الوطني الذين يتمتعون بالقدرة على شراء الأصوات وتأجير البلطجية. ولكن في النهاية ورغم الجهد الخارق الذي تفرغ له آلاف من ضباط البوليس السياسي فشل النظام في الحصول على الأغلبية وسقطت رموزه سقوطاً مدوياً وكانت فضيحة بجلاجل. وفي النهاية اضطر النظام للتدخل المباشر والضغط على القضاة لتغيير نتائج الانتخابات في معظم الدوائر بدءاً بباب الشعرية مروراً بدمنهور وباقي الدوائر التي عانت من مهازل شهد بها القضاة ومنظمات المجتمع المدني وبعض عدسات الإعلام التي نجت من محاولات التحطيم والمصادرة. مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي يقوم فيها حزب الحاكم بخوض الانتخابات بتسمية 444 مرشح أصلي و4440 مرشح احتياطي "مستقل" بينما تقوم المعارضة بتسمية 500 مرشح! وعندما يقوم الشعب بإسقاط حزب الحاكم، لا يستقيل الحاكم، ولا يترك الحكم، بل يستقيل المستقلون من صفتهم المستقلة وينضمون لتجمع المصالح المسمى بحزب الحاكم. مصر هي البلد الوحيدة التي يبلغ فيها طول دكة الاحتياطي السياسي عشرات الكيلومترات.

قصور بدون مرايا
أحياناً أسأل نفسي: هل لا زال النظام يدعي أنه يتمتع بالأغلبية؟ إذا قمنا بمقابلة ألف مواطن وتوجيه سؤال بسيط وبعيد عن السياسة مثل: "هل تحب الحزب الوطني؟" كم مواطن سيجيب بالموافقة؟ خمسة مواطنين؟ سبعة؟ تسعة من ألف؟ هل يعقل أن يستمر النظام في الحكم "بأغلبية ساحقة" سبعة في الألف؟ أليس لديهم مخابرات أو مباحث أو كرة بللورية تخبرهم بأن رموزهم مكروهة والشعب يتوق للتخلص منها؟ كيف يستمرون في الحكم وهم يعلمون مدى كراهية الشعب لهم ورغبته العارمة في الإطاحة بهم؟ كيف يستيقظون كل يوم صباحاً ويواجهون أنفسهم ووجوههم في المرآة ثم يستمرون في الحكم بعد أن ينظروا في المرآة. بالطبع لابد من استخدام المرآة لحلاقة الذقن وتسريح الشعر وصبغه. ثم توصلت لاكتشاف عظيم يشرح سر بقاء النظام في الحكم. النظام لا ينظر في المرآة. هناك الحلاقون والسريحة ورؤساء التحرير ومسئولي التبرير وكلهم متخصص في مختلف فنون تجميل وجه النظام بحيث لا يضطر رموز النظام للنظر في المرآة أو رؤية الحقيقة أبداً. النظام لا يرى التجاعيد. ولا يرى السيوف. ولا يرى التزوير. النظام يرى التجاعيد مساحيق ملساء. والتزوير تجاوزات بسيطة لا تؤثر في نزاهة العملية الانتخابية. والسيوف يراها سيوف بلاستيك كده وكده، أما قيام مرشحي النظام بإنفاق المليارات في شراء الأصوات بإشراف أمن الدولة فالنظام يرى هذا لعبة بنك السعادة وليس هناك أكثر سعادة من النظام لأن اللعبة تنتهي بعدد لا بأس به من مقاعد الأصلي ومثلهم من المستقلين الاحتياطي. ويسعد النظام أنه احتال على الشعب وخدع العالم أجمع بمسرحية الديمقراطية بينما حصل في النهاية على بضعة أيام إضافية في الحكم. النظام لا يرى وجهه أبداً. قصور النظام لابد أنها تخلو من المرايا. ومكان كل مرآة تجد صورة في إطار فخم. إطارات بها صور قديمة لوجوه شابة وأحياء نظيفة وحكومة حقيقية. هذا هو سر بقاء النظام. الصور مكان المرايا. الوهم مكان الحقيقة.

محصلة كل الشرور
نتائج الانتخابات الماضية هي محصلة كل شرور وآثام الحزب الوطني. الانتخابات مثل الامتحان، تتحدد نتيجته طوال العام، كمحصلة للاجتهاد والتحصيل. الانتخابات لم تتحدد نتيجتها فقط أثناء جولات البلطجة وتزوير النتائج أو شراء الأصوات، بل تحددت أثناء إصرار النظام على التلاعب في كشوف الناخبين وقيد آلاف الموظفين على شقق وهمية تابعة لبعض الوزارات، أو تهديد أنصار المعارضة ومنعهم من الخروج من بيوتهم، أو بث الشائعات الكاذبة حول زعماء المعارضة وجرجرتهم في المحاكم والأقسام بتهم كيدية. نتيجة الانتخابات تحددت عندما احتكر الحزب الوطني المقرات ومئات الملايين من التمويل لحزبه وعشرات الصحف والقنوات في إعلام مزيف ومضلل. واليوم، وبعد ثلاثين عاماً من التعددية الحزبية على يد الحزب الوطني، لابد أن نجلس ونسأل أين هي الأحزاب؟ هل يعقل أن هذا تقصير من كل الأحزاب ومن كل المصريين وأن الحزب الوطني المسئول عن الحكم طوال هذه الفترة هو البريء من تهمة التآمر ضد الأحزاب والتجسس عليها وإضعافها بشتى الطرق؟

سقوط النظام في امتحان الانتخابات لم يتضح فقط من خلال سقوط رموزه، بل اتضح من خلال اختفاء المعارضة المدنية من النتائج. إن ضعف المعارضة هو دليل ونتيجة مباشرة لكل جرائم الحزب "الوطني" في حق هذا الوطن. هو دليل على الشر والأنانية التي يعاني منها النظام. النظام لا يهمه أن تسقط مصر في مستنقع الطائفية أو تنفرد "التيارات الدينية" بالساحة السياسية. المهم هو أن نحافظ على الكرسي الكبير لأطول فترة ممكنة وقد نستطيع تأمين كرسي الباشا الصغير أيضاً. وتولع البلد باللي فيها.

من يقف وراء النظام
النظام اليوم لا يمثل الشعب. ولا يمثل المؤسسة العسكرية. ولا يمثل رجال الأعمال. ولا يمثل الموظفين. ولا يمثل العمال أو الفلاحين. النظام اليوم يمثل نفسه وشخوصه فقط. يحمي مصالحه هو فقط. النظام اليوم تحول من أداة لخدمة الشعب والوطن، وأصبح جسماً سرطانياً يمتص كل موارد الوطن ويسخرها لصالح هدف واحد: بقاؤه هو في الحكم. وفي سبيل ذلك يعود السفراء إرضاء للخارج ويستمر الوزراء المكروهين من الشعب خوفاً من سطوتهم. تبرم المعاهدات وتخصص الأراضي والإقطاعيات والاحتكارات ويترك الفاسدون لينهبوا موارد البلاد لأنهم أركان النظام وأعمدته التي يقوم عليها. تتضخم حشود الأمن المركزي المكلف بحماية النظام وتتضخم أجهزة البوليس السياسي، ويتضخم الإنفاق على أمن النظام وعلى تزييف الإعلام، بينما يتدهور الأمن العام والوعي العام ولا حول للشرطة أمام البلطجة والإجرام والإرهاب، ولا حول للمواطن المصري أمام النصب السياسي بشعارات براقة مبهمة.

متى تحين ساعة الحساب
عندما وعد النظام بانتخابات نزيهة "هذه المرة" فقد اعترف ضمناً بتزوير عشرات الانتخابات والاستفتاءات. ولكننا لم نسمع عن النائب العام وقد قدم المسئولين عن هذا التزوير المستمر للمحاكمة. عندما اعترف النظام في مايو 2005 بأن مصر في سبيلها للتحول من نظام الحزب الواحد لنظام التعددية الحزبية، رغم مرور 30 عاماً على ذلك فقد اعترف بمخالفة الدستور لعقود طويلة. ولكننا لم نسمع عن مسئول أو غير مسئول يقدم للمحاكمة بتهمة خداع الشعب وتبديد موارده في مسرحية كاذبة. عندما حكم القضاء بشطب مئات آلاف الناخبين في دوائر السيدة زينب وباب الشعرية والمعهد الفني وهم ناخبون مسجلون على عناوين مصالح حكومية وهمية، لم نر من يحرك الدعوى الجنائية ضد السادة الوزراء المسئولين عن هذه الجرائم السياسية. عندما رفضت الحكومة تنفيذ أحكام القضاء، لم نر من يقدم الحكومة للمحاكمة. عندما فضحت عدسات الإعلام البلطجية ورأينا حشود الأمن تحميهم وتفسح لهم الطريق، لم نسمع عن أحد يسائل وزير الداخلية أو مدير الأمن أو حتى مأمور القسم! عندما انغمس مرشحي الحزب الوطني الأصلي والاحتياطي في شراء الأصوات بفجاجة رفعت الإنفاق الانتخابي من 70 ألف جنيهاً للمرشح حسب القانون إلى 15 مليون جنيهاً في بعض الدوائر تحت سمع وبصر وإشراف ضباط البوليس السياسي على تلك الجرائم الانتخابية التي تفسد الحياة السياسية لعقود طويلة قادمة، لم نسمع عن مرشح واحد من مرشحي الوطني تم تقديمه للنيابة العامة. لماذا تقتصر جرائم شراء الأصوات على مرشحي الوطني والمستقلين من احتياطي الوطني؟ هل لأنهم وحدهم حريصون على خدمة الجماهير أم لأنهم يعدون العدة للتربح من وراء الحصانة والتأشيرات والأراضي والامتيازات؟ لماذا تقترن كل تلك الجرائم بالحزب الوطني وتكاد تقتصر عليه ومع ذلك لا نسمع عن محاكمات أو عقاب أو حتى اعتذار أجوف رخيص؟

في سبيل التاج، من أجل الاحتفاظ بالمقعد لأيام قليلة إضافية، ضحى النظام بحاضر ومستقبل هذه الأمة. في سبيل التاج سقطت كل القيم والمثل العليا أمام شبق لا ينتهي للسلطة واحتكار الحكم. وفي النهاية، أصبح التاج مجرد قطعة صفيح لا قيمة لها بعد أن تدهورت أحوال الوطن - الذي يمثله التاج - في سبيل التاج.

Monday, August 03, 2009

Your Daily Pill - Legislative Loopholes 




الممنوع والمسموح

كل شيء ممنوع بفضل الحكومة وقوانينها المضروبة التي ملأت الثوب التشريعي بسبع طبقات من الرقع بدون أستك. وفي نفس الوقت، فالأدراج مفتوحة أثناء وبعد مواعيد العمل الرسمية لوضع المعلوم، وعندئذ يصبح كل شئ مسموحاً ومتاحاً جداً عن طريق استغلال الثغرات الموجودة بين الرقع. وبين الرقع والثغرات، والممنوع والمسموح، والمقفول والمفتوح، تهدر طاقات الشعب ويختلط المجرمون بالأبرياء، والفاسقون بالشرفاء، ويقال أن الحكومة حاولت أن تستورد جهازاً لكشف الفساد الإداري منذ 4 سنوات، وعندما تأخر وصول الجهاز تتبع المسئولون أخباره، فوجدوا أن الجهاز قد وصل في موعده بالفعل، وأنه بدأ العمل منذ نزوله أرض المطار، ولكنه في بداية طريقه، ولم يقطع سوى 120 متراً، واتضح أن الجهاز معيوب لأنه منخفض السعة التي تكشف عن 134 فاسد/ساعة فقط، وتشير التقديرات إلى أن الجهاز أمامه 276 سنة و8 أشهر و4 أيام و6 ساعات حتى يقطع المسافة من المطار إلى ميدان التحرير.


Health Warning:

Take only under supervision of an experienced therapist with 28 years or longer sickening experience. If you miss one dose of Your Daily Pill nothing will happen to you whatsoever because your condition, our condition, can not really get any worse. Opposition is highly poisonous and may cause vomiting, diarrhea, bankruptcy, burns, hair-loss and job loss, amongst other losses and undesirable symptoms.


Thursday, July 23, 2009

State of the Republic


في ذكرى الثورة


إزي الحال يا جمهورية

"سقفنا وياما هتفنا

وادينا حاضرين الدفنة

والورث اتباع"


من 57 سنة بالتمام والكمال، قامت ثورة 23 يوليو. وأنا بأقول ثورة، رغم إن ناس كتير تحب تسميها انقلاب، معلش، هي يجوز ابتدت انقلاب، لكن الناس قلبتها ثورة، المصريون صنعوا منها ثورة، ساعات بالتأييد والهتاف والتسقيف، وساعات بالنواح والعياط والنهنهة، وفي معظم الأحيان بالسكات المشين والصمت بدون أنين، علماً بأن السكوت في بر مصر، من علامات الرضا الدفين.

قامت الثورة، وحطت 6 أهداف، والدحاحين في التاريخ اللي بيحفظوا بطريقة الكتاتيب قالك 3 قضاء و3 بناء أو إقامة.

طيب نبتدي بالقضاء، 3 قضاء. القضاء على الإقطاع، القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، والقضاء على الاستعمار.

أهو ممكن تقوللي إن الثورة نجحت في أي حاجة، إلا موضوع القضاء على الإقطاع ده، بأمارة اللي عندهم آلاف الأفدنة، و3000 كم سواحل شرقية وشمالية اتباعت المتر باتنين جنيه بالتقسيط للمحاسيب كتر خير الراجل السكرة اللي نغنغ كل المسئولين وحبايبهم، صانع المليونيرات الحاصل على القلادة، اختفى شوية زي كارت السنيورة في لعبة التلات ورقات، وأهو رجع ومسك منصب كبير أوي.

واحد من اللا إقطاعيين الجدد عامل مجموعة مدن، الإعلان قال 20 دقيقة من مصر الجديدة، 20 دقيقة من المعادي، 20 دقيقة من الجيزة، قلنا دي سحابة إيه السودا دي، ولا هي مدينة معلقة في الهواء زي حدائق بابل، مدينة شايلاها مثلاً مجموعة طيارات هليكوبتر ولا إيه، طلعت فعلاً المدينة من وسعها ورحابتها، لأنها مقامة على ملايين الأمتار المربعة المصطفاة دون غيرها على الطريق الدائري، قريبة من كل مطرح، وواسعة ما شاء الله العاطي الوهاب. زمان أيام العصر البائد، كان يقولك عزبة الأميرة فلانة ترمح جنبها الخيل ساعة، جتها نيلة الأميرة الخايبة، خيل إيه وبغال إيه وحمير إيه، هو ده اللي قدرت عليه الأميرة الهايفة؟ دي كانت فدادين فكة كده، أي كلام يعني، دلوقتي ومع تقدم وسائل المواصلات، تمشي الطيارة فوق مدن اللا إقطاعيين الجدد شوية حلوين. طبعاً الراجل عضو لجنة السياسات لما لقى الدولة بتديله الأراضي بالكيلومترات والقناطير، والمسئولين بتشاركه وتباركه، والحكام بيزوروه ويفتحوا مشروعه، وولاد الحكام صحابه وبيلعبوا مع بعض ومع القانون لعبة الاستغماية المسلية، يعني بيع وشراء واستئجار ألخ من الدولة رغم إنه عضو ولا مؤاخذة في البرلمان وممنوع عليه قانوناً المتاجرة مع الدولة، لكن نقول إيه بأه، أصول لعبة الإستغماية كده. المهم، الراجل حس إنه فوق القانون، مخه اتلحس وبعت عقيد أمن دولة سابق عشان يموت مراته السابقة – سابق وسابقة بأه، قام التاني طار على ارتفاع 30 ألف قدم فوق القانون وراح قتلها في بلد تانية. الله يرحمها ويرحم الهدف بتاع الإقطاع. قطيعة تقطع الإقطاع وسنينه، واضح إنه "لابد" لنا في أرض البلد دي زي القرادة ما بتلبد في جلد الكلاب البلدي. ماشي. بلاه إقطاع.

طيب إيه رأيك في هدف القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم؟


آه، عدت دي. معلش. الشوطة دي للأسف "جلت"، والكورة لفت وبرده رجعت تدخل هدف في مرمانا وجل من لا يسهو. ليه؟ اقولك يا سيدي.

الهوا. الهوى يا سيدي وما أدراك ما الهوى. الهوى كان جامد أوي. زق الكورة والأشرعة حيث لا تشتهي السفن. فاضطر المسئولين غصب عنهم وهما زعلانين جداً - ربنا يسترهم، إنهم يسمحوا يعني بموضوع الاحتكار ده. بص، أصل الأسهل نلم الغلة من مجموعة صغيرة من الشركاء الموثوق في ولائهم، يعني مثلاً، مثلاً يعني، لو كان اصحاب البلد، أعطوا امتيازات الحديد لكذا واحد، وما باعوش مصنع الحديد للأخ بتاع لجنة السياسات بسعر أخوي يعني باعتباره عضو معاهم، كان لم الغلة يبقى صعب. تصور بأه لما تتعامل مع 100 تاجر ولا مصنع صغير.اللي تعدي عليه يقولك والله النهارة ما بعناش، والتاني يفتح لك الدرج ويقولك السوق وحش وإن لقيت فلوس خدها، لكن لما شخص واحد يسيطر على السوق لحسابنا – قصدي لحسابهم، يتحكم في الأسعار، واحنا برده نساعدة بشوية قضايا إغراق ضد الحديد المستورد والذي منه، يقوم يوم ما نطلب منه مثلاً مثلاً يعني يصرف على الحزب ولا على الحملات الانتخابية، يرحب ويصرف عن وسع ويفنجر إيده آخر فنجرة، وهو يعني دافع حاجة من جيبه. طيب. بس كمان في المقابل يا خفيف، أياك تهوب جنب قانون الاحتكار ولا عقلك يقولك مثلاً إنك حتعمل قانون زي الدول الوحشة اللي مش مستهدفة، يمنع الاحتكار صح أو يستهدفه مثلاً. لازم تخلي البيه نفسه هو اللي يكتب القانون اللي على كيفه، مش بفلوسه ياجدعان؟ هو فيه إيه. أكل وبحلقة؟ طيب ييجي السؤال بأه، ده ممكن مثلاً مثلاً يعني يكون صورة مصغرة من موضوع سيطرة رأس المال على الحكم أو شبهه في أيتها حاجة؟ أبداً وحياتك، لا شبهه ولا حاجة، ولا يقربوا البعض ألبتة ولا حتى إخوات في رضاعة الكبير، ويخلق من الشبه أربعين.

خلاص بلاه الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.

طيب بلاش موضوع القضاء والهدم والمسائل السلبية دي، خلينا إيجابيين، خلينا في موضوع البناء والإقامة، وأهو الحمد لله في كل حي عندنا أكتر من 300 مؤذن بيقيم الصلاة في مكبرات صوت 500 ميجا وات، يعني شاطرين جداً في الإقامة. وبعدين المصري هو أبو البناء وهو المعماري الأول في التاريخ من أيام أهرامات خوفو ومعابد الأقصر وحتى ملايين المساكن العشوائية التي بناها المصريون بدون ترخيص ولا رسومات، ولا فن ولا هندسة، ولا سحر ولا شعوذة، يعني كمان أكيد شاطرين في البناء.


طيب، نبدأ بهدف إقامة حياة ديمقراطية سليمة. آه، الشوطة دي بأه بالذات، جت دوبل كيك باكوارد عدل في مرمى الحضري ومن سوء الحظ كان الحضري ساعتها في سويسرا. يعني دخلت دون أن يسأل عنها، جون أكيد فينا. ليه؟ إنت حتستعبط. إنت ما تعرفش إن البلد مستهدفة، عايز شوية سناكيح ييجوا بالانتخابات ما حدش عارف ولاءهم لمين؟ أما إنت خاين إمبريالي عميل صحيح. وبعدين إحنا عندنا أزهى عصور الديمقراطية ولو مش مصدق إسأل رئيس لجنة القضاء على الأحزاب اللي هو برده وسبحان الله قدر وما شاء فعل، أمين عام الاتحاد الاشتراكي قصدي الحزب الأوتوقراطي. وبعدين الديمقراطية دي أصلاً لا هي من توبنا ولا تناسبنا، بذمتك عمرك شفت أي فرعون أو حتى والي من المماليك عامل انتخابات ولا أحزاب ولا غيره؟ يا راجل فضها سيرة بأه وعيب عليك التشبه بالفرنجة وبدعهم، وانت عارف، كل بدعة ضلالة وربنا يكفيك شر الفكر. وبعدين حكم شعب إيه اللي انت عايزة. دا الشعب جاهل وأمي وكمان ما تهموش الأمور دي. والنبي تفضها سيرة.

إقامة عدالة اجتماعية؟ بلاش دي عشان جسمي بيقشعر كل ما افتكر الشاب المسكين المتفوق أول دفعته اللي حرق نفسه بجاز في الشارع عشان رفضوا تعيينه لانعدام العدالة الاجتماعية – قصدي اللياقة الاجتماعية.

*******

من 57 سنة، قامت الثورة، وحطت 6 أهداف، لكن الأهداف الستة كلها للأسف جت في مرمانا إحنا، اتهزمنا واتبهدلنا واتشتم فريقنا كمان من اللي مايسواش عالهوا، جماعة قالوا الهزيمة دي أصلها نكسة، وجماعة تانيين قالك أصل مصر مستهدفة، وشوية قالولنا الهزيمة دي قضاء وقدر، واضطرينا نقبل بقدرنا المقندل لأن مافيش قضاء، والماتش خلص على 6 – صفر لصالح الأعادي.

من 57 سنة، قامت الثورة، وقال قادتها أنهم سيعودون للثكنات ويتركون الحكم للمدنيين من رجال السياسة، لكنهم لم يعودوا قط إلى الثكنات، وبعد سنة من قيام الثورة، قال قادتها أنهم سيقيمون النظام الجمهوري، لكن الشعب أخذ يورث من يد ليد، وماتت أجيال وولدت أجيال لم ير أي منها الديمقراطية ليوم واحد، بل لم ير أي دليل مادي على قيام الجمهورية نفسها، واليوم وبعد 57 عاماً من قيام الثورة، ما هو حال الجمهورية؟ في الحقيقة، حال الجمهورية زي حال الأخبار والأهرام. كذبة كبيرة. نفاق ورياء وبروباجاندا وطنطنة فارغة من محبي عيش السرايا، أتباع النظام وقططه الأليفة. في العيد الـ 57 للثورة التي تظاهرت بإقامة الجمهورية، الظاهر لكل ذي عين إن احنا ما عندناش نافع من صنف الجمهورية غير حاجتين: شارع الجمهورية ومسرح الجمهورية.

Sunday, August 24, 2008

The Lord Works in Mysterious Ways

أحياناً ما تتدخل السماء بصورة غير متوقعة



لقد احترت فعلاً في هذا الحريق

احترت في سبب هذا الحريق

ولماذا حدث الآن؟
وبهذه الطريقة

وكيف أن حريقا صغيرا
في غرفة واحدة
يأتي على هذا المبنى الضخم بالكامل

رغم وجود عشرات من سيارات الإطفاء على بعد أمتار

ولم يسعفني فكري سوى أن هذا الحريق هو محصلة لكل الشرور التي نعيشها

ربما هناك شبهة جنائية؟
ربما هناك أوراق مخفية؟
ربما هناك نوايا مستخبية؟

هل هو الإهمال؟
أم الجرد؟
أم الشرار الكهربي؟

لا أعلم

لكن كل شيء جائز

كل ما أعلمه والتصويت جار ويدل عليه

http://weekite.blogspot.com/

أن هذا البرلمان لا يمثل المصريين
ولا يدافع عن حقوق المصريين
ولا يتبنى مصالح المصريين

هذا البرلمان اصبح رمزاً للكذب والنفاق والتدليس
أصبح رمزاً للقوانين سيئة السمعة
أصبح رمزاً لتزوير إرداة الشعب
أصبح رمزاً لنواب العبارات والاحتكارات
نواب البودرة
والأراضي
والقروض المنهوبة

نواب شراء الأصوات
الذين يقضي القضاء ببطلان انتخابهم
فيأتي رئيس المجلس ويقول
المجلس سيد قراره

نواب محتكرون مسئولون عن صياغة قانون منع الاحتكار
نواب يتعاملون مع الدولة بيعاً وشراء بعشرات المليارات وهم مسئولون عن صياغة قوانين غسيل الأموال والاستيلاء على المال العام



ربما هذه صورة ظالمة
وغير دقيقة
لكنها هي الصورة التي أصبحت مترسخة في أذهان الشعب كله بجميع طوائفه


مجلس الشورى الذي حرق أو احترق
هو مقر لجنة شئون الأحزاب

ويرأسها أمين عام الحزب الحاكم
بعضوية وزير الداخلية
ووزراء آخرين
كلهم يمثلون النظام

ووظيفتها دائماً وأبداً هي رفض وتجميد وتفكيك الأحزاب


***************

تذكرت حريق القاهرة
يوم 26 يناير 1952
وكيف كان بداية لمسار غير مستقر انتهى بانقلاب أو ثورة يوليو


هل يكون هذا الحريق مقدمة لأشياء أخرى؟

لا أدري

****************

مجلس الشورى الذي حرق أو احترق
أحد أعضائه نائب العبارات الذي "ظهرت" براءته منذ أسبوع أو أكثر قليلاً
من تهمة التسبب في قتل ما يزيد عن ألف مصري
هل هو انتقام السماء؟
البعض يسخر من هذه الفكرة

ويقال أن عضوا آخر الآن متهم بالتحريض على ذبح مغنية في دبي؟
وأن مدير أمن أحد فنادقه تقاضى عدة ملايين للإشراف على تنفيذ المهمة؟
وعندما قبض عليه
يقال أنه انتحر في السجن؟
إشاعات
خرجت جريدة الدستور ببعض هذه الأخبار أو الإشاعات
لكنها صودرت
باعتبار أن النائب العام حظر النشر في تلك القضية؟

ولماذا يحظر النائب العام النشر في تلك القضية؟

ويقال في رواية أخرى أن رجل الأعمال المعني بعث برجاله لشراء كل النسخ وجمع الجريدة من الأسواق

ويقال في رواية ثالثة أن هناك خلافاً وتنافساً بين رجل المقاولات ورجل الحديد
لأن رجل المقاولات يستورد الحديد بمعرفته
وأنه نتيجة لهذا الخلاف فهناك شبهة توريط متعمد من الطرف الثاني للأول

إشاعات وروايات أشبه بقصص هتشكوك
مفاسد لا يمكن تصورها
ولا يمكن تصور أن تكون هناك سلطة شرعية تحمي هؤلاء المفسدين او تحاول التعتيم على مثل هذه الأمور
أو تستعين بهذه الشخوص
أو تتقاسم معهم ريع الوكالة

عندما تمتلئ خرابة أو مخزن قديم بالزبالة والمخلفات يحدث حريق إن عاجلاً أو
آجلاً بالاشتعال الذاتي لتلك المخلفات




وفي وسط كل هذه الزبالة والمفاسد والمخلفات
في وسط كل هذه المظالم يأتي الحريق


ورغم أنني لا أعد نفسي من الدراويش أو أتباع الطرق الصوفية
إلا أنني لابد أن أعترف


السماء أحياناً ما تعمل بصورة غير متوقعة
The Lord Works in Mysterious Ways!







وفي النهاية أقول
عندما تتصاعد النيران
والدخان
تكون هذه علامة
لإعادة ترتيب المكان

وتنقيته من هذه الزبالات والمخلفات والمفاسد

قبل ان يتكرر الحريق
على نطاق اوسع


*********************
*********************


اشترك في التصويت
هل البرلمان المصري يمثل بحق المصريين؟

http://weekite.blogspot.com/

Friday, August 22, 2008

كتاب النبؤات : إعادة ترتيب المكان




إعادة ترتيب المكان






كانت في بيتها
تعد طعام العشاء لأطفالها
طرقوا الأبواب
فتحت مرحبة بالركبان


أعطتهم من خير البيت
فأكلوا
وشربوا
وتجشأوا
لكنهم لم يشبعوا

ظلوا يأكلون
ويشربون
لكنهم لم يشبعوا

أمرهم كبيرهم
خلسة
بأن يجمعوا من المنزل كل نفيس
ثم قرروا أن يقضوا منها وطراً


سدوا الكوات والنوافذ
كمموا أفواه الصبيان
كبلوا الأيادي والأبدان


تكأكأوا عليها بليل
حاصروها
أوقعوها
وحاولوا أن يواقعوها
في بيتها غصبا

نظرت إلى السماء
نظرة تساؤل
لم تنظر لهم
ولم تلمهم
للحظة واحدة

وفي محاولة أخيرة
للخلاص
ركلت موقد الكيروسين
بقدمها

اندلعت النار
في الوقود المسكوب
وانقض الحريق
كالقدر المكتوب
تراقصت ألسنة اللهب
وتصاعد الدخان

خرجوا مسرعين
يتعثرون في سراويلهم
والنار تمسك بأجسادهم
مثل كرات مشتعلة
تشق حلكة الظلام

وفي لحظات
تجمعت السحب
واصطخب الرعد
أمطرت السماء
كما لم تمطر من قبل
في تلك القرية الصغيرة
تطفئ النيران
وتغسل الأدران


وقفت الجموع حاسرة
في ترقب أمام بيتها

.
.
.

وخرجت بهية بصغارها
من وسط الحطام

نظرت للسماء
في ثقة وامتنان
غطت رأسها
مسحت على رءوس أطفالها
وابتسمت للجيران

ثم بدأت تعيد ترتيب المكان

.
.
.
.





© 2008, Wael Nawara


نشرت لأول مرة في أغسطس 2008


********************



Picture Adapted from "V for Vendetta", the movie. In the movie, V blows up the Parliament as a symbol of people's protest against tyranny of the government, co-memorating Guy Fawkes' attempt 400 years earlier, on the 5th November 1605 ...



Remember Remember ... the 5th of November ... the Gun Powder Treason and Plot ...

I know of no reason, why the Gun Powder Treason, should ever be forgot ...

.
.
.

Thank you, Omar, for the Inspiration!

.
.
.

عندما تتصاعد النيران
والدخان

تكون هذه علامة
لإعادة ترتيب المكان

.
.
.

Tuesday, August 12, 2008

The Fifth Estate (the Fifth Power) 2


التغيير

من وجهة نظر
الفكر الجديد!

مرت أعوام طويلة وعقود متعاقبة، وسبحان من له الدوام، كبر نظار العزبة وأصابهم طول الولاية بثقة قادتهم إلى الخرف فأصبحوا يعملون بجرأة وبجاحة غير محتملة، يمارسون النهب والسلب علناً جهاراً نهاراً، يضربون الصحفيين ويسجنون من يتجاسر ويتحدث عن "بلاويهم". عاثوا في الأرض فساداً حتى نضب البئر وذبل الزرع وجف الضرع. افتروا في الأرض حتى ضج العباد وصرخت الأرض تطلب القصاص! لقد أدى النهب المستمر والفساد وسوء الإدارة لنضوب الموارد فانهار الاقتصاد واستشرت البطالة وأفلس الناس فتصاعد الغضب وأصبح النظام كمن يجلس فوق غطاء إناء يغلي وتتراكم بداخله الضغوط، وأصبح الانفجار مسألة وقت. ومن ناحية أخرى، هبت رياح التغيير على أرض قبائل الهنود الحمر، فالغرب الذي سمح للولاة أن يحكموا الشرق باسمه ولصالحه، طالته نيران الظلم والمعايير المزدوجة في عقر داره، ولم يكن ليستطيع أن يواجه السبب الأساسي وهو إسرائيل، فقرر أن يأخذ بالسبب التالي وهو استبداد النظم ودكتاتورية الحكام وفساد الولاة.

ومن ناحية ثالثة، أصابت الشيخوخة خبراء التزوير والتزييف والتجميد والتحنيط والتخليد والتخليل والإخصاء والإقصاء، فتخطوا سن السبعين، ونتيجة لخوفهم جميعاً من التغيير، ورغبتهم الشديدة في الخلود، لم يدربوا صفوف ثانية متمرسة على التزوير والفساد والسيطرة على مقدرات الشعب من خلال مسرحية التعددية.

ومن ناحية رابعة، شب الأبناء عن الطوق، بعد أن تلقوا العلم في المدارس الغربية، فبدءوا يخجلون من ممارسات الآباء الفاضحة التي تكسفهم مع أصحابهم في الجونة أو القطامية أو مارينا. وكان لابد من تغيير الأساليب لتصبح أكثر عصرية. ووجدوا في مجموعة من رجال الأعمال الصاعدين الشباب من يرسم لهم طرق السيطرة على مقدرات الحكم بوسائل "مودرن" شكلها لطيف و"شيك" ويمكن إقناع الغرب بها خاصة مع تخويفه من التيار الإسلامي وتفتيت الأحزاب المدنية وتلويث سمعة كل من له شعبية عن طريق تلفيق القضايا.

نظرت الأمهات فوجدن فلذات أكبادهن يسرون الناظرين، علماً وثقافة ووجاهة، فتمنين أن يروهم في الحكم بعد أن يستكملوا الشكل الاجتماعي المناسب. وكانت العقبة أن أعضاء لجنة الحكم وأقطاب السلطة الخامسة ونظار العزبة من الحرس القديم قد أصابهم الغرور وتصوروا أنهم أحق بالحكم من صبية "الفكر الجديد" فهم لا شعبية لهم ولا حنكة سياسية، صبية متغطرسين لم يصافحوا الأيدي العرقانة المطينة، لم يتمرسوا في أصول التزوير أو التزييف، صبية أيديهم لينة رخوة، لم تمارس أساليب التزوير القذرة ولم تختلط بالبلطجية والمجرمين. وهذا الصراع رأيناه كثيراً على مر التاريخ، وهو أن المماليك ينقلبون على ابناء السلطان الراحل أو في حياته، وقد ينجحون وقد نجحوا بالفعل من قبل. وكان لابد من التخلص من هؤلاء المماليك.

راح أولهم ضحية موضوع المبيدات المسرطنة التي تم غزلها بعناية، فطالت جميع مساعديه وبقي هو آمناً من العقاب طالما ابتعد عن اللجنة وقبل بالإحالة للاستيداع، وتكفلت تحالفات انتخابية معقدة بإسقاطه في دائرته الانتخابية!

أما الثاني، فقد طالته نيران فساد الإعلام والإعلان فتم القبض على أحد صنائعه وشريك ولده في الأعمال كرهينة، ضماناً لوقوفه على الحياد أثناء المعركة الكبرى، معركة كامل الأوصاف. فوقف على الحياد وتمت الإطاحة بكامل الأوصاف وبعدها مباشرة خرج الصنيع الرهينة وتم حفظ الموضوع. وقبله تم القضاء على مساعديه من أباطرة الصحف، وتم تسريب العديد من الملفات والاحتكارات في مجال الطباعة والأحبار والجاكوزي وغيرها من فضائح كفيلة بإخراسهم بحيث تمت الإطاحة بهم على مرحلتين بعد قياس رد فعلهم.

أما كامل الأوصاف، فهو يتعجب، لأن موضوع الصراع بين الحرس القديم والحرس الجديد كان بالنسبة له من باب وضع التوابل على مشهد سياسي عديم الطعم والرائحة، وهو لم يقصد أن يمنع الأبناء الأعزاء من أن يتبوءوا المكان الذي يستحقونه، ولكنه كان مخلصاً في نصحه للآباء والأمهات، بأن الشعب لن يقبل بالتوريث ولو انطبقت السماء على الأرض. وفي كل الأحوال فهو شاكر لما أصابه من نعيم، وراض بما أصابه من إقصاء أليم، ولم يكن يطمح لما هو أكثر من رئاسة المجلس لا المجالس، وفي كل الأحوال فهو لن يتسبب في أي مشكلة. أما صانع المليونيرات، فهو صبي لا أكثر ولا أقل، ولم يكن التخلص منه بالمسألة الصعبة، ولأنه قدم المجوهرات والهدايا والأراضي والفلل والقصور، فكان الجزاء من نفس صنف العمل، قلادات عظيمة وتشريف ما بعده تشريف.

اللجنة الحاكمة الجديدة
أصبح الطريق إذا ممهداً لضم أعضاء جدد من الشباب للجنة الحكم، وهم شباب ينادون الأب يا "أونكل" وبالتالي فهم أقرب إلى كونهم أفراداً ينتمون بكل حبهم وولائهم للعائلة التي تمرغوا في ترابها فوجدوا التراب تبراً واحتكارات سخية. لم يعد هناك من المماليك غير خالد الذكر، وهو مطمئن لأنه كان بمثابة المعلم للأبناء، والأمين على مستقبلهم والأمين أيضاً على الصندوق الذي يمول كل الأنشطة الخفية، وهو بالطبع لا يعلم أن ساعته هو أيضاً قد اقتربت، وبقاؤه هو مسألة وقت، وهناك من يتم تدريبه على أن يحل محله.

استقرت الأمور للجنة الجديدة، وكان من الضروري أن يتم تأجيل انتخابات المحليات لفترة تكفي لأن تستطيع السلطة الخامسة الجديدة أن تسيطر على مقدرات الحكم وتبدأ في نشر قواتها ومندوبيها في عرض البلاد وطولها، والتغلغل في الوحدات الحزبية والمصالح الحكومية، بفصيل جديد من شباب الكومبيوتر المحمول الذي تدرب في جمعية جيل المستقبل وأدار الحملة الرئاسية.

أما التوريث، فلا تشغل بالك به، فهو لن يحدث بالصورة الساذجة الذي تظنها، لأن التوريث لن يصبح توريثاً للمنصب بصورة مباشرة صريحة، بل سيصبح عن طريق انتقال قيادة السلطة الخامسة واللجنة العليا الحاكمة إلى صاحب الحق الشرعي في الحكم من وراء ستار، وليجلس على كرسي الرئاسة من يجلس، طالما بقيت السلطة الحقيقية في يد اللجنة، وطالما آلت إدارة اللجنة إلى الأبناء الأعزاء. وألف مبروك النجاح والخطوبة.

The Fifth Power 1

تبديل السلطة الخامسة

منذ سنوات عديدة، احتلت فكرة "التوريث" مساحة كبيرة من صفحات وشاشات وسائل الإعلام. ويتعجب البعض، كيف يتمكن الحزب الوطني من توريث السلطة أو حتى البقاء فيها، على الرغم من فشله المزمن، والرفض الواسع الذي يتيمتع به، وتدنى شعبيته إلى الحضيض، وهو ما تجلى في حصوله على 32% فقط من مقاعد مجلس الشعب رغم البلطجة والتزوير وشراء الأصوات واستغلال موظفي الحكومة الأحياء منهم والأموات في التصويت لمرشحي الحزب الوطني. ولكنني في الواقع، لا أنشغل بسيناريو التوريث ولا أخشى منه، لسبب بسيط، وهو أن التوريث قد حدث بالفعل ويحدث من زمان، فقد اعتدنا منذ وفاة الرئيس عبد الناصر أن يرث نائب الرئيس مقعد الرئاسة، أي أن النظام يأتي بأحد أبنائه من ذوي الثقة أو ممن يظن أولو الأمر أنهم طوع إرادة اللجنة الحاكمة، بما يضمن استمرار اللجنة الحاكمة في إدارة شئون البلاد بصرف عمن يجلس على مقعد الرئاسة.


اللجنة الحاكمة
وفكرة اللجنة الحاكمة توجد في العديد من دول العالم بما فيها الدول الديمقراطية بصورة أو أخرى، فالبعض يؤكد أن تلك اللجنة الحاكمة قررت أن تتخلص من الرئيس الأمريكي جون كينيدي – وتتخلص من أخيه روبرت كينيدي وزير العدل فيما بعد - لأنه خرج عن طوعها وبدأ يكتسب شعبية سوف تمكنه من تمرير قوانين وسياسات تتعارض مع مصالح تلك اللجنة رغم أنف اللجنة ومن يقف وراءها من رجال أعمال وشبكات مصالح. والبعض الآخر يؤكد أن "المؤسسة الإنجليزية" هي التي قررت التخلص من الأميرة ديانا وهكذا.

وعندما توفي الرئيس عبد الناصر، يكتب بعض من عاصروا تلك الأيام، أن اللجنة الحاكمة رأت أن السادات هو أقل أعضاء مجلس قيادة الثورة خطراً وشعبية، وأنهم بتنصيبه رئيساً سوف يضمنون استمرارهم في الحكم من وراء الستار. ولكن السادات أثبت أنه يفوقهم في الدهاء، وكان أيضاً محظوظاًً بقدر كبير، فقد استطاع في مايو 1971 أن يزيح معظم من أسماهم بمراكز القوى بضربة واحدة أطلق عليها السادات فيما بعد "ثورة التصحيح".

وطوال فترة الستينيات، رأى السادات عن قرب الشلل الذي أصاب الإدارة المصرية نتيجة لسيطرة اللجنة الحاكمة على مقدرات الحكم وكل مجالات الحياة في مصر رغم أنف الرئيس الرسمي للبلاد – جمال عبد الناصر – بدءاً من كرة القدم مروراً بالفن والصناعة والتجارة، وهو الشلل الذي أدى في النهاية لأسوأ هزيمة تتعرض لها مصر على مر تاريخها الطويل، هزيمة 1967 التي لا زلنا نعاني من آثارها السلبية. ولهذا حاول السادات ألا يسمح بإعادة تكوين اللجنة الحاكمة، عن طريق التغيير المستمر في الوزراء والمسئولين، وأحاط نفسه بدائرة هو مركزها من رجال الأعمال والمستشارين والإعلاميين استمدوا جميعهم تأثيرهم من الجالس على الكرسي في مركز الدائرة، بحيث لم يكن لهم مجتمعين علاقات وطيدة كمجموعة مصالح.

وفكرة اللجنة الحاكمة، أو السلطة الخامسة الخفية، تفترض أن هناك ناد شبه سري، بعض أفراده قريبون بحكم مناصبهم الرسمية من دائرة صنع القرار، بينما يستمد البعض الآخر نفوذه من الدور الحيوي للنظام، رغم أن هذا الدور لا يمكن الإفصاح عنه في دائرة الضوء لحساسيته.

وبعد وفاة الرئيس السادات، ولأسباب عديدة وبصورة تدريجية، بدأت سلطة خامسة جديدة تتشكل على استحياء، بحيث أصبح أفرادها يشكلون أعمدة رئيسية يقوم عليها البنيان الموازي للنظام. وهذه الأعمدة، سواء إعلامية، أو سياسية، أو تنفيذية، أو أمنية، أو تشريعية، أو قانونية، أو مالية، أو إدارية، أو معلوماتية، أو مؤثرة في دوائر مهنية أو عمالية بعينها، أصبحت هي البديل الموازي عن الأعمدة الرسمية المؤسسية التي يفترض أن تدعم بقاء النظام وشرعيته. ولأن جميع الكيانات الموازية بطبيعتها هي كيانات غير معلنة ولا تخضع لقواعد المساءلة أو المحاسبة أو الرقابة، فإن هذه الكيانات حتى لو بدأت بنوايا حسنة أو توجهات وطنية، فإنها سرعان ما ينخر فيها الفساد، وتبدأ في العمل كدويلات أو إقطاعيات أو نظم فرعية، ويصبح هدف القائمين على هذه النظم هو بقاء النظام الفرعي نفسه بصرف النظر عن الفائدة أو الضرر الذي يعود على الوطن أو حتى على نظام الحكم ككل من جراء استمرارها وبقائها. وهذا الفساد يصبح بسرعة حملاً ثقيلاً على الوطن، بل يصبح مثل كيان سرطاني أو طفيلي يمتص دماء الوطن وينتقص من شرعية وشعبية النظام الذي أوجدها في الأساس ليكتسب مثل هذه الشرعية.

أعمدة النظام
وقد يكون من المفيد أن ندرس الأعمدة التي قام عليها النظام خلال الثلاثين عاماً الماضية.

العمود الأول هو عمود التزييف الإعلامي. فمن خلال السيطرة على الإعلام واحتكار القنوات التليفزيونية والإذاعية والصحف تمكن النظام عبر سنوات طويلة من إخضاع الشعب عن طريق عملية غسيل مخ منظمة لوثت الوعي الوطني واعتقلت الشعب في غيبوبة فكرية هي مزيج من أوهام الريادة المشبعة للغرور الوطني، وعفاريت التخويف باعتبار أن التغيير مثل أمنا الغولة، لأن "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش" و"دول شبعوا خلاص" وغيرها من الهلاوس. وحتى عندما بشرونا بالسماوات المفتوحة، اخترق أصحاب الريادة الفضائيات العربية بحيل عديدة وباستخدام الابتزاز ووظفوا العملاء والعميلات في كل برنامج يدخل بيتي وبيتك في القاهرة أو أسوان.

العمود الثاني هو عمود التقليم والإخصاء والإقصاء لكل من يمكن أن يهدد النظام. وقام على هذا العمود زبانية البوليس السياسي تعاونهم أجهزة رقابية وقانونية رفيعة المستوى. تغلغل البوليس السياسي في كل منشأة سواء أكاديمية أو إعلامية أو حكومية أو حزبية. وأصبح البوليس السياسي هو صاحب اليد العليا في كل قرار أو تعيين، فسلطة رائد صغير أو مقدم من البوليس السياسي يرتعش أمامها أي لواء عادي أو مسئول كبير مهما كبر منصبه. وقد رأينا كيف تجاسر ضباط البوليس السياسي فأهانوا القضاة واعتدوا عليهم أثناء الانتخابات الماضية، وأشرفوا على عمليات الاقتراع وشراء الأصوات والفرز والتزوير. ومن قبلها اخترقوا الأحزاب ليديروها لمصلحة الحزب الحاكم، لوأد أي نشاط سياسي يمكن أن يؤدي لتغيير الأوضاع أو أيقاظ الشعب من الغيبوبة الفكرية والعقم السياسي.

العمود الثالث هو شبكة الفساد المتداخلة مع السياسة والبيزنس الصغير والمتوسط، وقد قام به باقتدار الحاج كامل الأوصاف على مدى ربع قرن، نجح خلالها في ربط مصالح الخلق بمجموعة فاسدة من "السياسيين" والمسئولين وأعضاء المحليات، ومسئولي الاتصال بوحدات الحزب الحاكم من العاملين بالدولة والحاصلين على "تفرغ سياسي" منذ أيام الاتحاد الاشتراكي. فأصبح الفساد متغلغلاً في كل منشأة حكومية أو خدمية، وأصبح قضاء أي مصلحة مرهوناً بعلاقة مع نواب التأشيرات وكل شيء وله ثمنه، بحيث أصبح تغيير الأوضاع يضر بمصالح كل من لهم مصالح أو أعمال أو طلبات استثنائية! وليس أدل على ذلك من أن اختيارات الحزب الحاكم في الانتخابات كانت دائماً تذهل الشخص العادي، فالحاج كان دائماً يختار أكثر المرشحين فساداً، وليس هذا لأنه عديم النظر لا سمح الله، بل لأنه شخص حصيف وحريص على مصلحة النظام – أو هكذا قاده فكره – ويفهم جيداً أصول اللعب.

العمود الرابع هو شبكة الولاء وهي أعقد الشبكات وأكثرها غموضاً. ويقوم على هذه الشبكة خالد الذكر شديد العزم، العضو البارز في اللجنة الحاكمة وعقلها المدبر، وهو مسئول عن إدارة "صندوق الولاء" الذي تغذيه شراكات متينة مع كبار رجال الأعمال من أصحاب الاحتكارات الكبرى والعبارات وكبار الموردين للدولة علاوة على الشركات الأمنية التي تحصل على أعمال بالمليارات بالأمر المباشر، وهي شركات خارج القانون الطبيعي ولا تخضع أموالها لأي رقابة أو محاسبة. وهذا الصندوق تخرج منه "مظاريف الولاء" الشهرية التي تذهب لكبار القادة والمسئولين لضمان ولائهم للنظام ولجنة الحكم، وهذه المظاريف بالمناسبة لا تفعل أي شيء سوى أنها تعطي الحق لأصحابه، فمن غير المعقول أن يحصل هؤلاء القادة على راتب بضعة آلاف من الجنيهات مثلاً بينما يقومون على شئون حساسة ومسئوليات جسيمة، وكان من الواجب أن يحصل كل من هؤلاء المسئولين على دخل عادل يماثل المسئولية الملقاة على عاتقهم، ولكن من خلال الطريق القانوني السليم بشفافية كاملة، دون الحاجة لمثل تلك المظاريف المهينة التي تحاول أن تحيد بولائهم ليصبح تجاه أشخاص وليس للوطن، ومن هنا جاء لفظ "ظرفه" أي اعطه ظرفاً سميناً.
وقد قامت شبكة الولاء بتوسيع نشاطها لتضم عضواً هاماً هو "صانع المليونيرات"، وقد ضموه دون أن يعلم، فهم لم يثقوا به تماماً رغم هداياه الكثيرة من مجوهرات وأراض، لم يثقوا به نظراً لسوء سمعته قبل أن يلي المنصب الكبير، وعينه الفارغة رغم المليارات التي اختلسها أثناء ولايته. ووظيفة صانع المليونيرات كانت أن يعطي الإقطاعيات من أراضي الدولة وشاليهاتها وفللها الساحلية لكبار المسئولين والقادة أيضاً لضمان ولائهم وربط مصالحهم بشبكة الفساد وبقاء النظام. فمن يدخل مكتبه فقيراً معدماً يخرج مليونيراً أو مليارديراً بشرط أن يحتمل سوء طباعه وسلاطة لسانه وعينه الزايغة وألفاظه القبيحة، وسر هذا التحول يكمن في خطاب التخصيص الذي يباع ساخناً بالملايين، أما إذا برد بعد أن يتم تسقيعه، فقد يصل ثمنه لمئات الملايين ويمكن بضمان خطاب التخصيص اقتراض المليارات من بنوك المحروسة العامرة، وهي بالمناسبة محروسة فعلاً بعتاة المسئولين من زملاء علي بابا في أرض الأحلام.

العمود الخامس – وهو العمود الفقري – لن أتحدث عنه نظراً لطبيعته الحساسة ولأنني أتمنى أن أثق في وطنيته Wishful Thinkingوأنه سوف يلتزم بالشرعية التي تفرزها العملية السياسية بصرف النظر عن طبيعة هذه العملية السياسية أو عمق مشروعيتها.

وهناك العديد من الأعمدة الفرعية والكمرات، مثل التعليم الذي يرسخ خضوع الأجيال القادمة ويقتل فيهم ملكة التفكير الحر ويغتال روح الإبداع والتغيير لصالح التجميد والتوريث، والتشريع التفصيل الملاكي الذي يبعث السرور في نفوس الحكام، واللجان الانتخابية ذات القدرات السحرية وسلطات إلهية، وهي قدرات استطاعت تحويل الهزيمة إلى نصر متين، وتحويل النخلة إلى هلال مبين. وهناك أيضاً الملايين من موظفي الدولة والنقابات العمالية والإدارات المحلية، التي تضمن كلها استغلال السلطة في المبايعة الأبدية مدى الحياة وما بعد الحياة للأبناء والأحفاد والأسرة الملكية كلها.

ومن هنا نرى أن أعضاء لجنة الحكم أو السلطة الخامسة كانوا هم القائمين على هذه الأعمدة التي ذكرناها والتي تدير الدولة من وراء الستار، علاوة على ممثلي الملاك والورثة ليكتمل مجلس إدارة السلطة الخامسة التي تتحكم فعلياً في شئون الدولة بعيداً عن الدستور والمؤسسات والسلطات الشرعية قليلة الأثر وعديمة الخطر، لأنها تتبع التعليمات الشفوية والتليفونية مهما تعارضت مع الدستور والقانون والمنطق الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، وتلتزم بالتوجيهات بطاعة كاملة وسلاسة تحسد عليها المحروسة. وهكذا سارت الأمور لسنوات طويلة بنظام افتح يا سمسم، ذهب ياقوت مرجان أحمدك يا رب!

2005 Archive

التضبيش قبل الغرق
و
الهلال اللي اتسرق

في عز الظهر، والشمس ساطعة وأمام رجال القانون والإعلام، فوجئنا بحادث سرقة من نوع فريد، سرقة جرم سماوي عظيم، لا يمكن إخفاؤه أو تشله، ولكن حزب الحكومة متمرس وعتيد في الفن، ولا يهمه أي شيء. الحكاية أنه بعد منتصف ليلة الجمعة بقليل وصل ثلاثة من مندوبي المرشح (مرشح انتخابات الرياسة 2005) إلى مقر لجنة تلقي طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية ليأخذ المرشح دوره مبكراً في سبيل الحصول على أولوية اختيار الرمز الانتخابي.
وبعد مناقشات وشد وجذب مع الأمن والأمناء، والمباحث واللواءات والعقداء، توصل المتلاحون لحل وسط، يقوم بموجبه مندوبي المرشح بإثبات أسبقية حضورهم عن غيرهم الذي لم يحضر أصلاً. وفي الصباح قدم أيمن نور أوراقه بنفسه كأول المرشحين، واختار الهلال الجميل، كرمز مصري أصيل. وأعلنت وكالات الأنباء الخبر السعيد، وبدا للجميع أن الانتخابات القادمة ستدخل بنا لعصر ديمقراطي جديد. ولكن، لم تدم الفرحة إلا ساعات قليلة، وفجأة خيم الظلام، عندما أعلن الحزب الحاكم بأمره، أن مندوبه الخفي قد جاء مبكراً وتسلل دون أن يراه أحد من مئات الحاضرين، وأنه كان أول المتقدمين، فحصل على الهلال بإيصال متين. أي والله. حتى الهلال سرقوه. طاروا بمركبة فضائية، وقودها الفساد والمحسوبية، ليقتطفوا الهلال ويتركوا السماوات والأرض، يشكوان من الظلام عبر خطوط الطول والعرض.

يا أيها الحزب البطال: لماذا تستكثر علينا نور الهلال؟ هل تظن أن خدعة الإيصال، يمكن أن تنطلي حتى على الأطفال؟ كيف سولت لك نفسك أن تسمي خطتك الانتخابية هلال المستقبل، قبل أن تقوم اللجنة العليا بإعلان الرموز؟ ألا تكفيكم مناورات النجم الساطع، لتحاولوا أن تخطفوا نور الهلال الطالع؟ ألم تشبعوا من احتكار الماضي واحتضار الحاضر، لتحتكروا المستقبل وتدنسوا المولود الطاهر؟

وإذا عجز قاضي القضاة في قلب القاهرة المحروسة، عن التصدي لضغوط السلطة المفروسة، في حضور المرشح نفسه مع مندوبيه، وعلى مرأى ومسمع من التليفزيون ومشاهديه، فكيف يعقل أن نتوقع الصمود وقدر من الحياد، من وكيل نيابة أو قاض عاد؟ لله در المرشحين، وجموع الشعب من الناخبين، الأحياء منهم والمتوفين.

ألم يكن الحزب الحاكم قادراً، على أن يرسل مندوبه مبكراً، أو تحت جنح الظلام متستراً؟ لماذا تفضحوننا أمام العالم؟ هل تستكثرون علينا قبس أمل يوقظ هذا الشعب النائم؟ وماذا بعد سرقة الهلال؟ هل سوف تسرقون الشمس والكواكب السيارة؟ في نهاية الأمر، نكتشف أن الحكومة لا تنوي إصلاحاً ولا فلاحاً ولا تبتغي حرية ولا ديمقراطية، وأن الموضوع كله تمثيلية هزلية، موجهة لأمريكا والدول الغربية. لقد أثبت أشاوس الحزب الحاكم قدرة عظيمة على التضبيش، شوية يقولون الانتخابات نزيهة وشفافة، ثم يقومون بنشل الهلال بصنعة لطافة. ولكنني لا زلت متفائلاً، فنهاية النفق على ما يبدو قد اقتربت، والدليل هو ذعر الحكومة وارتباكها العظيم، بدءاً بأسطورة الكرة التي اخترقت قدم عضو الغد ببنها، وانتهاءً بفضيحة الهلال اللي اتسرق، وسبب تفاؤلي أن التضبيش عادة ما يسبق الغرق.

Friday, July 11, 2008

Parallel State

الاقتصاد غير الرسمي كأحد أعراض ظهور


الدولة الموازية






في الآونة الأخيرة، تصاعدت الأصوات التي تطالب بدمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الاقتصادية الشرعية. ويسوق المنادون بهذا الاتجاه الكثير من الأسباب والمخاطر والفرص الضائعة التي تحتم من وجهة نظرهم تشجيع أو فرض هذا الاندماج. وفي المقابل، لا نجد هيكلاً فكرياً - متكاملاً من الناحية النظرية ومدعماً بالدراسات الميدانية - يشرح أسباب ظهور الاقتصاد غير الرسمي وتناميه حجماً وتأثيراً، هيكلاً يقيم أهمية وحجم هذا الاقتصاد ويقترح الظروف المواتية التي يمكن أن يحدث عندها هذا الاندماج بصورة تطوعية، ويوضح المخاطر التي يمكن أن تهدد حيوية الاقتصاد القومي (محصلة القطاعين الرسمي وغير الرسمي) إذا تم فرض هذا الاندماج بطرق تشريعية وتنفيذية وبوليسية قبل توفر الظروف المناسبة لحدوث الاندماج التطوعي.

نشأة الاقتصاد غير الرسمي
بداية، لدينا قناعة أن ظهور الاقتصاد غير الرسمي سبق نشأة الدول والاقتصاد الرسمي المرتبط بها. فمن الناحية التاريخية، عندما كان الأفراد يعيشون في مجموعات صغيرة لا ترقى لمرتبة الدولة، كان على الأفراد أن يقوموا بأنشطة اقتصادية وتجارية، من زراعة ورعي ومقايضة، ولم تكن هناك حاجة للحصول على ترخيص من أية جهة للقيام بمثل هذه الأنشطة. وإلى اليوم، تنشأ مشروعات وصناعات وحرف متناهية في الصغر، تكاد تكفي بالكاد لتوفير القوت لأصحابها وأسرهم، ولا يمكن معها تصور أن يلجأ صاحب المشروع أو الحرفة إلى الدولة للحصول على ترخيص أو بناء هيكل إداري ومحاسبي يتفاعل مع القوانين واللوائح الرسمية وجهات تحصيل الضرائب. وعند نجاح المشروع ونموه إلى حد معين، يصبح من الصعب معه العمل بمعزل عن السلطات الإدارية، عندئذ تضطر المنشأة لتوفيق أوضاعها ولو بصورة جزئية مع القوانين المنظمة لنشاطها. ولا يعني هذا أن المشروعات التي تعمل بمعزل عن الدولة تعمل بصورة غير منظمة تضيع معها حقوق المتعاملين معها – سواء كانوا مستهلكين أو موردين أو عاملين أو ممولين – لأن أعراف المنافسة والسمعة التجارية تحتم على المنشأة أن تتقيد بتلك الأعراف من أجل أن تستمر في العمل.

وظيفة الدولة
وهنا لابد أن نبدأ في النظر إلى الدولة كحل إداري وتشريعي نشأ وتطور بالاتفاق الضمني بين أفراد المجتمع ومجموعات المصالح المختلفة، فجاء لينظم العلاقة بين أفراد المجتمع ومجموعاته. ولكي تستقيم الأمور، كان على الأفراد والمنشآت والمجموعات أن يتنازلوا عن جزء من حريتهم المطلقة في العمل والحركة، ويسددوا جزءاً من عوائد أنشطتهم الاقتصادية للنظام، من أجل أن يحصلوا على متطلبات أساسية، لا يمكن لأي منهم أن يوفرها لنفسه أو لمجموعته بصورة منفردة. ومن هذه المتطلبات الجماعية:
1- الأمن: فالدولة تحمي الأفراد والممتلكات حتى يعيشوا باطمئنان.
2- التشريع: الدولة أيضاً تضع التشريعات التي تنظم العلاقات المختلفة، والوضع المثالي هو أن تنبع هذه التشريعات من أعراف المجتمع وتقاليده المتفق عليها، فتأتي وتوثق هذا الاتفاق الجماعي ليصبح ملزماً للجميع.
3- العدل: توفر الدولة النظم القضائية والقانونية التي تنظم حل المنازعات والخلافات بصورة سلمية بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، كما تفرض تنفيذ هذه القوانين والأحكام التي تصدر عن المنظومة القضائية حتى تصبح تلك الأحكام فعالة وملزمة بالفعل وليست مجرد حبراً على ورق.
4- البنية الأساسية: من طرق ومواصلات ووسائل اتصال وصولاً للمظلة الاجتماعية من رعاية صحية وخدمات تعليمية، إلخ.
5- البنية السياسية: وهي التي تحكم كل هذه الوظائف وتنظم عملها، لتضع آلية لاتخاذ القرار المجتمعي، وكيفية صياغة القوانين ووضع السياسات الواجب اتباعها، وطريقة إدارة موارد الدولة وتحديد الإنفاق العام، وطريقة توزيع الثروة على أفراد وجماعات المجتمع، بحيث تأتي هذه السياسات والتشريعات لتعبر عن رأي الأغلبية وفي نفس الوقت ترتضيها الأقلية.

نشوء الدولة الموازية أو الدويلات الموازية
فإذا فشلت الدولة في توفير الحد المعقول من الأمن والعدل والعيش الكريم، أو جاءت القوانين منفصمة عن الواقع والأعراف أو غير قابلة للتطبيق، أو عجزت الدولة عن توفير الخدمات الأساسية من رعاية صحية أو خدمات تعليمية ... إلخ، يسعى الأفراد والجماعات للحصول على هذه الخدمات الضرورية لحياتهم بصورة مستقلة عن الدولة، فتنشأ الدولة الموازية بصورة تدريجية، فإذا تعمقت الفجوة بين ما تفرضه الدولة من قوانين وبين ما يمكن الالتزام به، أو بين ما هو مفروض وما يتم تطبيقه بالفعل، زادت الهوة بين الدولة الرسمية والدولة الحقيقية، والدولة الحقيقية أو الفعلية هي التي يحصل من خلالها المواطنون على الأمن والعدل والخدمات التعليمية والصحية. وعندها قد يضطر القائمون على تطبيق القوانين أو تقديم الخدمات الحكومية إلى غض البصر عن المخالفات لأنهم يعلمون في قرائر أنفسهم أنه لا يمكن تطبيق القوانين بحذافيرها. ومن الناحية الأخرى، عندما يجد الموظف الحكومي الذي تعهد إليه الدولة بتقديم جانب من الخدمات التي يفترض أن تؤديها الدولة لأفراد المجتمع، عندما يجد أن الراتب الذي يحصل عليه من الدولة لا يكفي لإقامة أوده وسد الاحتياجات الأساسية له ولأسرته، يضطر لاصطناع دويلة صغيرة – أو إقطاعية – خاصة به، تقدم هذه الخدمات بمقابل إضافي – إكرامية أو رشوة أو رسم عرفي – وتصبح الدولة غير الرسمية عبارة عن دويلات صغيرة شبه عشوائية في تكوينها، ولكن من المذهل أن نجد أن تلك الدويلات تتفق بصورة كبيرة في أسلوب عملها وفي القواعد التي تحكم العلاقة بين المتعاملين فيها في نفس المجال، نتيجة للتفاعل والتفاوض المستمر بين المتعاملين، وسريان المعلومات من خلال شبكة معلومات غير رسمية. وعلى سبيل المثال:

1- التعليم: نتيجة لسوء حالة التعليم الرسمي، ينشأ سوق للدروس الخصوصية بقواعد وأسعار معروفة ومتفق عليها، كما توجد كتب موازية ومدارس موازية وشبكات موازية لتحديد المقبولين بالمدارس من خلال الاستثناءات والتأشيرات.
2- الصحة: يتقاضى المعالجون والممرضون أتعاباً إضافية تحدد جودة الرعاية الطبية، كما توجد شبكات موازية تنظم قرارات العلاج على نفقة الدولة من خلال الاستثناءات والتأشيرات.
3- النقل: رغم ثبات بنديرة التاكسي عند ستين قرشاً في القاهرة على سبيل المثال - فجميع مستخدمي ومقدمي هذه الخدمة متفقون بصورة ضمنية على السعر الحقيقي للنقل بدقة كبيرة، كما توجد شبكات نقل موازية مثل السرفيس، التي نشأت من رحم التجربة الشعبية منذ السبعينيات، عندما أصبح من المستحيل تطبيق القانون فلجأ السائقون إلى توصيل عدة ركاب ذوي وجهات متقاربة لعدم إمكانية الاكتفاء بالتعريفة الرسمية من راكب واحد.
4- سوق الدولار: عندما قررت الدولة في مصر أن تفرض سعراً غير واقعي للدولار، نشأت السوق الموازية في السبعينيات والثمانينات وخلال الفترة من عام 1999 وإلى عام 2004. وعندما اقتربت الدولة من الأسعار الواقعية وتوثقت ثقة المتعاملين في حسن إدارة سوق الصرف، اختفت تقريباً السوق الموازية.
5- سوق الإسكان: عندما فرضت الدولة قيماً إيجارية غير عادلة بعيداً عن آليات السوق، نشأت فكرة "خلو الرجل" و "المقدم"، وتوسع المستثمرون في إقامة المباني المخصصة للتمليك بدلاً من الإيجار، فجاءت الدولة وحاولت تقنين نسبة ما يتم تخصيصه للتمليك، فتحايل الملاك على ذلك بالتوسع في المباني "السوبر لوكس" غير الخاضعة للقانون وهكذا، إلى أن صدر قانون المساكن الجديد، فاختفت تدريجياً هذه التشوهات التكميلية عدا في المساكن الخاضعة للقانون القديم.
6- التراخيص: عندما تصبح عملية الحصول على تراخيص رسمية للنشاط معقدة أو محاطة بشروط مجافية للمنطق أو الواقع أو مستحيلة التطبيق، تنشأ الشبكات الموازية للحصول على تراخيص البناء والتعلية وإقامة المحال التجارية والمصانع والورش، ويتقاضى الموظف المسئول أتعاباً إضافية مقابل "توفيق" أوضاع أو "تلفيق" مستندات المبنى أو المنشأة. كما ظهرت أحياء عشوائية بالكامل نتيجة لصعوبة التعامل مع الأجهزة التي تنظم النمو العمراني، وتضطر الدولة "الرسمية" في النهاية إلى الرضوخ للأمر الواقع وتوصيل المرافق والخدمات لهذه الأحياء.

ودون التوسع في سرد أو وصف العديد من المنظومات الموازية الأخرى نكتفي باستعراض أمثلة منها بصورة مختصرة:

7- البناء على الرقعة الزراعية: مع نمو حجم القرى وعدم توفير بديل للنمو العمراني.
8- الضرائب على النشاط التجاري: مع ارتفاعها تلجأ العديد من الشركات والمنشآت للتهرب.
9- التسجيل العيني: نتيجة لارتفاع رسوم التسجيل يلجأ الأفراد لأسلوب الحصول على أحكام "بالصحة والنفاذ".
10- ضرائب التركات: يلجأ الآباء لنقل الملكية لأبنائهم وذويهم في حياتهم لتجنب هذه الضرائب.
11- الجمارك: يلجأ الجميع للتهرب الجمركي نتيجة لارتفاع شرائح الجمارك بصورة غير منطقية.
12- رغيف العيش: يلجأ المخبز لإنقاص وزن الرغيف ليستطيع تحمل التكاليف غير المأخوذة في الحسبان.
13- السلع والخدمات: تنشأ السوق السوداء للسلع والأدوية فور وضع تسعيرات جبرية لا تتناسب مع التكلفة أو توازن العرض والطلب.
14- العدل: يلجأ الناس لحيل عديدة مع المحضرين وأحياناً الجهاز القضائي نفسه للحصول على حقوقهم، كما نشأت البلطجة للحصول على الحقوق بسبب بطء العدالة.
15- الأمن: يلجأ أفراد المجتمع ومؤسساته لشركات خاصة للأمن.
16- التشريع: يلجأ رجال الأعمال للانخراط في الحزب الحاكم وتقديم التبرعات الضخمة للحصول على التشريعات التي تخدم مصالحهم أو تأخير تشريعات معينة مثل تشريعات حماية المنافسة أو حماية البيئة أو غيرها.
17- التمويل المصرفي: يحصل القائمون على الائتمان أحياناً على نسب مئوية من القروض التي يمررونها.
18- العلاقات الاجتماعية: تنشأ حالة الزواج العرفي مع صعوبة توفير نفقات الزواج الشرعي.
19- الإعلام والثقافة: يتجه الجمهور للإعلام البديل سواء فضائيات أجنبية أو صحف غير حكومية نتيجة لعدم ثقتهم في الصحف القومية أو لسوء إدارتها وضعف محتواها المعلوماتي أو الإعلامي.
20- التوظيف: يلجأ الناس للمحسوبية والمقايضة وتوريث المناصب للأبناء والأقارب والأصهار.
21- التأمين الاجتماعي: يلجأ الناس لشركات التأمين الاجتماعي الخاصة.
22- المؤسسة الدينية: مع ضعف مستوى العديد من خطباء المساجد والعلماء، اتجه الناس إما لنوع جديد من الدعاة العصريين، أو أغرقوا في الشروح والمتون المغرقة في القدم.
23- الأخلاق: نشأت منظومة جديدة من الأخلاقيات والسلوكيات التي تتيح للأفراد راحة الضمير رغم قيامهم بارتكاب العديد من الممارسات اللا أخلاقية، بل وظهرت الفتاوى الدينية التي تسمح مثلاً للشخص أن يقدم الرشوة للحصول على حقه، وتبرير الإكرامية بضعف راتب الموظف ويعتبرها البعض جزءاً من الزكاة!
24- التنظيمات السياسية: مع صعوبة إنشاء الأحزاب نشأت حركات سياسية غير شرعية ولجأ البعض لشراء الأحزاب أو التنازع على إدارة الأحزاب القائمة، بل ونشأت ظاهرة الإرهاب وأحد أسبابها عجز الدولة عن توفير العدالة الاجتماعية مع عدم وجود قنوات شرعية للتداول السياسي وتحقيق مطالب أو مصالح مجموعات بعينها.
وهكذا ...

ومن المفيد أن ندرس جماعة الإخوان المسلمين كمثال على ظهور "دويلة موازية" وتنامي سلطانها ونفوذها. فالجماعة رغم أنها تعمل خارج الإطار الرسمي للدولة – بل ربما لأنها تعمل خارج هذا الإطار - فقد استطاعت تدريجياً أن تسيطر على العديد من النقابات، وتتغلغل داخل الجامعات، وأنشأت شبكة موازية لتقديم العديد من الخدمات الاجتماعية والتكافلية، لتسد بعض النقص الذي ظهر نتيجة لغياب الدولة الرسمية وفشلها. ونتيجة لعدم اضطرارها للالتزام بالقيود والقوانين الحكومية التي تنظم عمل وتمويل الجمعيات الأهلية أو الأحزاب السياسية، فقد ارتفعت "قدرتها التنافسية"، واستطاعت أن تنجح في النمو بعيداً عن أعين الدولة، وتنشر دعوتها من خلال منابر المساجد والزوايا في الوقت الذي وجدت الأحزاب الشرعية نفسها ممنوعة من مخاطبة الجماهير وغير قادرة على العمل في الشارع أو الجامعات أو التجمعات العمالية نتيجة لقوانين الطوارئ وغيرها من القيود الأمنية والبيروقراطية، وحاصرت الدولة مصادر تمويلها فلم تستطع تلك الأحزاب أن تنافس جماعة الإخوان المسلمين وهو ما ظهر واضحاً في حصول الجماعة على 88 مقعداً من 160 مقعداً نافست عليها رغم الحصار الأمني والتزوير الذي مورس ضدها، لتأتي تلك النتائج كدليل على انهيار الدولة الرسمية وصعود دولة موازية سياسية، ولولا التزوير وضم النواب المستقلين للحزب الحاكم والاتفاق الضمني أو الصريح بين السلطة والجماعة، فربما كانت مصر اليوم أعلنت كدولة دينية وهو الأمر الذي سوف يحدث إن عاجلاً أو آجلاً إذا استمرت الأوضاع تسير في نفس الاتجاه الحالي.

ومن الأمثلة العديدة التي طرحناها هنا يتضح أن الدولة الموازية أو الدويلات الموازية تبسط سلطانها على كل نواحي الحياة، وليس فقط على النشاط الاقتصادي، ولكن هناك جانباً اقتصادياً لكل من النواحي المذكورة عاليه، ويتضح أيضاً أن نشوء هذه الدويلات الموازية جاء نتيجة لقصور في وظائف الدولة الرسمية، بدليل اختفاء النظام الموازي فور إصلاح النظام الرئيسي، وأن التشوه الموجود في أخلاقيات وسلوكيات البشر إنما جاء ليتوافق مع التشوه الهيكلي في نظم الدولة نفسها. فنفس الشخص الذي كان مضطراً لتقاضي خلو رجل من الساكن، أصبح يكتفي ويقنع بتأجير العقار بالسعر العادل مع تطبيق قانون جديد أقرب للواقع وأكثر عدالة للطرفين.





والشكل أعلاه يوضح التشوه السلوكي الذي يضطر إليه كل من مقدم الخدمة وطالبها، وهو التشوه الذي يمكن أن نتلافاه إذا أصلحنا من المنظومة نفسها. ومع الازدواجية الموجودة بين الدولة الرسمية والدويلات الموازية تصبح الدولة الرسمية دولة مظهرية قليلة التأثير، ويعتمد المواطنون على الدويلات الموازية في قضاء حوائجهم، والمظهرية هنا متبادلة، فالدولة الرسمية تتظاهر بتقديم الخدمات والوظائف، وتتظاهر بتوظيف المواطنين وسداد رواتبهم الهزلية، والمواطنون بدورهم يتظاهرون بطاعة الدولة والحفاظ على قوانينها والموظفون العموميون يتظاهرون بالعمل، ويعيش الجميع مسرحية مستمرة، ولكن هذه الازدواجية تؤدي في النهاية لتكرار الكثير من الأعمال والوظائف بما يمثله هذا من إهدار للموارد وضياع للوقت وانهيار الكفاءة وتباطؤ إيقاع الأعمال. فالطالب مثلاً مضطر لحضور المدرسة الرسمية، ولكنه يعود إلى المنزل ليبدأ يومه "الموازي" حيث الدروس الخصوصية، وتضيع حياته بين المدرسة المظهرية والمدرسة الحقيقية الموازية.


تقييم حجم الاقتصاد غير الرسمي ومدى تغلغله في حياة المجتمع
تقدير حجم الاقتصاد غير الرسمي هو مهمة في غاية الصعوبة نظراً لأن هذا القطاع بطبيعته لا يمسك بحسابات منتظمة ولا يفصح عن حجم أعماله بسهولة. ولكن بصفة عامة، يمكن أن نذكر عدة مؤشرات:
1- هناك مكون للاقتصاد غير الرسمي يدخل في كل نشاط خاص أو حكومي.
2- حجم الاقتصاد غير الرسمي في كل نشاط يتناسب مع الفجوة بين القانون أو اللائحة المنظمة أو المواصفات المصممة وبين ما يمكن تطبيقه عملياً أو ما يمكن الحصول عليه من مواصفات أو جودة.
3- كل المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم، مكون الاقتصاد غير الرسمي فيها كبير جداً بالمقارنة بالمكون الرسمي.


التداخل بين الفساد والاقتصاد غير الرسمي
هناك خلط كبير بين مفهوم الاقتصاد غير الرسمي وبين الفساد. فعلى سبيل المثال، سائق التاكسي الذي يتقاضى أجرة أعلى بكثير من قيمة البنديرة أو العداد هو حالة من حالات الاقتصاد غير الرسمي، ولكن لا يمكن أن نصمه بالفساد. وفي نفس الوقت، عندما يقوم سائق التاكسي بسداد إكرامية لشرطي المرور لتجنب توقيع مخالفة عليه نتيجة لعدم استخدام العداد، فهذه حالة من حالات الفساد مرتبطة بالاضطرار للعمل خارج الاقتصاد الرسمي. وهنا نكتشف أن من يعملون خارج الاقتصاد الرسمي يمكن أن يقعوا تحت طائلة القانون حتى لو لم تصنف حالتهم كحالة فساد. وفساد التشريعات وجمود اللوائح وتضاربها وبعدها عن الواقع، يؤدي بالتأكيد لنمو الاقتصاد غير الرسمي، وهذه الفوضى التشريعية تتسبب في اختلاط الأمور وتمييع الحدود، بما ينتج عنه من خلط بين الأبرياء والمجرمين وبين الشرفاء والفاسدين. إن أخطر ما يواجه المجتمع الذي يضطر أفراده للعمل خارج الإطار الرسمي هو اهتزاز وطمس الحدود بين ما هو شرعي وبين ما هو غير شرعي، فيتآكل النظام العام للمجتمع تدريجياً وينكمش احترام المواطنين للقانون والشرعية، ويتجه المجتمع للفوضى والانهيار التدريجي.

فوائد ومضار ونقاط قصور الاقتصاد غير الرسمي
عندما تعاني الدولة من قصور في وظائفها الأساسية وتنشأ الدويلات الموازية، تقوم النظم الموازية بوظيفة مجتمعية هامة:
1- فهي التي تستكمل الخلل البنيوي في القوانين والنظم الأمامية بقوانين ونظم خلفية موازية تسمح بتقديم الخدمات والسلع والقنوات التي يحتاجها المواطنون في حياتهم اليومية.
2- تترك النظم الموازية فائضاً اقتصادياً يسمح لمجتمع الأعمال بالاستمرار والنمو في ظل سوء الإدارة الحكومي والمبالغة في الضرائب المفروضة والرسوم المتعددة التي تفرضها الدولة.
3- الاقتصاد غير الرسمي لا يخضع لكثير من الأعباء البيروقراطية وبالتالي يحافظ على تنافسية اقتصاد الدولة في ظل تزايد الأعباء البيروقراطية بالمقارنة بالدول الأخرى.

مثال من سوق النقد
وإذا كان حجم الاقتصاد غير الرسمي كبيراً جداً كما ذكرنا، فإن محاولة القضاء على الاقتصاد غير الرسمي بصورة مفاجئة قد يؤدي لانهيار الدولة. نفس الشيء تقريباً يحدث إذا قررت الدولة الأمامية فرض قوانينها بالقوة البوليسية على الدولة الموازية. نأخذ مثالاً لهذا، إذا قامت شرطة المرور بإجبار سائقي الأجرة على الالتزام بالتعريفة المقننة، سوف يتوقف أصحاب سيارات الأجرة عن تشغيل سياراتهم – ولو مؤقتاً - حتى يتجنبوا الخسائر المتوقعة والعقوبات الغليظة التي سوف تقع عليهم في حالة المخالفة. لقد رأينا هذا أيضاً في حالة سوق صرف النقد الأجنبي، عندما لاحقت وزارة الاقتصاد والشرطة شركات الصرافة لأنها كانت تتجر في العملات الأجنبية بأسعار السوق – البعيدة عن الأسعار المفروضة من الدولة، فماذا كانت النتيجة؟ ارتفع سعر الدولار بنسب غير واقعية نتيجة للضغط على السوق الموازية وتضافرت العديد من العوامل لتزيد الطين بلة:


1- أصبح على شركات الصرافة أن تضيف هامش ربح كبير لتغطية مخاطر العقوباتRisk Premium .
2- نتيجة للمبالغة في سرية التعامل أصبحت شبكة معلومات السوق غير قادرة على ملاحقة التغيرات، فازدادت الفجوة بين سعر البيع وسعر الشراء علاوة على ارتفاع هامش الربح لتغطية مخاطر عدم القدرة على معرفة السعر الصحيح.
3- شح الدولار بصورة كبيرة ليس لنقص في حجم المعروض ولكن لنقص أماكن العرض مما أدى لارتفاع أسعاره.
4- ارتفع سعر الدولار نتيجة لاهتزاز ثقة المتعاملين في قوة الجنيه المصري بسبب الإجراءات البوليسية وتكالب مشترون جدد على الدولار لم يكونوا في الأصل يحتاجونه فزاد الضغط على الجنيه.
5- قامت الدولة بإصدار العديد من القوانين واللوائح التي ظنت أنها تقلل من الطلب على الدولار مثل إضافة تعقيدات بيروقراطية على عمليات الاستيراد ومنها فرض توثيق شهادة المنشأ وعدم جواز الشحن إلا من بلد المنشأ وغيرها من إجراءات تعويقية. كما قامت الدولة أيضاً بفرض إجراءات عقابية على المصدرين ألزمتهم بسداد 75% من قيمة صادراتهم بالعملة الصعبة – وهو القرار الذي تم إلغاؤه مؤخراً.

وفي النهاية، أدى تضافر كل هذه العوامل لتباطؤ دورة الاقتصاد، وتباطؤ دورة رأس
المال، وخروج مصر من الإيقاع العالمي للأعمال، فانهار الاستثمار الأجنبي والمحلي،
وتقلص حجم التصدير، وتراجع مركز مصر في تقرير التنافسية العالمية من المركز 39 إلى
المركز 58، وازدادت البطالة والركود الاقتصادي بصورة غير مسبوقة. وعندما قررت
الدولة أن تأخذ بالسعر الطبيعي للدولار وتبتعد عن الأساليب القمعية والبوليسية،
عادت عجلة الاقتصاد للدوران، وارتفع رقم الصادرات، وانخفض سعر الدولار.



وعندما يتهرب المصنعون من أداء ضرائب مبالغ فيها، فإنهم يحافظون على تنافسيتهم في مواجهة المنتج الأجنبي الذي لا يعاني من نفس الأعباء الضريبية والبيروقراطية. أما إذا قررت الدولة أن تلاحقهم بصورة بوليسية، دون إصلاح وتخفيف هذه الأعباء، فإنهم سرعان ما يفلسون أمام طوفان المنتجات المستوردة لعدم تكافؤ المنافسة لأسباب تتعلق ببيئة الأعمال، فترتفع الواردات وتتقلص الصادرات بما يؤثر سلباً على الميزان التجاري ويضغط على العملة الوطنية. وعادة ما نجد المصنعين يشكون من المنافسين الذين يعملون خارج الإطار الرسمي، ولكنهم يرحبون بالموردين والعملاء الذين يعملون خارج نفس الإطار الرسمي!

ومع كل هذا فالاقتصاد غير الرسمي له مضاره الكثيرة:
1- غياب الأرقام الحقيقية حتى عن صاحب العمل أو مدير المنشأة بما يعوق الإدارة السليمة للعمل.
2- ضياع حقوق المستهلك في أحيان كثيرة.
3- انشغال المنشأة بالتحايل على القوانين والضرائب بصورة تعوق التركيز على العمل الأساسي عندما يصبح هدف المنشأة الرئيسي هو اصطناع الدفاتر والقيود والتهرب من الضرائب واللوائح.
4- عدم قدرة المنشأة على النمو عن سقف معين لا تستطيع بعده أن تنمو لعدم وجود حسابات نظامية تسمح بالتحول من شركة أفراد لشركة أموال ولا تستطيع المنشأة الحصول على تمويل ائتماني أو التقدم للمناقصات أو المشروعات الكبرى.
5- حرمان الدولة من موارد هامة بما ينعكس على ضعف قدرتها على الاستثمار في البنية الأساسية أو الإنفاق على الخدمات العامة والمظلة الاجتماعية.
6- معاناة القطاع الرسمي من منافسة غير عادلة مع الاقتصاد غير الرسمي الذي لا يلتزم بنفس القيود والأعباء.

وهنا يتضح أن قصور الدولة الرسمية عن أداء وظائفها يتسبب في الانفصام والازدواجية
وضياع وإهدار الموارد وتحجيم فرص النمو بما يؤدي لانخفاض دخول المواطنين وقد يتسبب
في نشوء ظواهر سلبية كثيرة تبدأ باستشراء الفساد وانهيار الشرعية وصولاً لظهور
الإرهاب مثلاً نتيجة لغياب العدالة الاجتماعية وعدم وجود قنوات شرعية للتعبير أو
التداول أو التغيير السياسي السلمي.



التحول الطوعي من الاقتصاد غير الرسمي للاقتصاد الرسمي
جميع المجتمعات بما فيها المجتمعات المتقدمة يوجد بها اقتصاد غير رسمي ولكن الخطر أن يصبح الاقتصاد غير الرسمي هو الأساس وما عداه هو الاستثناء. ومن أجل تحويل قطاع كبير من الاقتصاد غير الرسمي للاقتصاد الرسمي، لابد من توافر عدة عوامل:
1- إعادة تصميم قوانين ونظم ولوائح الدولة لتصبح أكثر واقعية وعدالة. وهنا لابد أن تأتي هذه القوانين لتسمح وتيسر وتنظم، بدلاً من أن تمنع وتعوق أو تقمع. لابد أن تأتي القوانين متسقة مع القانون الطبيعي، من أسفل إلى أعلى، من رحم التجربة الشعبية وأعراف المجتمع التي استقر عليها، وليس حسب هوى الحاكم لأغراض سياسية تهدف إلى التحكم والتسلط وتشتط في فرض القيود والقواعد التي يصعب التعامل معها.
2- أن يصبح ثمن العمل داخل إطار الاقتصاد الرسمي قريباً من كلفة العمل خارج هذا الإطار وأن يشعر أصحاب الأعمال أن هناك مزايا إضافية يحصلون عليها إذا قاموا بالانخراط في الاقتصاد الرسمي.
3- أن تنشأ علاقة جديدة قوامها الثقة بين الدولة والمواطنين.
4- أن يشعر المواطنون أن الدولة تقوم بوظائفها الأساسية بكفاءة تسد احتياجاتهم الحياتية بحيث لا يضطرون للبحث عن خدمات تكميلية تخلق طلباً Demand على النظم الموازية.
5- تطبيق القوانين واللوائح بشفافية على الجميع، وليس بصورة انتقائية أو انتقامية.

الخلاصة
من الملاحظ أن المجتمعات والدول التي عانت من حكومات سلطوية ونظم شمولية تفرض القوانين من أعلى إلى أسفل بصورة جامدة، لم تنجح في وضع نظم تلائم الواقع أو العرف. وعندما فشلت الاقتصاديات الموجهة المنغلقة لتلك الدول في تحقيق الحياة الكريمة لمواطنيها في ظل عالم تنافسي تكاملي وخاصة مع تآكل الحدود وعولمة الأسواق والثقافات، أوشكت تلك الدول على الانهيار فتبنت فكرة الانفتاح والاقتصاد الحر، ولكن الحكومات ظلت تفكر بنفس الطريقة، وهي فرض القوانين من أعلى إلى أسفل ومحاولة التحكم في النشاط الاقتصادي عن طريق العقبات البيروقراطية واللوائح المقيدة، رغم دعاوى تحرير الاقتصاد. وهنا حدثت المفارقة واتسعت الهوة بين القانون والواقع، بين الخدمات الرديئة ومتطلبات الحياة، فنشأت النظم الموازية لتستكمل القصور في وظائف الدولة وتتعامل مع تشوهات النظم وفساد القوانين.

وعندما أدركت هذه الدول حجم المشكلة وبدأت تشعر بالعجز المتنامي في الموازنات المالية، بدأت تتطلع للقطاع غير الرسمي لتحصل منه الضرائب، دون أن تضع في الاعتبار الأسباب التي أدت لنشوء الاقتصاد الرسمي وتغوله. تهتم تلك الدول أيضاً بدمج الاقتصاد غير الرسمي في الرسمي من أجل تحسين الأرقام ومؤشرات الأداء، دون أن تضع في الاعتبار أن الدمج البوليسي دون علاج الأسباب الأصلية للمشكلة قد يؤدي لانهيار القطاع غير الرسمي بما يمثله هذا من انهيار الناتج المحلي الإجمالي للدولة (الرسمي وغير الرسمي) وهو ما قد لا تحفل به لأنه لا يظهر في ميزانياتها، بما أيضاً يزيد من البطالة ويؤدي لانهيار تنافسية الاقتصاد ككل. تلك الدول تهتم عادة بالصورة على حساب الأصل، وتحتفي بالمؤشرات التي تستطيع تسويقها إعلامياً وسياسياً باعتبارها إنجازات للنظام، على حساب الواقع المر الذي يعيشه الشعب.

ونحن نعتقد أن الخروج من هذه الدائرة المفرغة يحتاج لقيادة لديها رؤية واضحة وتتمتع
بالمصداقية وتستطيع حشد إرادة سياسية حول مشروع إصلاحي نهضوي، يبدأ بإصلاح بنية
الدولة السياسية والتشريعية والإدارية أولاً، قبل أن يحاسب أو يعاقب القطاع غير
الرسمي، فالملاحقة البوليسية وحدها لن تجدي، ومحاولة تطبيق المستحيل على أرض الواقع
يمكن أن تزيد المشاكل تعقيداً بما يتسبب في تردي الأحوال بصورة خطيرة تهدد استقرار
الدولة وأمنها بل وبقاءها.

وائل نوارة

  • نشرت لأول مرة في مجلة الإصلاح الاقتصادي CIPE سبتمبر 2005
  • نشرت بعد ذلك في صحف ومجلات عديدة منها المصري اليوم في 9 يناير 2006


My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook