Tuesday, January 11, 2011
Ending Religious Discrimination: A Cultural Perspective
Tuesday, November 09, 2010
Post-Realism
ما بعـد الواقعـية
Post-Realism
خلال الشهور الماضية، أتيحت لي الفرصة أن ألتقي بالعديد من نواب البرلمان الأوروبي والألماني والبريطاني، والمسئولين بالمفوضية الأوروبية والخارجية الألمانية، والأحزاب الليبرالية في أوروبا، ضمن وفد من ممثلي الأحزاب الليبرالية العربية، بدعوة من مؤسسة فريدريش ناومان. وفوجئنا جميعاً أن الموضوع الذي دفع به جميع المتحدثين العرب من المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والأردن، وفلسطين على طاولات المحادثات الثنائية والجماعية والمناقشات العامة والخاصة، كان موضوع القضية الفلسطينية، مع تشديد على قصور الدور الأوروبي في حل القضية، يسبقه فساد الدور الأمريكي وانحيازه التام لإسرائيل، وازدواجية المعايير الدولية، بما ينذر بكارثة إقليمية وعالمية.
وفي حديثي لأحد المسئولين الألمان، أوضحت أنه لو كان هذا اللقاء تم منذ 10 سنوات، لكانت دفة الحديث اتجهت لدور أوروبا في التنمية الاقتصادية في بلداننا، ونقل التكنولوجيا، والتحول الديمقراطي، وسبل التعاون في إطار الديبلوماسية الشعبية، وغيرها من موضوعات كانت تميز المرحلة التي أسميها مرحلة الواقعية السياسية. بدأت تلك المرحلة في نوفمبر 1973. ففي أعقاب حرب أكتوبر 1973، جلس الرئيس السادات مع كيسنجر، وصارحه برؤيته في مستقبل المنطقة، وضرورة الوصول لاتفاق سلام بين العرب وإسرائيل، وعزمه على أن تتجه مصر غرباً. وكان السادات قد طرد حوالي 15 ألف خبير سوفييتي في صيف 1972، دون أن يبعث بأية إشارة أو يجري أية مفاوضات مع الجانب الأمريكي أو الغرب حول "الثمن" الذي كانت أمريكا مستعدة حتماً لتقديمه مقابل هذا التغيير في خريطة النفوذ السياسي العالمي لقطبي الحرب الباردة في ذلك الوقت، وهو التغيير الذي شكل نقطة انقلاب حسمت نتيجة الحرب الباردة بصورة مبكرة قبل انهيار المعسكر الشرقي داخلياً في نهاية الثمانينات. ومرحلة الواقعية السياسية، تلت مرحلة الرومانسية التي ميزت سياسات مصر في الستينيات، حركتها طموحات الوحدة العربية بأحلامها الرائعة، التي استيقظنا منها على كوابيس الهزيمة المروعة، في يونيو 1967. وفي صباح 11 سبتمبر 2001، استيقظ العالم على مشاهد مفجعة، عندما ظهر طرف لم يكن مدعواً أو محسوباً في تقديرات النظام العالمي الجديد، طرف استطاع تخطي الحواجز الأمنية، والحدود الدولية، والفجوة التقنية، والجيوش النظامية، ليضرب ضربات سريعة متلاحقة، في الولايات المتحدة، ولندن، ومدريد، وشرم الشيخ، وبالي، وغيرها من مدن وعواصم العالم، فيسقط الأبرياء ضحايا للإرهاب، في رسائل دموية نارية طائرة، أوقظت العالم وأوقظتنا جميعاً من مرحلة الواقعية السياسية، لندخل في مرحلة ما بعد الواقعية Post-realism.
ما هي الواقعية السياسية؟ هي أن نطلب من العرب ألا يطمحوا في سلام عادل لأنهم لا يملكون القوة الكافية لاستحقاق هذا السلام. هي أن نطلب من الفلسطينيين أن يجلسوا على طاولة المفاوضات تحت فوهة المدافع، ويقبلوا بما يفرضه المفاوض الإسرائيلي من شروط لأنهم لا يملكون بطاقات يفاوضون بها. الواقعية بالطبع تحتم على الجانب الفلسطيني أن يعود إلى شعبه، ويحاول إقناعه بأن يقبل بتسوية تفتقر إلى العدل، باعتبار أن هذا هو "حكم القوي"، في عالم لا يعرف من العدالة إلا السيف الذي جردنا العدالة منه، ووضعناه في يد من يمتلك المدافع والأسلحة النووية والتقليدية. وبعد أن يجاهد المفاوض الفلسطيني في إقناع شعبه بالتسوية المغبنة، يعود الجانب الإسرائيلي فيرفضها، بحجة أن الواقع السياسي قد تغير على الأرض، فتبدأ المفاوضات من جديد من نقطة ما قبل الصفر، وهكذا تضيع الحقوق في مسلسل من التنازلات التي لا تنتهي.
دعونا نتصور أن يتم هذا على المستوى المحلي، عندما يقوم شخص ما بسرقة حافظة نقودك تحت تهديد السلاح، فتذهب تشكو للبوليس، فيطلب منك الضابط أن "تتفاوض" أنت الضحية الأعزل، مع الجاني المفتري المدجج بالسلاح لتطالبه بحافظتك؟ ماذا يمكنك أن تفعل؟ قد تضطر لحظتها للاستعانة بأحد البلطجية، أو تشتري أنت بنفسك قطعة سلاح، وتستغل فرصة نوم المفتري الغاصب، فتستعيد نقودك وقد تأخذ بعضاً من نقوده أيضاً، أو قد تخطف أحد أطفاله في طريق عودته من المدرسة، لتساوم به على استعادة حقوقك. أليس هذا ما يحدث اليوم في مجتمعنا عندما تعجز العدالة عن الحفاظ على حقوق المواطنين؟ ألا يلجأ البعض للبلطجة في الدولة الموازية لاستعادة حقوقهم في ظل غياب آليات العدالة؟ إن البناء الحضاري للعالم قام على فكرة "ماعت" وهي التي مثلت نظام العدالة والتوازن بين القيم العليا للإنسان في الدولة المصرية القديمة، وبدون "ماعت" يعود البشر لقيم الغابة، القيم التي تحكم عالم الحيوان، وأهمها قيمتي القوة والسرعة، وتنتهي الحضارة الإنسانية، بعد أن يصبح من حق أي شخص ما دام يملك القوة أو السرعة أو كليهما، أن يقتنص ممتلكات الآخرين، أو يعتدي عليهم، أو يقتلهم، أو حتى يأكلهم، فهذه هي طبيعة قيم الغابة.
نفس الشيء ينطبق على المستوى الدولي، فإذا لم تجد الضحية من تشكو إليه، وإذا لم يجد المعتدي من يردعه ويزجره ويأخذ الحق منه، بآليات واضحة ومعايير موضوعية، بدون ازدواجية أو محسوبية دولية، تغيب العدالة، ويصبح الحديث عن الشرعية الدولية حديث أجوف من أي معنى أو غاية، وتتوه الحدود بين الحق والباطل، ويصبح الإرهاب أداة من أدوات البلطجة الدولية، منظومة موازية، مثل الأخذ بالثأر في المجتمعات القبلية، التي تعاني من غياب آليات مجتمعية للشرعية والعدالة.
قالت إحدى السياسيات "الواقعيات": "لابد أن تعلموا أننا ملتزمون بأمن إسرائيل، وأن تعاملنا مع إسرائيل يتسم بحساسية مفرطة، وهناك ذكريات ما حدث في الحرب العالمية الثانية، التي تجعلنا عاجزين عن فعل الكثير من الأشياء التي قد تكون واجبة وصحيحة. ولابد أن يتحقق السلام من خلال التفاوض، ونحن كأوروبيين نشعر أحياناً أن إسرائيل لا ترحب بتدخلنا، وبالتالي لا نود أن "نتطفل" على القضية، ونحن نبذل أقصى ما في وسعنا في حدود هذه المعطيات." يا سيدتي، لقد تفضلتم و"تطفلتم" وتدخلتم بالفعل، عندما أصدر بلفور وزير الخارجية البريطاني وعد بلفور في 1917، ثم جاء اضطهادكم لليهود ومحارق الهولوكوست، واليوم تشعرون بالذنب، وتظنون أنه ربما علينا نحن، أن ندفع ثمن خطاياكم أنتم، ولكن الشأن الفلسطيني، لم يعد قضية محلية أو إقليمية، بل أن العالم كله يدفع الثمن الآن. ربما حدث لكم نوع من الكلال أو أصبح الموضوع كمرض مزمن يتعين علينا أن نعتاد عليه، ولكن الوضع الآن يختلف، لقد كفرت الشعوب في منطقتنا بالعدالة الدولية وأصبحت الحركات المتطرفة والمسلحة ودعاة القوة مثل حزب الله، حماس، أحمد نجاد، تتمتع بتأييد قطاعات واسعة من العرب والمسلمين في العالم كله وداخل حدودكم أنتم، حتى بن لادن نفسه، أصبحت له شعبية بفضل احتكامكم للمعايير المزدوجة، وأخشى أن حساسيتكم تجاه ما فعلتموه أنتم ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، قد يدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة، بل ربما نكون الآن وسط حرب عالمية ثالثة بالفعل، ولكنها حرب غير تقليدية، حرب موازية، أنتم تحتلون العراق وأفغانستان بالقوات النظامية، ويدفع المدنيون الثمن في تفجيرات إرهابية، في لندن ونيويورك وشرم الشيخ وبالي ومدريد.
ومن أجل أن نتجنب هذه الحرب العالمية الثالثة، أو نجهضها، لابد أن نعود مرة أخرى إلى المبادئ، وهذا ما أسميه مرحلة ما بعد الواقعية. إن ما حدث وأهال عليه العالم التراب في الماضي، ظنا أنه مات وتحلل، فهو يبعث اليوم، إنه ينهض الآن، ليلاحقنا في كل مكان. لم يعد من الممكن أن نهرب من يوم الحساب، لقد أصبحت "الكارما" التي استحقتها كل دولة معلقة في رقبتها، "كل طائره في عنقه". لم تعد للجيوش وأسلحة الفيديو جيم والتحصينات الأمنية قيمة، فالعقاب يأتي من حيث لا نحتسب، أحياناً من السماء، وأحياناً في الهواء أو الماء، إن الشخص الذي يصل لدرجة من الإحباط واليأس، تجعله مستعداً لمبادلة حياته، مقابل توصيل رسالة دموية، لعالم خلا من العدل، مثل هذا الشخص قد لا تنفع معه إجراءات الأمن، لأن إجراءات الأمن تعتمد على أن الشخص سوف يأتمر بأمر رجال الأمن خوفاً على حياته، ولكن ماذا إذا هانت حياته وفقدت قيمتها أمام الظلم والفقر، وقيل له أنه سوف يصبح بطلاً شهيداً يستحق الجنة، والجنة الآن؟ عندما يصبح ذلك الشخص العادي انتحارياً تعجز أمامه كل الإجراءات والتحصينات.
هذا عن أفراد انتحاريين، ولكن ماذا إذا وصلت أنظمة انتحارية إلى الحكم في الشرق الأوسط؟ لقد اكتسبت القيم التي يتشدق بها الغرب سمعة سيئة وسط الشعوب، فالنظم المستبدة تذيق شعوبها الذل وشظف العيش، وهي تتمسح بالأنظمة الغربية وتسير في ركابها، بينما تدعي أنها تقود تلك الشعوب للجنة الغربية، والشعوب لم تر من جراء مبادرات السلام والانفتاح على الغرب سوى المزيد من الإذلال والفقر، وضياع الأراضي والحقوق، ولم تر من العالم الغربي الذي يتشدق بقيم الحرية والعدالة والشرعية الدولية، سوى النفاق الأخلاقي، والمعايير المزدوجة والتعامي عن الجرائم الإسرائيلية بسبب قوة اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة والعالم.
إن التخلي عن مبادئ العدالة والحق والمساواة، يهدم الأساس الأخلاقي للحضارة الإنسانية، ويفتح الباب لأن تصبح القوة الغاشمة هي أساس الاستيلاء على الحقوق واغتصابها أو استعادتها، وبهذا نطعن السلام في العالم طعنة قاتلة، ويصبح على كل شخص منا ألا ينام، فعليه أن يسهر مدججاً بالسلاح، يتمنى ألا يغفو، ولكنه حتماً سوف يغفو، وعندما يغفو أي منا، لا نعلم من أين يأتي الخطر.
إن الرومانسية وتجاهل الواقع يجعل ما نقوله هنا مجرد كلام غير قابل للتطبيق، ولذلك على العالم اليوم أن يتطرق إلى حلول خلاقة تضع آليات لتحقيق العدالة الدولية على أرض الواقع، ربما من خلال إصلاح الأمم المتحدة، أو اللجوء للتحكيم الدولي عندما تفشل المفاوضات، أو الضغط الاقتصادي على الدول التي تتسبب بسلوكياتها المستهترة في تقويض السلام العالمي.
لا يجب أن نقع ضحايا للواقعية المفرطة ونقول هذا هوالواقع. لو قال أجدادنا نفس الشيء، لظلت مصر تحت الحكم العثماني أو الانجليزي، ولظلت أوروبا تحت نير حكم امبراطوريات مستبدة، ولظل الإنسان يعيش في الغابة. فالعالم نرسمه في مخيلتنا وضمائرنا أولاً، ثم ننطلق لنبنيه ونصنعه على أرض الواقع، ولا يجب أن نتخلى عن حلمنا في عالم ينعم بالسلام، والتطلع لغد أفضل لنا ولأبنائنا، بحجة أن الواقع سيء.
هذه هي ما أسميه بمرحلة ما بعد الواقعية. وفي رأيي، هذا هو البديل عن اندلاع أو اتساع الحرب العالمية الثالثة. لأنه إذا كانت الواقعية تحتم علينا أن ننظر للأوضاع اليوم كما هي، فإن ما بعد الواقعية، تستدعي منا أن نتحسب لمخاطر المستقبل التي قد نجلبها على أنفسنا، عندما ننسى القيم الحاكمة في منظومة "ماعت".
Friday, October 02, 2009
NPM
|
Egypt’s Autocracy
Time to Make a U-Turn
The Oldest Centralized State
For over 5000 years, Egypt has known one of the oldest Centralized States since the “second” unification under King Mene, Unifier of the Two Lands, around 3150 B.C. Since then, Egypt’s borders, administrative structure and probably public services did not change much! Unity seems to fateful due to the hydro-geography of the land and the need for a stable irrigation system which is centrally controlled. But does that mean we have to live with the same administrative problems forever?
Modern State
Egypt witnessed its first modern reforms on the hands of Mohamed Aly, installed as ruler by the people in 1805 AD. After Napoleon’s short adventure in Egypt, Egyptians realized how bad things have become under the Ottoman rule and were eager for modernization. Egypt saw its golden liberal era between 1922 and 1952. Egyptian economy, culture and arts thrived with private initiative in a liberal society.
Re-distribution of … Poverty?
In 1952, the “Free Officers” movement led a coup d’état or a “Revolution” which took Egypt in a totally different path. Under the banners of “Social Justice” and “Re-distribution of Wealth”, every business was soon “Nationalized”, i.e., put under controlling hands of the “revolutionaries” and their accomplices who quickly formed a new ruling elite which controlled every aspect of Egyptian life. Industry, Trade, Banking, Insurance, Contracting, Transportation and other services all came under the “State’s” control but so did the media, education, healthcare, theater, cinema, book publishing, the arts and culture. Nothing seemed to escape the grips of the tight control-obsessed administration. The government would nationalize for instance a successful factory and install an army officer as Chairman and CEO then kick the business owners out. A large and perhaps at one time briefly productive and socially popular Public Sector was the backbone of the Egyptian State for several decades following 1952 and specially after the July Socialist Decrees of 1960 and 1961. But Egypt’s back was suffering and near collapse. Over time this system has become expensive and unsustainable, creating a passive citizenry, encouraging relationships of inequity and dependency and allowing room for mismanagement, corruption and waste of national resources. Near-criminalization of private initiative led to the death of entrepreneurship and the decay of the process of generating wealth which came to a standstill. With the annulment of wealth-making activities, “Redistribution of Wealth” would become “Re-distribution of Poverty”.
Obsession with Control
Obsession with control soon turned Egypt into a Police State where the ruling elite felt that “their” state needed protection from “enemies of the revolution”. Random arrests and voluntary detentions became the norm in dealing with anyone suspected of voicing out opposition. A wide citizen-based network was installed where people would spy on each other and report suspicious activities, “objectionable” material or speech to security authorities which reigned supreme with unchecked powers. We argue that this obsession with control was behind Egypt’s uniquely designed administrative apparatus, modeled with one concern or rather a phobia in mind: state security and control and therefore, without major political paradigm shift, no administrative reforms can be effective.
Faulty Administrative Structures
All administrative structures in Egypt were built with this phobia in mind. Everyone and every entity, public or private, in the State should be a part of the hierarchy and ultimately report to one person at the top of that hierarchy, the president. According to the constitution (!), the President appoints the prime minister and the ministers who make the “technocratic government”. The President also appoints the “governors” who in turn appoint mayors of their cities. Minister of Interiors appoints mayors of villages. The President also appoints chief judges. Minister of justice appoints judges at all levels and decides on their benefits. The president is the chairman of the NDP ruling party which one way or another controls the parliament either through NDP members or through independent MPs who join the NDP after they win elections as independent candidates. The president also appoints minister of defense, head of the army. The President is Commander in Chief of the Army, Head of the Supreme Judiciary Council, head of the Supreme Police Council, and so on. So, at the end of the day, the President is meant to control the country through this tight hierarchy.
An Expensive Machine
The size of the government which has to fill this monstrous hierarchy is staggering. It is estimated that around 7 million Egyptians are employed by the government while several more millions work for the government one way or another. The government therefore controls between 30-50% of the work force which has been seen essential to maintain political grip of the regime over its people. Come election time, these millions are shipped in government-owned buses to vote for government candidates. The cost of Egypt’s bureaucracy is over LE 200 billion ($35 Billion) while the national debt approaches LE700 billion ($120 billion).
Pains of the Ruled
Egyptians have to put up with the arrogance, inefficiency and control phobias of this torturing machine. One week ago, in a closely controlled meeting between the prime minister and some university students, one of the carefully screened students just could not stay quiet, he stood up and faced the prime minister with the horrors of dealing with government corruption. The prime minister responded, “if the government is corrupt, then we are all corrupt, those in this hall with no relatives or family members working for the government, raise your hands.” This was the plan, implicate everyone, then we will have no one to blame. The biggest problem with this failing administrative system is not its cost, although it is pretty expensive. It is not funds lost to corruption, although corruption in Egypt goes beyond belief or comprehension. The biggest problem with this monstrous machine in Egypt is corruption of values and lost time. Time lost in dealing with unrealistic requirements and procedures mandated by the government make Egyptian economy no longer compatible with the rest of the world. So, if you wish to engage in the global economy as a part of the supply chain of an international manufacturer or distribution network, you fail to do so because of two main reasons, cost and tempo. Business tempo in Egypt is many times far slower than most other countries. So, working with a company in Egypt will soon cause a bottle neck in the system and the Egyptian company will eventually be eliminated from the chain as its weakest link. The failing administrative and political systems put their curse on Egyptian business competitiveness.
Hernando de Soto, in his book, Mystery of Capital observed that an Egyptian citizen wishing to obtain a permit for building a house and registering the deed for such a house in his name must go through some staggering 76 different procedures to complete that task which would take many years to complete. Since people must live and will usually require houses for this purpose, the reality today in Egypt is that millions of homes are built in what is called “Random Housing” clusters. Slums invaded Egypt’s landscape where no urban planning or design standards are followed.
At the end, the government had always had to bow its head and connect those millions of people with necessary utilities and we have to live for decades or centuries to come with an ugly, random, impoverished and utility deprived slum-based Egyptian landscape. The same goes for business licenses, car licenses, and all possible interactions with the government.
Egypt is not ruled by politicians. Egypt is ruled by security officers who dictate their terms on the technocrats cabinet, governors (usually ex-army officers), over the legislative and judiciary branches, the media and even the academia! So, when security people said GPS is bad and dangerous to Egypt’s security, what they meant is that it posed an additional risk for them in protecting heads of the regime and they did not see it necessary to put any effort to deal with that risk. Never mind that car navigation systems or fleet management systems may need it. Never mind that many new mobile phone set models came pre-equipped with GPS. Just ban GPS import and enjoy peace of mind. Until one powerful agent of a major auto manufacturer or a major mobile phone manufacturer made a deal with the security, which then agreed to allow GPS into Egypt or rather formally allow it since it has been informally and illegally in the market for years!
Rise of the Parallel State
For years, private businesses and ordinary people used to suffer the pain of dealing with the government with all the time lost, the humiliation, money lost in bribes, deteriorating service quality in education, healthcare, utilities, and so on, but the people gradually found out that they did not really “need” to do so. In a functional sense, a State is basically a number of administrative systems, structures and institutions which provide an organized solution to such social needs as collective decision-making, justice, security, education, healthcare, infrastructure, etc. If the “formal state”, however fails to provide a reasonable level of security, justice and quality life, or if laws issued are detached from the reality of things or contradicting with socially negotiated norms, or if laws are unenforceable, etc., individuals and private entities will seek to fulfill these essential services elsewhere, independent from the state. A Parallel State emerges gradually.
When a government employee who is supposed to deliver public services to citizens, services which should be provided by the state, when this public servant comes to the conclusion that his salary can hardly suffice to meet the essential needs of his family, he will be encouraged to establish a mini state of his own or a benefice for himself to provide such services against an additional cost in the form of tips, bribes or informal fees. The informal state is thus randomly formed as an ad hoc virtual collection of unrelated entities that collectively provide some or most of the functions and services which the formal state was supposed to provide. For instance, in education, poor quality of the state-run education system leads to the emergence of a parallel market for private tuition and after-hours education centers where the same lowly paid teachers working for the government would exert more effort in providing a better service for a reasonable fee! This was also manifested in a parallel market for books which claim to explain gibberish government-published books and so on. In the Healthcare sector, care providers and nurses working in government-operated hospitals independently charge informal fees that would ultimately determine the quality of the healthcare, or the lack of which. In transportation, when the government froze the taxi tariffs for over 25 years despite inflation and rise of fuel prices, government-controlled meters became irrelevant as passengers and service providers would use their own rates independent from the state. I wrote extensively and published several articles and studies about this phenomenon and the list encompasses every possible aspect of state services, from licensing, permits, security, justice, political associations, credit, media, foreign currency market and even social structures.
Reform Efforts
The past few years witnessed a realization that this deteriorating situation cannot go on. The focus of the reforms started with fixing the bad and often conflicting legislations. Reform are usually introduced by cabinet technocrats who despite being aware of the power of the security chiefs, sometimes manage to convince the president that Egypt was on the verge of collapse due to the control-freak policies of the past 6 decades. Egyptian Human Development Report (EHDR) issued in 2005, introduced the idea of a social contract which represents a paradigm shift to conceive a new Vision for the Future.
The message of the EHDR 2005 is that Egypt can no longer afford a 'business as usual' approach to the many daunting challenges we face over the next few years. The report argues that the time is indeed right to review our options and to implement new measures to enhance human security, growth and development. A perception that a new 'social contract' is needed, which better articulates the concepts of citizen rights and citizen obligations is becoming increasingly evident. It assumes that reform is a shared task that will succeed only if all citizens take part in the process, and if the state empowers its citizens in an increasingly competitive and rapidly globalizing world.
The government talks of decentralization, the President gave promises for updating the laws and fixing the dysfunctional government structures, but I believe that without addressing the political process and ending the Police-State, only minor reforms can be achieved. Two days ago, one of the Governors was called to a hearing in the People’s Assembly, the lower house of the Egyptian parliament, to be questioned about a Typhoid epidemic spreading in his governorate as a result of sewage leaking and mixing with drinking water. The Governor publicly insisted that it was not his fault, because he had no power over such infrastructural civil works which are centrally managed by the Ministry of Housing. I wrote an article agreeing with the governor, but for different reasons. The Governor is indeed not responsible. People of his governorate have no say in electing him in or out of office. He is not accountable to the people. He is appointed by the president.
When there is a political will reform has shown itself to work for Egypt. When telecom market was partially privatized and deregulated it worked like magic. Instead of waiting for many years and paying a fortune to get a landline, Telecom Egypt is now advertising to promote its services. Mobile penetration reached 50% and a third operator was recently introduced into the market driving competition to work for the consumers. When a new tax law was issued lowering tax rates from an average of 48% to a flat rate of 20% tax revenues increased and people and businesses gradually are engaging in the system and the huge market for evading taxes is dying. The same happened with custom duties. Harmonization and reduction of tariffs reduced corruption and improved economic vitality. Partial reforms introduced to housing laws eliminated the need for complex “foot-hold” or “key-fee” for newly built apartments.
Conclusion: the Fallacy of Prioritizing Control
If we can learn anything from the Rise of the Parallel State, it would be that excessive controls actually lead to losing control. Control is surely an important element of any system design and as a result of modern management which often follows a system approach. Control, however, is only one element. Other elements are "effectiveness", i.e., can the system deliver desired objectives; and "efficiency", i.e., how efficient is the system when we compare outputs to inputs and "user-satisfaction / user-friendliness", i.e., how satisfied the users of the system are with its performance, among other things. Traditional public administration approach, however, emphasized "control" over any other element when designing and evaluating public administration systems. This surely came on the expense of effectiveness, efficiency and satisfaction of the users, citizens or the public, with regards to system performance.
Under authoritarian regimes specially, this emphasis on "control" had an additional political imperative, since authoritarian regimes rely for their survival on "control". However, the more procedures the government tries to install to ensure absolute control over the lives of the people, the weaker the government control in fact becomes, since people cannot and would not comply with these procedures, which renders the objective of absolute control as a self-defeating fallacy.
Egypt is a rich land with enormous resources, but its most precious resource is Egyptians themselves. If we shackle them in bondage, they, we cannot hope to reap the fruits of their creativity and hard work. Freeing the people is what makes wealth. And when we have a wealth-generating, value-adding economy, we can then have the resources to create and extend equal opportunity to Egyptians all over Egypt though a decentralized structure. This perhaps is the opposite of what autocratic, control-obsessed regimes have done for the past 6 decades and therefore I would say, time to make a U-Turn.
Sunday, December 07, 2008
Citizenship: Rebuilding the Bonds 2
روابط الانتماء
2
وائل نوارة
مجلة الإصلاح الاقتصادي CIPE نوفمبر 2008
الفساد
هناك تعريفات عديدة للفساد، ولكن ببساطة، يمكننا أن نعرف الفساد بأنه خلل في منظومة الحقوق والواجبات في المجتمع، يعطي أفراداً أو جماعات حقوقاً غير مستحقة، على حساب الافتئات من حقوق الآخرين، أو يعفي مجموعة معينة من الواجبات أو الخضوع للقوانين المتفق عليها في المجتمع نتيجة لاقترابهم من السلطة أو قدرتهم على التأثير فيها بالمال أو غيره. ويأخذ الفساد في مصر عدة أشكال:
* شبكة الفساد الصغير: وهذه الشبكة عبارة عن قنوات محددة للاستثناءات، تمكن الوكلاء السياسيين للدولة من القفز فوق القوانين المانعة، أو تيسير الإجراءات البيروقراطية، ليس بالضرورة عن طريق الرشاوى الصريحة، بل أيضاً عن طريق سوء استخدام السلطة Abuse of Power
* شبكة الإقطاع الجديد: مع خروج مصر من مرحلة رأسمالية الدولة State Capitalism حيث امتلكت الدولة كل أدوات الإنتاج لتسيطر على الحياة الاقتصادية بصورة كاملة، دخلت مصر في مرحلة "رأسمالية وكلاء الدولة" State Agents' Capitalism تحولت فيها مصر لنظام يشبه إلى حد ما النظام الإقطاعي في القرون الوسطى. أصبحت مصر مثل وكالة تمنح التوكيلات للشركاء التجاريين، على شكل مجموعة من الإقطاعيات في مختلف المجالات الاقتصادية، حيث يقوم "وكلاء النظام" بالقيام بدور رأسمالية الدولة ولكن هذه المرة لصالح النظام والحكام وبالمشاركة في الريع معهم ومع كبار المسئولين بصورة مؤسسية، مثل قطاعات الحديد والأسمنت والسيراميك والسجاد والاتصالات والسياحة والعبارات والبث التليفزيوني الخاص والمدن الجديدة واستصلاح الأراضي، عن طريق مجموعة محددة من "رجال الأعمال" الذين تقتصر عليهم التصاريح والتراخيص والأراضي والقروض وهكذا، علاوة على مجموعة من الشركات الأمنية التي تحصل على تعاقدات بمئات الملايين أو المليارات بالأمر المباشر بعيداً عن أي رقابة أو تدقيق. وهذه الشبكة تضخ جزءاً من ريع مثل تلك الأنشطة الاحتكارية في صندوق الولاء، الذي يمول بدوره رواتب "موازية" (مظاريف الولاء) لكبار موظفي الدولة، لضمان ولائهم للنظام، وغيرها من نفقات "موازية" خارج المنظومة الرسمية.
ومع تمدد "الدولة الموازية" وتغول شبكات الفساد المؤسسي، ترسخ شعور المواطن بالظلم وانعدام المساواة، وانهيار العدالة وتكافؤ الفرص، وخاصة مع عدم قدرة معظم المواطنين على الحصول على حقهم العادل من موارد المجتمع.
الهجرة
رأينا كيف يتولد شعور المواطن بالانتماء للوطن والمجتمع من وجود روابط ثقافية واقتصادية واجتماعية بينه وبين أفراد المجموعة، وأن قوة هذا الانتماء تتوقف على مدى قدرة المجتمع على تحقيق توازن في المصالح بين المواطنين، وبين الفرد والمجتمع، بحيث يستطيع كل فرد أن يحقق قدراً معقولاً من أهدافه الشخصية ويشبع حاجاته الأساسية.
وقد اجتمع عجز المواطن عن تحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة، مع الخواء الثقافي والتناقضات الصارخة والمعايير المزدوجة في منظومة القيم، مع انتشار "الاحتراب المجتمعي"، وأدى هذا كله لظهور حالة من الاغتراب القومي نتيجة لإحساس الكثيرين بأن "البلد مش بلدنا"، ونتج عن هذا وجود شعور قوي بالحاجة إلى الهجرة، وشعور بالانفصام القومي، نتيجة لمجموعة ضخمة من المتناقضات والمتباينات، وأخيراً حالة مزمنة من الإحباط والاكتئاب القومي وشعور عام بالحصار وفقدان الأمل في الخروج من هذا الحصار.
وقد رأينا أنواعاً عديدة من الهجرة التي عبرت عن تلك الحالة، فعلى سبيل المثال نجد من يلجأون إلى الهجرة المكانية، فيحاولون مثلاً الهجرة إلى دول الشمال الغني، أو شرقاً أو غرباً إلى دول النفط. ورغم أن تحويلات العاملين بالخارج والمهاجرين قد تشكل مصدراً هاماً من مصادر الدخل القومي والنقد الأجنبي، إلا أن خسارة الدولة بهجرة خهيرة عقولها ومواهبها ليضيف هؤلاء للمزايا الاتنافسية لاقتصاد مجتمع ودولة أخرى، هي خسارة فادحة، وخاصة عندما يكون منطق الأمور و"كتالوج الحياة" في مصر لا يسمح غالباً بنجاح الموهوب أو المتقن أو ارتقائهما، عندها يصبح الحجم العددي الكبير مجرد إضافة أرقام ضعيفة الفاعلية والأداء لمجتمع أداؤه أصلاً ضعيف.
وهناك من يحاولون الهجرة الزمانية بالتشبه بملابس ومظاهر المجتمعات الإسلامية الأولى مثلاً، ونجد من يعجزون عن الهجرة المكانية فيلجئون إلى الهجرة العقلية إلى الشمال أيضا بأن يحيطوا أنفسهم بمظاهر الحياة في المجتمعات الغربية من موسيقى وملابس وأثاث ومعمار وغيرها من مظاهر الحياة الغربية، ونجد آخرون وقد وجدوا العلاج في ذهاب العقل برمته باللجوء للمخدرات في أشكالها المختلفة، ولا يجب أن ننسى من يهاجرون إلى الآخرة سواء بالانتحار أو "بالاستشهاد" في عمليات فدائية تحاول مقاومة الواقع المرير بمبادلته بأغلى وأقصى ما يستطيع إنسان أن يقدمه، وهو حياته.
العصيان المدني غير المعلن
ومع تفشي الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وتآكل روابط الانتماء، يدخل المواطن في حالة "عداء" مع الحكومة أو الدولة التي تمثل الوطن وتجسده، ويبدأ المواطن في "الانتقام" من تلك الدولة التي افتئتت على حقوقه وفشلت بصورة مزمنة في توفير الحياة الكريمة له كمواطن، ونتيجة لما يلمسه من فساد القوانين وتخلفها وتعنتها، وفقدان النظام للشرعية، ومختلف الأسباب التي أدت إلى تراكم الإحباط والتعاسة والاكتئاب له ولأسرته ولباقي المواطنين. ويظهر هذا العداء في عدم احترام القوانين، والتنصل من أداء واجبات "المواطنة"، مثل التهرب من الضرائب والجمارك، بل والتحايل مثلاً لعدم أداء الخدمة العسكرية، في حالة تشبه العصيان المدني غير المعلن، لدرجة التباهي بالتحايل على القانون وخرقه، بعكس الدول المتقدمة حيث يكون هذا مدعاة للخزي والنبذ من المجتمع.
استعادة الانتماء
رأينا كيف يؤدي تآكل روابط الانتماء لحالة خطيرة من "العداء" بين المواطن و"الدولة" التي تجسد مفهوم الوطن، بما يقف كعقبة كؤود أمام التقدم والتنمية، بل ويؤدي لانفراط عقد المجتمع، نتيجة لاهتراء خيوط الانتماء التي تربط المواطنين ببعضهم ببعض من ناحية، وتربطهم "بالوطن" من ناحية أخرى.
ولذلك، لابد من اتخاذ التدابير والسياسات على المدى القصير والطويل، بهدف إعادة بناء وغزل خيوط الانتماء، حتى تنتظم الحبات المنفرطة في عقد الوطن مرة أخرى، ليتحرك المواطنون في اتجاه واحد لتحقيق رؤية واحدة، تؤدي لرفعة الوطن وتقدمه، وفي نفس الوقت رفاهية المواطنين ورخائهم.
وأول هذه التدابير كما نتصور، هو المكاشفة والمصارحة بالمرض الخطير الذي تسلل إلى قلوب وعقول الملايين من أبناء الوطن ليغتال انتمائهم للوطن أو يزعزعه، فبدون الاعتراف بالمرض لا يمكن طلب العلاج أو الالتزام به. ويصاحب ذلك استعراض للأسباب التي أدت للإصابة بذلك المرض وتغوله واستفحاله. ثم إعلان رؤية قومية للخروج من هذا المأزق، وإعادة تعريف الوطن والمواطنة على أسس جديدة. أما أن نتغنى بأناشيد مثل "ما تقولش إيه ادتنا مصر، قول حندي إيه لمصر" والاكتفاء بذلك دون حل المشاكل العويصة التي تواجه الانتماء في بلادنا، وهي المشاكل التي تسأل عنها الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، الأنظمة الشمولية السلطوية، وهي أنظمة أثبتت عبر عقود طويلة افتقارها للرؤية أو الموهبة عدا في تجميد الأوضاع والحفاظ على مقاعد الحكم بصرف النظر عن معاناة الوطن والمواطن، هنا نكون كمن يعالج السرطان بأغنية "الدنيا ربيع والجو بديع" دون أن يأخذ اي علاج من ذلك المرض الخطير.
العـقـد الاجتماعي
ويلي ذلك إعادة صياغة هذا "التعاقد" المجتمعي، أو العقد الاجتماعي، في صورة "دستور" عصري يخرج من رحم الأمة، وينتج من تفاعل مختلف قطاعاتها الجغرافية والمهنية والفئوية التي تمثل مختلف المصالح المتباينة، في حوار وطني حقيقي، وليس عملية شكلية محددة النتائج سلفاً. إن هذا الدستور هو الذي يجسد مفهوم المواطنة، ويحدد حقوق المواطنين وواجباتهم، وينظم عملية بناء مؤسسات الدولة، والحدود التي تفصل سلطاتها المختلفة، حتى لا تجور سلطة على أخرى كما هو حادث الآن، وهو ما أدى لهذا الوضع الخطير الذي ينذر بكوارث وانفجارات مجتمعية بدأنا نرى بكل اسف بوادرها ونلمس عواقبها الوخيمة.
وهذا الدستور ايضاً يرسم خطوط ومساحات الملعب السياسي، وقواعد العملية السياسية، التي تؤدي إلى تمكين المواطنين من المشاركة في صنع القرار المجتمعي، بصورة ديمقراطية، وينظم عملية تداول السلطة على كافة الأصعدة، بدءاً من الإدارة المحلية متمثلة في عمدة القرية والمجالس المحلية، ورئيس المدينة، ومحافظ الإقليم، وصولاً لنواب الشعب الذين يمثلون السلطة التشريعية، وقيادات السلطة القضائية والتنفيذية.
والخطوة التالية، هي عملية شاقة وطويلة من تنقية القوانين واللوائح وإعادة تصميم النظم الإدارية لتصبح أكثر اتساقاً مع الواقع والعرف، حتى تنتفي الحاجة تدريجياً للدولة الموازية ويعود ولاء المواطن للدولة الرسمية التي تجسد مفهوم الوطن. إن إعادة تصميم هذه القوانين واللوائح، يجب أن يصاحبه جهد إعلامي وثقافي دءوب لإعادة ترسيم وترسيخ القيم الحاكمة للمجتمع التي تشكل "طريقة الحياة" Culture أو "كتالوج الحياة"، "منطق الحياة" أو "برنامج الحياة" أو "لوغاريتم" الحياة Life Algorithm في هذا الوطن والتي تحدد طبيعة التعاملات، ثواب المتقن، عقاب الفاسد، احتضان الموهوب، الترحيب بالمبادر، مد العون لغير القادر، سيادة القانون والمساواة أمامه، إلخ ... .
هذا "المنطق" هو الذي يحدد "إذا فعلت كذا يحدث كذا"، لأن المنطق الموجود حالياً يكافئ الفاسد والمنافق والراشي ويتغاضى عمن يخرج عن القانون أو يرتشي، يحتضن أصحاب المحسوبية والتوصيات والاستثناءات، ويعاقب أو يتوجس من المبادر أو الموهوب أو الناجح ويترصد للمتعثر بالمشانق. هذا المنطق أو القانون الجديد، لابد أن نتبناه في حياتنا، وننشره بالقدوة من أعلى إلى أسفل، ونعلن عنه في كل مناسبة بصورة متحضرة راقية بعيداً عن النصائح والمحاضرات المباشرة والعظات المبتذلة.
ونتيجة تطبيق "الكتالوج الجديد" لابد أن تظهر في أن تعود الدولة الرمسية لتحل مكان الدولة الموازية، فيشعر المواطن أن خدمات التعليم والصحة والرصف والصرف والأمن والعدالة والترخيص تفي باحتياجاته الحياتية، وأن قوانين الإسكان والمرور والنقل والهدم والبناء قوانين منطقية وواقعية، وأن التعامل مع الدولة الرسمية يمكن أن يكفيه شر الدولة الموازية، فينتقل ولاؤه من الثانية للأولى.
نتيجة تطبيق المنطق الجديد أو "الكتالوج الجديد" للحياة في مصر، لابد أن يراها المواطن العادي في تقلص الفساد، وعقاب رادع للفاسدين، بعيداً عن تسييس القضاء والضغط عليه في إصدار أحكام البراءة على القتلة ولصوص المليارات ومافيا الأراضي والمحتكرين، أو نحر الشهود في السجون وادعاء انتحارهم، للتغطية على جرائم الأصدقاء والمحاسيب. وهذا كله لا يأتي إلا بطلاق بائن بين السلطة والاحتكارات الاقتصادية، فمن غير المنطقي أن يظل المواطنون على انتمائهم بينما يسمعون أخباراً عديدة تصنع في النهاية رأياً عاماً قوامه التالي – بصرف النظر عن صحته:
أحد رجال الأعمال القريب من السلطة - يشتري 10% من حصة الدولة في أحد أكبر مصانع الحديد بسعر يراه البعض بخس ممول بقروض البنوك
ثم يصبح رئيسا لمجلس الإدارة ويستحوذ على الشركة
ثم ينخرط في الحزب الحاكم ويصل لأعلى المناصب فيه
وتخصص له ملايين الأمتار في المناطق الصناعية
ويصبح أكبر محتكر للحديد في مصر
تصدر قوانين الإغراق وتطبق لخدمة مصانعه
يصبح عضواً في مجلس الشعب
يصبح المسئول عن صياغة قوانين منع الاحتكار وغسيل الأموال، وتصدر تلك القوانين بصياغة غير كافية لدرء الأخطار عن المجتمع من وجهة نظر الحكومة والوزير المسئول
يصبح مسئولاً عن إدارة تنظيم الحزب الحاكم وبالتالي يتمتع بسلطة ضخمة في توجيه مسار الانتخابات القادمة
تصل ثروته طبقاً لتقديرات البعض إلى 40 مليار جنيه
المواطنة الاقتصادية
فلا يكفي أن نتشدق بالجانب القانوني أو السياسي للمواطنة، من تحديد للحقوق والواجبات وترسيخ المساواة بين جميع المواطنين في تلك الحقوق والواجبات دون تمييز، ثم نجد تفاوتاً واسعاً بين "حظ" المواطن القاهري وزميله "السوهاجي" مثلاً من موارد الدولة ورعايتها واهتمامها، هنا يصبح الكلام عن المواطنة من باب النيات الحسنة، بل يجب أن يمتد مفهوم المواطنة ليشمل الجانب الاقتصادي، من حيث المساواة في "إتاحة الفرصة"، ليس المساواة في الدخول أو إثابة العامل بمثل العاطل، بل المساواة في صنع الفرص، وإتاحة الآليات التي تشجع على الحراك الاقتصادي والاجتماعي Social and Economic Mobility، بحيث لا يكون هناك مواطن "سجين" أو "معتقل" أو "محاصر" في "طبقة" اقتصادية أو اجتماعية نتيجة لموقعه الجغرافي، أو لونه أو عقيدته، بل يجب أن تتدخل الدولة بالحوافز الإيجابية التي تشجع التنمية الشاملة، وتسعى لتحقيق تكافؤ الفرص في نصيب كل جزء من أجزاء الوطن، وكل فرد من المواطنين، في تلك التنمية. إن أقوى آليات هذا الحراك المنشود، هو إتاحة واسعة لمستوى مقبول من التعليم والتدريب في كل أرجاء الوطن، وتحفيز الشركات المحلية والعالمية على الاستثمار الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والخدمي في مختلف المناطق، بما قد يتطلب نوعاً من التمييز الإيجابي أحياناً لمناطق محرومة، وهو تمييز مؤقت، ينتهي عندما ينتفي السبب من وجوده، عندما يصيب المنطقة المحرومة حظ عادل من التنمية و"الفرصة" Opportunity.
إن أفضل علاج للاكتئاب القومي الذي ذكرناه، هو إتاحة "فرص" الحراك الاقتصادي والاجتماعي على أوسع الأصعدة، لأنه من الممكن أن يقبل الشخص بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية ويتكيف معها لفترة، إذا رأى أمامه الفرصة متاحة لتحسين وضعه، أما إذا شعر المواطن بأنه محاصر في ذلك الركن المضغوط دون أمل في الإفلات، فإنه يصاب بالاحباط والاكتئاب المزمن، أو ينقض بالهجوم لينتقم من ذلك المجتمع الظالم الذي حاصره وسجنه تحت تلك الضغوط التي لا يمكن احتمالها للأبد.
الخلاصة
لقد سقط نصف قرن من عمر الأمة المصرية، وتجمد الزمن عند نقطة معينة، بل إنه في كثير من الأحيان تستيقظ في الصباح وتفتح ما يسمى بالصحف القومية لينتابك شعور بأنك ربما قد طال نومك لما يقرب من ربع قرن، ترى العناوين وينتابك شعور بأنك رأيت نفس العناوين من قبل آلاف المرات في كابوس يمثل الجحيم بعينه. فالبعض يرى أن الجحيم ما هو إلا تعذيب أبدي يتكرر يوماً بعد يوم دون أي أمل في مجيء نهاية له، حتى المؤبد هناك فرصة للعفو والتخلص منه عند انتهاء نصف المدة، ولكن أن تذبل كل فرص التغيير فهذا أمر لا يمكن احتماله، لأنه يعني أن الإنسان يسير في نفق مظلم لا نهاية له، وبالتالي فقد اتخذ الكثيرون القرار بالتوقف عن السير، وهو ما نسميه بالـ apathy لأن كلمة السلبية لا تستطيع التعبير عن تلك الحالة المفزعة من التوقف عن الحياة.
ومع اختلال "منطق الحياة" أو "كتالوج الحياة" في مصر، وتغول الفساد والمحسوبية وتمدد الدولة الموازية على حساب الدولة، وانتفاء الشعور بالمساواة أو العدل أو تكافؤ الفرص، أخذت خيوط الانتماء تتآكل وتهترئ يوماً بعد يوم، حتى جاء الوقت الذي اقتربنا فيه من انفراط عقد المجتمع، ليتبعثر المصريون أفراداً وجماعات تتجمع أو تتنافر لحظياً طبقاً لمصالح عشوائية لا رابط بينها، مع غياب أية آلية ديناميكية تتكفل بالوصول إلى توازن بين مصالح تلك الجماعات وأولئك الأفراد والحفاظ على مثل ذلك التوازن، وهو ما نرى بوادره الآن مع تفشي حالة من "الاحتراب المجتمعي" والعداء بين "المواطن" وبين الدولة الرسمية التي تجسد مفهوم هذا الوطن.
لقد أصبح علينا الآن أن نسارع بعلاج تلك المشكلة الخطيرة، وعلاجها ليس بالسهل أو السريع، ولكنه عملية شاقة ومشوار طويل نعيد فيه ترسيم ثقافتنا القومية والقيم الحاكمة للحياة في مصر، نضع فيه قواعد "كتالوج الحياة" في مصر، من خلال عملية تفاعل وحوار مجتمعي حقيقي نتحاور فيه ونتناقش حول "الأيديولوجية المصرية"، لنعلن أسلوبنا المصري الخالص، الذي نستجيب من خلاله للمعضلة الأساسية التي تواجه كل شعب وأمة: تحد البقاء.