نبدأ من خط النهاية. حصول الحزب الوطني على 93% من المقاعد هو دليل نهائي على ما أوضحته في ندوة بمعهد كارنيجي وفي حديث لميشيل دن– وهو أن النظام متورط بعمق – عمداً ومع سبق الإصرار – في مؤامرة للتلاعب في نتيجة العملية السياسية في مصر، للإبقاء في الجوهر على دكتاتورية الحزب الواحد ومنع أي فرصة لتداول السلطة – بالخرق لقسم الولاء الذي يؤديه الرئيس وكبار المسئولين باحترام الدستور – الذي ينص على النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية. فممارسات النظام مصممة على تسخير السلطة من أجل منع تداول السلطة، باستخدام أجهزة الأمن في اختراق والتجسس على وتفتيت الأحزاب السياسية، والسيطرة على وسائل الإعلام المستقلة والمملوكة للدولة، علاوة على محاصرة الأحزاب وقياداتها مالياً وإدارياً واقتصادياً لطرد أي عناصر لا تلتزم بالنص المعد مسبقاً، من أجل اختيار والسيطرة على من يحكم ومن يعارض، من يمتدح النظام ومن ينتقده، وهي أمور لا تتصل بالانتخابات – بل بالبيئة السياسية وقواعد اللعبة السياسية – أو بالأحرى عدم وجود مثل تلك القواعد – وهو ما يجعل نتيجة أي انتخابات محسومة سلفاً.
ورغم أن ما حدث كان متوقعاً، فإخراجه بهذه الطريقة الفجة – وصولاً لبرلمان خال من المعارضة – لم يكن في مخيلة أي شخص وهذه هي المفاجأة الحقيقية. لم يكن أحد يتخيل أن يدفع الحزب الوطني بخمس وست نواب في الدائرة الواحدة لينافسوا بعضهم البعض، مع العمل بجد لاستبعاد المرشحين المنافسين – علاوة على استبعاد الأحزاب غير الموالية للنظام خارج غطاء الشرعية من قبل الانتخابات – وعدم تنفيذ مئات الأحكام القضائية المتصلة بالانتخابات، وخروج التزوير الواسع عن السيطرة المركزية في أحيان كثيرة كلها أمور تشير إلى تدهور مفاجئ في الحبكة المسرحية وانفراط عقد السيطر، وربما إلى صراعات داخلية جعلت الحرس القديم يورط التيار الجديد عن عمد في تلك النتائج المشينة لإحراجه.
لم يعد من الممكن أن يصدق أحد حجج النظام بأن السبب فيما حدث هو ضعف المعارضة، ففشل حزب أو اثنين وعجزهما عن إحراز مقاعد في الانتخابات، يمكن أن يشير لضعف ذلك الحزب أو ذاك. أما أن تعجز كل الأحزاب عن الحصول على مقاعد، فهذا يشير لفشل النظام في تطبيق التعددية الحزبية، يشير بإصبع الاتهام إلى نظام محتكر، يقوم بتعقيم الحياة السياسية لإضعاف المعارضة بصورة مستمرة، لخنق أي فرصة للتغيير. المشكلة ليست فقط في التزوير، جريمة النظام الحقيقية هي إفساد الحياة السياسية، وتحويل معظم النواب إلى شركاء في مؤسسة الفساد والتربح غير المشروع من العمل السياسي، حتى يصبح الجميع شركاء في الجريمة، فتسقط فرص المحاسبة، وتمتنع المشاركة عن الشرفاء.
لقد انفضحت المسرحية عندما أعلن أحد قيادات النظام بأن حزب الوفد كان سيحصل على جميع المقاعد التي ينافس عليها في الجولة الثانية لو لم ينسحب منها، وهو اعتراف بجريمة تزييف إرادة الناخبين. لقد قام النظام – في سعيه لاستكمال الحبكة المسرحية في عجالة عبر الجولة الثانية، لتدارك النتائج الكارثية للجولة الأولى – بالتزوير لصالح المعارضة بما فيها أحد نواب الإخوان مسقطاً أحد قياداته – وهو الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء الذي توعد النظام بفضح التزوير، كما دفع الأمن بعناصر حاول أن يروج أنها محسوبة على المعارضة، فمثلاً أعلن أن رجب هلال حميدة قد دخل البرلمان ممثلاً لحزب الغد – رغم أن رجب وموسى – عضو الشورى بالتزوير أيضاً – تم فصلهما من الحزب منذ 5 سنوات لتواطئهما مع الأمن لوقف جريدة الغد وطرد إبراهيم عيسى من إدارة التحرير بها، كما دفع بأحد المستقلين الموالين للحزب الوطني للفوز بمقعد لحزب الجيل، وغيرها من فضائح.
من الجيد بالطبع أن تصدر الإدارة الأمريكية بيانات شجب تدل على أن العالم الخارجي يعلم جيداً ماذا يدور في مصر، لكن بالمقارنة بحجم الكارثة، فالبيان نفسه لم يجد صدى كبير في مصر. وثائق ويكيليكس تقول أن الولايات المتحدة منتبهة لحقيقة الوضع المتدهور على المسار الديمقراطي في مصر، ولكنها أيضاً تكشف أن الإدارة الأمريكية ليس لديها استراتيجية واضحة أو قوة تحفيز تستطيع من خلالها التأثير بجدية في مسار التطور الديمقراطي في مصر، هل يتغير هذا أم تظل البيانات هي الاستراتيجية الوحيدة في متناول الإدارة هو سؤال تجيب عليه الإدارة نفسها من خلال طريقة تعاملها مع الوضع الشاذ الذي نتج عن تلك “الانتخابات