إقالة إبراهيم عيسى: المعارضة فى خدمة النظام بقلم وائل نوارة ١٨/ ١٠/ ٢٠١٠ |
تحت جنح الليل، وتحت إغراء البيزنس الكبير، صحفا ومحطات تليفزيونية وشركات وأراضى ومدارس ومصالح لا يعلمها إلا من رتبوها، ارتدت ذئاب النظام جلود المعارضة، وانتشروا فى المدينة، حاملين مسوح الإصلاح والتغيير، منادين بالديمقراطية، على الطريقة التعبيرية. فى عام ١٩٩٥، صدرت جريدة الدستور برخصة قبرصية، برئاسة تحرير إبراهيم عيسى. وفى عام ١٩٩٨، توقفت الدستور عن الصدور بعد أن منع النظام طباعتها فى مصر. لماذا يمنع نظام يدعى الديمقراطية صحيفة من الصدور؟ بعد فترة من الاختفاء القسرى، عاد إبراهيم عيسى ليطل على المشاهدين من خلال برنامج ناجح يقدمه عبر إحدى القنوات الفضائية الخاصة. فجأة وقعت القناة وصاحبها تحت تهديدات وضغوط شديدة وصلت للتهديد بتفليس المستثمر صاحب القناة الخاصة. وتوقف البرنامج. تكررت المشكلة مع أكثر من جريدة وأكثر من محطة تليفزيونية. هذه المشكلة ليست من باب الصدفة، وليست لأن إبراهيم عيسى مثلاً صحفى خيبان أو رئيس تحرير نص نص. إبراهيم عيسى يمتلك قلماً وعقلاً وحضوراً يندر أن تجتمع فى كاتب. فجأة وجد إبراهيم عيسى نفسه ممنوعاً من الكتابة وممنوعاً من الظهور فى التليفزيون، باختصار ممنوعاً من ممارسة أى مهنة إعلامية، ولم يبق أمامه إلا أن يتنازل ويعقد صفقة– مثل غيره- مع النظام. لكن لأن إبراهيم عيسى خيبان فى صنف الصفقات التى يعقدها النظام، لم يتنازل ولم يعقد صفقة، بل حاول مرة أخرى أن يصدر صحيفة ثانية وثالثة ورابعة. وفى نهاية ٢٠٠٤ خرج حزب الغد، وفوجئ النظام بأن الحزب اختار إبراهيم عيسى لرئاسة تحرير جريدته. وبعد أيام قليلة، صدر حكم المحكمة لصالح جريدة الدستور- بعد ٦ سنوات من توقفها عن الصدور. لكن إبراهيم عيسى أعلن أنه سيترأس تحرير جريدة الغد رغم الحكم الذى يعيد له بيته المسلوب- الدستور. بعد أسابيع قليلة، تم اعتقال أيمن نور، ووجد الحزب الناشئ نفسه فى مواجهة خطيرة مع النظام. وأعلن عيسى بنبل أنه سيعمل على إصدار جريدة الغد فى تلك الظروف الصعبة وأنه لن يتقاضى أى أجر هو أو فريق التحرير لحين انفراج الأزمة. وفجأة خلع عملاء النظام أقنعة المعارضة وكشفوا عن جلدهم. ظهر عملاء النظام المزروعون داخل حزب الغد على حقيقتهم وجاءوا برسالة من النظام. لن ترى جريدة الغد النور وبها اسم عيسى فى الترويسة. «التعاون» وإقصاء عيسى سينظر له بعين التقدير وسيعجل بخروج نور وحفظ القضية. وعندما أصر الحزب على موقفه المبدئى، برفض أن يقوم النظام بإملاء سياسات الحزب أو جريدته، قام أحد هؤلاء المدسوسين بتقديم خطاب للمجلس الأعلى للصحافة بوقف الجريدة، وتم استدعاء نائب رئيس الحزب الذى كان قد سافر للخارج قبل يومين من اعتقال نور لوقف الجريدة عن الصدور! ثم قرر عملاء النظام بوضوح التخلص من عيسى رغم الاتفاق السابق معه. منذ شهرين، قام معارضون آخرون بشراء جريدة الدستور بما يقرب من عشرين مليون جنيه، ورغم أنهم أكدوا أنهم لن يحاولوا تغيير سياسة الجريدة التحريرية، فإن من تمرسوا على مشاهدة المسرحية توقعوا أن تكون نهاية الفصل خلاف تلك الوعود. عندما يقوم مستثمرون بشراء مؤسسة صحفية بعشرين مليون جنيه وتكون أولى خطواتهم هى إقالة مؤسس ورئيس تحرير الصحيفة، رغم علمهم بأن مبيعات الصحيفة مرتبطة إلى حد كبير بشعبية هذا الكاتب والأسلوب والخط التحريرى الذى تميز بتقديمه، فإن هذا يضع علامتى استفهام. الأولى: ما هو الدافع الذى يجعل مستثمرين يقومون بشراء صحيفة ثم تخريب الاستثمار الذى وضعوه فيها بإقالة النجم الرئيسى وراء مبيعات الصحيفة مع استعداء القراء والرأى العام بما يدفع بمبيعات الصحيفة نحو الانهيار وهو ما حدث بالفعل؟ الدافع بالتأكيد ليس اقتصادياً، وليس سياسياً بالمعنى الشرعى للدوافع السياسية لأن المستثمرين قد اشتروا رأياً عاماً سلبياً نتيجة أفعالهم. الثانية: كيف يعوض هؤلاء المستثمرون خسارتهم الكبيرة– أو بمعنى آخر كيف سيقوم النظام بتعويضهم ومن الذى سيسدد الفاتورة بصورة حقيقية– ما طرق مكافأة رجال الأعمال على مثل هذه الخدمات التى يقدمونها للنظام؟ الإقالة التى حدثت منذ أيام ليست هى الأولى من نوعها. ليست هذه هى المرة الأولى التى يقال فيها إبراهيم عيسى على أيدى معارضين مصريين. النظام وصل لدرجة من الإتقان والتقدم تستحق الإعجاب. النظام لم يقل عيسى ولم يبعد عيسى ولم يوقف طباعة الدستور. ملاك الجريدة من رموز المعارضة هم الذين فعلوا هذا. النظام.. مهما يكن من نهاية لهذا الموقف، هناك مكسب كبير تعلمه الشعب المصرى من هذه المواجهة فى توقيت حرج قبل الانتخابات البرلمانية التى قررت أحزاب المعارضة النظامية أن تشارك فيها. المكسب هو سقوط الأقنعة. أما الخسارة، فهى سقوط هامات مع تلك الأقنعة لرجال كنا نأمل فيهم خيراً قبل ما حدث، رجال لم يكن أحد يتصور أن يرخصوا بقدرهم لهذا الحد، وهنا تكلمت الأم فقالت: الخرس لا يغنون، والأقزام لا يشيدون المسلات العظيمة. |