Sunday, August 10, 2008

Against God-State 4

ضد الدولة الإله (4)

هل تتوافق الديمقراطية

مع فكرة المجلس الملي

أو هيئة كبار العلماء؟


بداية لابد أن نوضح أن الديمقراطية التي يمكن أن يصل من خلالها أي حزب سياسي أو ائتلاف من عدة أحزاب إلى الحكم، تعني ببساطة "حكم الشعب" dēmos kratos ... وهو حكم أرضي بشري زمني Temporal قابل للتبديل والتغيير ...

فالبشر يضعون القوانين والسياسات ويصوتون عليها، ويطبقونها، وبعد فترة يكتشفون أنها تحتاج لتغيير، فيغيرونها، وهكذا ... عملية تطور مستمر ... عملية بشرية ...

وهي تختلف تماماً عن فكرة "حاكمية الله" أو النصوص المقدسة التي يعكف على تفسيرها "هيئة كبار علماء" أو "مجلس ملي" مثلاً ...

وهذه السياسات والقوانين التي تقرها الأغلبية، من غير المقبول أن تعصف بحقوق الأقلية، مثل حق المساواة، وحرية العقيدة والرأي وهكذا ...

أما بالنسبة للأحزاب الدينية، فهي تصفق للديمقراطية وتنادي بها، وتقبل أن تحتكم إلى الديمقراطية، أي حكم البشر، ثم بعد أن تصل لمقاعد الحكم، تخطط لتبديل هذا الوضع، طبقاً لبرنامجها المعلن، الذي يحتوي على مجلس ملي أو هيئة كبار علماء الدين، لتصبح المرجعية إلهية لدين بعينه
هذا للأسف فيه هدم لقواعد العملية السياسية التي جاءت بهم، وسوف يأتي بالتأكيد على حساب أصحاب الأديان الأخرى، أو غير المتدينين، ولكن أكثر من يتضرر من هذا هم أصحاب ديانة الأغلبية، التي يصبح عليهم أن يلتزموا بنسخة رسمية معتمدة من هيئة كبار العلماء تتحكم في حياتهم، في تعليم أبنائهم، وفي طبيعة قوانين المجتمع التي تحكم حياتهم طبقاً لرؤية نخبة دينية تحتكر الحقيقة، بينما أن الحقيقة في النهاية نسبية وقابلة للاختلاف من شخص لآخر، ومن مكان لآخر، ومن مجتمع لآخر، بل ومن زمن لآخر ...

لقد عرفت مصر التداخل بين السلطة ورجال الدين لآلاف السنين، ولكن نظراً لطبيعة التعددية في الديانات المصرية القديمة، وجدنا أن لكل إقليم Nome عقيدته الخاصة، وتصاهرت الديانات وانصهرت في بانثيون كبير قوامه التعددية ... فالاختلافات بين العقائد الأرضية لأوزوريس وهي ديانة عامة الشعب وخاصة في الدلتا، والعقائد السماوية الشمسية لرع ومنبتها أون وكانت ديانة النخبة الحاكمة في الدولة القديمة، أوجدت نوعاً من الصراع السلمي، كانت نتيجته في النهاية توافق رأينا معه أوزوريس يدخل في متون الأهرام ويمسك بالسلم الذي يرتقيه الملك المتوفي إلى السماء، قرب نهاية الدولة القديمة، بعد أن كانت نصوص الأهرام القديمة تحذر الميت من أوزوريس ...

نفس الشيء حدث بين رع وآمون الذي كان في البداية إلهاً مغموراً طيبياً (الأقصر وما حولها)، فارتفعت أسهم آمون في الدولة الوسطى مع انتقال بيت الملك إلى ملوك طيبة، ثم تمازج آمون مع رع في ثنائية آمون-رع، في توافق جديد ...

وفي لحظة ما، رأينا أخناتون في الدولة الحديثة يقصي كل تلك الآلهة ويقدم معبوداً جديداً، هو آتون، وهو مشتق من إله الشمس القديم أتوم ... وجاء هذا ليعصف بالتعددية، وانتقل الحكم إلى تل العمارنة، وشهدت البلاد اضطرابات كثيرة، انتهت بأن عادت مصر مرة أخرى إلى التعددية والاحتواء، ورأينا كيف تغير اسم توت-عنخ-آتون إلى توت-عنخ-آمون ...

وعندما حاولت الإمبراطورية الرومانية فرض المسيحية، بل فرض "نسخة معينة من الديانة المسيحية" على الشعب، رأينا حمامات الدم التي اجتاحت البلاد وعانى منها غير المسيحيين، من ظلوا على ديانات مصر القديمة، أو الغنوصيين، أو الهرمزيين، و اليهود، بل والمسيحيين الذي آمنوا بمذهب آريوس السكندري وغيرهم من الذين اعتبرتهم الكنيسة مهرطقين، فعانوا من اضطهاد غير مسبوق ...

نفس الشيء عانى منه المسيحيون بعد الغزو العربي، الذي جعل من الإسلام الدين الرسمي للدولة، فقد أصبح أهل البلاد الذين بقوا على دينهم الأصلي، "ذميين"، مواطنين درجة ثانية، وحوصروا بطرق اقتصادية واجتماعية وإدارية شتى، وشعروا بالاضطهاد، مثل أجدادهم المسيحيين تحت الحكم الروماني قبل أن تصبح المسيحية الديانة الرسمية للدولة، أو غير المسيحيين بعدها ...

إذن، دروس التاريخ علمتنا أن التداخل بين الدين والسياسة قد أدى إلى مشاكل كثيرة في الماضي وفي الحاضر. أما في المستقبل، ومع الوعي المتنام بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة، فإن فكرة الدولة الدينية، سواء إسلامية أو مسيحية لن تكون مقبولة لأصحاب الديانات الأخرى، بل وربما المذاهب الأخرى في نفس الديانة، فيؤدي هذا إلى عدم استقرار في الحكم، وغالباً ما يؤدي إلى تقسيم البلاد، مثلما رأينا في جنوب السودان ...

وهذا ما لا نتمناه ...

ومنذ أسابيع قليلة، رأينا أحد القادة الدينيين للشيعة في العراق، يطالب بأن تصبح الدولة مدنية علمانية، لا تفرق بين رعاياها السنة أو الشيعة، لأنه اكتشف أن الدولة المدنية العلمانية، هي الوحيدة التي يمكن أن توفر حرية العقيدة على أرض الواقع لكل رعاياها، أما الدولة التي تتسربل بغطاء ديني محدد، فإن هذا يأتي بالضرورة ومن الممارسة والتاريخ، على حساب أصحاب الديانات أو المذاهب الأخرى، فيعصف باستقرار البلاد وأمنها، ويعرضها لمخاطر الحرب الأهلية والتقسيم

ومن هنا، فإن الإخوان مثلاً أو غيرهم، لهم كل الحق في أن يكونوا الحزب الذي يريدونه، بشرط أن يتبنوا في برامجهم، فكرة الدولة المدنية حقيقة وليس من باب التقية، وقد بينا في مقال سابق، أن برنامج الإخوان قد تشدق بالمواطنة، ولكنه عصف بها في كل بند من بنوده، الذي يشبه في الحقيقة فكرة الدولة الدينية، حيث الحاكمية لله، وليست للشعب
فقد جاء موضوع "المجلس الملي" أو "هيئة كبار علماء الدين" (صفحة 10)، المنوط به "تطبيق الشريعة الإسلامية" الذي أعطاه البرنامج سلطات فوق - دستورية، باعتباره مجلساً يحتكر تفسير الإرادة الإلهية، بمثابة الصدمة للمراقبين، الذين رأوا في المجلس تكريساً للدولة الدينية وولاية الفقيه، إلا أن هذه الصدمة، حجبت أموراً فنية جوهرية في البرنامج، وهي أمور أراها أخطر بكثير، وتعد بمثابة إعلان حرب على "الهوية المصرية" نفسها.

ورغم أن البرنامج تحدث عن "دولة تقوم على مبدأ المواطنة"، تساوي بين كل المواطنين "في صفحة 12 و 26، إلا أن البرنامج عاد وأعلن أن "الهوية الإسلامية" هي أساس العقد الاجتماعي، والعلاقات الخارجية، والبناء الثقافي، في صفحة (18، 28، 32، 113، 114)، بينما لم يأت أي ذكر "للهوية المصرية" ولا مرة واحدة في البرنامج المكون من 128 صفحة.

وهنا يبرز تناقض واضح، كيف تقوم دولة مصرية على مبدأ المواطنة كما يدعي البرنامج، بينما هي لا ترى أن مصر لها هوية أصلاً، وتصر على أن الهوية الإسلامية هي الأساس التعاقدي للمجتمع؟ كيف تكون الهوية الدينية هي أساس العقد الاجتماعي في الدولة، التي يفترض فيها ألا تفرق بين مواطن وآخر على أساس الدين؟ إن الدولة الوحيدة في العالم تقريباً التي تركز على الدين كأساس للمواطنة هي إسرائيل، بالطبع إلى جانب الدولة التي يدعو لها هذا البرنامج.

وفكرة الحاكمية الإلهية، هي فكرة مضللة، لأن الله سبحانه لن يبعث بوحي ليرشد "البشر" إلى السياسات والقوانين، فهيئة كبار العلماء مهما اتسعت، ما هي في النهاية إلا هيئة بشرية، ولكنها تدعي حاكمية الله، وتقف بين الله والبشر، في كهنوت غير مقبول

حاكمية الله، التي يدعو بها سراً أو جهراً دعاة الدولة الدينية، هي عكس الديمقراطية، التي تدعي أن الشعب، هو مصدر السلطة والتشريع والقانون

المواطنة الحقة، والدولة المدنية، هي جزء أساسي وعمود ركين في منظومة ومفهوم الديمقراطية، فمن غير المنطقي، أن نسعى لاستخدام الديمقراطية في الوصول للحكم، ثم نهدم أركانها، لأننا حينئذ نهدم المبنى كله على من فيه، فنكون من الخاسرين. والديمقراطية هي الضمانة الحقيقية لتداول السلطة، والحكم الرشيد، والفصل بين السلطات، والقضاء على الاستبداد والفساد، والعدالة بين كل أفراد الشعب، أياً كان معتقد، أو لون، أو جنس أي فرد فيهم

1 comment:

Anonymous said...
This comment has been removed by a blog administrator.

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook