بكاء العصافير
بالأمس، سمعت بكاء العصافير طوال الليل. كلما أغمضت عيني، أسمع أصوات أرواح قلقة، ترفرف في غضب وتساؤل. اكتظ منامي بكوابيس قوامها هتافات هلامية.
سقوط الأقنعة
كان لدي موعد هام، وجلست أمام الساعة البندولية الكبيرة حتى لا يفوتني الموعد، وفجأة، جاء العمدة وهو يمسك بمشعل ضخم، وجلس أمامي وبدأ يتحدث بحماس استطالت معه ظل قامته تدريجياً حتى حجب الرؤية. كان يتحدث عن لا شئ، ويلوح بالمشعل بصورة عشوائية خشيت معها أن تمسك النار بتلابيب الستائر. ظل يتكلم بسرعة دون أن يلتقط أنفاسه حتى ظننت أنه لن يصمت أبداً، وفجأة أصابته نوبة سعال، شاخ فيها ثلاثين عاماً في لحظات، وانكفأ على نفسه، يحاول أن يمسك بخيوط الهواء ويضعها داخل رئتيه قسراً. يالها من لعنة شريرة، لقد قصرت قامته حتى أصبح مثل الأقزام. ووراءه، ظهرت الساعة وقد قطبت حاجبيها في لوم، ولم تكن هناك حاجة لأن أنظر للعقارب كي اكتشف أن الموعد الهام الذي انتظرته لسنوات طويلة، قد ذهب للأبد. وجدت نفسي وسط ظلام دامس، وقد استحال المشعل في يد العمدة لعود ثقاب محترق بعد أن تآكل بفعل النار، وبحثت في كل أرجاء المنزل، وفي النهاية اضطررت لأن أشعل شمعة صغيرة.
الفيضان
الليلة، انفتح جرح في عيني اليمنى عمقه أمتار لم أستطع أن أحصيها، وجرت دموعي لتتحد مع الفيضان الصاخب، وتغرق الحقول المجاورة بأمواج أرسلها النيل الغاضب، وتذكرت الهويس الذي انهار قبل أن ننتهي من بنائه.
خرجت بقميص النوم أبكي مع المفجوعين، وعندما وطأ أحدهم قدمي لم أتألم، ولكنني اكتشفت أنني حافية القدمين. هتفت بشدة مع الهاتفين. لماذا هتفت؟ لا أعلم. ولكنني شعرت بالحاجة للهتاف مثل كل الآلاف، الذين هتفوا وهتفوا، حتى انحبست أصواتنا جميعاً. هل كنا نرثي من ماتوا في صمت ودون حساب؟ هل كنا ننادي على من تاهوا في ظلمات الغياب؟ لا أدري، ولكنني هتفت وهتفت، وحتى بعد أن بح صوتي، هتفت في صمت، حتى اختنقت حنجرتي بكلام فارغ من أي معنى أو غاية.
هيباتيا
هاجمتني الكوابيس من جديد، جاء ملثمون وأرقدوني على سرير معدني بارد، ورغم أنني لم أر وجوههم، فقد شعرت بأنني أعرفهم جيداً، بدءوا يقشرون جلدي بسهولة كأنني ثمرة ناضجة، وتحت الجلد، بدت أعصابي كحزم من أسلاك منتظمة تشع ضوءاً فضياً، ألقى كبيرهم على من معه نظرة انتصار من كان يعلم مقدماً ما سوف يجده، وناوله أحدهم شيئاً، اكتشفت فيما بعد أنه مكواة، مررها بتمرس على حزم الأعصاب، وتصاعدت الأبخرة، وفي دقائق قليلة، خبا الضوء تدريجياً، واستحالت حزم الأعصاب كتلاً سوداء متفحمة. وأعادوا الجلد مكانه وذهبوا كما جاءوا.
رسالة من شهيد
كان الألم في البداية شديداً، ولكن مع الوقت ذهب إحساسي بكل شيء، واستيقظت
على صرخة شقت السكون. كان صوته ينادي علي من تحت الثرى قائلاً، اخرجيني يا أماه،
كيف طاوعك قلبك أن تتركيني أُدفن وأنا بعد حياً؟ وودت أن أضمه لمرة أخيرة. يا
حبيبي، يا من أنت أعز علي من الحياة نفسها، لقد مت شهيداً. وكأنه قد قرأ أفكاري
فقال، كيف صدقت تلك الكذبة الحقيرة؟ وعندما أنصت جيداً، أدركت أن بكاء العصافير لم
ينقطع.
No comments:
Post a Comment