Sunday, April 11, 2010
Judge Yehia Refaei Dies
Saturday, April 10, 2010
Political Jungle
Privatization, between Reform and Corruption
نموذج الخصخصة المصري
إصلاح اقتصادي أم إفساد سياسي؟
من أشنع الخطايا التي اقترفناها في مصر، هو أسلوب الخصخصة الذي أعطى لاقتصاد السوق اسماً بغيضاً وسمعة كريهة وسط الشعب المصري، بما يحتاج لأعوام طويلة لتصحيحه. من يقرأ الصحف المصرية يلمس في كل سطر كما ضخما من الريبة تجاه اقتصاد السوق، وكراهية ومقتا شديداً للعمل الحر ورجاله، "رجال الأعمال". من يقرأ الصحف المصرية لابد وأن يتصور أن سكان المحروسة هم شعب من الموظفين، يؤمنون بضرورة امتلاك الدولة لوسائل الإنتاج، وأنه عليها (أي الدولة) تشغيل قوة العمل بأكملها في القطاع العام أو الحكومي. من يطالع البرامج التليفزيونية لابد وأن يظن أن شعب مصر بأكمله يعتنق الشيوعية ولا يؤمن بالعمل الحر أو المبادرات الفردية. من يتابع الفضائح المتتالية لابد وأن يظن أن من يتصدون للعمل الحر في مصر هم طغمة فاسدة مفسدة لا هم لها سوى اختلاس قروض البنوك أو تسقيع الأراضي أو الزواج بالراقصات والمغنيات ثم قتلهن فيما بعد.
لا يوجد أبعد من ذلك عن الحقيقة:
- رغم أن مصر بها أكثر من 6 مليون موظف يعملون لدى الحكومة، إلا أن نسبة غير بسيطة من هؤلاء يمتهنون مهناً أخرى موازية، يستكملون بها دخولهم الهزيلة. ملايين المصريين يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، وهو بطبعه غير حكومي، اقتصاد حر.
- ملايين آخرين يعملون في القطاع الخاص - غير الحكومي.
- علاوة على 4 مليون مصري يعيشون بالخارج، خارج مصر وخارج المنظومة الحكومية بكل أبعادها.
- بينما يبحث الكثير من المصريين عن الأمان في تراب الميري، إلا أن هؤلاء وغيرهم أيضاً يحلمون بأن يفتح الله عليهم أبواب الرزق من خلال "مشروع" خاص صغير، محل أدوات كهربائية أو مكتبة صغيرة، أو ميكروباص أو تاكسي يقومون بتشغيله، إلخ.
جاء برنامج الخصخصة المصري كأحد أهم أعمدة برنامج الإصلاح الهيكلي في الاقتصاد. فبعد عقد من النمو الاقتصادي عقب إعلان سياسة "الانفتاح"، بدأ الاقتصاد المصري يدخل في مرحلة من الركود، وتصاعد نزيف الخسائر لشركات القطاع العام – المملوكة للدولة – حتى وصلت الخسائر السنوية إلى 40% من الناتج القومي المحلي، وهو رقم فلكي بكل المقاييس!
وفي بداية حكمه، اتجه الرئيس مبارك للتراجع عن سياسة سلفه السادات الذي اغتيل وسط جيشه بينما جلس مبارك على بعد سنتيمترات قليلة منه. وجاء هذا التراجع نتيجة لتغلغل الفكر الماركسي وسط الصحفيين ورجال الإعلام و"المثقفين" المصريين، فشاع استخدام تسمية أحمد بهاء الدين "انفتاح سداح مداح" أي انفتاح بدون ضابط ولا رابط، ليعبر عما رآه البعض من تضخم "طفيلي" في ثروات البعض الآخر، رغم أن مصر مشت في مسيرة الإصلاح الاقتصادي والعودة لاقتصاد السوق بسرعة بسيطة تقترب من الصفر. وأقول "العودة" لأن مصر لم تعرف سوى اقتصاد السوق حتى منتصف الخمسينيات، عندما بدأت حكومة "الثورة" سياسة التأميمات وترسيخ سيطرة الدولة – أو النظام – على النشاط الاقتصادي تدريجياً.
في واقع الأمر، أن برنامج الخصخصة كان تصحيحاً لجرائم ارتكبت في حق الشعب باسم الشعب من خلال مصادرة الملكية الخاصة تحت شعار التأميم، وهو شعار مضلل، يوحي بملكية "الأمة للمنشآت، رغم أن الملكية كانت للنظام وليست للأمة وشتان بينهما، من خلال تعيين أعوانه وصنائعه ليتقلدوا مناصب الإدارة، مكافأة على ولائهم، وكأن البلد عزبة خاصة. ليسيطر عديمو الخبرة والتأهيل والموهبة الاقتصادية على إدارة مشروعات تجارية وصناعية ضخمة. جرائم أخرى جاءت تحت اسم مبادرات فاشلة من عينة مبادرة الألف مصنع، والخطط الخمسية للاقتصاد الموجه، فيما عرف بالتوجهات الاشتراكية للستينيات، بينما في التطبيق العملي، فإن تلك الإجراءات نتج عنها وضع احتكاري لرأسمالية الدولة، حيث احتكر النظام بصفته مالكاً ومديراً لتلك المؤسسات الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية، والبنوك والتأمين والمقاولات والخدمات الصحية، مما أدى لقتل المنافسة. وفي ظل الاحتكار وغياب المنافسة، تنعدم الدوافع للتحسين والتجويد والتطوير، فانهارت الكفاءة، ومات الإبداع، وتوقفت عجلة التطوير، وضمرت بل اغتيلت روح المبادرة الفردية والجماعية.
بعد أعوام طويلة من خداع النفس والتغني بإنجازات التصنيع من الإبرة إلى الصاروخ، استيقظ النظام على شبح الإفلاس وهو يدق أبواب مصر بقوة في منتصف الثمانينات. فقد تحالفت عدة عوامل لفشل القطاع العام:
- عمالة زائدة – بطالة مقنعة – بنسبة تصل إلى 10 أضعاف العمالة المطلوبة نتيجة لتوجهات سياسية بتشغيل الجميع بصرف النظر عن فرص العمل الحقيقية التي يتم خلقها.
- إدارة فاشلة من أهل الثقة سواء من الضباط المتقاعدين أو غيرهم من بطانة النظام وأقارب المسئولين وأصهارهم.
- جودة متدهورة وبعيدة عن المواصفات العالمية أو متطلبات المستهلك – ذلك لانعدام الفكر التسويقي وسيطرة فكر الإنتاج، الذي قد يناسب مرحلة النقص الحاد في العرض - بصرف النظر عن الجودة.
- اصطدام الجودة المتدهورة بسلع مستوردة أو محلية من إنتاج مصانع القطاع الخاص ذات جودة أعلى.
- خسائر متراكمة نتيجة للفساد وعدم قدرة المنشأة على التحكم في السعر في ظل التسعير بقرارات سيادية.
- استشراء الفساد والمحسوبية ونهب المال العام دون محاسبة في ظل مسئولية النظام عن القرار حيث تتوه مسئولية القائمين على إدارة المؤسسات فيسهل نهب المال العام.
- التخلف التكنولوجي.
- ثبوت دخول العاملين وعدم تناسبها مع مستجدات السوق ومعدلات التضخم، جعل تلك الدخول هزلية ولا يمكن أن تشكل مقابلاً عادلاً للعمل الجاد، كما أن انخفاض الدخول يشجع العامل الجيد على ترك العمل ويصعب من عملية اجتذاب وتعيين المواهب الجديدة.
- غياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة، وعدم قدرة الإدارة على ردع أو فصل أي عامل.
ورغم فداحة آلام النزيف الاقتصادي والمجتمعي لسنوات طويلة، ووضوح المرض، وإدراك الكثيرين بحتمية العلاج، إلا أن مساحة المحرمات وعملية الهيكلة الذهنية نحو أقصى اليسار والتي تمت على الضمير المصري خلال فترة الستينات من خلال زيف الخطاب السياسي الرومانسي، وتدليس إعلام "الإرشاد القومي"، وتزييف الوعي من خلال أكاذيب المناهج والعملية التعليمية، جعلت المجتمع في حالة من الإنكار التي تجسدت في عبارات مثل "لا مساس بالقطاع العام" و"القطاع العام هو عماد الاقتصاد الوطني"، إلخ. وفي نفس الوقت، جاءت مقاومة الإصلاح من كل الجهات، في شهادة مؤسفة على نجاح خطة النظام في إفساد الشعب "لضمان ولاء المجتمع" من خلال ربط مصالح الملايين بوضع فاسد يسيطر فيه النظام على كل أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال إفساد العلاقات والقوانين الطبيعية مثل :
- التركيز على بناء المصانع والإنتاج الكمي (وليس أن السوق والاستهلاك يقودان الإنتاج وأهمية الجودة)
- الحوافز تتناسب مع كم الإنتاج أو المخزون (وليس مع الأرباح أو المبيعات)
- الولاء هو معيار التعيين والترقي (وليس أن الكفاءة هي معيار الترقي وأن رؤساء الشركات يتم تعيينهم من خلال الجمعيات العمومية بناء على تحقيق مصالح حملة الأسهم)
- وظيفة مدى الحياة (بدلاً من ضرورة العمل حيث أن عدم العمل يؤدي إلى الفصل من العمل)
- التعيين يتم بناء على عدد الخريجين (وليس لسد الاحتياجات الفعلية للشركات والمؤسسات)
ومع استئصال السياسة من نشاط المجتمع، وغياب المساءلة والمحاسبة، وانعدام فرص تداول السلطة أو المنافسة على الحكم، في ظل الاحتكار السياسي لحزب واحد، تغلغل الفساد في كل شيء وتسلل للعقل الجمعي المصري، فكبار الموظفين سيطروا على شركات القطاع العام واعتبروها مثل العزب لهم ولأسرهم وأصدقائهم ومحاسيبهم فيما وصفناه تحت عنوان "عزبنة الدولة"، فكان من الطبيعي أن يقاوموا الإصلاح أو الخصخصة، وبينما فسدت ثقافة العمل لدى الملايين من الموظفين الذين تعودوا على أن يتقاضوا الرواتب دون أن يعملوا – وعادة ما يعملون في مكان آخر أو يتربحون من مناصبهم بطرق مختلفة – فهؤلاء أيضاً قاوموا الخصخصة بشتى الطرق، لأنهم يعلمون جيداً أن الخصخصة ستنهي الوضع الفاسد الذي يتمتعون به – أو يعانون منه في الواقع باعتبارهم ضحايا وصلوا مع هذه المنظومة لقاع الدرك الاجتماعي والمعيشي، والشعب ككل فسدت مفاهيمه، فأضحت كل أسرة تريد أن يجد أبناؤها عملاً مضموناً – في الحكومة - بصرف النظر عما يقدمونه من قيمة مضافة للاقتصاد، وبدون البحث عن إجابة سؤال هام، عمن سوف يتعين عليه أن يسدد ثمن هذه العبثيات. وفي هذا الجو المسموم حيث فسدت المفاهيم وانعدم منطق الاقتصاد الحقيقي والقيمة المضافة، أخذت وسائل الإعلام تطنطن ضد الخصخصة بحسن أو سوء نية أو من باب النفاق الشعبوي، وتصور للجماهير أن الخصخصة ستتسبب في ارتفاع الأسعار واستيلاء الأجانب أو الفسدة على "أصول" مصر، بدلاً من أن تتناول القضية بموضوعية وتحاول أن تشارك في وضع المعايير اللازمة لصحة وعافية وشفافية عملية الخصخصة المحتومة، في حالة تجسد أعراض مرض الإنكار المزمن، ولا يفوتنا أن نلاحظ اللعنات التي صبها أحد أكبر رءوس النظام على الخصخصة في مجلس الشعب المصري في أبريل 2010، في فاصل تمثيلي متقن، رغم مشاركته الكاملة هو المنتفعين من أصدقائه ومحاسيبه في الفساد الذي منيت به عملية الخصخصة.
ومن هنا يتضح أن الفساد الأول الذي ضرب مصر، كان فساداً في المفاهيم والقيم والتوقعات، في صورة رشوة غير واقعية لجيل، على حساب معاناة الأجيال القادمة، مما جعل الشعب يتمسك بمنظومة فاشلة، ببساطة لأنه لم يخرج مسئول واحد عليه ويعترف بالخطأ والفشل واستحالة تنفيذ تلك اللا متساويات على أرض الواقع، وضرورة تصحيح الأوضاع وإصلاح الأمور.
وبعد استنزاف الاقتصاد المصري لسنوات طويلة في تمويل نزيف خسائر شركات القطاع العام، من خلال القروض والسحب على المكشوف وطبع البنكنوت – مما أدى لمعدلات تضخم خيالية في الثمانينات وصلت لـما يقرب من 20% سنوياً، اكتشفت القيادة العليا أن مصر على شفا الإفلاس، وأن الوضع المختل لا يمكن أن يستمر، كان على النظام أن يقبل في شهور ما رفضه لسنوات، وأن يخضع لشروط البنك الدولي وصندوق النقد، اللذين قبلا أن يقدما المساعدة في برنامج الإصلاح الاقتصادي بشرط أن يكون هناك إصلاح فعلي بصورة هيكلية، بما في ذلك ضرورة وقف نزيف الخسائر وبيع شركات القطاع العام، واستخدام الحصيلة في إعادة هيكلة الشركات الخاسرة تمهيداً لخصخصتها هي الأخرى. وقبل النظام ذلك على مضض لعدم وجود بدائل أخرى، لكنه عجز عن الاعتراف بحجم المأساة، فظل الشعب لسنوات طويلة في حالة من عدم الفهم، كما استمر العمل لعقود طويلة تحت نفس الإطار التشريعي والقانوني القديم لدستور 1971 الذي يتحدث عن القطاع العام بوصفه ركيزة الاقتصاد وعن تحالف قوى الشعب العامل وعن المدعي العام الاشتراكي الذي يراقب السلوكيات الاشتراكية ويضع الخارجين عنها تحت الحراسة!
ومن بين 316 شركة قامت الحكومة بعرضها للخصخصة في التسعينيات، تم خصخصة 133 شركة بالكامل بحلول 2003، بينما خضعت 55 شركة للخصخصة الجزئية، بحصيلة حوالي 3.2 مليار دولار. وذهب حوالي 45% من حصيلة الخصخصة إلى وزارة المالية، بينما استخدم 30% من الحصيلة في تسوية ديون شركات القطاع العام، و18% في تمويل برامج التقاعد المبكر للأعداد الفلكية من العمالة الزائدة، بينما تم استخدام 5% في إعادة هيكلة الشركات. وقد تم بيع حوالي 28% من الشركات من خلال طرح أسهم في البورصة، و26% من خلال البيع لصناديق العاملين، و24% تم تصفيتها من خلال بيع وتسييل الأصول، و22% فقط ذهبت لمستثمرين رئيسيين.
وعلى الجانب الإيجابي، أسهمت الخصخصة في تخليص الدولة من نزيف الخسائر وإنقاذ مصر من إفلاس أكيد كان سيؤدي حتما لمشاكل وخيمة، كما أدت عمليات طرح الشركات في البورصة إلى نقلة نوعية وكمية في البورصة المصرية، حيث ارتفع عدد الشركات المقيدة في البورصة من 700 شركة بقيمة سوقية حوالي 3.2 بليون دولار عام 1991 إلى 1100 شركة بقيمة سوقية حوالي 20 مليار دولار في عام 2003، بمعدل نمو مركب حوالي 3% سنوياً بالنسبة لعدد الشركات، وهو معدل متواضع في النهاية، ولكن بالمقارنة بالركود الذي عانته البورصة المصرية لمدة 40 عاماً، فهو نسبياً معدل جيد، بينما وصل معدل النمو في حجم القيمة السوقية إلى 16% سنوياً وهو معدل ممتاز، وتم احتواء نصف مليون فرصة عمل ضاعت في خلال عملية الخصخصة من خلال التقاعد المبكر وخلق فرص عمل في القطاع الخاص الذي تنامى نصيبه في توفير فرص العمل والناتج القومي.
أما على الجانب السلبي، فقد خسرت الحكومة الرأي العام الذي لم يفهم ضرورة البيع في ظل التأكيدات السابقة باللا مساس، وبأن القطاع العام هو عماد الاقتصاد، لأن القيادة السياسية لم تعترف بشكل صريح بأن النظام ظل يمشي في اتجاه خاطئ لعقود طويلة. كما أحاطت شبهات الفساد بالعديد من عمليات البيع، وعلى سبيل المثال:
- بيع مصنع حديد كبير لمستثمر كان يمتلك مصنع كبير للسيراميك ومصنع صغير للحديد. وهذا المستثمر اشترى في البداية 10% فقط من أسهم الشركة المخصخصة، ويقال بتمويل من بنوك القطاع العام، ثم فجأة يصبح رئيساً لمجلس الإدارة، ويسيطر على أغلبية الأسهم في غمضة عين، ثم يحتكر صناعة الحديد في مصر، وتتزايد أسعار الحديد، ثم تقوم الدولة بفرض حواجز إجرائية مانعة ورسوم إغراق باهظة على الحديد المستورد الأرخص، حتى تمكن "صديقها" المستثمر من استغلال المستهلكين وفرض الأسعار التي تعظم من أرباحه الاحتكارية. وهذا المستثمر يتضح أنه صديق مقرب لأنجال الحكام، ثم يفسح النظام الطريق لذلك الصديق بإزاحة الحرس القديم ليصبح الصديق علاوة على ثروته قيادياً بالحزب الحاكم، ثم يصبح عضواً بمجلس الشعب، ثم مسئولاً عن صياغة قانون غسيل الأموال وقانون منع الاحتكار، ويقوم بتعديل تلك القوانين بما يناسبه، ضد إرادة الوزراء المختصين. فمثلاً كانت الصيغة المقترحة لقانون منع الاحتكار هو إعفاء المبلغ عن حالات الاحتكار من العقوبة، فأصر المستثمر المقرب على خضوع المبلغ للعقوبة – رغم أنف الوزير المختص - وهو ما فسره الكثيرون بأنه يمثل رادع وعقوبة لمن تسول له نفسه الإبلاغ عن جرائم الاحتكار، تمنعه من فضح الممارسات الاحتكارية، لتمكين المستثمر المحظوظ - وأمثاله - من التلاعب بالأسعار كما يشاء والتحكم في السوق لتكديس الأرباح الاحتكارية على ثروته التي يقال أنها وصلت لـ 40 مليار جنيه، ينفق منها بسخاء على أنشطة ولجان الحزب الحاكم، لأنه مهما كان السخاء، فلا يمثل سوى الفتات من حصيلة الأرباح الاحتكارية. كل هذه "الأقاويل" تتردد دون أن يجد الرأي العام من يخرج عليه ويوضح الأمور أو يضعها في نصابها، أو يمنع المستثمر "المقرب" من العبث في تشريعات يفترض أن تقنن أعماله، حيث أن تدخله في صياغتها يحفل بتضارب مخل في المصالح، وعوار مهين بسب التداخل في الأدوار، ومن هنا أتى تعبير "التزاوج غير الشرعي بين الفساد والاحتكارات الاقتصادية والسلطة" الذي انتشر استخدامه ليجسد الغضب الشعبي من هذه الممارسات الفاسدة.
- العديد من عمليات البيع تضمنت أصولاً صناعية تحولت إلى أصول عقارية "بقدرة قادر"، ومن هنا استولى المستثمرون على مليارات الجنيهات من أموال الدولة من خلال الالتفاف على بنود التعاقد عبر استثناءات معيبة ومشبوهة، وكان من الأولى أن تكون هناك فقرات في التعاقد تتيح للخزانة العامة على الأقل الحصول على "جزء" من ريع تحويل تلك المصانع لثروات عقارية في غفلة من الزمن.
كل هذه الأمثلة، مع غياب الشفافية واستمرار المفسدين في أماكنهم يتمتعون بمقاعد الحكم وبالثروات الخرافية التي جمعوها، دون حساب أو عقاب أو مراجعة أو حتى نفي وتبرئة لهم من خلال طرح التفاصيل بصورة شفافة، أدى للسمعة السيئة لعملية الخصخصة في مصر، رغم ما أوضحناه من ضرورتها كحل اقتصادي لمعالجة فساد خطير في العلاقات وفي منطق الحياة كما سبق وأشرنا، وهو الفساد الذي ضرب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر في مقتل لعقود طويلة.
والدرس الذي نخرج به من هذه التجربة، هو أن الإطار السياسي هو الذي يتحكم في مدى نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي، لأن برامج الخصخصة كما أشرنا كانت ضرورية ومطلوبة، ولكن نتيجة لقصور البنية السياسية للمجتمع، وغياب آليات الرقابة والمشاركة والشفافية والمحاسبة والمساءلة، تحولت عملية الخصخصة من عملية إصلاحية إلى منبع ضخم للفساد والإفساد، بما أدى لإفساد المفاهيم وتلويث الوعي المصري بنتيجة خاطئة، وهي أن العيب هو في الخصخصة، بينما أن العيوب الرئيسية كانت في قصور العملية السياسية وفسادها بما أدى لهذه النتائج السلبية في النهاية.
وهنا نتبين زيف إحدى الخرافات التي أطلقتها علينا الحكومات المتعاقبة، وهي أن الإصلاح الاقتصادي له الأولوية، وهي خرافة انتشرت في التسعينات وصدقها الكثيرون للأسف، ونعود هذه الأيام ونسمعها مجدداً في صيغ مختلفة. والأمثلة التي سقناها توضح أن الإصلاح السياسي لابد أن يسير جنباً إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادي إن لم يسبقه، للتأكد من أن الإصلاح الاقتصادي لن يتحول "لنهب" ثم "إفساد" سياسي ثم تلويث في الوعي الجمعي وهو ما حدث في الأمثلة السابقة. لقد نمى القطاع الخاص بسرعة وزاد نصيبه في الناتج القومي من 25% إلى 75% في سنوات قليلة، لكن هذا النمو الهائل لم يواكبه تطوير مكافئ في البيئة السياسية أو التشريعية أو الإدارية أو بنود وآليات الوصول لعقد اجتماعي جديد، فأصبحنا مثل سيارة نصر 1100 نما محركها من 900 سم مكعب إلى محرك 6000 سم مكعب دون أن يتطور الشاسيه أو نظام القيادة والتحكم، بل أن الشاسيه قد استشرى فيه الصدأ، فمالت السيارة المسكينة إلى الأمام وكادت أن تتهاوى بنا جميعاً.
وائل نوارة
"نشرة الإصلاح الاقتصادي" الصادرة عن
المركز الدولي للمشروعات الخاصة
CIPE
مارس 2010
Friday, April 09, 2010
State-owned Media
Wednesday, April 07, 2010
Change, the Egyptian Style
الجمعـية الوطنية:
التغـيير على الطريقة المصرية
في حوار مع مجموعة من الناشطين وقع نقاش حول الجمعية والتغيير والدكتور البرادعي، واعترض البعض أن نضفي صفات القداسة على د. البرادعي فيصبح من ينتقده خائناً وعميلاً.
وأريد أن أقول أنه ليس هناك قداسة ولا يحزنون، كل ما في الأمر هو أن هناك شخص ما - مؤهل و محترم - حظى بلحظة مصرية نادرة من لحظات الاختيار التلقائي والاتفاق غير المرتب - التي جعلتنا جميعاً نفكر في إمكانية تكوين توافق شعبي واسع حول مطالب الإصلاح والتغيير.
هناك أحزاب وفرق سياسية كثيرة من حقها أن تتنافس، ولكن قبل الانشغال بالتنافس، يجب أولاً أن نسعى لبناء ملعب سياسي يسمح لهذه الفرق باللعب والتنافس في ظل قواعد واضحة ونزيهة أو حتى شبه نزيهة.
الجميع يريد أن يلعب - إذن فلينشط الجميع في بناء هذا الملعب - الاستاد السياسي - بدستوره وقواعده، وهذا ما نعنيه بالمرحلة الانتقالية للتحول الديمقراطي، مثل تلك المرحلة تحتاج لتوافق - لا لتنافس - لأنه لا يمكن بناء الاستاد في حالات التنافس.
لا يوجد خلاف تقريباً حول مواصفات الملعب - فمعظم القوى والتحالفات والائتلافات والمؤتمرات والجبهات الديمقراطية ونصف الديمقراطية وحتى ربع الديمقراطية أصدرت من البيانات وأوراق العمل والعرائض والمعلقات فراسخ مربعة، تتشابه في الظاهر من توجهاتها العامة.
لكن يأتي السؤال - من يشرف على بناء الملعب - من يقود عملية بناء الملعب السياسي الجديد؟
وهو سؤال مهم لكن الحظ المصري خدمنا والآن نظن أن الفرصة واضحة، في أن يكون الدكتور البرادعي في المركز من هذا التحالف الوطني من أجل التغيير، لكن بعضنا لا يزال يعافر ويرفض تلك الفرصة، أو يتظاهر إنه مش واخد باله يعني، والخطر هنا أن يتسبب هذا في ضياع فرصة بناء الملعب واللعب والتنافس المحترم - ونستمر في اللعب بنوى ثمار الدوم أو أحجار الطريق حتى تدمى أقدامنا دون تأثير حقيقي.
نعم الظروف خدمتنا – وهذا هو التغيير على الطريقة المصرية – أن تأتي لحظة مصرية صافية ونادرة – ربما من بركة آل البيت والأولياء والقديسين، أو دعاء الأمهات والجدات الطيبين، أو بركات وأسرار تعاويذ الأقدمين، المنقوشة على المعابد وأصداء الترانيم.
حالة مصرية – كادت تحدث في 2005 فاستنكفناها على قائد مسيرة التغيير آنذاك، وسيط التغيير، ولكن في الحقيقة فقد استكثرناها على أنفسنا وليس على الوسيط – فالوسيط ما هو إلا كذلك – وسيلة لتحقيق ما يجب أن يكون، في صورة شخصية قيادية تتمتع بقبول شعبي واسع.
هذا هو التغيير على الطريقة المصرية رأيناه في 1805 ورأيناه في 1919 – تشيع فكرة معينة للتخلص من وضع كارثي وتنتشر بين المصريين كالنار في الهشيم – حتى قبل اختراع الموبايل والإنترنت والتليفزيون والقطار أو حتى الطفطف – وبحسابات تلقائية بسيطة تحدث حالة من الاتفاق العام على شيء ما – وتصبح الحالة في حد ذاتها دافعاً لحدوث هذا الشيء - فيحدث هذا الشيء – البتاع يعني.
رأينا هذه الحالة وعايناها من قبل ولكن البعض ينسى أو يتناسى شكل ولون ورائحة المشهد المصري.
الجمعية الوطنية للتغيير – ما هي إلا كذلك – جمعية – أي وعاء لتجميع الجهود أو القدرات أو الأموال المتراكمة من نقود قليلة.
للمصريين طرق طريفة ومبتكرة للتعامل مع مضائق وضوائق ومضايقات الحياة ومنغصاتها.
فعندما يعجز أصحاب الحاجة (أي البتاع) عن توفير المال الكافي للحصول على البتاع، يجتمع مجموعة من الأقارب والأصدقاء في عملية تعاونية تكافلية طبيعية، هي صورة من صور التضامن الاجتماعي في سبيل أن يحصل كل من المجتمعين – وليس فقط واحد منهم – على حاجته.
البعض – عادة الأكثر احتياجاً – يقبض أولاً، وهذا في الواقع مجاملة لهذا البعض في صورة قرض حسن – أي عديم الفائدة - من الحبايب لهذا الشخص الذي يقبض أولاً.
لكن في الحقيقة الجميع يحصل على نصيبه إن عاجلاً أو آجلاً، فقبض الجمعية يدور إلى أن يأتي على كل شخص دوره فيقبض نصيبه، والبعض يدخل بسهم، والبعض يدخل بسهمين، كل على قدر قدرته واحتياجه، ولكن في النهاية، الخير يأتي على كل فرد في الوقت المناسب – على الطريقة المصرية.
من البديهي أن يلجأ للجمعية من لا يستطيع تحقيق الحاجة (البتاع) وحده أو بإمكانياته الفردية، واللاجئون للجمعية الوطنية للتغيير ومشاركوها، حاولوا كثيراً فرادى أن يحصلوا على البتاع دون جدوى – والآن جاءت هذه الفرصة – وهي ليست فرصة أكيدة – لكن الفرص عادة تتحسن عندما نجتمع على إنجاحها ونتفق على ما يجب عمله لذلك، ثم ننطلق في العمل على تنفيذه بصورة منظمة تتميز بالعمل الجماعي المتناغم.
ومن الطبيعي أن يختلف البعض على الشخص الذي سيناله الخير أو شرف الجهاد وقيادة البناء أولاً، ولكن يجب ألا يفسد ذلك الخلاف فكرة الجمعية، وإلا ضاعت فرصة التجميع على الجميع، فالوطن في الواقع هو الذي سيقبض أولاً. التغيير نفسه هو من سيستفيد، أما بعد بناء الملعب، فليتنافس كل صاحب طموح أو شعبية أو رؤية، فهذه هي وظيفة الملعب، أن يتيح الفرصة لكل متنافس أن يقدم ما عنده، والحكم في النهاية للجمهور وللناخبين، ولكن غالباً سيأتي ذلك الحكم بالخير لكل فريق، وسيحصل في الأغلب كل عامل على ثمرة تقابل أو تقترب مما قدمه من عمل وطني.
وكما نحذر من فساد الجمعية وانهيار الآمال المعقودة عليها نتيجة الخلاف حول من "يقبض أولاً"، فهناك أخطار أخرى أيضاً تعلق بعدم خبرتنا في العمل الجماعي. وليس هناك أقوى في استشعار مثل هذه الأخطار من قراءة ما جاء في مقال د. حسن نافعة - بحسن نية دون شك - في المصري اليوم بتاريخ 4/4/2010 والذي يتنصل فيه من وجود هيئة تأسيسية للجمعية الوطنية للتغيير، ويوحي بتحول الجمعية إلى فرد واحد، هو الدكتور البرادعي، ومن يختارهم الدكتور البرادعي.
يقول د. نافعة، "أن مجموعة النشطاء الذين ذهبوا للقاء الدكتور البرادعى فى منزله يوم ٢٣ فبراير الماضى وأصروا على إعلان قيام «جمعية وطنية للتغيير» ... تصورت أنها - أي المجموعة- باتت تشكل «هيئة تأسيسية» للجمعية، تملك صلاحيات تخول لها بناء الهيكل التنظيمى وتحديد آليات اتخاذ القرار فى الجمعية، غير أن هذا التصور – في رأي د. نافعة - ليس له ما يبرره فى الواقع، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية العملية" ... لأن من وجهة نظره، وجود هذه المجموعة خضع لاعتبارات ظرفية وليس من المنطقي استبعاد آخرين يرغبون في الانضمام للجمعية من الهيئة التأسيسية.
من الطبيعي بالفعل أن تعبر الهيئة التأسيسية للجمعية الوطنية للتغيير عن القيادات الطبيعية لكافة التيارات والأحزاب والحركات الشبابية والنسائية، السياسية والاجتماعية والشعبية، المشاركة في حركة التغيير والراغبة في الانضمام للجمعية، بصرف النظر عمن حضر أو لم يحضر اجتماعاً ما في يوم معين في ساعة معينة في مكان معين، لأنه ليس من المفيد استبعاد أي قوى تتفق على مطالب التغيير من الهيئة التأسيسية للجمعية. وفي نفس الوقت، لا يمكن أن ننكر أن المجموعة التي اتفقت في اجتماع 23 فبراير (ولم أكن من الحاضرين بالمناسبة)، هي نواة الهيئة التأسيسية، لأن القرار بتأسيس الجمعية جاء في تلك اللحظة، بدعوة من هؤلاء الحاضرين، بناء على العديد من أوراق العمل والمداولات في اجتماعات الحملة المصرية ضد التوريث والتي أوصت بأن تتحول الحملة من حملة سلبية ترفض التوريث فقط، إلى حملة إيجابية، بمطالب إصلاحية شاملة، وبحيث تصبح "الحملة المصرية ضد التوريث" لجنة داخل المظلة الجامعة لـ "الجماعة الوطنية للتغيير"، وهو ما تمخض فيما بعد عن الإعلان عن قيام "الجمعية الوطنية للتغيير" في اجتماع 23 فبراير. ثم اجتمع هؤلاء عدة مرات أخرى، مرة في حزب الجبهة، ومرة في حزب الغد، عدا اجتماعات لجان الموقع الإلكتروني، واتفقوا على صيغة بيان الجمعية، وتم طباعة البيان وبدأت حملة شعبية قادها هؤلاء المؤسسون لجمع التوقيعات على البيان في كافة المحافظات، فكيف نأتي الآن ونقول أنه لم تكن هناك جمعية ولم يكن هناك مؤسسين؟
وعندما يأتي الكلام من الدكتور حسن نافعة يكون له وضع خاص ولابد من التوقف عنده، من منطلق الحرص على المصلحة العامة، ومن باب الحب والتقدير للدكتور نافعة في المقام الأول، فهو منسق الحملة المصرية ضد التوريث، واختير في اجتماع 23 فبراير كمنسق الجمعية الوطنية للتغيير، باعتبار أن الدعوة للجمعية الوطنية للتغيير جاءت من أعضاء الحملة المصرية ضد التوريث، وبالتالي قررت الحملة الانضمام للجمعية الوطنية للتغيير بل والاندماج فيها، مثلها مثل جماعات أخرى، دون وصاية أو إقصاء لأي تيار أو مجموعة ترغب في الانضمام طالما وافقت على إعلان المبادئ، لأن الهدف المعلن هو تكوين توافق وطني واسع حول مطالب التغيير، ولا يمكن أن يحدث هذا مع سياسات الاستبعاد والإقصاء.
ليس هناك شك في أن الدكتور البرادعي في موقف يتيح له توحيد القوى المطالبة بالتغيير في إطار الجمعية الوطنية للتغيير، ولكن يجب أن نتحسب من ما يقترحه د. نافعة عندما يقول في نفس المقال:
" أنه من الطبيعي أن يختار البرادعي "معاونيه" وأن يستبعد البرادعي كذا – ..."
فهذا الأسلوب ليس بالتأكيد أسلوب دعاة الديمقراطية والتغيير، فالجمعية الوطنية للتغيير، هي "جمعية"، بين أكثر من جهة، ومن الطبيعي أن يأتي القرار ليعبر عن أعضاء الجمعية ومؤسسيها، وليس من الطبيعي أبداً أن تختزل الجمعية وقراراتها في شخص واحد.
ولكن أخطر ما جاء في مقال د. نافعة هو تعبير "حرية كافية" في سياق "الحتمية التاريخية" مقترناً بضرورة أن نترك الدكتور البرادعي - الذي نحبه ونحترمه - يفعل ما يشاء باعتباره "الوحيد" القادر على كذا وكذا ...، دون الرجوع لشركائه الذين كونوا معه "الجمعية الوطنية للتغيير". توقفت أمام تعبير "حرية كافية" لأنه يعني في السياق دكتاتورية القرار، فحرية الحركة دون ضوابط الالتزام بديمقراطية القرار مع الحلفاء والشركاء، هي حرية حركة تؤدي إلى الانزلاق إلى هوة عميقة من الدكتاتورية والانفراد بالرأي بحجة "تجنب الأخطاء السابقة" وتجنب الهياكل البيروقراطية (أم الديمقراطية؟)، وأقتبس من نص نفس المقال:
"ألا تستدرج «الجمعية الوطنية للتغيير» للعمل وممارسة النشاط وفقا للقواعد التقليدية المفروضة من جانب الحزب الحاكم والتى أدت إلى إضعاف وشل حركة الأحزاب، وإلى إجهاض حالات الحراك السياسى السابقة."
الالتزام بأبسط قواعد العمل الجماعي، مثل استشارة الشركاء والحلفاء واحترام رأيهم، لم يكن أبداً على أجندة الحزب الحاكم كما لا يمكن أن يكون سبباً في إضعاف أو شل أي حركة مؤسسية. دعونا نتذكر أن الضباط الأحرار عندما قاموا بحل الأحزاب وتعطيل الديمقراطية
في 1953 كانت نيتهم حسنة وهدفهم أن يأخذوا "تخريمة" تختصر الطريق لتحقيق التنمية السريعة بعيداً على القيود والإجراءات التي يفرضها العمل الديمقراطي، فكانت النتيجة ما حدث من مصائب وما رأينا من كوارث. وما نستهدفه من إصلاح ليس هو إزالة شخص لنأتي بآخر، لكن أن نكتسب ممارسة جديدة ونقيم عملية سياسية على أسس مؤسسية.
عندما تمت صياغة بيان الجمعية الوطنية للتغيير وبدأت حملة جمع التوقيعات على البيان، جاء البيان من الجمعية وليس من د. البرادعي فقط، وإن كانت الجمعية قد حرصت على تأييد مطالب د. البرادعي، التي لا تخرج عن مطالب باقي القوى الوطنية، فالبرادعي لم يشكل وحده الجمعية الوطنية للتغيير، بل انضم لها مع من انضموا واختاروه ضمنياً في موقع المركز منها، ولكن مركز الدائرة لا يصلح بدون الدائرة، بل يصبح نقطة مفردة مثل غيرها من النقاط.
وحتى لا نفقد هذه الفرصة التاريخية في جدل حول الاعتبارات الظرفية والقانونية، ومن هم في الهيئة التأسيسية ومن هم خارجها، أرى دعوة الجمعية الوطنية للتغيير وكل من يريد أن ينضم لهيئتها التأسيسية للانعقاد في أقرب فرصة، لاختيار هيكل ديمقراطي (وليس بيروقراطي) لعملها لوضع النقاط فوق الحروف والتحسب من مثل هذه السقطات المروعة، حتى لا تؤدي دعاوى حرية الحركة إلى الانزلاق في فخ الفردية والدكتاتورية. السادة الأعزاء، دعونا نتفق على التغيير، وعلى الجمعية، وعلى هذه اللحظة المصرية النادرة، دون أن نفسدها بالاختلاف على من يقبض الجمعية أولاً أو أن نفقدها نتيجة محاولات الاختطاف والانفراد بها، فقوة الجمعية تكمن في التوافق الواسع حولها، وليس الانفراد بها أو إقصاء أعضائها عنها.
وائل نوارة
جريدة الدستور العدد الأسبوعي
7 إبريل 2010
...