Wednesday, September 22, 2010
Parliament? What Parliament
Tuesday, September 21, 2010
The Enemy within
مشكلة البقاء: العدو داخل الأسوار
رأينا كيف أدى الانتخاب العكسي أو المقلوب إلى تلويث قيم المجتمع وسيادة مبدأ البقاء للأفسد، وهو عكس المبدأ الطبيعي – البقاء للأصلح، وأن ما ينتج عن ذلك هو أن نفشل في تحقيق التطور الطبيعي فنتدهور بينما يتقدم من حولنا، ورأينا كيف استفحلت المشكلة على كل المستويات وفي كافة المؤسسات وليس فقط في المجال السياسي. وفي ضوء التنافس المستمر مع المجتمعات والأمم الأخرى، نخوض نحن معركة خاسرة مقدماً، بينما تقودنا نخبة مضروبة - تضم أسوأ عناصر المجتمع - نحو هزائم وأصفار حتمية، مع تفشي حالات الفشل العام والخاص.
وبما أننا نتبنى منهج محاكاة الطبيعة البيولوجية في التحليل، اسمحوا لي أن أستعير فكرة الجينات أو DNA الذي يتحكم في خصائص الكائنات الحية، ويحمل الشفرة الوراثية لكل فصيل بكل ما تعلمته الأجيال السابقة من دروس التواءم مع البيئة من أجل البقاء. الثقافة بالنسبة للأمم والشعوب والحضارات، مثل الـ DNA بالنسبة للفصائل الحية. وعندما أقول الثقافة Culture هنا، فأنا لا أقصد المعنى الذي يدل على الآداب والفنون والعلوم، بل أتحدث عن المفهوم الأنثروبولجي للثقافة، وهو أقرب لفكرة "طريقة الحياة"، حيث تشير الثقافة طبقاً لهذا التعريف، إلى مجموعة القيم والسلوكيات، والعادات والتقاليد، ونظم التفاعل الاجتماعي، التي يطورها ويتبناها مجتمع ما - باعتبارها تحمل في طياتها الحل الجماعي لمشكلة البقاء – بقاء المجتمع أو الجماعة أو الأمة.
هل لدينا مشكلة في البقاء؟ لعل الأمة المصرية من الأمم التي حباها الله بقدرة متميزة على البقاء رغم كل شيء. مر عليها المحتلون والغاصبون والجباة والبلطجية والمستبدون من كل ملة، وصمدت في امتحان البقاء. ولكن اليوم، يشعر البعض – أو الكثيرون – منا بصورة غريزية بحلول أو قرب حلول مشكلة ضخمة تهدد بقاءنا بصورة خطيرة. الدليل على هذا نراه في الأبحاث التي تشير إلى أن نسبة ضخمة من المصريين يفكرون في الهجرة بصورة أو بأخرى، ونراه في أنفسنا وفي كيف ينظر كل منا لنفسه وغده وأبنائه بقلق متزايد. لا أتحدث هنا فقط عن نزاعات حوض النيل – ومصر هي هبة النيل – وما يمكن أن تؤدي إليه، أو عن خطر أن ينفجر الشريط الأخضر الضيق بنا وبمن نحب تحت وطأة النمو السكاني والازدحام العشوائي فتتحول مصر لمقبرة بحجم الدولة، فكل هذه المصائب والكوارث هي في الحقيقة أعراض للكارثة الحقيقية، وهي أن ثقافتنا – طريقة حياتنا – منظومة القيم التي تتحكم في سلوكياتنا وعاداتنا وتقاليدنا ونظمنا ومؤسساتنا، لم تعد مناسبة لتحديات البيئة التي تحتضننا.
في لحظة مصارحة مع النفس، لابد أن ندرك أن مستقبل أولادنا محاط بتهديدات تبدو خارجية، لكن منبعها في الحقيقة داخل كل منا. الخطر يدق على الأبواب، ولكن العدو داخل الأسوار.
أبناؤنا يسافرون إلى الخارج فليتحقون بمنظومات سوية، يبدعون فيها ويتميزون وينجحون، رغم أن هروبهم من مصر علامة على أنهم لم يستطيعوا النجاح في الوطن. ملايين المصريين الآن يتبنون الحل الفردي، سواء بالهجرة أو بالسكن في مستعمرة مخلقة عالية الأسوار، غريبة عن البيئة المحيطة بها. على قدر نجاحنا في الحل الفردي، لم نجرب الحل الجماعي. أن نعمل على تغيير هذا الوضع المتردي معاً. وهو لن يتغير إلا إذا عملنا معاً على تغييره.
أتذكر تجارب كثيرة، عندما يختلف السكان في إحدى العمارات على المشاركة في المنافع العامة، صيانة العقار والمصاعد، كهرباء ونظافة السلم، وغيرها من أشياء بسيطة، وتتفاقم المشكلة، فتصطخب العمارة بالزبالة والقذارة، وتتدهور حالة المصاعد والمنافع العامة، وبينما يجتهد كل ساكن في تجميل شقته من الداخل، لا يمكن أن ينفصل عن المرافق المشتركة التي تحدد في النهاية جودة الحياة في هذه العمارة.
هذا هو الوضع الحالي، تسرب الفساد لأساس البناء، امتلأت طرقات وممرات العمارة بالزبالة والقوارض والحشرات، تدهورت أحوال البنية الأساسية الدستورية والإدارية والتشريعية في مصر، عجز الموهوبون عن العمل والكسب، وضعنا العوائق أمام المتميزين ليتقدمنا الفسدة، فأصبح البناء على وشك السقوط، بينما ينشغل كل منا بالتخطيط لشركته أو مؤسسته أو بيته، غير مدرك أن تدهور الوضع العام ينذر بكارثة ستنعكس – أو انعكست بالفعل - على الوضع الخاص لكل منا.
نحتاج لأن نغير بسرعة من هذا الوضع المأساوي. نحتاج لأن يصبح كل منا هو التغيير الذي ننشده. لابد أن نستعدل الأوضاع المقلوبة، أن نعمل على تقويم أو إسقاط أو مقاطعة المؤسسات التي تعمل بطريقة الانتخاب العكسي.
نحتاج أن نحترم وندعم التغيير والتطور الذي هو منهج الكون. أن نحترم الانتخاب الطبيعي الذي هو طبيعة الحياة. أن نعلم أن للسن أحكام، وأن صبغ الشعر وشد الجلد لا يدير عقارب الساعة للوراء. أن رتوش الفوتوشوب والتزييف والتزوير لأي صورة لا يغير الواقع. قد نخدع البعض باصطناع خبر أو صورة، لكننا لن نتقدم في الواقع الملموس بمجرد ترويش الصورة على طريقة سرايا التعبيرية. لابد أن نعلم أن الإنسان هو مصدر الإبداع والثروة. وأن الموهوب هو عملة نادرة يجب أن نحافظ عليها ونستفيد من قيمتها. لابد أن ندفع بالموهوب والعامل والمتميز لأعلى المراكز في المجتمع، ليصبح هؤلاء هم النخبة الطبيعية، فهذا ما يحمينا ويضمن مستقبل أحبائنا.
تتحدث الأم فتقول: إن كنت تبحث عن الكنز، أنا أدلك على مكانه: في قلب كل واحد من أولادي وفي ساعديه وفي رأسه. إذا جعلت قلبه حزيناً، وقيدت ذراعيه بالسلاسل، ووطأت رأسه بحذائك، فلا تشكو من الفاقة وسوء المآل.
وائل نوارة
Wael_Nawara@Hotmail.com
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=270388&IssueID=1900
Sunday, September 19, 2010
Future in the Past Tense
تأريخ المستقبل
كتبت في يناير 2005
صالحة حتى اليوم في سبتمبر 2010 – وتمتد فترة الصلاحية للمستقبل المنظور طالما ظل النظام على حاله
قرأ المصريون جميعاً تصريح السيد أمين عام الحزب الوطني، الذي أعلن فيه عن تسمية مجلس الشعب للرئيس في مايو القادم، بحيث يجري الاستفتاء في شهر سبتمبر، وأعلن السيد الحزب، أن مجلس الشعب سوف يُدعى إلى الانعقاد لمدة يوم واحد عقب إعلان نتيجة الاستفتاء، موضحاً أن الرئيس مبارك سوف يقوم في تلك الجلسة "التاريخية" بحلف اليمين إيذاناً ببداية فترة رئاسية "جديدة". لم يقل الأمين المساعد أن "الرئيس المنتخب"، أو "الرئيس الفائز" في الاستفتاء سوف يقوم بحلف اليمين، بل أكد أن الذي سوف يقوم بحلف اليمين هو الرئيس مبارك. لم يستخدم الأمين المساعد أي ألفاظ محايدة أو عبارات غير مؤكدة، قد توحي – مجرد الإيحاء – بأن هناك فرصة أمام الشعب للاختيار، أو بأن هناك أدنى شك في نتيجة الاستفتاء، مما يؤكد فعلاً أن الجلسة "تاريخية"، وليست في علم الغيب أو قيد المستقبل، فقد تحددت نتيجتها مقدماً، بل لعلها حدثت بالفعل ونحن نيام.
لقد تحول المستقبل على يد الحزب الوطني ليصبح مجرد صفحة من نفس التاريخ الذي مضى. وهذا إنجاز عظيم يحسب للحزب الوطني، الذي نجح في عبور بوابات الزمن وكتابة الغيب عن طريق "تأريخ المستقبل"، وهي ريادة غير مسبوقة ولا ينكرها إلا جاحد. وبين "تأريخ المستقبل" و"تأخير المستقبل" علاقة وثيقة، لا يعرف أسرارها إلا الحزب الوطني بفكره الجديد. فقد نجح الحزب الوطني أولاً في تجميد الزمن لمدة ربع قرن، وأثناء تجمد الزمن ونوم الشعب في سبات عميق، يتسلل الفكر الجديد ليسرق المستقبل ويعيده إلى الماضي، ثم يروج لذلك الماضي ويحاول أن يبيعه للشعب باعتباره المستقبل. أي مستقبل يكون ذلك؟ بل هي بقايا كوابيس الماضي بكل أسف.
وفروا الجهود ودعونا ندخل في الموضوع
وأنا أتساءل هنا، فيم تضييع جهود وتكبد نفقات لا جدوى منها، في تسميات واستفتاءات و"حلفانات" إذا كانت النتيجة معروفة مسبقاً والأمور محسومة بصورة لا تدع مجالاً للشك؟ أليس من الأفضل أن نتفق على أن أسلوب اختيار رئيس الجمهورية طبقاً للدستور الحالي لا يسمح بأي تغيير، وهو ما عبر عنه السيد الأمين العام المساعد بواقعية وبلاغة شديدة، ويصبح من الأولى أن نوفر الوقت والأموال في شيء مفيد؟ كأن يطرح علينا السيد الأمين المساعد مثلاً رؤية حزبه في كيفية الوصول لعملية اختيار حقيقية، تضمن تداول السلطة بشكل سلمي، وتسمح للشعب باختيار من يحكمه، فيعود هذا الشعب المهمش للاهتمام بالشأن العام بصورة تدريجية، وتقوى خيوط انتمائه لوطن أصبحنا نشعر أننا فيه أغراب، ويبدأ المواطن المصري في احترام الدولة بمؤسساتها، عندما تحصل السلطة على شيء من الشرعية المكتسبة من اختيار الحاكم للمحكوم، والتفويض الذي يمنحه الشعب لمن يمثلونه.
إنني أدعو أصحاب القرار لمراجعة تصريحات السيد أمين مساعد الحزب الحاكم، واقترح عليهم تبني مشروع قرار بتجميد كل أشكال الانتخاب والاستفتاء لحين يريدون، بشرطين. الأول، أن تحتوي الانتخابات - وقتما يسمحون بها – على ضمانات تكفل أن تأتي هذه الانتخابات بنتائج غير "تاريخية" وغير محسومة مسبقاً لصالح الحزب الاحتكاري، والشرط الآخر، أن يتم إعلاننا بصورة رسمية بتوقيت حدوث ذلك، حتى نأخذ جميعاً أجازة من الاهتمام بالشأن العام، ونلتفت لأمور أكثر جدوى حتى ذلك "التاريخ".
Saturday, September 18, 2010
Saraya the Expressionist
إفحام التعبير في مسألة التزوير
احنا اللى طلعنا وحشين
ولا نفهم فى الفن
رد اسامة سرايا المفحم
على فضيحة الاهرام الدولية
المعني وراء الصورة التي أثارت الضجة!
يبدو أن المناخ السياسي السائد حولنا في مصر يتجه نحو الإثارة ومشتملاتها, ومحاولة اللعب علي كل الأوتار مما أدي إلي تغييب الحقائق نفسها, قبل أن يصاحبها تغييب القيم والضرب بعرض الحائط بأخلاقيات تعارفنا علي تسميتها بالقيم المهنية وحدود اللياقة والزمالة.
ما أقصده أن البعض حاول الإثارة علي الأهرام ومصداقيتها, بحجة أنها لجأت إلي تغيير في صورة خاصة باجتماعات قمة واشنطن التي جرت في الأول من سبتمبر, عندما انطلقت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حضور الرئيس حسني مبارك, وذهب البعض إلي تسميتها بمسميات مختلفة.. لن أذكرها لأنها تجرح أصحابها ذاتهم.. فكل صور القمة المذكورة نشرت بأكملها في الأهرام ومواقعها الإلكترونية يوم الجمعة الماضي بلا أي تغيير أو فوتوشوب أو رتوش, كما يتقولون.. وأرجعوا الي أهرام1 سبتمبر الحالي.
أما ما نشره الأهرام صباح يوم الثلاثاء14 سبتمبر فهو صورة تعبيرية جاءت بعد القمة بـ12 يوما.. ولم تكن هي التي نشرت بتاريخ1 سبتمبر تحت عنوان الطريق إلي شرم الشيخ. الصورة.. وضعت الرئيس مبارك في موقع يقود المفاوضات الجديدة بعد القمة الافتتاحية في واشنطن بـ12 يوما, فالصورة التعبيرية تعبر عن مضمون الوثيقة المنشورة.. فضلا عن تعبيرها الموجز والحي والصحيح عن الموقف السياسي الدقيق لمكانة الرئيس مبارك وموقعه في القضية الفلسطينية, ودوره المتفرد في قيادتها قبل واشنطن وغيرها.. برغم أهمية واشنطن ودورها.
الصورة التي يتكلمون عنها, برغم أنها تضم القادة أنفسهم, هي صورة تعبيرية وضعت في صدر موضوعآخر بعيدا عن القمة وصورها. فنحن لانعيد نشر منتجاتنا الصحفية.. فهذه ليست من عاداتنا المهنية.
الصورة المنشورة تعبيرية حتي يفهم من لايفهمون.. وحتي لايضللوا غيرهم ويتكلموا ويقولوا إنهم اكتشفوا الخديعة أو الوهم, أو إننا نزور أو نجمل, فهم الذين يضللون ويكذبون ويصدقون أنفسهم ثم يتهموننا(!!)..
ونحن لانغير الحقائق ولا نكذب ولا نتجمل مثلهم.. ولكننا نتحري الدقة وتاريخنا خير شاهد.. ولسنا في حاجة لهذه الأساليب, فلدينا الكثير الذي نملكه ونفتخر به.
The Play
المسرحية
عبر عقود طويلة، نعيش مسرحية عبثية مملة، تتكون من آلاف الفصول التي تتكرر كل يوم، دون أدنى أمل في نزول الستار إيذاناً بالنهاية. وهذه المسرحية تأتي تحت مسميات عديدة، مثل "أزهى عصور الديمقراطية" و"التعددية" و"التنمية"، وغيرها من الأسماء الهلامية، التي لا تجد لها في فصول المسرحية انعكاساً ولا صدى. وهي مسرحية من تأليف وتمثيل وإخراج شخص واحد هو الحزب الوطني، الذي يحاور نفسه طوال المسرحية، في مونولوج سخيف، لا يمتع ولا يضحك، ولا يغني ولا يسمن من جوع.
الفصل الأول من المسرحية هو فصل الإنجازات، الذي يتحدث عن تطور ضخم وتنمية يشهد لها الشرق والغرب، في عالم التصريحات والمليارات، المطعمة بما تيسر من إحصائيات، ومعظمها مضلل لا يصدقه الشعب، الذي عليه – رغم المسرحية - أن يعيش في العالم الحقيقي، وهو عالم لا وجود فيه للرخاء الحكومي، حيث الأسعار ترتفع بصورة مستمرة، بينما تعاني الأجور من الأنيميا الحادة، ويعاني الجنيه من البلاجرا المزمنة، بما يدفع الموظف المسكين إلى أن يمتهن أعمالاً أخرى، أو يطلب الإكراميات مقابل تأدية الخدمات وتمرير الاستثناءات، حتى صدرت فتوى شرعية بأن تقديم الرشوة حلال. الموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي إحدى أغاني الإشادة، الذي تؤكد أن الشعب بكامل حريته قد اختار الحزب الوطني دون غيره، لحبه الشديد في الفقر وشظف العيش. خلفية المسرح عبارة عن لوحة ضخمة وردية، دون أي تفاصيل.
الفصل الثاني من المسرحية هو فصل الريادة والتفوق، والعالم الذي يشيد بنا في كل مناسبة وبدون مناسبة، بشهادة صحيفة فرنسية مجهولة تمتدح دوماً أداء الاقتصاد المصري. وتبحث عن تلك الصحيفة الفرنسية حتى تطمئن بنفسك على الأحوال، فتجد أنها صحيفة حائط في المدرسة التجارية الفرنسية بالظاهر. وبينما يشيد العالم بأدائنا المتميز، ولا ينام الليل من فرط حلاوتنا التي هي "زايدة حتة"، باعتبار أن الجريدة (الفرنسية) تصدر الساعة (ستة)، وبينما تحسدنا الصحيفة على الريادة التي لا مثيل لها، يصطدم الشعب بالواقع المرير، والأصفار التي نحصل عليها في كل مجال بجدارة وامتياز، حتى أصبحت تلك الأصفار مثل لعنة شريرة تطاردنا باعتبارنا من سلالة الفراعنة. وطوال هذا الفصل، تسطع أدلة الريادة في خلفية المسرح، التي تزدحم بمقتطفات من الصحف القومية التي تؤكد تفوقنا الملحوظ، بشهادة الخواجات الأجانب. والموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي أغنية تتحدث عن فضائل الاستقرار، ومثالب التغيير الذي لا يعلم أحد ماذا يمكن أن يأتي من ورائه، من باب أن "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش".
الفصل الثالث من المسرحية هو فصل "الاستثمار"، تبدأه حكومة الحزب الوطني بالتغزل في المستثمر، وغوايته بالامتيازات والإعفاءات والوعود لجلب أمواله. وما أن يأتي المستثمر المسكين بأمواله، حتى تطالبه الحكومة بقائمة من المستندات والتراخيص والتصاريح والموافقات، فيجتهد المستثمر في الحصول عليها إعلاء للشرعية وسيادة القانون، ويصطدم أثناء ذلك بالأدراج المفتوحة ونصف المفتوحة، والقرارات العشوائية المتلاحقة، وعدم سداد مستحقاته إن كان مورداً للحكومة، ثم ينتهي الفصل بالملاحقة البوليسية عندما يتعثر المستثمر المسكين ويصيبه الإفلاس، فيسجن أو يهرب خارج البلاد، وينتهي الفصل بخلفية ضخمة، تزينها أسماء المستثمرين بعد وضعهم على قوائم ترقب الوصول، والموسيقى التصويرية تنقلب من موسيقى رومانسية حالمة في البداية، إلى موسيقى رعب، ثم تنتهي بأصوات سارينة سيارات الشرطة، وصوت لطم وشق الهدوم، ونواح المستثمر وأسرته لحظة القبض عليه.
وهناك المزيد من الفصول مثل فصل الرعاية الاجتماعية، وهو فصل فعلاً لأنه ينتهي بنهب أموال التأمينات، وفصل انتشار الخدمات الصحية، الذي ينتهي بوفاة المريض بسبب عدم توفر الدواء، وفصل التنمية البشرية وتميز التعليم الحكومي الذي ينتهي بفاصل من التلقين في أحد الدروس الخصوصية، ثم مشهد لشباب يجلس على الرصيف نتيجة للبطالة المتفشية والمحسوبية في التعيين. أما الفساد والبيروقراطية، فلا يوجد لأي منهما فصل خاص، لأنهما يتجولان في أرجاء المسرح جيئة وذهاباً طوال الوقت وأثناء كل الفصول، ثم ينزلان من على خشبة المسرح، ليقوما بتقليب المشاهدين المساكين وشق جيوبهم بالأمواس والمشارط علناً، ويضحك المشاهدون باعتبار أن هذا هو جزء من المسرحية، رغم تأكدهم من استحالة عودة أموالهم إليهم، ويتذكرون فصل توظيف الأموال اللطيف، الذي انتهى بتوزيع "الحلل" البلاستيك على المشاهدين تعويضاً لهم عن مدخراتهم، بينما ازدانت الخلفية بأسماء كبار المسئولين فيما عرف بكشوف البركة.
وأثناء فصول المسرحية، ولأن الموضوع تمثيل في تمثيل، تتظاهر الحكومة بتقديم الخدمات للشعب، من تعليم وصحة وأمن وعدل ومرافق، وتعد الشعب بتوظيف أبنائه، وتمنح موظفيها المرتبات والعلاوات. تتظاهر الحكومة بذلك، وفي المقابل، وبعد تمرس طويل، يتظاهر الشعب بأنه يسمع كلام الحكومة ويحترم قوانينها، ويمصمص شفتيه ويهز رأسه تصديقاً لتصريحاتها، وهو يعلم تمام العلم أن تلك التصريحات (فشنك)، وأن تلك القوانين واللوائح قد عفا عليها الزمن ولم تعد تصلح للتطبيق على أرض الواقع، لتستمر المعاناة الشديدة والنفاق الجماعي.
وعندما يتململ بعض المشاهدين ويعلو صوت الشعب بالشكوى، ويصاب البعض بنوبات التشنج العصبي والصرع، تلقي الحكومة على المشاهدين خطبة عصماء كتبها أحد الفطاحل من المبرراتية، فحواها أن المسرحية رائعة دون شك، وأن المؤلف قدير، والمخرج متمكن وعتيد في الفن، وأن السبب في فشل المسرحية في الواقع إنما يقع على جماهير الشعب من المشاهدين، الذين لا يفهمون الحكمة العظيمة والفلسفة الرفيعة التي تكمن وراء فصول المسرحية، ويتسببون بجهلهم في إفساد الحبكة الدرامية، وبكثرتهم وتوالدهم المستمر في استنفاد كل كراسي المسرح، رغم أن معظم صفوف المقاعد خالية ومحجوزة نظراً لدواعي الأمن، وبينما يتزاحم السواد الأعظم من الشعب وقوفاً في الممرات الخلفية الضيقة، يتنافس المحظوظون من محاسيب الحكومة على الجلوس في الصفوف الأخيرة بعد سداد "المعلوم" للمسئولين عن تخصيص المقاعد، وهؤلاء المسئولون يعملون بالطبع لحساب حكومة الحزب الوطني الرشيدة.
ومشاهدة هذه المسرحية ليست بالأمر الاختياري، بل إنها إجبارية، لأن كل المسارح الموجودة في البلاد تعرض نفس المسرحية، وإن اختلف ترتيب الفصول. ويتساءل الشعب عن موعد انتهاء المسرحية وإسدال الستار، فتطمئنه السلطة بأن هناك مسرحية جديدة قادمة في الطريق، تحت اسم "مرحلة جديدة"، أو "صحوة كبرى"، أو "فكر عصري"، وغيرها من اللافتات والأفيشات. وينتظر الشعب على مضض، ولكنه يُصدم عندما تبدأ أي من تلك المسرحيات "الجديدة"، عندما يكتشف أن الممثل واحد مهما تلون وجهه بالأصباغ والأحبار، والمضمون مكرر ممجوج، وإن اختلفت ألفاظ الحوار.
كيف نتخلص من الحصار المفروض علينا من قبل تلك المسرحية التي لا تنتهي؟ هل يمكن أن نخرج من المسرح لنتنفس هواءً نقياً لا يلوثه فساد أو احتكار أو نفاق؟ وفي نفس الوقت، كيف يتوقع المشاهدون أن تنتهي المسرحية بينما هم يصفقون في نهاية كل فصل؟ ورغم أن الشعب يصفق استعجالاً لانتهاء المسرحية، إلا أن الحزب الوطني يأخذ هذا كعلامة أكيدة تدل على أن الشعب سعيد جداً بالمسرحية ولا يطيق انتهاءها، فتصدح أصوات الجوقة بأغاني التجديد والمبايعة. ألم يحن الوقت حتى يطالب الشعب الحزب الوطني بالنزول من على خشبة المسرح ويمنح فرقته التمثيلية أجازة بدون مرتب – أو بمرتب – بشرط أن يستمتع بالراحة بعد احتكار الأداء لعقود طويلة؟ متى نرى اليوم الذي يتقاعد فيه الحزب الوطني ويترك خشبة المسرح؟ أو على الأقل، متى يكتفي الحزب الوطني بمسرح واحد، ويترك باقي المسارح للفرق الأخرى؟
Friday, September 17, 2010
اليوم السابع | تيار مقاطعة الانتخابات ينشط مع انطلاق الجمعية العمومية بالوفد
المقاطعة هي عدم موافقة على قواعد لعبة بدون قواعد يمارسها بافتساد طرف واحد
Monday, September 06, 2010
Reverse Selection 2: Survival for the most Corrupt
الانتخاب العكسي: 2
البقاء للأفسد
مبدأ الانتخاب الطبيعي يقتضي أن يختار المجتمع أصلح عناصره – في كل منظمة ومحفل ومؤسسة سواء حكومية أم خاصة، تجارية أم صناعية أم خدمية – لتشكل هذه العناصر المتميزة النخبة التي تقود حركة المجتمع في صراعه وتنافسه الدائم مع الأمم الأخرى لضمان البقاء والازدهار.
أما عندما يختلط العام والخاص، ويتجاهل المجتمع فكرة التغيير والتطور، وتستشري المحاباة على حساب المصلحة العامة، ويحسب كل مسئول أن الوزارة أو الكلية أو المؤسسة أو الدولة التي يديرها هي عزبة خاصة، يستحق أن يجلس على سدتها حتى آخر نفس، ولا يكتفي بذلك بل يطمع في توريثها لأبنائه من بعده، عندها تصبح الكفاءة والموهبة نقمة على أصحابها، ويصبح الهم الأكبر للمسئولين هو دفن أو تطفيش أصحاب المواهب، ويطرد المجتمع ككل أفضل عناصره لصالح تكريس الواقع ومنع الارتقاء الداخلي للعناصر الأصلح، وتستشري الضحالة والسطحية والسماجة، واللي ماشي حاله، والنص- نص، واللي مش أوي Mediocrity لتحل محل الموهبة والتميز في تبوأ مقاعد النخبة، ومع منع الموهوبين والمتميزين من الصعود لأعلى لا يصبح أمامهم من سبيل سوى التحرك أفقياً للخروج من المنظومة – بالهجرة مثلاً – والالتحاق بمنظومة أخرى تسمح لهم بالصعود لأعلى، مثل فقاعات الغاز التي تجد طريقها إلى سطح الماء في النهاية بصرف النظر عن العوائق التي تقف في طريقها. ومع هجرة النخبة الطبيعية، تنضم لمنظومة مجتمع آخر منافس، فتزداد الهوة النسبية بين المجتمع الطارد والمجتمعات الأخرى.
ومع تمدد مواسير شبكة الفساد وتوصيل الفساد إجبارياً لكل مدينة وقرية ومصلحة ومؤسسة ومنزل، تتطور الأمور – أو تتدهور – ليصبح معيار الانتخاب لأعلى ليس فقط هو الولاء والنص نص أو حتى الضعف، بل أيضاً المشاركة في الفساد والتواطؤ مع المفسدين والموالسة لهم، ويصر شيوخ المنسر على انتخاب العناصر الفاسدة المتورطة "للركب" في مجاري الشبكة، حتى يطمئنوا على قدراتها في التفاسد والمفاسدة والإفساد، مع إمكانية إزاحة تلك العناصر عند اللزوم بإظهار بلاويها المستخبية وإبراز "ملفاتها السوداء المتضخمة"، ويصبح التنافس ليس في الإبداع أو الإنتاج، بل في التزوير والنفاق والتزييف والفساد والإفساد والهبر، ويصبح البقاء للأفسد.
يضعف المجتمع ككل، وتنهار قوته التنافسية في الصراع الدائم مع الأمم الأخرى، وتحل التصفية البشرية مكان التنمية البشرية، ويفقد المجتمع أغلى عناصره، الموهبة الإنسانية الخلاقة التي هي مصدر الإبداع والقيمة المضافة في أية منظومة في المجتمع. ولكن أسوأ ما يصيب المجتمع هو ترسيخ مجموعة من القيم المعكوسة لتحل محل القيم الطبيعية، فالفساد وليس الأمانة يصبح هو مفتاح الترقي، والنفاق والجبن وليس الصدق والشجاعة يصبحان السبيل إلى الصعود، والضحالة وليس العمق والتميز تصبح هي معيار الاختيار. فعندما تكون المكافأة على قدر النفاق الإعلامي، فمن الطبيعي أن من يترقى لأعلى المناصب الإعلامية يكون هو أكبر المنافقين، ونظرة واحدة على الصحف "القومية" وأسماء القائمين عليها تصيبك بالذعر، وكذلك عندما يكون الهدف هو تزييف الانتخابات والعملية السياسية ككل لتكريس سيطرة نظام ما على الحكم لأطول فترة ممكنة، فمن الطبيعي أن الذي يصل لأعلى المناصب هو أعتى المجرمين في التزوير والبلطجة، محاطاً بحاشيته من البصاصين والمتخصصين في شراء الأصوات والذمم والتلاعب في العملية السياسية واختراق الجامعات والنقابات والصحف والجمعيات والأحزاب. ما هو الدرس الذي يعطيه هذا لأفراد المجتمع وللأجيال القادمة؟ أن الكذب والنفاق، والتزوير والتزييف، والاختلاس وسوء استغلال السلطة وهبر أراضي الدولة ومؤسساتها، هي القيم التي يجب أن يتحلى بها الشاب الشاطر الذي يبتغي النجاح، فمع فساد أهداف المجتمع، تفسد عملية الانتخاب الطبيعي لتعكس هذا الفساد، ويظهر الانتخاب العكسي، ومن هنا يتضح أن الفساد لا يقتصر على الرشوة أو المحسوبية أو غيرها من المظاهر الساذجة، بل إن الفساد يتسع ليضرب جذوره في أعماق المجتمع ملوثاً ضمير الأمة، ليشوه القيم والسلوكيات والأهداف والمرجعيات، والنفوس والممارسات، ويفسد طبيعة التعاملات ومنطق الأشياء والقوانين التي تحكم نتائج التفاعلات الاجتماعية.
هذا هو منطق الانتخاب العكسي، فبدلاً من أن يسود المجتمع منطق البقاء للأصلح، ينقلب منطق الحياة ليصبح البقاء للأفسد، والصعود والترقي للأفسد، وهكذا. وبالتالي، بدلاً من أن يتطور المجتمع طبقاً للقوانين الطبيعية، يتدهور ويتراجع للوراء في كل المجالات، ومهما حاول أي شخص أن ينظف شقته من الداخل، فما دامت بسطة المنزل المشتركة تصخب بالزبالة، فلا يمكن الهروب من القذارة والعطانة والمرض والفشل العام.
من هنا نكتشف أن مبدأ الانتخاب ليس مجرد آلية سياسية، يمكن أن نتنازل عنها مجاملة لحاكم أب أو ابن، بل هو مبدأ فرضته قوانين الطبيعة، وعندما نقف في وجه الطبيعة، ونختار أن تحل المحاباة (المشتقة فساداً من الحب) محل الانتخاب الطبيعي، نضر أنفسنا وأبناءنا وجميع من نحب، لأنه في ظل وجود صراع وتنافس دائم بين الأمم اقتصادياً وتقنياً وثقافياً وسياسياً، نخوض نحن معركة خاسرة مقدماً، بينما تقودنا أسوأ وأفسد عناصر المجتمع نحو الهزيمة الحتمية، ولا يجب عندها أن نندهش عندما تنهمر علينا الأصفار والكوارث والهزائم وحالات الفشل العام والخاص.
والآن: هل من سبيل للخلاص من هذه اللعنة وكسر هذه الدائرة الحلزونية الهابطة؟
وائل نوارة
المصري اليوم 6 سبتمبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/13765