السياسات الاقتصادية المطلوبة محلياً
ورقة مبدئية مقدمة للمناقشة ولم تقر بعد بصورة نهائية من الحزب
اهتم حزب الغد منذ بداياته في عام 2003 بالبرامج الاقتصادية التفصيلية بهدف التنمية الشاملة، ورفع مستويات دخول المواطن المصري في كافة أرجاء الوطن، وجاء البرنامج ليوظف المزايا التنافسية للاقتصاد المصري، والخصائص المتفردة للثقافة المصرية والمواطن المصري، والموقع العبقري لمصر، ويزاوج كل هذا بالفرص المتاحة محلياً وإقليمياً وعالمياً، باعتبار أنه لا يوجد اقتصاد يستطيع أن يعمل بمعزل عن الاقتصاد العالمي المتشابك.
فلسفة البرنامج الاقتصادي القائمة على مبادئ الطريق الثالث
وجاءت فلسفة البرنامج الاقتصادي لحزب الغد ليبرالية في جوهرها، وتبنى البرنامج مبادئ "الطريق الثالث" منهجاً له، ليوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، يشجع المبادرة الفردية والجماعية، والحرية الاقتصادية للأفراد والشركات في العمل والكسب الشريف دون احتكار، مع وجود دور قوي للدولة في الإطار التالي:
- الدولة تعمل كميسر تشجع الوصول للاتزان الطبيعي في السوق من خلال وضع السياسات التحفيزية والضريبية والمالية والائتمانية الرشيدة
- تشجيع التنمية والاستثمار في القطاعات التي يمكن أن تكتسب مزايا تنافسية إقليمية وعالمية
- تشجيع التنمية والاستثمار في المناطق الأقل حظاً للوصول للعدالة الاقتصادية بحيث لا تتركز في منطقة بعينها (مثل القاهرة أو الاسكندرية وما حولهما، بل امتداد التنمية في الصعيد والدلتا بل والمناطق النائية، اعتمادا على الخصائص المتميزة لتلك المناطق)
- توفير الرعاية الاجتماعية والوصول لشبكة ضمان اجتماعي متكاملة
- العمل على تكافؤ الفرص من خلال إتاحة التعليم والتدريب لكافة أبناء الوطن
- تشجيع الحراك الاجتماعي الدائم
- وضع سياسات وقوانين وأجهزة تنظيمية تضمن حرية المنافسة وحيويتها، لمحاصرة الاحتكار
- تنمية القدرة التنافسية للاقتصاد المصري من خلال إزالة المعوقات البيروقراطية ورفع معدلات أداء الأجهزة الحكومية المختصة بالترخيص والرقابة والتنظيم وأجهزة الضرائب والجمارك وغيرها، والتخلص من "المصاريف الخفية"، والوصل لمعدل استقرار للسياسات مع إعلان الخط الزمني للسياسات المستقبلية بصورة تقريبية لتسهيل عملية التخطيط الاقتصادي للشركات والأفراد
- تنقية التشريعات الاقتصادية والوصول لآلية رشيدة في وضع تلك القوانين بالتعاون مع القطاع الأهلي بعيداً عن تزاوج السلطة والثروة
- الوصول للعدالة السريعة في القضايا الاقتصادية لترسيخ مبدأ سيادة القانون وحماية الملكية الخاصة والعامة
تشجيع قيام مؤسسات مختصة بمعلومات الأسواق والجدارة الائتمانية للأفراد والشركات وخدمات تأمين ضمان مخاطر الإئتمان وشركات التسويق الدولي وغيرها من مؤسسات البنية الأساسية الاقتصادية
فك التزاوج الفاسد وغير الشرعي بين السلطة والثروة واستغلال النفوذ في التربح غير الشرعي والقضاء على فساد الإدارة - الاندماج الطوعي للقطاعات الاقتصادية غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي من خلال الحوافز الاقتصادية
تشجيع المشروعات الصغيرة بآليات مستحدثة تضمن توفير عوامل النجاح في التسويق والتوزيع لتلك المشروعات وليس فقط من خلال التمويل - تشجيع ربط الصناعة بمراكز البحث العلمي ووضع الحوافز الإيجابية للشركات لتعظيم القيمة المضافة والبحوث والتطوير والاستثمار في التسويق الدولي والموارد البشرية ونظم المعلومات والنظم اللوجيستية
- تحجيم الاستثمار في اقتصاد المضاربات سواء في العقارات أو في أسواق المال، من خلال وضع ضوابط للإقراض في المشروعات العمرانية التي تزيد عن الاستيعاب الاستهلاكي للاحتياجات السكنية والسياحية
- توعية المجتمع المصري بفكر الاستثمار والتنمية، وأن أفكار العائد المرتفع والكسب السريع تقوم على منهج المضاربات وليس الإنتاج الحقيقي وتتسم بقدر ضخم من المخاطرة حيث تنهار اسواق المضاربات بصورة دورية نتيجة أن التضخم الحادث فيها هو تضخم يقوم على طلب المضاربين وليس على طلب المستهلكين، وخاصة مع إقبال المواطنين المصريين بصورة تقليدية وتاريخية وثقافية على الاستثمار العقاري في مشروعات تزيد بكثير عن الطاقة الاستيعابية لسوق السكن والسياحة
أسباب الأزمة المالية العالمية
وقد نشأت الأزمة المالية العالمية نتيجة للتوسع في الإقراض لتمويل شراء العقارات. والملاحظ أن البنوك والمؤسسات المالية المقرضة، توسعت في الإقراض بسياسات غير رشيدة، تمنح القروض لأفراد وشركات لا تستطيع الوفاء بالتزامات سداد مثل تلك القروض، باعتبار أن المقرض لديه رهن بالعقارات المشتراة، كضمان للقروض الممنوحة.
ولكن الضمان الحقيقي لأي قرض هو التأكد من قدرة المقترض على السداد وليس القيمة السوقية للأصل العقاري أو حتى الصناعي، لأن مثل تلك القيمة قد تتضخم نتيجة لزيادة الطلب من المضاربين، كما أن المقرض في صناعة المال وليس في صناعة الاستثمار العقاري، وبالتالي هو يحتاج لسريان التدفقات المالية الناشئة من سداد أقساط القروض والفوائد عليها، وليس وضع يده على عقارات لا يمكن تسييلها إلا باسعار أقل بكثير من قيم القروض الممنوحة عند يأخذ السوق المنحنى الهابط نتيجة لعجز المقترضين عن السداد واضطرار المقرضين لبيع العقارات المرهونة لتسييل أصولهم والوفاء باحتياجاتهم التشغيلية النقدية واستمرار العجلة الاقتصادية لمؤسساتهم المالية التي تحتاج إلى السيولة في صورة عملات سائلة وليس عقارات وغرف نوم وحمامات مثلاً.
وعلى سبيل المثال، يمنح البنك قرضاً بقيمة 400 ألف دولار لمقترض يريد أن يشتري عقاراً، ولكن المؤشرات المبدئية تدل على أن المقترض لا يستطيع الوفاء بأقساط القرض، غير أن البنك يتظاهر بأنه مطمئن لأن لديه رهن على العقار، وأن القيمة السوقية للعقار وقت الإقراض كانت مثلاً 450 ألف دولار، أي أكبر من قيمة القرض.
ولكن ماذا يحدث عندما يعجز المقترض عن السداد؟
يستولى البنك على العقار، ومع تكرر الأزمة مع قطاع كبير من المقترضين، يجد البنك المقرض وبنوك كثيرة مثله يجدون أنفسهم وقد وضعوا أيديهم على كم ضخم من العقارات ولكن ليس لديهم سيولة تفي باحتياجاتهم النقدية التشغيلية، فيندفعون جميعاً في وقت واحد لبيع الأصول العقارية للحصول على السيولة النقدية اللازمة لتشغيل أعمالهم وسداد رواتب الموظفين لديهم والوفاء بالتزاماتهم المالية، فيرتفع العرض في العقارات، بينما الطلب ضعيف لأن أغلب الملاك يريدون البيع والتسييل، فتنخفض أسعار العقارات بصورة حادة، وينخفض السعر السوقي للعقار الذي رأيناه في المثال من 450 ألف دولار إلى 150 ألف دولار مثلاً.
هنا البنك يكون قد قدم قرضاً قيمته 400 ألف دولار، مقابل عقار ثمنه في هذه اللحظة 150 ألف دولار، أي أن هناك 250 ألف دولار قد تبخرت في هواء المضاربات العقارية، أي أن 5/8 أو 62.5% من قيمة أصول البنك قد اختفت وليست موجودة فعلياً في المثال الذي رأيناه.
الحلول المقترحة
والحل هنا يكون باتباع السياسات الأئتمانية الرشيدة:
- الضمان الحقيقي لأي قرض هو قدرة المقترض على السداد
- على قدر استطاعة المقترض على السداد يكون حجم القرض بصرف النظر عن قيمة الضمان أو العقار المرهون
- فرض ضرائب عقارية إضافية على الاستثمار العقاري غير المنتج (أي الذي لا يستخدم في السكن أو الإيجار أو السياحة لأنه اصل غير منتج).
- التوعية المجتمعية إعلامياً وتعليمياً بأن المضاربات في النهاية لا تخلق قيمة مضافة حقيقية بل تقوم بخلق قيمة وهمية يستفيد منها البعض لحظياً ثم لا يلبثوا أن يخسروا ويخسر المجتمع ككل أكثر من القيمة الإضافية في صورة فقدان الثقة في الاقتصاد
- التوعية المجتمعية إعلامياً وتعليمياً بأن أوهام الكسب السريع ليست حقيقية وإنه فقط غرس البذور يمكن أن ينتج الثمار في وقت تحدده دورة الطبيعة، وأن معدلات الربح المرتفعة تقابلها بالتأكيد معدلات مخاطرة مرتفعة
- تحجيم المضاربات بسياسات نقدية وبنكية وائتمانية وضريبية رشيدة
- تشجيع الاستثمار في مجالات القيمة المضافة الحقيقية
تحذير من دعاة الردة الفكرية
وفي نفس الوقت، لابد أن نحذر من أن أعداء الطبيعة والزمن، يبتهجون في مثل هذه الأزمات التي رأينا مثلها من قبل بمستويات مختلفة من الحدة، واستطاع الاقتصاد العالمي الحر أن يتجاوزها عدة مرات من قبل بما فيه من آليات التصحيح الذاتي. ودعاة الردة الفكرية في مجال السياسات والمناهج الاقتصادية، يظنون أن هذه الأزمة المالية العالمية يجب معها أن نتحول من الاقتصاد الحر إلى رأسمالية الدولة حيث تتملك الدولة كافة وسائل الإنتاج، وهو ما ثبت فشله التام مع انهيار اقتصاديات عشرات الدول وإفلاسها، وإنما تدخل الدول الآن يكون بصورة مؤقتة، لعلاج الأزمة واستعادة الثقة في الأسواق والمؤسسات المالية، وتكفيراً عن تواطؤ الحكومات بالصمت عن السياسات الائتمانية الخرقاء، وأن العلاج يكون بالتشجيع الدائم للوصول لاتزان ديناميكي للسوق من خلال السياسات التحفيزية والنقدية والضريبية والإئتمانية، ومن خلال التوعية المجتمعية، ومن خلال تحجيم المضاربة الزائدة وعقاب التلاعب والتواطؤ بسوء نية، وأن تدخل الدولة بتملك الأصول الإنتاجية يكون فقط في اضيق الحدود وبصورة مؤقتة بهدف تنظيمي بحت.
إن آليات السوق كفيلة بتصحيح نفسها أولاً بأول، وإنما يأتي تدخل الدول والحكومات بهدف المساعدة للوصول لأوضاع الاتزان الطبيعية التي تتسم بالاستقرار الديناميكي وليس محاربتها، وتقصير فترة الوصول لاتزان السوق، وتقليل الفاقد العالمي في الفترات الانتقالية، ودعم الثقة في الأسواق والمؤسسات المالية لتجنب حالات الذعر التي يمكن أن تطيح بجزء كبير من التراكم الراسمالي كنتيجة لاهتزاز الثقة وليس كنتيجة لأي أوضاع مالية حقيقية.
No comments:
Post a Comment