Friday, April 30, 2010
Torch the Opposition 2 ? o.o.o
Saturday, April 24, 2010
Shooting Demonstrators
Monday, April 19, 2010
Boycott Meat
Friday, April 16, 2010
To be Zamalkawy
Ahly vs. Zamalek, Everything is Possible
************
* لكل الإخوة الزملكاوية اللي نفسهم فريقهم يكسب في ماتش النهاردة. أحسن طريقة عشان فريقك يكسب النهاردة إنك تبقى أهلاوي
* لو لسه زملكاوي، ومش عاجبك الحل اللي فوق، ولسه نفسك فريقك يكسب في ماتش النهاردة. تاني أحسن طريقة عشان فريقك يكسب النهاردة إنك تتفرج على لقاء موسم 66/67 بين الفريقين حيث تفوق الزمالك بهدف أحرزه عمر النور الله يمسيه بالخير
Sunday, April 11, 2010
Judge Yehia Refaei Dies
Saturday, April 10, 2010
Political Jungle
Privatization, between Reform and Corruption
نموذج الخصخصة المصري
إصلاح اقتصادي أم إفساد سياسي؟
من أشنع الخطايا التي اقترفناها في مصر، هو أسلوب الخصخصة الذي أعطى لاقتصاد السوق اسماً بغيضاً وسمعة كريهة وسط الشعب المصري، بما يحتاج لأعوام طويلة لتصحيحه. من يقرأ الصحف المصرية يلمس في كل سطر كما ضخما من الريبة تجاه اقتصاد السوق، وكراهية ومقتا شديداً للعمل الحر ورجاله، "رجال الأعمال". من يقرأ الصحف المصرية لابد وأن يتصور أن سكان المحروسة هم شعب من الموظفين، يؤمنون بضرورة امتلاك الدولة لوسائل الإنتاج، وأنه عليها (أي الدولة) تشغيل قوة العمل بأكملها في القطاع العام أو الحكومي. من يطالع البرامج التليفزيونية لابد وأن يظن أن شعب مصر بأكمله يعتنق الشيوعية ولا يؤمن بالعمل الحر أو المبادرات الفردية. من يتابع الفضائح المتتالية لابد وأن يظن أن من يتصدون للعمل الحر في مصر هم طغمة فاسدة مفسدة لا هم لها سوى اختلاس قروض البنوك أو تسقيع الأراضي أو الزواج بالراقصات والمغنيات ثم قتلهن فيما بعد.
لا يوجد أبعد من ذلك عن الحقيقة:
- رغم أن مصر بها أكثر من 6 مليون موظف يعملون لدى الحكومة، إلا أن نسبة غير بسيطة من هؤلاء يمتهنون مهناً أخرى موازية، يستكملون بها دخولهم الهزيلة. ملايين المصريين يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، وهو بطبعه غير حكومي، اقتصاد حر.
- ملايين آخرين يعملون في القطاع الخاص - غير الحكومي.
- علاوة على 4 مليون مصري يعيشون بالخارج، خارج مصر وخارج المنظومة الحكومية بكل أبعادها.
- بينما يبحث الكثير من المصريين عن الأمان في تراب الميري، إلا أن هؤلاء وغيرهم أيضاً يحلمون بأن يفتح الله عليهم أبواب الرزق من خلال "مشروع" خاص صغير، محل أدوات كهربائية أو مكتبة صغيرة، أو ميكروباص أو تاكسي يقومون بتشغيله، إلخ.
جاء برنامج الخصخصة المصري كأحد أهم أعمدة برنامج الإصلاح الهيكلي في الاقتصاد. فبعد عقد من النمو الاقتصادي عقب إعلان سياسة "الانفتاح"، بدأ الاقتصاد المصري يدخل في مرحلة من الركود، وتصاعد نزيف الخسائر لشركات القطاع العام – المملوكة للدولة – حتى وصلت الخسائر السنوية إلى 40% من الناتج القومي المحلي، وهو رقم فلكي بكل المقاييس!
وفي بداية حكمه، اتجه الرئيس مبارك للتراجع عن سياسة سلفه السادات الذي اغتيل وسط جيشه بينما جلس مبارك على بعد سنتيمترات قليلة منه. وجاء هذا التراجع نتيجة لتغلغل الفكر الماركسي وسط الصحفيين ورجال الإعلام و"المثقفين" المصريين، فشاع استخدام تسمية أحمد بهاء الدين "انفتاح سداح مداح" أي انفتاح بدون ضابط ولا رابط، ليعبر عما رآه البعض من تضخم "طفيلي" في ثروات البعض الآخر، رغم أن مصر مشت في مسيرة الإصلاح الاقتصادي والعودة لاقتصاد السوق بسرعة بسيطة تقترب من الصفر. وأقول "العودة" لأن مصر لم تعرف سوى اقتصاد السوق حتى منتصف الخمسينيات، عندما بدأت حكومة "الثورة" سياسة التأميمات وترسيخ سيطرة الدولة – أو النظام – على النشاط الاقتصادي تدريجياً.
في واقع الأمر، أن برنامج الخصخصة كان تصحيحاً لجرائم ارتكبت في حق الشعب باسم الشعب من خلال مصادرة الملكية الخاصة تحت شعار التأميم، وهو شعار مضلل، يوحي بملكية "الأمة للمنشآت، رغم أن الملكية كانت للنظام وليست للأمة وشتان بينهما، من خلال تعيين أعوانه وصنائعه ليتقلدوا مناصب الإدارة، مكافأة على ولائهم، وكأن البلد عزبة خاصة. ليسيطر عديمو الخبرة والتأهيل والموهبة الاقتصادية على إدارة مشروعات تجارية وصناعية ضخمة. جرائم أخرى جاءت تحت اسم مبادرات فاشلة من عينة مبادرة الألف مصنع، والخطط الخمسية للاقتصاد الموجه، فيما عرف بالتوجهات الاشتراكية للستينيات، بينما في التطبيق العملي، فإن تلك الإجراءات نتج عنها وضع احتكاري لرأسمالية الدولة، حيث احتكر النظام بصفته مالكاً ومديراً لتلك المؤسسات الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية، والبنوك والتأمين والمقاولات والخدمات الصحية، مما أدى لقتل المنافسة. وفي ظل الاحتكار وغياب المنافسة، تنعدم الدوافع للتحسين والتجويد والتطوير، فانهارت الكفاءة، ومات الإبداع، وتوقفت عجلة التطوير، وضمرت بل اغتيلت روح المبادرة الفردية والجماعية.
بعد أعوام طويلة من خداع النفس والتغني بإنجازات التصنيع من الإبرة إلى الصاروخ، استيقظ النظام على شبح الإفلاس وهو يدق أبواب مصر بقوة في منتصف الثمانينات. فقد تحالفت عدة عوامل لفشل القطاع العام:
- عمالة زائدة – بطالة مقنعة – بنسبة تصل إلى 10 أضعاف العمالة المطلوبة نتيجة لتوجهات سياسية بتشغيل الجميع بصرف النظر عن فرص العمل الحقيقية التي يتم خلقها.
- إدارة فاشلة من أهل الثقة سواء من الضباط المتقاعدين أو غيرهم من بطانة النظام وأقارب المسئولين وأصهارهم.
- جودة متدهورة وبعيدة عن المواصفات العالمية أو متطلبات المستهلك – ذلك لانعدام الفكر التسويقي وسيطرة فكر الإنتاج، الذي قد يناسب مرحلة النقص الحاد في العرض - بصرف النظر عن الجودة.
- اصطدام الجودة المتدهورة بسلع مستوردة أو محلية من إنتاج مصانع القطاع الخاص ذات جودة أعلى.
- خسائر متراكمة نتيجة للفساد وعدم قدرة المنشأة على التحكم في السعر في ظل التسعير بقرارات سيادية.
- استشراء الفساد والمحسوبية ونهب المال العام دون محاسبة في ظل مسئولية النظام عن القرار حيث تتوه مسئولية القائمين على إدارة المؤسسات فيسهل نهب المال العام.
- التخلف التكنولوجي.
- ثبوت دخول العاملين وعدم تناسبها مع مستجدات السوق ومعدلات التضخم، جعل تلك الدخول هزلية ولا يمكن أن تشكل مقابلاً عادلاً للعمل الجاد، كما أن انخفاض الدخول يشجع العامل الجيد على ترك العمل ويصعب من عملية اجتذاب وتعيين المواهب الجديدة.
- غياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة، وعدم قدرة الإدارة على ردع أو فصل أي عامل.
ورغم فداحة آلام النزيف الاقتصادي والمجتمعي لسنوات طويلة، ووضوح المرض، وإدراك الكثيرين بحتمية العلاج، إلا أن مساحة المحرمات وعملية الهيكلة الذهنية نحو أقصى اليسار والتي تمت على الضمير المصري خلال فترة الستينات من خلال زيف الخطاب السياسي الرومانسي، وتدليس إعلام "الإرشاد القومي"، وتزييف الوعي من خلال أكاذيب المناهج والعملية التعليمية، جعلت المجتمع في حالة من الإنكار التي تجسدت في عبارات مثل "لا مساس بالقطاع العام" و"القطاع العام هو عماد الاقتصاد الوطني"، إلخ. وفي نفس الوقت، جاءت مقاومة الإصلاح من كل الجهات، في شهادة مؤسفة على نجاح خطة النظام في إفساد الشعب "لضمان ولاء المجتمع" من خلال ربط مصالح الملايين بوضع فاسد يسيطر فيه النظام على كل أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال إفساد العلاقات والقوانين الطبيعية مثل :
- التركيز على بناء المصانع والإنتاج الكمي (وليس أن السوق والاستهلاك يقودان الإنتاج وأهمية الجودة)
- الحوافز تتناسب مع كم الإنتاج أو المخزون (وليس مع الأرباح أو المبيعات)
- الولاء هو معيار التعيين والترقي (وليس أن الكفاءة هي معيار الترقي وأن رؤساء الشركات يتم تعيينهم من خلال الجمعيات العمومية بناء على تحقيق مصالح حملة الأسهم)
- وظيفة مدى الحياة (بدلاً من ضرورة العمل حيث أن عدم العمل يؤدي إلى الفصل من العمل)
- التعيين يتم بناء على عدد الخريجين (وليس لسد الاحتياجات الفعلية للشركات والمؤسسات)
ومع استئصال السياسة من نشاط المجتمع، وغياب المساءلة والمحاسبة، وانعدام فرص تداول السلطة أو المنافسة على الحكم، في ظل الاحتكار السياسي لحزب واحد، تغلغل الفساد في كل شيء وتسلل للعقل الجمعي المصري، فكبار الموظفين سيطروا على شركات القطاع العام واعتبروها مثل العزب لهم ولأسرهم وأصدقائهم ومحاسيبهم فيما وصفناه تحت عنوان "عزبنة الدولة"، فكان من الطبيعي أن يقاوموا الإصلاح أو الخصخصة، وبينما فسدت ثقافة العمل لدى الملايين من الموظفين الذين تعودوا على أن يتقاضوا الرواتب دون أن يعملوا – وعادة ما يعملون في مكان آخر أو يتربحون من مناصبهم بطرق مختلفة – فهؤلاء أيضاً قاوموا الخصخصة بشتى الطرق، لأنهم يعلمون جيداً أن الخصخصة ستنهي الوضع الفاسد الذي يتمتعون به – أو يعانون منه في الواقع باعتبارهم ضحايا وصلوا مع هذه المنظومة لقاع الدرك الاجتماعي والمعيشي، والشعب ككل فسدت مفاهيمه، فأضحت كل أسرة تريد أن يجد أبناؤها عملاً مضموناً – في الحكومة - بصرف النظر عما يقدمونه من قيمة مضافة للاقتصاد، وبدون البحث عن إجابة سؤال هام، عمن سوف يتعين عليه أن يسدد ثمن هذه العبثيات. وفي هذا الجو المسموم حيث فسدت المفاهيم وانعدم منطق الاقتصاد الحقيقي والقيمة المضافة، أخذت وسائل الإعلام تطنطن ضد الخصخصة بحسن أو سوء نية أو من باب النفاق الشعبوي، وتصور للجماهير أن الخصخصة ستتسبب في ارتفاع الأسعار واستيلاء الأجانب أو الفسدة على "أصول" مصر، بدلاً من أن تتناول القضية بموضوعية وتحاول أن تشارك في وضع المعايير اللازمة لصحة وعافية وشفافية عملية الخصخصة المحتومة، في حالة تجسد أعراض مرض الإنكار المزمن، ولا يفوتنا أن نلاحظ اللعنات التي صبها أحد أكبر رءوس النظام على الخصخصة في مجلس الشعب المصري في أبريل 2010، في فاصل تمثيلي متقن، رغم مشاركته الكاملة هو المنتفعين من أصدقائه ومحاسيبه في الفساد الذي منيت به عملية الخصخصة.
ومن هنا يتضح أن الفساد الأول الذي ضرب مصر، كان فساداً في المفاهيم والقيم والتوقعات، في صورة رشوة غير واقعية لجيل، على حساب معاناة الأجيال القادمة، مما جعل الشعب يتمسك بمنظومة فاشلة، ببساطة لأنه لم يخرج مسئول واحد عليه ويعترف بالخطأ والفشل واستحالة تنفيذ تلك اللا متساويات على أرض الواقع، وضرورة تصحيح الأوضاع وإصلاح الأمور.
وبعد استنزاف الاقتصاد المصري لسنوات طويلة في تمويل نزيف خسائر شركات القطاع العام، من خلال القروض والسحب على المكشوف وطبع البنكنوت – مما أدى لمعدلات تضخم خيالية في الثمانينات وصلت لـما يقرب من 20% سنوياً، اكتشفت القيادة العليا أن مصر على شفا الإفلاس، وأن الوضع المختل لا يمكن أن يستمر، كان على النظام أن يقبل في شهور ما رفضه لسنوات، وأن يخضع لشروط البنك الدولي وصندوق النقد، اللذين قبلا أن يقدما المساعدة في برنامج الإصلاح الاقتصادي بشرط أن يكون هناك إصلاح فعلي بصورة هيكلية، بما في ذلك ضرورة وقف نزيف الخسائر وبيع شركات القطاع العام، واستخدام الحصيلة في إعادة هيكلة الشركات الخاسرة تمهيداً لخصخصتها هي الأخرى. وقبل النظام ذلك على مضض لعدم وجود بدائل أخرى، لكنه عجز عن الاعتراف بحجم المأساة، فظل الشعب لسنوات طويلة في حالة من عدم الفهم، كما استمر العمل لعقود طويلة تحت نفس الإطار التشريعي والقانوني القديم لدستور 1971 الذي يتحدث عن القطاع العام بوصفه ركيزة الاقتصاد وعن تحالف قوى الشعب العامل وعن المدعي العام الاشتراكي الذي يراقب السلوكيات الاشتراكية ويضع الخارجين عنها تحت الحراسة!
ومن بين 316 شركة قامت الحكومة بعرضها للخصخصة في التسعينيات، تم خصخصة 133 شركة بالكامل بحلول 2003، بينما خضعت 55 شركة للخصخصة الجزئية، بحصيلة حوالي 3.2 مليار دولار. وذهب حوالي 45% من حصيلة الخصخصة إلى وزارة المالية، بينما استخدم 30% من الحصيلة في تسوية ديون شركات القطاع العام، و18% في تمويل برامج التقاعد المبكر للأعداد الفلكية من العمالة الزائدة، بينما تم استخدام 5% في إعادة هيكلة الشركات. وقد تم بيع حوالي 28% من الشركات من خلال طرح أسهم في البورصة، و26% من خلال البيع لصناديق العاملين، و24% تم تصفيتها من خلال بيع وتسييل الأصول، و22% فقط ذهبت لمستثمرين رئيسيين.
وعلى الجانب الإيجابي، أسهمت الخصخصة في تخليص الدولة من نزيف الخسائر وإنقاذ مصر من إفلاس أكيد كان سيؤدي حتما لمشاكل وخيمة، كما أدت عمليات طرح الشركات في البورصة إلى نقلة نوعية وكمية في البورصة المصرية، حيث ارتفع عدد الشركات المقيدة في البورصة من 700 شركة بقيمة سوقية حوالي 3.2 بليون دولار عام 1991 إلى 1100 شركة بقيمة سوقية حوالي 20 مليار دولار في عام 2003، بمعدل نمو مركب حوالي 3% سنوياً بالنسبة لعدد الشركات، وهو معدل متواضع في النهاية، ولكن بالمقارنة بالركود الذي عانته البورصة المصرية لمدة 40 عاماً، فهو نسبياً معدل جيد، بينما وصل معدل النمو في حجم القيمة السوقية إلى 16% سنوياً وهو معدل ممتاز، وتم احتواء نصف مليون فرصة عمل ضاعت في خلال عملية الخصخصة من خلال التقاعد المبكر وخلق فرص عمل في القطاع الخاص الذي تنامى نصيبه في توفير فرص العمل والناتج القومي.
أما على الجانب السلبي، فقد خسرت الحكومة الرأي العام الذي لم يفهم ضرورة البيع في ظل التأكيدات السابقة باللا مساس، وبأن القطاع العام هو عماد الاقتصاد، لأن القيادة السياسية لم تعترف بشكل صريح بأن النظام ظل يمشي في اتجاه خاطئ لعقود طويلة. كما أحاطت شبهات الفساد بالعديد من عمليات البيع، وعلى سبيل المثال:
- بيع مصنع حديد كبير لمستثمر كان يمتلك مصنع كبير للسيراميك ومصنع صغير للحديد. وهذا المستثمر اشترى في البداية 10% فقط من أسهم الشركة المخصخصة، ويقال بتمويل من بنوك القطاع العام، ثم فجأة يصبح رئيساً لمجلس الإدارة، ويسيطر على أغلبية الأسهم في غمضة عين، ثم يحتكر صناعة الحديد في مصر، وتتزايد أسعار الحديد، ثم تقوم الدولة بفرض حواجز إجرائية مانعة ورسوم إغراق باهظة على الحديد المستورد الأرخص، حتى تمكن "صديقها" المستثمر من استغلال المستهلكين وفرض الأسعار التي تعظم من أرباحه الاحتكارية. وهذا المستثمر يتضح أنه صديق مقرب لأنجال الحكام، ثم يفسح النظام الطريق لذلك الصديق بإزاحة الحرس القديم ليصبح الصديق علاوة على ثروته قيادياً بالحزب الحاكم، ثم يصبح عضواً بمجلس الشعب، ثم مسئولاً عن صياغة قانون غسيل الأموال وقانون منع الاحتكار، ويقوم بتعديل تلك القوانين بما يناسبه، ضد إرادة الوزراء المختصين. فمثلاً كانت الصيغة المقترحة لقانون منع الاحتكار هو إعفاء المبلغ عن حالات الاحتكار من العقوبة، فأصر المستثمر المقرب على خضوع المبلغ للعقوبة – رغم أنف الوزير المختص - وهو ما فسره الكثيرون بأنه يمثل رادع وعقوبة لمن تسول له نفسه الإبلاغ عن جرائم الاحتكار، تمنعه من فضح الممارسات الاحتكارية، لتمكين المستثمر المحظوظ - وأمثاله - من التلاعب بالأسعار كما يشاء والتحكم في السوق لتكديس الأرباح الاحتكارية على ثروته التي يقال أنها وصلت لـ 40 مليار جنيه، ينفق منها بسخاء على أنشطة ولجان الحزب الحاكم، لأنه مهما كان السخاء، فلا يمثل سوى الفتات من حصيلة الأرباح الاحتكارية. كل هذه "الأقاويل" تتردد دون أن يجد الرأي العام من يخرج عليه ويوضح الأمور أو يضعها في نصابها، أو يمنع المستثمر "المقرب" من العبث في تشريعات يفترض أن تقنن أعماله، حيث أن تدخله في صياغتها يحفل بتضارب مخل في المصالح، وعوار مهين بسب التداخل في الأدوار، ومن هنا أتى تعبير "التزاوج غير الشرعي بين الفساد والاحتكارات الاقتصادية والسلطة" الذي انتشر استخدامه ليجسد الغضب الشعبي من هذه الممارسات الفاسدة.
- العديد من عمليات البيع تضمنت أصولاً صناعية تحولت إلى أصول عقارية "بقدرة قادر"، ومن هنا استولى المستثمرون على مليارات الجنيهات من أموال الدولة من خلال الالتفاف على بنود التعاقد عبر استثناءات معيبة ومشبوهة، وكان من الأولى أن تكون هناك فقرات في التعاقد تتيح للخزانة العامة على الأقل الحصول على "جزء" من ريع تحويل تلك المصانع لثروات عقارية في غفلة من الزمن.
كل هذه الأمثلة، مع غياب الشفافية واستمرار المفسدين في أماكنهم يتمتعون بمقاعد الحكم وبالثروات الخرافية التي جمعوها، دون حساب أو عقاب أو مراجعة أو حتى نفي وتبرئة لهم من خلال طرح التفاصيل بصورة شفافة، أدى للسمعة السيئة لعملية الخصخصة في مصر، رغم ما أوضحناه من ضرورتها كحل اقتصادي لمعالجة فساد خطير في العلاقات وفي منطق الحياة كما سبق وأشرنا، وهو الفساد الذي ضرب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر في مقتل لعقود طويلة.
والدرس الذي نخرج به من هذه التجربة، هو أن الإطار السياسي هو الذي يتحكم في مدى نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي، لأن برامج الخصخصة كما أشرنا كانت ضرورية ومطلوبة، ولكن نتيجة لقصور البنية السياسية للمجتمع، وغياب آليات الرقابة والمشاركة والشفافية والمحاسبة والمساءلة، تحولت عملية الخصخصة من عملية إصلاحية إلى منبع ضخم للفساد والإفساد، بما أدى لإفساد المفاهيم وتلويث الوعي المصري بنتيجة خاطئة، وهي أن العيب هو في الخصخصة، بينما أن العيوب الرئيسية كانت في قصور العملية السياسية وفسادها بما أدى لهذه النتائج السلبية في النهاية.
وهنا نتبين زيف إحدى الخرافات التي أطلقتها علينا الحكومات المتعاقبة، وهي أن الإصلاح الاقتصادي له الأولوية، وهي خرافة انتشرت في التسعينات وصدقها الكثيرون للأسف، ونعود هذه الأيام ونسمعها مجدداً في صيغ مختلفة. والأمثلة التي سقناها توضح أن الإصلاح السياسي لابد أن يسير جنباً إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادي إن لم يسبقه، للتأكد من أن الإصلاح الاقتصادي لن يتحول "لنهب" ثم "إفساد" سياسي ثم تلويث في الوعي الجمعي وهو ما حدث في الأمثلة السابقة. لقد نمى القطاع الخاص بسرعة وزاد نصيبه في الناتج القومي من 25% إلى 75% في سنوات قليلة، لكن هذا النمو الهائل لم يواكبه تطوير مكافئ في البيئة السياسية أو التشريعية أو الإدارية أو بنود وآليات الوصول لعقد اجتماعي جديد، فأصبحنا مثل سيارة نصر 1100 نما محركها من 900 سم مكعب إلى محرك 6000 سم مكعب دون أن يتطور الشاسيه أو نظام القيادة والتحكم، بل أن الشاسيه قد استشرى فيه الصدأ، فمالت السيارة المسكينة إلى الأمام وكادت أن تتهاوى بنا جميعاً.
وائل نوارة
"نشرة الإصلاح الاقتصادي" الصادرة عن
المركز الدولي للمشروعات الخاصة
CIPE
مارس 2010
Friday, April 09, 2010
State-owned Media
Wednesday, April 07, 2010
Change, the Egyptian Style
الجمعـية الوطنية:
التغـيير على الطريقة المصرية
في حوار مع مجموعة من الناشطين وقع نقاش حول الجمعية والتغيير والدكتور البرادعي، واعترض البعض أن نضفي صفات القداسة على د. البرادعي فيصبح من ينتقده خائناً وعميلاً.
وأريد أن أقول أنه ليس هناك قداسة ولا يحزنون، كل ما في الأمر هو أن هناك شخص ما - مؤهل و محترم - حظى بلحظة مصرية نادرة من لحظات الاختيار التلقائي والاتفاق غير المرتب - التي جعلتنا جميعاً نفكر في إمكانية تكوين توافق شعبي واسع حول مطالب الإصلاح والتغيير.
هناك أحزاب وفرق سياسية كثيرة من حقها أن تتنافس، ولكن قبل الانشغال بالتنافس، يجب أولاً أن نسعى لبناء ملعب سياسي يسمح لهذه الفرق باللعب والتنافس في ظل قواعد واضحة ونزيهة أو حتى شبه نزيهة.
الجميع يريد أن يلعب - إذن فلينشط الجميع في بناء هذا الملعب - الاستاد السياسي - بدستوره وقواعده، وهذا ما نعنيه بالمرحلة الانتقالية للتحول الديمقراطي، مثل تلك المرحلة تحتاج لتوافق - لا لتنافس - لأنه لا يمكن بناء الاستاد في حالات التنافس.
لا يوجد خلاف تقريباً حول مواصفات الملعب - فمعظم القوى والتحالفات والائتلافات والمؤتمرات والجبهات الديمقراطية ونصف الديمقراطية وحتى ربع الديمقراطية أصدرت من البيانات وأوراق العمل والعرائض والمعلقات فراسخ مربعة، تتشابه في الظاهر من توجهاتها العامة.
لكن يأتي السؤال - من يشرف على بناء الملعب - من يقود عملية بناء الملعب السياسي الجديد؟
وهو سؤال مهم لكن الحظ المصري خدمنا والآن نظن أن الفرصة واضحة، في أن يكون الدكتور البرادعي في المركز من هذا التحالف الوطني من أجل التغيير، لكن بعضنا لا يزال يعافر ويرفض تلك الفرصة، أو يتظاهر إنه مش واخد باله يعني، والخطر هنا أن يتسبب هذا في ضياع فرصة بناء الملعب واللعب والتنافس المحترم - ونستمر في اللعب بنوى ثمار الدوم أو أحجار الطريق حتى تدمى أقدامنا دون تأثير حقيقي.
نعم الظروف خدمتنا – وهذا هو التغيير على الطريقة المصرية – أن تأتي لحظة مصرية صافية ونادرة – ربما من بركة آل البيت والأولياء والقديسين، أو دعاء الأمهات والجدات الطيبين، أو بركات وأسرار تعاويذ الأقدمين، المنقوشة على المعابد وأصداء الترانيم.
حالة مصرية – كادت تحدث في 2005 فاستنكفناها على قائد مسيرة التغيير آنذاك، وسيط التغيير، ولكن في الحقيقة فقد استكثرناها على أنفسنا وليس على الوسيط – فالوسيط ما هو إلا كذلك – وسيلة لتحقيق ما يجب أن يكون، في صورة شخصية قيادية تتمتع بقبول شعبي واسع.
هذا هو التغيير على الطريقة المصرية رأيناه في 1805 ورأيناه في 1919 – تشيع فكرة معينة للتخلص من وضع كارثي وتنتشر بين المصريين كالنار في الهشيم – حتى قبل اختراع الموبايل والإنترنت والتليفزيون والقطار أو حتى الطفطف – وبحسابات تلقائية بسيطة تحدث حالة من الاتفاق العام على شيء ما – وتصبح الحالة في حد ذاتها دافعاً لحدوث هذا الشيء - فيحدث هذا الشيء – البتاع يعني.
رأينا هذه الحالة وعايناها من قبل ولكن البعض ينسى أو يتناسى شكل ولون ورائحة المشهد المصري.
الجمعية الوطنية للتغيير – ما هي إلا كذلك – جمعية – أي وعاء لتجميع الجهود أو القدرات أو الأموال المتراكمة من نقود قليلة.
للمصريين طرق طريفة ومبتكرة للتعامل مع مضائق وضوائق ومضايقات الحياة ومنغصاتها.
فعندما يعجز أصحاب الحاجة (أي البتاع) عن توفير المال الكافي للحصول على البتاع، يجتمع مجموعة من الأقارب والأصدقاء في عملية تعاونية تكافلية طبيعية، هي صورة من صور التضامن الاجتماعي في سبيل أن يحصل كل من المجتمعين – وليس فقط واحد منهم – على حاجته.
البعض – عادة الأكثر احتياجاً – يقبض أولاً، وهذا في الواقع مجاملة لهذا البعض في صورة قرض حسن – أي عديم الفائدة - من الحبايب لهذا الشخص الذي يقبض أولاً.
لكن في الحقيقة الجميع يحصل على نصيبه إن عاجلاً أو آجلاً، فقبض الجمعية يدور إلى أن يأتي على كل شخص دوره فيقبض نصيبه، والبعض يدخل بسهم، والبعض يدخل بسهمين، كل على قدر قدرته واحتياجه، ولكن في النهاية، الخير يأتي على كل فرد في الوقت المناسب – على الطريقة المصرية.
من البديهي أن يلجأ للجمعية من لا يستطيع تحقيق الحاجة (البتاع) وحده أو بإمكانياته الفردية، واللاجئون للجمعية الوطنية للتغيير ومشاركوها، حاولوا كثيراً فرادى أن يحصلوا على البتاع دون جدوى – والآن جاءت هذه الفرصة – وهي ليست فرصة أكيدة – لكن الفرص عادة تتحسن عندما نجتمع على إنجاحها ونتفق على ما يجب عمله لذلك، ثم ننطلق في العمل على تنفيذه بصورة منظمة تتميز بالعمل الجماعي المتناغم.
ومن الطبيعي أن يختلف البعض على الشخص الذي سيناله الخير أو شرف الجهاد وقيادة البناء أولاً، ولكن يجب ألا يفسد ذلك الخلاف فكرة الجمعية، وإلا ضاعت فرصة التجميع على الجميع، فالوطن في الواقع هو الذي سيقبض أولاً. التغيير نفسه هو من سيستفيد، أما بعد بناء الملعب، فليتنافس كل صاحب طموح أو شعبية أو رؤية، فهذه هي وظيفة الملعب، أن يتيح الفرصة لكل متنافس أن يقدم ما عنده، والحكم في النهاية للجمهور وللناخبين، ولكن غالباً سيأتي ذلك الحكم بالخير لكل فريق، وسيحصل في الأغلب كل عامل على ثمرة تقابل أو تقترب مما قدمه من عمل وطني.
وكما نحذر من فساد الجمعية وانهيار الآمال المعقودة عليها نتيجة الخلاف حول من "يقبض أولاً"، فهناك أخطار أخرى أيضاً تعلق بعدم خبرتنا في العمل الجماعي. وليس هناك أقوى في استشعار مثل هذه الأخطار من قراءة ما جاء في مقال د. حسن نافعة - بحسن نية دون شك - في المصري اليوم بتاريخ 4/4/2010 والذي يتنصل فيه من وجود هيئة تأسيسية للجمعية الوطنية للتغيير، ويوحي بتحول الجمعية إلى فرد واحد، هو الدكتور البرادعي، ومن يختارهم الدكتور البرادعي.
يقول د. نافعة، "أن مجموعة النشطاء الذين ذهبوا للقاء الدكتور البرادعى فى منزله يوم ٢٣ فبراير الماضى وأصروا على إعلان قيام «جمعية وطنية للتغيير» ... تصورت أنها - أي المجموعة- باتت تشكل «هيئة تأسيسية» للجمعية، تملك صلاحيات تخول لها بناء الهيكل التنظيمى وتحديد آليات اتخاذ القرار فى الجمعية، غير أن هذا التصور – في رأي د. نافعة - ليس له ما يبرره فى الواقع، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية العملية" ... لأن من وجهة نظره، وجود هذه المجموعة خضع لاعتبارات ظرفية وليس من المنطقي استبعاد آخرين يرغبون في الانضمام للجمعية من الهيئة التأسيسية.
من الطبيعي بالفعل أن تعبر الهيئة التأسيسية للجمعية الوطنية للتغيير عن القيادات الطبيعية لكافة التيارات والأحزاب والحركات الشبابية والنسائية، السياسية والاجتماعية والشعبية، المشاركة في حركة التغيير والراغبة في الانضمام للجمعية، بصرف النظر عمن حضر أو لم يحضر اجتماعاً ما في يوم معين في ساعة معينة في مكان معين، لأنه ليس من المفيد استبعاد أي قوى تتفق على مطالب التغيير من الهيئة التأسيسية للجمعية. وفي نفس الوقت، لا يمكن أن ننكر أن المجموعة التي اتفقت في اجتماع 23 فبراير (ولم أكن من الحاضرين بالمناسبة)، هي نواة الهيئة التأسيسية، لأن القرار بتأسيس الجمعية جاء في تلك اللحظة، بدعوة من هؤلاء الحاضرين، بناء على العديد من أوراق العمل والمداولات في اجتماعات الحملة المصرية ضد التوريث والتي أوصت بأن تتحول الحملة من حملة سلبية ترفض التوريث فقط، إلى حملة إيجابية، بمطالب إصلاحية شاملة، وبحيث تصبح "الحملة المصرية ضد التوريث" لجنة داخل المظلة الجامعة لـ "الجماعة الوطنية للتغيير"، وهو ما تمخض فيما بعد عن الإعلان عن قيام "الجمعية الوطنية للتغيير" في اجتماع 23 فبراير. ثم اجتمع هؤلاء عدة مرات أخرى، مرة في حزب الجبهة، ومرة في حزب الغد، عدا اجتماعات لجان الموقع الإلكتروني، واتفقوا على صيغة بيان الجمعية، وتم طباعة البيان وبدأت حملة شعبية قادها هؤلاء المؤسسون لجمع التوقيعات على البيان في كافة المحافظات، فكيف نأتي الآن ونقول أنه لم تكن هناك جمعية ولم يكن هناك مؤسسين؟
وعندما يأتي الكلام من الدكتور حسن نافعة يكون له وضع خاص ولابد من التوقف عنده، من منطلق الحرص على المصلحة العامة، ومن باب الحب والتقدير للدكتور نافعة في المقام الأول، فهو منسق الحملة المصرية ضد التوريث، واختير في اجتماع 23 فبراير كمنسق الجمعية الوطنية للتغيير، باعتبار أن الدعوة للجمعية الوطنية للتغيير جاءت من أعضاء الحملة المصرية ضد التوريث، وبالتالي قررت الحملة الانضمام للجمعية الوطنية للتغيير بل والاندماج فيها، مثلها مثل جماعات أخرى، دون وصاية أو إقصاء لأي تيار أو مجموعة ترغب في الانضمام طالما وافقت على إعلان المبادئ، لأن الهدف المعلن هو تكوين توافق وطني واسع حول مطالب التغيير، ولا يمكن أن يحدث هذا مع سياسات الاستبعاد والإقصاء.
ليس هناك شك في أن الدكتور البرادعي في موقف يتيح له توحيد القوى المطالبة بالتغيير في إطار الجمعية الوطنية للتغيير، ولكن يجب أن نتحسب من ما يقترحه د. نافعة عندما يقول في نفس المقال:
" أنه من الطبيعي أن يختار البرادعي "معاونيه" وأن يستبعد البرادعي كذا – ..."
فهذا الأسلوب ليس بالتأكيد أسلوب دعاة الديمقراطية والتغيير، فالجمعية الوطنية للتغيير، هي "جمعية"، بين أكثر من جهة، ومن الطبيعي أن يأتي القرار ليعبر عن أعضاء الجمعية ومؤسسيها، وليس من الطبيعي أبداً أن تختزل الجمعية وقراراتها في شخص واحد.
ولكن أخطر ما جاء في مقال د. نافعة هو تعبير "حرية كافية" في سياق "الحتمية التاريخية" مقترناً بضرورة أن نترك الدكتور البرادعي - الذي نحبه ونحترمه - يفعل ما يشاء باعتباره "الوحيد" القادر على كذا وكذا ...، دون الرجوع لشركائه الذين كونوا معه "الجمعية الوطنية للتغيير". توقفت أمام تعبير "حرية كافية" لأنه يعني في السياق دكتاتورية القرار، فحرية الحركة دون ضوابط الالتزام بديمقراطية القرار مع الحلفاء والشركاء، هي حرية حركة تؤدي إلى الانزلاق إلى هوة عميقة من الدكتاتورية والانفراد بالرأي بحجة "تجنب الأخطاء السابقة" وتجنب الهياكل البيروقراطية (أم الديمقراطية؟)، وأقتبس من نص نفس المقال:
"ألا تستدرج «الجمعية الوطنية للتغيير» للعمل وممارسة النشاط وفقا للقواعد التقليدية المفروضة من جانب الحزب الحاكم والتى أدت إلى إضعاف وشل حركة الأحزاب، وإلى إجهاض حالات الحراك السياسى السابقة."
الالتزام بأبسط قواعد العمل الجماعي، مثل استشارة الشركاء والحلفاء واحترام رأيهم، لم يكن أبداً على أجندة الحزب الحاكم كما لا يمكن أن يكون سبباً في إضعاف أو شل أي حركة مؤسسية. دعونا نتذكر أن الضباط الأحرار عندما قاموا بحل الأحزاب وتعطيل الديمقراطية
في 1953 كانت نيتهم حسنة وهدفهم أن يأخذوا "تخريمة" تختصر الطريق لتحقيق التنمية السريعة بعيداً على القيود والإجراءات التي يفرضها العمل الديمقراطي، فكانت النتيجة ما حدث من مصائب وما رأينا من كوارث. وما نستهدفه من إصلاح ليس هو إزالة شخص لنأتي بآخر، لكن أن نكتسب ممارسة جديدة ونقيم عملية سياسية على أسس مؤسسية.
عندما تمت صياغة بيان الجمعية الوطنية للتغيير وبدأت حملة جمع التوقيعات على البيان، جاء البيان من الجمعية وليس من د. البرادعي فقط، وإن كانت الجمعية قد حرصت على تأييد مطالب د. البرادعي، التي لا تخرج عن مطالب باقي القوى الوطنية، فالبرادعي لم يشكل وحده الجمعية الوطنية للتغيير، بل انضم لها مع من انضموا واختاروه ضمنياً في موقع المركز منها، ولكن مركز الدائرة لا يصلح بدون الدائرة، بل يصبح نقطة مفردة مثل غيرها من النقاط.
وحتى لا نفقد هذه الفرصة التاريخية في جدل حول الاعتبارات الظرفية والقانونية، ومن هم في الهيئة التأسيسية ومن هم خارجها، أرى دعوة الجمعية الوطنية للتغيير وكل من يريد أن ينضم لهيئتها التأسيسية للانعقاد في أقرب فرصة، لاختيار هيكل ديمقراطي (وليس بيروقراطي) لعملها لوضع النقاط فوق الحروف والتحسب من مثل هذه السقطات المروعة، حتى لا تؤدي دعاوى حرية الحركة إلى الانزلاق في فخ الفردية والدكتاتورية. السادة الأعزاء، دعونا نتفق على التغيير، وعلى الجمعية، وعلى هذه اللحظة المصرية النادرة، دون أن نفسدها بالاختلاف على من يقبض الجمعية أولاً أو أن نفقدها نتيجة محاولات الاختطاف والانفراد بها، فقوة الجمعية تكمن في التوافق الواسع حولها، وليس الانفراد بها أو إقصاء أعضائها عنها.
وائل نوارة
جريدة الدستور العدد الأسبوعي
7 إبريل 2010
...
Tuesday, April 06, 2010
To Arab Nationalists: Mind the Soft Power
عن القوة الناعمة
حديث إلى الزملاء القوميين
فوجئت ببعض أعضاء التحالفات الوطنية يأتي الآن ويطالب أن نتفق جميعاً على كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدولية والعربية والإقليمية، وعلى فسخ معاهدات كامب ديفيد، قبل أن يكون هناك أي تحالف يهدف للتغيير، فهذا في الواقع يشبه سلوك الحكام العرب، ويضرب فكرة التوافق وفكرة التغيير، وهذه المطالب التعجيزية بالاتفاق على كل شيء مقدماً، هي عكس فكرة الديمقراطية التي تقوم على الاختلاف - ويبدو هذا الأسلوب العقيم وكأنه يهدف لترسيخ فكرة نظام الحزب الواحد.
ما علاقة التحول الديمقراطي في مصر بفسخ معاهدات وقعتها مصر مع أطراف أخرى؟
قضية التحول الديمقراطي لابد أن تركز على بناء ملعب سياسي - دستور يرسخ الحريات والحقوق والمبادئ الأساسية وينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين السلطات وبعضها البعض - هذا هو اتفاق الحد الأدنى.
الملعب الديمقراطي يتيح لكل صاحب رؤية أن يقدم طرحه إلى الناخبين فيما بعد في أي قضايا أخرى خلافية.
من المضحك أن يصبح نقد بعض سياسات عبد الناصر - مع تقديرنا له كزعيم ورمز وطني - دليلاً على الخيانة والعمالة، وكأن المفروض بنا أن نصفق لإلغاء الأحزاب، وتأميم الحياة العامة والصحف، والإعلام والاقتصاد والشركات، والثقافة والكتب والأكاديميا والفكر، واختزال السياسة في حزب واحد - هو جد الحزب الوطني، علاوة على مصادرة العقل وتزييف الوعي المصري، كل هذا لصالح مجموعة من أشباه المثقفين، الذين قادوا مصر لأبشع الهزائم، واستفادت منهم إسرائيل شاكرة، بأن تضاعفت مساحتها 4 أضعاف في عهدهم الميمون.
ثم نأتي لموضوع تصنيف النخبة إلى نصفين، نصف من النخبة النقية المطهرة، ونصف آخر هو النخبة الوسخة المصلحجية، ما هذا الكلام الغريب؟
ليس هناك عيب في أن يعلن كل فريق عن مصالحه ومصالح الوطن من وجهة نظره، ثم تأتي الممارسة الديمقراطية لتصل لاتفاق يحقق قدر من التوافق بين مصالح الوطن بكل طوائفه.
لا أخشى ممن يأتي ويقول هذه هي مصالحي وهذه هي ثوابتي ولن أقبل بأقل من هذا لأنه يعلن عن نفسه وعن أولوياته بشفافية
لكنني أخشى من دعاة الرومانسية ممن يقول ليس لي مصلحة بينما مصالحه مخفية في أجندة سرية
التصنيف لأنقياء وأنجاس، وأنبياء وخونة، وملائكة وشياطين، وليبراليين فوضويين تابعين للغرب، وقوميين معصومين تابعين للرب، هي عملية مؤسفة تتضمن نوعاً من الاستعلاء، عندما يعطي كل منا الحق في إصدار الأحكام على الآخرين وكأنه إله أو شبه إله
هذه بالضبط هي نفس مشكلة نظام عبد الناصر، أنه أراد أن يغتال كل الأفكار والاتجاهات السياسية المختلفة معه، حتى يبقى هو فقط في الصورة بأفكاره، التي لن نصفها بالخيانة أو العمالة لأي جهة، لأننا نؤمن بحسن النية فيما حدث، لكن لابد أن نقول أن فكرة الحكم الشمولي والدولة الإله المتغولة في سلطاتها، واختزال السياسة في حزب واحد، هو ما أدى بنا لهذا الوضع المؤسف الذي نحن فيه الآن.
لابد أن نستيقظ ونترك هذه الممارسات الغريبة إذا أردنا العمل الجماعي بين أطياف مختلفة التوجهات.
لا خلاف حول أن الكيان الإسرائيلي لم يتوقف يوماً عن التهام الأرض العربية والحقوق العربية، وهو السبب الرئيسي في إعاقة التقدم في مصر وباقي دول المنطقة. وإسرائيل لا تخفي ايضاً مشاعرها نحو مصر، التي يفترض أنها ترتبط معها بمعاهدة سلام، والدليل على ذلك الجهد الحثيث الذي بذلته إسرائيل على مدى عقود في التغلغل في القارة الأفريقية، وبالذات في دول حوض النيل، لتضع شرايين الحياة في مصر تحت رحمتها، أو الجهد الذي يبذله اللوبي الصهيوني في أمريكا، في دعم حسني مبارك وجمال مبارك، لعلمهما أن أي تغيير ديمقراطي يصب في مصلحة مصر، وليس بالتأكيد في مصلحة إسرائيل، وأن أي حكومة منتخبة ستضطر إلى احترام مشاعر المصريين والتعامل مع إسرائيل بأسلوب آخر يرضي مشاعر الناخبين على أقل تقدير، وتحليل موقف اللوبي الصهيوني في أمريكا واضح في محاربة جميع قوى التغيير الديمقراطي في مصر وهذه أمور ثابتة وواضحة لكل ذي عين.
وهناك استراتيجيات عديدة للتعامل مع هذا السلوك الإسرائيلي العدواني.
الاستراتيجية الأولى
أن يهب الرجل المريض ليزود عن أرضه وعرضه ويحمي بيته وعائلته، وتأخذه النخوة والحماس فيخرج مقاتلاً، وهو مريض، جاهل، وضعيف، بيته مفكك دون رؤية أو قيادة، ومثلما حدث معه من قبل في كل مواجهة، يسحق مرة أخرى بهزيمة مروعة، ليس هذا فحسب، بل أن الغاصب يذرف دموع التماسيح، شاكياً مولولاً للعالم كله من "عدوان" جاره المفتري، فيتعاطف العالم مع الآلة الإعلامية للغاصب، وضغوط اللوبيات السياسية، وتكون المحصلة هي فقدان المزيد من الأراضي والحقوق، بحجة أن الغاصب اكتسبها وهو في حالة دفاع مشروع عن النفس، ويبدأ الرجل المريض جولة جديدة في تفاوض ذليل آخر، بجراح جديدة مثخنة، وآلام متزايدة، وعزيمة خائرة، وبيت اشد تفككاً عما قبل، فيفقد المزيد من حقوقه التاريخية في سبيل الحصول على أي شيء، وتتكرر الدورة دواليك.
وقد جربنا هذه الاستراتيجية على مدى عقود طويلة حتى تضاعفت مساحة مزرعة الغاصب 4 أضعاف، وأوشك الرجل المريض على الهلاك.
الاستراتيجية الثانية
أن يلتفت الرجل المريض لصحته أولاً، ويعالج أمراضه، وينظر داخل بيته، فيصالح امرأته وأهله وإخوته، ويسترد أبناءه، ويعلمهم ويربيهم حتى يشتد عودهم، ويتسلح بأسباب القوة الاقتصادية والسياسية والدفاعية، وكذلك القوة الصناعية والعلمية والتقنية والثقافية والإعلامية، فيصبح قوياً مهاباً، ويسترد احترام وصداقة جيرانه وأهل القرية الكونية أجمعين، ويكتسب مناصرين أشداء لقضيته بالقوة الناعمة في كل محفل إقليمي ودولي، ويستخدم نفس أسلحة القوة الناعمة من لوبيهات وإعلام وقانون دولي وتحالفات كونية، وعندها يضطر الغاصب أن يعيد الحق لأصحابه سلماً، أو يواجه المصير المعروف للغاصبين، عندما يواجهون أصحاب الحق في حالة أن يمتلك أصحاب الحق هؤلاء - مع الحق - الإرادة والقوة وحسن التنظيم والحلفاء الأقوياء.
وقد جربت العديد من دول العالم هذه الخيار الثاني، فحصلت على حقوقها تالت ومتلت.
الخيار الاستراتيجي
وأترك لحضراتكم انتقاء الجواب المناسب بين تلك الخيارات الاستراتيجية
حقاً، صدق عبد الناصر عندما قال:
ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة
فهذه هي الواقعية السياسية. لكن أي قوة؟ وأين القوة؟
القوة دائماً في الأساس داخلية، والقوة اليوم ليست فقط القوة الغاشمة، قوة السلاح والجيوش، بل العلم والاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والإعلام، وليست الحناجر والميكروفونات والنيات الحسنة وخداع النفس وتزييف الوعي بالإرشاد القومي وتزوير الانتخابات واحتكار القرار بنظام شمولي لا يعرف سوى الحزب الواحد، ولا من خلال كسر روح الشعب وتحطيمها، على مذبح التأميم و الحكومات المتغولة والحكام المتألهين، ولا من خلال القمع والاعتقال والتعذيب، ولا من خلال تحويل الشعب كله لجيش من الموظفين غير المنتجين وشبه العاطلين ينتظرون الفتات كل آخر شهر، ثم يقوم النظام بشحنهم (6 مليون موظف حكومي في مصر) لتزييف الانتخابات والمسيرات.
القوة اليوم هي القوة الناعمة، الإعلام، والثقافة، والاقتصاد والتكنولوجيا واحتراف العمل الدولي. جميع المواجهات التي استخدمت القوة الغاشمة خلال النصف قرن الماضي، فشلت في تحقيق أهدافها، من فييتنام وإلى العراق. وعلى العكس من ذلك، المواجهة بآليات القوة الناعمة تنتصر في كل مناسبة بل وبدون مواجهة.
أشعر أننا لا زلنا أسرى مرحلة الرومانسية الثورية، وهذا يمنح الإنسان شعورا جميلا ونشوة ممتعة، لكن المسئولية تحتم علينا أن ننتقل للواقعية السياسية، وما بعد الواقعية السياسية.
الزملاء القوميين: أود لو قرأتم برنامج 30 مارس مرة أخرى – ربما نجد فيه فهم واقع جديد ينتشلنا من مرحلة توقفنا عندها واجتازها الزمن واجتازها عبد الناصر نفسه بعد أن تعلم من تجربة الهزيمة المرة، أود أن نقرأ قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي وافق عليه عبد الناصر رغم أن القرار يعترف ضمنياً بحق إسرائيل في الوجود، وأن نسأل لماذا وافق عبد الناصر على مبادرة روجرز رغم أن السادات في مصر كان قد جيش مجلس الأمة لرفضها. لقد بدأ عبد الناصر مرحلة الواقعية السياسية وليس السادات. للأسف السادات فقط كان عليه أن يمشي في ذلك الطريق فيتلقى اللعنات من الرفضين للاعتراف بالواقع الأليم، لكن بذرة الواقعية بدأت مع قبول القرار 242 ومبادرة روجرز وبرنامج 30 مارس على يد عبد الناصر نفسه.
الديمقراطية هي الحل للمرض الداخلي. أما المرض الخارجي فأمره أسهل مما نتصور.
Monday, April 05, 2010
Post-Realism Revisited
ما بعـد الواقعـية
Post-Realism
في لقاءات متعددة مع نواب البرلمان الأوروبي والألماني والبريطاني والإيطالي والأسباني، والمسئولين بالمفوضية الأوروبية والخارجية الألمانية، وممثلي أحزاب ليبرالية أوروبية وعربية من المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والأردن، وفلسطين، وممثلي منظمات بحثية أوروبية وأمريكية وعربية، وفي العديد من المؤتمرات وورش العمل التي تتناول المستقبل الديمقراطية في العالم العربي، كان الموضوع الذي كان يفرض نفسه فرضاً، على طاولات المحادثات الثنائية والجماعية والمناقشات العامة والخاصة، هو موضوع القضية الفلسطينية، مع تشديد على قصور الدور الأوروبي في حل القضية، يسبقه فساد الدور الأمريكي وانحيازه التام لإسرائيل، وازدواجية المعايير الدولية، بما ينذر بكارثة إقليمية وعالمية.
وعندما كنا نبدأ في مطالبة الأوروبيين في تبني مواقف أكثر عدلاً تجاه القضية الفلسطينية، كانت الإجابة دائماً أنهم – أي الأوروبيين - يعلمون مدى الظلم الواقع على الفلسطينيين وعلى العرب، ولكنهم لا يستطيعون فعل أكثر مما يفعلون في ضوء التفاوت الضخم في قوة التأثير الإعلامي والسياسي بين العرب وإسرائيل لصالح إسرائيل، بما يجعل تبني مواقف متشددة أو حتى معتدلة لصالح الحقوق العربية بمثابة انتحار سياسي لأي سيساي أو إعلامي أوروبي أو أمريكي، وأنه من منطلق البراجماتية والواقعية السياسية، علينا أن نتقبل ما يمكن الحصول عليه في ضوء هذا التفاوت. وأصابني غيظ شديد بسبب هذا العمى الحيثي الذي أصاب هؤلاء الساسة فباتوا لا يرون خطر الراديكالية والتطرف وتديين الصراع، الذي ينزلق بالعالم كله نحو مواجهة محتومة، بسبب الخضوع التام للابتزاز السياسي للوبي الصهيوني، وبدأت أستخدم تعبير ما بعد الواقعية Post-Realism، للتعبير عن إدراك جديد.
وفي حديثي لأحد المسئولين الألمان، أوضحت أنه لو كان هذا اللقاء تم منذ 10 سنوات، لكانت دفة الحديث اتجهت لدور أوروبا في التنمية الاقتصادية في بلداننا، ونقل التكنولوجيا، والتحول الديمقراطي، وسبل التعاون في إطار الديبلوماسية الشعبية، وغيرها من موضوعات كانت تميز المرحلة التي أسميها مرحلة الواقعية السياسية. بدأت تلك المرحلة في أعقاب هزيمة يونيو 1967، عندما وافقت مصر على القرار 242 الي يعترف ضمناً بحق إسرائيل في الوجود، ويطالب باسترداد "بعض الحقوق" العربية على قدر القوة – أو الضعف – العربي. وعلى الرغم من أن
عبد الناصر هو الذي بدأ مرحلة الواقعية السياسية وقبول إسرائيل بقبول القرار 242 وقبول مبادرة روجرز، رغم أن السادات كان قد جيش مجلس الأمة المصري لرفضها، فإن السادات كان هو الذي عليه أن يتلقى لعنات الاعتراف بإسرائيل وابرام معاهدة سلام معها.
في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وتحديداً في نوفمبر 1973، جلس الرئيس السادات مع كيسنجر، وصارحه برؤيته في مستقبل المنطقة، وضرورة الوصول لاتفاق سلام بين العرب وإسرائيل، وعزمه على أن تتجه مصر غرباً. وكان السادات قد طرد حوالي 15 ألف خبير سوفييتي في صيف 1972، دون أن يبعث بأية إشارة أو يجري أية مفاوضات مع الجانب الأمريكي أو الغرب حول "الثمن" الذي كانت أمريكا مستعدة حتماً لتقديمه مقابل هذا التغيير في خريطة النفوذ السياسي العالمي لقطبي الحرب الباردة في ذلك الوقت، وهو التغيير الذي شكل نقطة انقلاب حسمت نتيجة الحرب الباردة بصورة مبكرة قبل انهيار المعسكر الشرقي داخلياً في نهاية الثمانينات. ومرحلة الواقعية السياسية، تلت مرحلة الرومانسية التي ميزت سياسات مصر في الستينيات، حركتها طموحات الوحدة العربية بأحلامها الرائعة، التي استيقظنا منها على كوابيس الهزيمة المروعة، في يونيو 1967. وفي صباح 11 سبتمبر 2001، استيقظ العالم على مشاهد مفجعة، عندما ظهر طرف لم يكن مدعواً أو محسوباً في تقديرات النظام العالمي الجديد، طرف استطاع تخطي الحواجز الأمنية، والحدود الدولية، والفجوة التقنية، والجيوش النظامية، ليضرب ضربات سريعة متلاحقة، في الولايات المتحدة، ولندن، ومدريد، وشرم الشيخ، وبالي، وغيرها من مدن وعواصم العالم، فيسقط الأبرياء ضحايا للإرهاب، في رسائل دموية نارية طائرة، أوقظت العالم وأوقظتنا جميعاً من مرحلة الواقعية السياسية، لندخل في مرحلة ما بعد الواقعية Post-realism.
ما هي الواقعية السياسية؟ هي أن نطلب من العرب ألا يطمحوا في سلام عادل لأنهم لا يملكون القوة الكافية لاستحقاق هذا السلام. هي أن نطلب من الفلسطينيين أن يجلسوا على طاولة المفاوضات تحت فوهة المدافع، ويقبلوا بما يفرضه المفاوض الإسرائيلي من شروط لأنهم لا يملكون بطاقات يفاوضون بها. الواقعية بالطبع تحتم على الجانب الفلسطيني أن يعود إلى شعبه، ويحاول إقناعه بأن يقبل بتسوية تفتقر إلى العدل، باعتبار أن هذا هو "حكم القوي"، في عالم لا يعرف من العدالة إلا السيف الذي جردنا العدالة منه، ووضعناه في يد من يمتلك المدافع والأسلحة النووية والتقليدية. وبعد أن يجاهد المفاوض الفلسطيني في إقناع شعبه بالتسوية المغبنة، يعود الجانب الإسرائيلي فيرفضها، بحجة أن الواقع السياسي قد تغير على الأرض، فتبدأ المفاوضات من جديد من نقطة ما قبل الصفر، وهكذا تضيع الحقوق في مسلسل من التنازلات التي لا تنتهي.
دعونا نتصور أن يتم هذا على المستوى المحلي، عندما يقوم شخص ما بسرقة حافظة نقودك تحت تهديد السلاح، فتذهب تشكو للبوليس، فيطلب منك الضابط أن "تتفاوض" أنت الضحية الأعزل، مع الجاني المفتري المدجج بالسلاح لتطالبه بحافظتك؟ ماذا يمكنك أن تفعل؟ قد تضطر لحظتها للاستعانة بأحد البلطجية، أو تشتري أنت بنفسك قطعة سلاح، وتستغل فرصة نوم المفتري الغاصب، فتستعيد نقودك وقد تأخذ بعضاً من نقوده أيضاً، أو قد تخطف أحد أطفاله في طريق عودته من المدرسة، لتساوم به على استعادة حقوقك. أليس هذا ما يحدث اليوم في مجتمعنا عندما تعجز العدالة عن الحفاظ على حقوق المواطنين؟ ألا يلجأ البعض للبلطجة في الدولة الموازية لاستعادة حقوقهم في ظل غياب آليات العدالة؟ إن البناء الحضاري للعالم قام على فكرة "ماعت" وهي التي مثلت نظام العدالة والتوازن بين القيم العليا للإنسان في الدولة المصرية القديمة، وبدون "ماعت" يعود البشر لقيم الغابة، القيم التي تحكم عالم الحيوان، وأهمها قيمتي القوة والسرعة، وتنتهي الحضارة الإنسانية، بعد أن يصبح من حق أي شخص ما دام يملك القوة أو السرعة أو كليهما، أن يقتنص ممتلكات الآخرين، أو يعتدي عليهم، أو يقتلهم، أو حتى يأكلهم، فهذه هي طبيعة قيم الغابة.
نفس الشيء ينطبق على المستوى الدولي، فإذا لم تجد الضحية من تشكو إليه، وإذا لم يجد المعتدي من يردعه ويزجره ويأخذ الحق منه، بآليات واضحة ومعايير موضوعية، بدون ازدواجية أو محسوبية دولية، تغيب العدالة، ويصبح الحديث عن الشرعية الدولية حديث أجوف من أي معنى أو غاية، وتتوه الحدود بين الحق والباطل، ويصبح الإرهاب أداة من أدوات البلطجة الدولية، منظومة موازية، مثل الأخذ بالثأر في المجتمعات القبلية، التي تعاني من غياب آليات مجتمعية للشرعية والعدالة.
قالت إحدى السياسيات "الواقعيات": "لابد أن تعلموا أننا ملتزمون بأمن إسرائيل، وأن تعاملنا مع إسرائيل يتسم بحساسية مفرطة، وهناك ذكريات ما حدث في الحرب العالمية الثانية، التي تجعلنا عاجزين عن فعل الكثير من الأشياء التي قد تكون واجبة وصحيحة. ولابد أن يتحقق السلام من خلال التفاوض، ونحن كأوروبيين نشعر أحياناً أن إسرائيل لا ترحب بتدخلنا، وبالتالي لا نود أن "نتطفل" على القضية، ونحن نبذل أقصى ما في وسعنا في حدود هذه المعطيات." يا سيدتي، لقد تفضلتم و"تطفلتم" وتدخلتم بالفعل، عندما أصدر بلفور وزير الخارجية البريطاني وعد بلفور في 1917، ثم جاء اضطهادكم لليهود ومحارق الهولوكوست، واليوم تشعرون بالذنب، وتظنون أنه ربما علينا نحن، أن ندفع ثمن خطاياكم أنتم، ولكن الشأن الفلسطيني، لم يعد قضية محلية أو إقليمية، بل أن العالم كله يدفع الثمن الآن. ربما حدث لكم نوع من الكلال أو أصبح الموضوع كمرض مزمن يتعين علينا أن نعتاد عليه، ولكن الوضع الآن يختلف، لقد كفرت الشعوب في منطقتنا بالعدالة الدولية وأصبحت الحركات المتطرفة والمسلحة ودعاة القوة مثل حزب الله، حماس، أحمد نجاد، تتمتع بتأييد قطاعات واسعة من العرب والمسلمين في العالم كله وداخل حدودكم أنتم، حتى بن لادن نفسه، أصبحت له شعبية بفضل احتكامكم للمعايير المزدوجة، وأخشى أن حساسيتكم تجاه ما فعلتموه أنتم ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، قد يدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة، بل ربما نكون الآن وسط حرب عالمية ثالثة بالفعل، ولكنها حرب غير تقليدية، حرب موازية، أنتم تحتلون العراق وأفغانستان بالقوات النظامية، ويدفع المدنيون الثمن في تفجيرات إرهابية، في لندن ونيويورك وشرم الشيخ وبالي ومدريد.
ومن أجل أن نتجنب هذه الحرب العالمية الثالثة، أو نجهضها، لابد أن نعود مرة أخرى إلى المبادئ، وهذا ما أسميه مرحلة ما بعد الواقعية. إن ما حدث وأهال عليه العالم التراب في الماضي، ظنا أنه مات وتحلل، فهو يبعث اليوم، إنه ينهض الآن، ليلاحقنا في كل مكان. لم يعد من الممكن أن نهرب من يوم الحساب، لقد أصبحت "الكارما" التي استحقتها كل دولة معلقة في رقبتها، "كل طائره في عنقه". لم تعد للجيوش وأسلحة الفيديو جيم والتحصينات الأمنية قيمة، فالعقاب يأتي من حيث لا نحتسب، أحياناً من السماء، وأحياناً في الهواء أو الماء، إن الشخص الذي يصل لدرجة من الإحباط واليأس، تجعله مستعداً لمبادلة حياته، مقابل توصيل رسالة دموية، لعالم خلا من العدل، مثل هذا الشخص قد لا تنفع معه إجراءات الأمن، لأن إجراءات الأمن تعتمد على أن الشخص سوف يأتمر بأمر رجال الأمن خوفاً على حياته، ولكن ماذا إذا هانت حياته وفقدت قيمتها أمام الظلم والفقر، وقيل له أنه سوف يصبح بطلاً شهيداً يستحق الجنة، والجنة الآن؟ عندما يصبح ذلك الشخص العادي انتحارياً تعجز أمامه كل الإجراءات والتحصينات.
هذا عن أفراد انتحاريين، ولكن ماذا إذا وصلت أنظمة انتحارية إلى الحكم في الشرق الأوسط؟ لقد اكتسبت القيم التي يتشدق بها الغرب سمعة سيئة وسط الشعوب، فالنظم المستبدة تذيق شعوبها الذل وشظف العيش، وهي تتمسح بالأنظمة الغربية وتسير في ركابها، بينما تدعي أنها تقود تلك الشعوب للجنة الغربية، والشعوب لم تر من جراء مبادرات السلام والانفتاح على الغرب سوى المزيد من الإذلال والفقر، وضياع الأراضي والحقوق، ولم تر من العالم الغربي الذي يتشدق بقيم الحرية والعدالة والشرعية الدولية، سوى النفاق الأخلاقي، والمعايير المزدوجة والتعامي عن الجرائم الإسرائيلية بسبب قوة اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة والعالم.
إن التخلي عن مبادئ العدالة والحق والمساواة، يهدم الأساس الأخلاقي للحضارة الإنسانية، ويفتح الباب لأن تصبح القوة الغاشمة هي أساس الاستيلاء على الحقوق واغتصابها أو استعادتها، وبهذا نطعن السلام في العالم طعنة قاتلة، ويصبح على كل شخص منا ألا ينام، فعليه أن يسهر مدججاً بالسلاح، يتمنى ألا يغفو، ولكنه حتماً سوف يغفو، وعندما يغفو أي منا، لا نعلم من أين يأتي الخطر.
إن الرومانسية وتجاهل الواقع يجعل ما نقوله هنا مجرد كلام غير قابل للتطبيق، ولذلك على العالم اليوم أن يتطرق إلى حلول خلاقة تضع آليات لتحقيق العدالة الدولية على أرض الواقع، ربما من خلال إصلاح الأمم المتحدة، أو اللجوء للتحكيم الدولي عندما تفشل المفاوضات، أو الضغط الاقتصادي على الدول التي تتسبب بسلوكياتها المستهترة في تقويض السلام العالمي.
لا يجب أن نقع ضحايا للواقعية المفرطة ونقول هذا هوالواقع. لو قال أجدادنا نفس الشيء، لظلت مصر تحت الحكم العثماني أو الانجليزي، ولظلت أوروبا تحت نير حكم امبراطوريات مستبدة، ولظل الإنسان يعيش في الغابة. فالعالم نرسمه في مخيلتنا وضمائرنا أولاً، ثم ننطلق لنبنيه ونصنعه على أرض الواقع، ولا يجب أن نتخلى عن حلمنا في عالم ينعم بالسلام، والتطلع لغد أفضل لنا ولأبنائنا، بحجة أن الواقع سيء.
هذه هي ما أسميه بمرحلة ما بعد الواقعية. وفي رأيي، هذا هو البديل عن اندلاع أو اتساع الحرب العالمية الثالثة. لأنه إذا كانت الواقعية تحتم علينا أن ننظر للأوضاع اليوم كما هي، فإن ما بعد الواقعية، تستدعي منا أن نتحسب لمخاطر المستقبل التي قد نجلبها على أنفسنا، عندما ننسى القيم الحاكمة في منظومة "ماعت".