أعظم ست فى العالم هى الست المصرية. دى مش مجاملة ولا تحيز، دى وجهة نظر مبنية على حقائق التاريخ والواقع. طبيعة الحياة الزراعية فى مصر جعلت تعاون الرجل والمرأة شيئا حتميا من أجل البقاء، وبالتالى تبوأت المرأة مكانها الطبيعى بجوار الرجل فى المجتمع منذ أقدم العصور، وتمتعت بكل الحقوق، مثل حق العمل فى أعلى المناصب، والكسب وتملك الأراضى وإدارة الأعمال وطلب الطلاق، وهى حقوق لم تحصل عليها المرأة الحديثة إلا خلال الثلاثين عاما الأخيرة! وعلى جدران المعابد، نقرأ قصة «عزة أو عزى- إيزيس»، «ورت حكاو» عظيمة السحر والحكمة، التى أخلصت لزوجها المغدور «أوزوريس- عازر» حتى منحته الأبدية، ورعت ابنهما حورس حتى جلس على عرش والده بعد أن استعاده من الغاصبين، كما سجلت تلك الجدران للتاريخ صور المرأة المصرية فى مختلف المهام تزرع وتحصد، تطحن الحبوب وتعجن وترعى الأطفال، كما حفظت الجداريات سيرة رئيسة الأطباء «ميريت بتاح» التى عالجت المرضى بحكمتها منذ 4800 عام، ونرى عليها سيرة «حتشبسوت» تمارس الحكم وتنطق بالحكمة، ونسمع «نحمس باستيت» تغنى وتعزف الموسيقى، ثم تدمع عيوننا ونحن نقرأ قصة الفيلسوفة والرياضية العظيمة «هيباتيا» السكندرية، وهى تدفع حياتها ثمنا لتمسكها بقيم التسامح المصرية، أمام التعصب الدينى للدولة الرومانية، لتبدأ بمقتلها عصور الظلام الوسطى. هذه العظمة لم تنقطع فى أى عصر، مرورا بشجرة الدر التى حكمت مصر ونادوا باسمها على المنابر كسلطانة للمسلمين، ووصولا إلى هدى شعراوى ونبوية موسى وصفية زغلول وعالمة الذرة سميرة موسى وكوكب الشرق أم كلثوم، ومناضلات الثورة المصرية شاهندة مقلد ونور الهدى زكى وكريمة الحفناوى وجميلة إسماعيل ومنى سيف وسميرة إبراهيم ونوارة نجم.
ونرى تلك العظمة أيضا اليوم ونلمسها بصورة شخصية فى بيوتنا وقرانا، لأمهات وجدات عظيمات كانت لهن الكلمة المسموعة فى إدارة أسر بل وإعالتها فى نسبة غير بسيطة من البيوت المصرية، ربما لن يذكرهن التاريخ كثيرا، لكنهن وضعن بصماتهن فى قلوب وعقول أجيال تدين لهن بالفضل، وفى ذاكرة أبناء وأحفاد يسترجعون كلماتهن المحفورة على ميناء البوصلة الأخلاقية لتبين الخير من الشر، وتذكر كل منا بما يجب أن يكون. نراها فى أم اضطر زوجها إلى السفر والعمل بالخارج، وتركها وحدها صابرة راضية لسنوات طويلة، ترعى الأبناء وتقوم بدور الأب والأم معا، ونراها فى شابة صغيرة مات زوجها أو تركها بعد زواج قصير، فاضطرت إلى أن تعمل لإعالة أبنائها مع غياب الدولة عن القيام بدورها الطبيعى. نراها فى مدرسات، وقاضيات وطبيبات، وكاتبات وصحفيات كما نراها فى الفلاحة المصرية الأصيلة فى الريف.
ولا أبالغ إن قلت إن الأم المصرية هى التى احتفظت بشخصية البلاد وثقافتها، بل ولغتها حية لليوم فى لغتنا العامية، لتقف فى وجه الغزو الأجنبى لأكثر من ألفى عام، حيث تناوب الغزاة على اغتصاب البلاد واستباحة أرضها وثرواتها، وتصدت لهم الأم المصرية بالمرصاد، تعلم أولادها الثقافة المصرية والقيم والسلوكيات وطريقة الحياة التى تميز الشخصية القومية، وأرضعت المصرية أطفالها سرا لغة الأجداد فدخلت فى تراكيب ومفردات ومرونة لغتنا العامية التى اختلطت بالعربية وأخذت من كل لغات العالم ما يثريها، فأصبحت اللغة العامية أفصح لغات العالم وأطوعها وأغناها وأظرفها وأخفها دما وأقدرها على وصف أعقد المواقف وأعمق المشاعر فى كلمة أو جملة بسيطة، قد تحتاج إلى سطور فى لغات أخرى لوصفها، كما علمت المصرية أبناءها العادات التى تميز الهوية المصرية من سبوع الميلاد إلى طقوس الدفن والعزاء بعد الموت وما بينهما، من الاجتهاد فى العمل وحب الطبيعة والشكر المستمر لمانح النعم وخالق الكون، وتقديس الأسرة وود الجار والعطف على الضعيف وغير القادر وتحمل مشاق الحياة بصبر، بل وفكاهة ساخرة قادرة على أن تهزم مصائب الحياة، وهو ما تشى به الأمثال العامية التى خرج معظمها من فم المصرية الحكيمة، وهى طبيعة مصرية عجيبة فى مواجهة الشدائد بالابتسام والتنكيت وأمر يندر أن تجده فى ثقافة أخرى. من منا لا يستحضر فى هذه اللحظة «زعيق» الأم الذى رضخ أمامه صغيرا كان أو كبيرا: «صليت وشكرت ربنا قبل ما تنزل؟»، أو «لازم تفطر» أو «عيب تزعل أختك»...؟
نظرت الأم والسيدة المصرية بحكمتها وحاستها التى لا تخيب، فلمست «الشر» فى تصرفات جماعة إجرامية تقود البلاد إلى التهلكة والحرب الأهلية بغرورها وفاشيتها وتعاليمها وطمعها وجشعها الذى لا ينتهى، فقررت أن تلقن تلك الجماعة درسا لا يُنسى. احتشدت سيدات مصر أمام لجان الاستفتاء من النجمة، وأدركت الجماعة المجرمة من التقارير الميدانية التى وصلتها درجة الغضب الذى تجمع لدى الأم المصرية، التى رأت الجماعة لا تتورع عن إراقة دماء الأبناء بحورا فى الشوارع على أيدى ميليشياتها الفاشية المسلحة، بل والتهديدات التى اجتاحت الفضائيات من زعماء الجماعات الإرهابية الذين هم فى النهاية يمثلون الأذرع الإجرامية الأكثر وضوحا لتلك الجماعة، كما رصد مندوبو المرشد الغضب الواضح فى طوابير السيدات أمام لجان الاستفتاء، ونيتهن المنعقدة على إسقاط دستور الفتنة الذى طبخته الجماعة مخلوطا بسم زعاف، ليغتال الهوية القومية ويدمر أساس وحدة الأرض والشعب، فأصدرت الجماعة تعليماتها بتعطيل تصويت النساء لأقصى درجة، فكان متوسط زمن الانتظار للسيدات نحو ضعف الرجال، وبلغ زمن الانتظار لبعض السيدات 7 ساعات، ووصل الأمر أن تم إغلاق لجان بالكامل أمام السيدات، ولكنهن لم يستسلمن لهذا التزوير الفج الذى يحرم المصرية من حقها فى تشكيل مستقبل الوطن، واقتحمن اللجان وكسرن الأسوار مصرات على الإدلاء بأصواتهن التى علا معظمها بـ«لا» هبطت كصفعة مؤلمة على وجه جماعة فاشية مغرورة. تخيل أمًّا أو زوجة، تضطر إلى أن تقف فى طابور الاستفتاء 3 و5 بل و7 ساعات من أجل أن تدوى بقلمها الرافض على وجه تلك الجماعة عبر أوراق الاستفتاء. تصور المعاناة والإصرار. تلك المرأة بالتأكيد لديها بيتها وأولادها، وعليها واجبات لا يمكن التقاعس عنها أو تأجيلها، وبالتأكيد البعض اضطر آسفا ومعذورا إلى العودة إلى البيت دون تصويت بعد انتظار طال، من إجل إرضاع صغير لا يقوى على الانتظار، أو توصيل ابنة إلى درس، أو الوفاء بأى واحدة من آلاف المهام التى تقوم بها الأم والسيدة المصرية بصبر ومهارة ورضا تأتى من منبع حب لا ينضب فى قلب المصرية لبيتها وأبنائها ووطنها.
ورغم أن حروف «لا» ليس بينها وبين حروف «نعم» أى تداخل، ولكن خوفا من التزوير الذى اشتهرت به الجماعة، وحتى لا يكون هناك أى شك فى طبيعة الصفعة ورسالة «لا» الرافضة لحكم الجماعة والمرشد ونائبه ومندوبها فى قصر الرياسة، قررت بعض السيدات دون ترتيب مسبق، تلقين قيادات الجماعة درسا مرئيا ومسموعا ومحسوسا بالكلمات والأحذية والشباشب التى تستخدمها المصرية كسلاح لا رادع أمامه، بردود أفعال عبقرية من وحى اللحظة، فقاموا «بزف» بعض ما تيسر من قيادات الجماعة، وأسمعوهن رأى المرأة المصرية الأصيلة فى الجماعة السرية الإجرامية وسياساتها الفاشية ودستورها الذى يهدد البلاد بحرب أهلية، وقام البعض بتصوير تلك «الزفة» وتحميلها على الإنترنت لتصبح جزءا من التاريخ، ويتضح من تلك الأفلام، أن من قمن بإرسال تلك الرسالة الشبشبية البليغة، من عينة متوسطة ومتنوعة من نساء مصر من مختلف الأعمار والمشارب والتوجهات، ومعظمهن من المسلمات المحجبات، حتى ينتفى الدفاع التحريضى الكاذب الذى تحاول الجماعة أن تشعل به نيران الفتنة الطائفية، عندما تخرج أبواقها لتعلن بكذب متبجح أن من يعارضون الجماعة هم المسيحيون! وربما يسأل سائل، لماذا تكبدت المرأة المصرية هذا العناء بمواجهة تلك القيادات المحاطة بالبودى جاردات والميليشيات المسلحة، ومن يسأل هذا السؤال ربما لا يعرف جيدا المرأة المصرية، التى تتصدى فى الشارع وفى الحارة لأى شخص تسول له نفسه أن يتجاوز فى حقها، بهدف فضحه وتجريسه وتلقينه درسا يجعله يفكر جيدا قبل تكرار المحاولة معها أو مع غيرها، كما يأتى «التجريس» بهدف «التعليم على» المعتدى، وتنبيه الآخرين لشخصيته، حتى يحترسوا منه فى المستقبل، كما أن هذا التجريس رسالة بليغة ترد على رسالة الاستهانة والتحقير التى يحملها الاعتداء، وهذه الصفعة تقول مثلاً فى ما تقول، للجماعة التى اعتدت بخسة على الأستاذة شاهندة مقلد وزميلاتها فى المظاهرة النسائية السلمية بالقرب من قصر الاتحادية، «هى حصلت يا أوساخ... قطع إيديكم يا حوش».
إن المرأة المصرية، وهى جزء أصيل من الثورة منذ بداياتها الأولى، تجعلنا اليوم نطمئن على مستقبل هذا البلد، فالمصرية لم ترضخ لتهديدات الإرهابيين، ولم يخفها الابتزاز بالمصاعب الاقتصادية وهى أول من يعانى منها، لأنها قدرت أن وحدة مصر فوق الاقتصاد وفوق أى اعتبار آخر، فما فائدة رشاوى البترودولار التى لم يخجل مشايخ الجماعة من تهديدنا بمنعها، وكأن رزق مصر يأتى من المرشد لا من الله، ما فائدة المال إذا ضاعت مصر وانقسمت كما انقسمت السودان مثلاً بعد أن تبنت دستور الجماعة؟ هذه الضربة الشبشبية التى صفعت بها المرأة المصرية وجه الجماعة الفاشية تحمل رسالة بليغة وبسيطة بـ«لا» نتمنى أن تصل إلى جماعة بليدة الإحساس، عندما ترى علامات أصابع السيدة المصرية حمراء على وجهها إن نظرت للحظة فى المرآة.
No comments:
Post a Comment