مقدمة:
بغض النظر عن تحديد ما إذا كان محمد مرسي كان يعلم مسبقاً تداعيات الاعلان الدستوري عندما وافق علي اصداره، وما إذا كان تنظيم الاخوان قد خطط بالفعل لإشغالنا بالتظاهر ضد او مع هذا الهراء القانوني والسياسي، حتي يتمكن، في عملية سطو ليلية لم يشهد التاريخ البشري مثلها، اغتصاب مشروع دستور أمة سبقت الأمم وحضارة مهدت للحضارات، لكي يضعنا في خانة اليك بالاعلان عن موعد الاستفتاء عليه في غصون اسبوعين، او ما اذا كانت قدراتهم علي الفهم والتحليل السياسي والتنبؤ برد فعل الشعب المصري الحر الثائر المتحرر علي بلطجتهم واحتكارهم قد خانتهم مثل ما خانت من سبقوهم، بحيث وحدونا في مواجهتهم، ثواراً وفلولاً، أغنياء وفقر اء، مسلمين ومسيحيين، ووضعونا جميعاً علي حافة التزام جماعي بعصيان مدني علي مستوي الجمهورية، فكل هذا ثانوي ولا يجب ان يستوقفنا اليوم باكثر من هذه الجملة وهذا التساؤل العابر. الواقع الملح الذي يستدعي انتباهنا الآن وبسرعة هو ان هذه الكتيبة التي سميت بالجمعية التأسيسية قد اتمت مهمتها وافرزت هذا المنتج الذي تطاولت الالسنة الجاهلة او المغرضة ولقبته بالدستور، والدساتير منه بريئة براءة الذئب من دم يوسف. والواقع ايضاً ان مندوب مكتب الارشاد في الرئاسة محمد مرسي قد طرح هذا العبث فعلاً علي شعب نصفه لا يقرأ ولا يكتب، لأخذ موافقتهم عليه فيما سماه المظللين بالاستفتاء الشعبي. والسؤال الآن هو ماذا نفعل وكيف نواجه هذا القطار القادم في صورة غزوة الصناديق الرابعة (بعد الاستفتاء والانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية). هل نقف متماسكين ونحاول صده عن طريق التوعية بضرورة التصويت بلا في حملة قومية منظمة، ام نسقط من شرعية المنظومة باجملها عن طريق التصعيد الثوري الإحتجاجي وندفع بهذا القطار الي هاوية السذاجة السياسية الاخوانية؟
حتي نرد علي هذا السؤال بتعقل ودون اندفاع علينا اولاً تدراك اذا كانت هذه المسودة الذي صممها محمد البلتاجي وادار انتاجها الغرياني مع حفظ السباب فعلاً لا تليق، ولماذا، حتي لا نجد انفسنا نستنفذ قوانا في محاولة ايقاف قطار قد يكون متجه الي حيث نريد، ولكن اقتناعنا بغشومية السائق تفزعنا من ركوبه، وحتي لا يتهمنا السفهاء المغيبون باننا نعارض فقط من أجل المعارضة اسوةً بملاحقتهم لقياداتهم مثل القطيع حتي لو ذهبوا بهم الي الجحيم. ثم علينا التساؤل بواقعية اذا كان بامكاننا اصلاً كقوة وطنية متجمعة تفادي شبه حتمية فوز التعصب والجهل والفقر علي العقل والوعي والادراك وعزة النفس في غزوة الصناديق الرابعة يوم السبت ١٥ ديسمبر القادم ام لا. ثم اذا توصلنا الي اننا علينا خوض معركة الاستفتاء فكيف ننظم انفسنا وكيف نتفادي غلطات الماضي القريب حتي لا نقع في فخ تكرار نفس الافعال وتوقع نتائج مختلفة، وهو ما ذكرته بعض الموسوعات العالمية كتوصيف واضح للجنون، واذا قررنا عدم خوض هذه المعركة فكيف سنصعد ونعلي اصواتنا تضامناً مع من اضرب ومساندةً لمن اعتصم حتي نصبح جميعاً سداً ليس لنتيجة الاستفتاء بل للاستفتاء من اصله. ___________________________________________________________________
اولاً: لماذا لا نقبل هذه المسودة؟
بدون ادني شك هذه المسودة لا ترتقي باي حال من الاحوال ان تكون دستوراً لمصر بعد ثورة ٢٥ يناير. ولكن، سيحاول بعض من لقبوا انفسهم بالخبراء القانونيين من خلال ظهور إعلامي مكثف اقناعنا علي مدار الايام القادمة بقدراتهم التحليلية العظيمة في تفنيد مواد دون غيرها، ومحاولة إظهار حياديتهم وموضوعيتهم في تقييم هذا التهكم الصريح علي مستقبل اولادنا، حتي يشعرونا اننا بصدد خلاف في وجهات النظر، متناسيين بذلك بعض النقاط الاساسية من حيث الشكل والمضمون التي يجب ان نسردها ونوضحها جميعاً حتي يعلم من لم يعلم بعض ان هذا ليس دستور وانما نصاً غاية في الخطورة ومغرض مع سابق الاصرار والترصد ويجب محاربته بكل ما نملك من قوة وعزم.
من حيث الشكل:
١.هذه المسودة كتبتها جماعة مسيطر عليها بوضوح وبدون ادني شك تيار واحد فقط وهم من المسيسين لصالح الفكر الطائفي دون غيره، وهو ما ينفي ان هذه المسودة قد تم التوافق عليها من أي من فصائل المجتمع. كما ان لا دراية لاغلبية اعضاء هذه الجمعية بكتابة الدساتير بل ولبعضهم بقرائتها اصلاً. ولهم علينا حق واحد اذا وجد عندما نري بعض وجوهم السمحة ونقرأ اساميهم وسيرهم الذاتية وهو ان نتسائل بجدية: من هم، من اين أتوا علينا، ولماذا، ولمصلحة من، وما الذي جمعنا بهم بل ووكلهم عنا في بناء مستقبل اولادنا؟ وارجو الا يؤخذ كل هذا علي انه سباب بل هو تساؤل وتصنيف مبني علي قراءة موضوعية لمؤهلاتهم التعليمية والمهنية وبحث بلا جدوي عن مواقفهم التاريخية والسياسية والقانونية، ولا تقلل من اشخاصهم الجليلة. في حين تغيب عن هذا الجمع قامات مصرية وطنية سياسية قانونية شريفة معروفة قادرة علي كتابة دستور حقيقي وعظيم يصفق له العالم باجمعه ولا يجعلنا اضحوكة للامم ومجال للشفقة ومصمصة الشفائف.
٢.اذا كان بعض المحسوبين علي ما يسمي بالتيار المدني مثل المناضل ايمن نور، او المرشح الرئاسي عمرو موسي، او المنسق الدائم والناطق باسم كل تحالفات الإخوان وحيد عبد المجيد، او المتواطئ المحترف السيد البدوي صاحب موقعة إسكات ابراهيم عيسي قبل الثورة، او حتي ممثلي الازهر او الكنيسة ثبت الله اقدامهم وجفف عرق جبينهم، قد اعطوا كلهم مع غيرهم شرعية لهذه المهزلة بمشاركتهم في اي مرحلة وباي طريقة وبأي إمضاء علي أي وثيقة في هذا الهزيان السياسي البين والممنهج، من منطلق البحث عن موقع في مصر بعد الفركشة، فهذه مشكلتهم هم ولا دخل لنا فيها، ولا تحسب علينا بل علي اشخاصهم، حيث انه من البديهي انه عندما يسيطر علي الجمعية فصيل هدفه محدد ويعتقدوا انهم سيقنعوهم ان يعدلوا عن مسارهم او عندما يحتسبوا احزاب مثل الوسط واشخاص مثل محمد الصاوي علي المدنيين، فهذا مؤشر علي سذاجة سياسية وخلل جسيم في تقييمهم للموقف يعلم الله وحده السبب فيه.
٣.الاسلوب الذي تم التصويت به علي المواد في ماراثون دام عشرين ساعة، متحدياً بذلك كل القواعد العلمية التي تؤكد علي انتقاص القدرة التدريجي علي التركيز عند المخلوق الآدمي بعد ساعة ونصف علي الاكثر، في موقعة السلق الكبري، سيدخل التاريخ من اوسع ابوابه، كاكبر اضحوكة دستورية عرفتها البشرية، وستدرسها الاجيال كمثال اسطوري للانتهازية السياسية واضمحلال بل واختفاء كل المعايير الوطنية والاخلاقية لدي شخصيات كان يشوبهم اوصاف مثل النزاهة واحترام الذات، امام الزامية تنفيذ الاوامر السلطوية وحتمية الالتزام بمبادئ السمع والطاعة. كما تبرهن هذه العملية علي إدراك كامل من اعضاء هذا الجمع انهم جزء من منظومة غير شرعية لا تستطيع المحكمة الدستورية او اي محكمة اخري حتي مع توفر احسن النوايا اذا فصلت بحيادية ودون تهديد او ضغط الا تعلنها باطلة باطلة ساقطة.
من حيث المضمون:
وبإيجاز شديد، ودون التطرق للكثير من التناقضات بين المواد وبين الدباجة والمواد، وركاكة الصياغة المسيطرة علي المسودة باكملها، ولا العشرات من السقطات الصغيرة التي تدل علي غياب فكر قانوني خلف هذه المسودة المضحكة:
٤. المواد ٢ و ٤ و٢١٩ سوياً تؤسس لإقامة دولة دينية صريحة لا تمت للمدنية بصلة. بالبلدي كدة التلت مواد دول مع بعض معناهم ان مجلس الشعب (اللي معظمه طائفيين) ممكن يشرع لفرض احكام مستنبطة من فقه اشخاص وليس القرآن ويجعل منها قانون ساري ولا تسطيع اي جهة قانونية الطعن فيها او ايقافها الا هيئة العلماء بمشيخة الازهر، وهو ده تعريف الدولة الثيوقراطية، اي الدولة التي يحكمها رجال الدين. هذا فضلاً عن ان فور صدور هذا الهراء كدستور - "قانونياً" و"دستورياً" وبعيد عن أي تصريحات وخزعبلات نقاشية – تصبح الجزية واجبة علي أهل الزمة ويمنع الأقباط فوراً من تولي أي مناصب ذات سلطة علي المسلمين وينعدم قبول شهادتهم وتعتبر شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ويمنع الإختلاط بين الجنسين ويسمح بتزويج الأطفال هذا فضلاً عن عقوبات الجلد والصلب وبتر الأطراف ونظام اللعان، بدون قانون أو نص أو تغيير لأي قوانين أو نصوص سابقة. واي حديث هنا عن اعتدال الازهر (بصورته الحالية وتشكيله اللحظي) او عدم نية الاحزاب الطائفية (كما يدعون) او عدم قدرتهم (كما يدعي ابراهيم عيسي) علي وضع مثل هذه التشريعات او تنفيذها (كما ادعي انا)، كل هذا لا دخل له من قريب او بعيد بكون هذه المسودة تسمح صراحةً وقانونياً بإقامة دولة دينية طائفية. وحتي تكتمل الصورة البديعة فلنضع هذا بجانب نص المادة ٧٦ التي تحدد الجريمة والعقوبة "ظاهرياً" فقط بنص، في حين انها تطلقهم "فعلياً" بإضافة كلمة "دستوري" بعد كلمة نص، وهو ما يعني ان من يخالف المواد ٢ و٤ و٢١٩ في تصرفاته دون ان يخالف اي قانون قائم يقع تحت طائلة القانون. يعني بالبلدي انت مش لازم تعمل حاجة تخالف القانون علشان تتعاقب، كفاية اوي ما تطبقش مبادئ الشريعة كما فسرته المادة ٢١٩ في افعالك وتبقي انت كدة خالفت نص دستوري وتتفضل تتحاكم وتتسجن وماحدش له عند اللي حبسك حاجة، كله دستوري، كله شرعي، واذا كان عاجبك.
٥. كما تعتبر المادة ٣ من وجهة نظر وطنية (وبغض النظر عن سعي الكنيسة لها او سعادتها بها) إهانة بالغة لأكثر من ١٠٪ من الشعب، عندما نساوي دستورياً مسيحيي مصر شركاء مسلمي مصر في الوطن بفصيل اليهود المصريين الذي اندثر منذ عقود، لمجرد ان النظرة الطائفية الهزلية للمشرع الدستوري تساوي بينهما. وهذا يكرس ايضاً للمنهج الطائفي الذي يجعل من شخص من المفترض ان يتمتع بكامل حقوقه ولم يخل بالنظام العام للدولة او لم يصدر منه جرم او خرق لأي قواعد، بموجب مثل هذه المادة، مواطن من الدرجة الثانية، نساويه بملة تربي الشعب لمصري علي العداء لهم لظروف اقليمية تاريخية. هل لنا ان نذكر هذا المشرع الوطني ان القوات المسلحة المصرية التي حاربت من اجل تحرير الاراضي المصرية واستردتها من العدو ببسالة ظباطها وجنودها اختلطت بها دماء المسلمين والمسيحيين في حربهم جانباً بحانب ضد المستعمر الصهيوني اليهودي.
٦. اما المواد ١٠ و ١١ سوياً فهي تؤسسا نصاً لخلق وصاية سلطوية علي الاشخاص واخلاقهم ووصايا مجتمعية صريحة لاشخاص علي آخرين، وهذا يعتبر تأسيس لشمولية الدولة وإحتكار السلطة للقيم، ومع غياب مادة تمنع صراحةً علي خلق تشكيلات امنية مجتمعية او ميليشيات الا فيما يتعلق بالامن القومي ضمن المواد المتعلقة بالقوات المسلحة، فتفتح هذه المواد الباب علي مصرعيه لتشكيلات مثل كتائب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ظهرت بوادرها في اكثر من حادثة علي مدار الشهور الماضية، وهذا من قبل التأسيس لها صراحةً ودستورياً بهذه المواد المسمومة الخطيرة علي نسيج المجتمع المصري.
٧. المادة ٤٨ وضعت في نصها الجميل ظاهرياً قيود مستترة كثيرة علي حرية الصحافة والإعلام بعبارات فضفاضة تتعلق بالعمل الصحفي، وتفتح الباب علي مصرعيه لملاحقة القائمين عليه قضائياً من اجل مصادرة وغلق الصحف والمحطات. بالبلدي كدة لما المتظاهرين عند الاتحادية او ميدان النهضة ينادون بتطهير الإعلام اللي مصدعهم ومصدع محمد مرسي، يسمع لهم جيداً المشرع الدستوري داخل اروقة التأسيسية الغريانية.
٨. المادة ٥٠ وضعت في نصها قيد مستتر علي حرية التظاهر وتنظيم الاجتماعات العامة بان ربطت الإخطار بقانون ينظمه، علي عكس إصدار الصحف وتكوين الجمعيات والمؤسسات والاحزاب مثلاً التي لا تستوجب جميعاً سوي الإخطار دون قيد بقانون ينظمها. يعني بعد ثورة ٢٥ يناير اللي ادت الي وصول الطائفيين لمقالد الحكم اصبح من حقهم الدستوري تحجيم ومنع اي تظاهر ضدهم.
٩. المادة ٥٣ اعطت الحق للحكومة بحل النقابات المهنية عندما لم تذكر لفظاً عدم جواز حلها بل ذكرت عدم جواز حل مجلس ادارتها فقط علي عكس الحصانة التي منحت للجمعيات والمؤسسات والاحزاب. يعني بالبلدي القانون مايقدرش يحل جماعة الاخوان اول ما تتشهر، ولا حزب الحرية والعدالة، انما بمنتهي السهولة ممكن حل نقابة المحاميين او نقابة الصحفيين لو ما عجبش الوالي والحاكم كلامهم أو اعمالهم, سامع يا سامح يا عاشور؟
١٠. المادة ٦٣ تسمح صراحةً باصدار قانون يبيح العمل بالسخرة ولم تعمم عدم جواز فرض اي عمل جبراً بل مهدت له باضافة عبارة "الا بمقتضي قانون". اموت وافهم قانون ايه ده اللي حيسمح بالعمل جبراً، اوعظونا يا اصحاب الموعظة لأن دي تفوق قدراتي علي التخيل بمنتهي الصراحة.
١١. اما المواد الخاصة بمنصب رئيس الجمهورية، ففضلاً عن انها لم تفرض عليه تعيين نائباً له يساهم في الانتقاص من انفراده بالحكم علي عكس ما طالب به الشعب في استفتاء ١٩ مارس ٢٠١١، فهي تمنحه صلاحيات فرعونية ديكتاتورية أسطورية واسعة للغاية تفوق بكثير صلاحيات مبارك المخلوع الذي خرجنا عليه لانه كان حاكماً ديكتاتورياً. تتوغل الرخص المهداه من مجموعة الغرياني لمحمد مرسي مندوب مكتب الارشاد في مؤسسة الرئاسةً ما بين صلاحيات تشريعية مثل منع سن القوانين التي يصدرها المجلس التشريعي (المادة ١٠٤) وصلاحيات قضائية مثل اعطاءه حق الفصل بين السلطات وهو حق اصيل للمحكمة الدستورية العليا الله يرحمها (المادة ١٣٢) وحق اختيار رئيس مجلس الوزراء دون اي ظوابط او معايير (المادة ١٣٩) وحق اعلان الحرب وارسال القوات المسلحة الي خارج الدولة باغلبية النص زائد واحد فقط وفي مجلس النواب فقط (المادة ١٤٦) وصلاحية تعيين الموظفين العسكريين وعزلهم دون ظابط أو رابط وأهلاً بأخونة القوات المسلحة (المادة ١٤٧) وحق اعلان حالة الطوارئ مع الإعتذار للمخلوع (المادة ١٤٨) وحق اصدار عفو عن عقوبة او تخفيفها دون ضرورة ابداء اي اسباب وأهلاً بأنصار عبود الزمر كلهم سواء قضوا عقوباتهم أم لا (المادة ١٤٩) وصلاحية تعيين اعضاء المحكمة الدستورية العليا دون تحديد اي معايير لاختيارهم مع إن الضرب في الميت حرام (المادة ١٧٦) وصلاحيات تنفيذية خطيرة تم تأصيلها برخص متعددة لطرح امور كثيرة للاستفتاء الشعبي الذي يستطيع بترأسه الجهاز السيادي التنفيذي في البلاد التأثير عليه مثل حل مجلس النواب المنتخب مع خالص التحيات لإرادة الشعب (المادة ١٢٧) او اي امر آخر قد يراه لكي يتعدي اي سلطة اخري في الدولة وربنا يديم عليكم نعمة الزيت والسكر (المادة ١٥٠) واخيراً صلاحية تعيين كل رؤساء الهيئات المستقلة بل والاجهزة الرقابية ايضاً التي من دورها المراقبة علي رئيس الجمهورية (المادة ٢٠٢).
١٢. اما فيما يتعلق بالسلطة التشريعية فلم يمنع حاملي الجنسيات الاخري من الترشح لمجلسي النواب والشوري (المادة ١١٤ والمادة ١٢٩) وهو أمر مريب ويثير الشكوك والقلق من توغل تيار او فصيل غريب علي المجتمع المصري داخل مجالسنا التشريعية المختصة بسن القوانين الحاكمة للدولة والمجتمع. يمكن لاصحاب النفوس الضعيفة الربط بين هذه النقطة والتساؤل الذي طرحناه في جزء سابق من هذه الورقة علي من هم هؤلاء في جمعيتنا التأسيسية ومجالسنا التشريعية.
١٣. كما لم يحسم التساؤل البسيط ولكن الجوهري عن اي اعضاء في مجلس الشوري سوف يتم الانتخابات علي مقاعدهم في اول نصف فصل تشريعي واي منهم في ثاني نصف فصل تشريعي سواء في المادة ١٣٠ المنظمة او في المواد الانتقالية، وهو ما يفتح الباب للتلاعب لمدة ستة اعوام علي الاقل من اجل تقوية سطوة حزب بعينه او فصيل سياسي بعين عينه دون الآخرين الوحشين، هذا فضلاً عن المادة ٢٣٠ التي اوكلت لهذا المجلس الحالي المحصن باعلان دستوري مرسوي صلاحية تشريعية مطلقة حتي انعقاد مجلس النواب الجديد، ومن بعد ايضاً صلاحيات تشريعية جديدة (المادة ١٠٢ و١٠٣) وصلاحيات رقابية (المادة ١٠٥ و ١٠٦ و ١٠٧) لم ينتخبه القلة القليلة جداً من اجلها او علي ضوئها، وهو ما يخالف مبدأ بسيط يمكن شرحه باننا انتخبنا واحد علشان يفتحلنا الباب واحنا داخلين البيت وخارجين منه، وبعد ما انتخبناه بقي هو اللي ممكن ما يدخلناش او يحبسنا جوة البيت، وله في خلقه شئون.
١٤. كيف لدستور دولة تعاني من الفقر مثلنا ويحيا قطاع كبير من سكانها من الدخل القادم من السياحة ان يتجاهل هذا الدستور ذكر هذه الصناعة الاساسية التي تفتح الملايين من البيوت المصرية وضرورة الاهتمام بها وصيانتها وتنميتها ضمن مواد الفصل المختص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. هذا دليل قطعي علي ان من كتبوا هذا الدستور هم من يريدون لهذا الشعب دوام الفقر لان القوي العفيف يصعب التحكم فيه.
١٥. واخيراً فقد خلت المسودة من الكثير من المواد الهامة التي كان يجب ادراجها مثل وضع مبادئ واهداف الثورة المتمثلة في شعارها عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة انسانية علي رأس هذا الدستور الذي آتي بدم الشهداء ومن المفترض ان يكون الاساس خلف تحقيق الاحلام الذي استشهدوا من اجلها. فلم يذكر اصلاً الحق المطلق في الحياة، او الترسيخ بوضوح لاستقلال الطب الشرعي الذي له دوراً اساسياً في التحقيق مع من قتلوا ابطالنا او من ينوون تصفيتهم في المستقبل، بل ذهبت هذه المسودة الي ترسيخ مبدأ محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكريين بنص لا يمنع ذلك قطعاً عن طريق ادراج افراد القوات المسلحة ضمن اختصاصات القضاء العسكري (المادة ١٩٨) يعني لو دست علي رجل ظابط في الجيش ممكن تتحاكم عسكرياً ً، واخيراً فقد خلا دستور الكرامة الانسانية من اي مواد تمنع تجارة الرق والمتاجرة بالبنات في صورة تزويج القاصرات، او مواد تمنع عادات مجتمعية متخلفة مثل ختان البنات.
دعونا نكتفي بهذا القدر الذي يسلط الضوء علي بعض (وليس الكل) من مساوئ طريقة انشاء هذا النص، ومضمونه المغرض الخطير، لعلنا نكون قد قدمنا بالبرهان وبالحقائق وبالمواد وبالارقام، لمن لديه اعين واذان لم تغلق باوامر او عن ضغينة او كره، اسباب قهرية لا جدال فيها، تحول دون قبول مثل هذا الهراء دستوراً لدولة انتفضت من اجل الحياة الكريمة. وجدير بالذكر ان الكثيرين من الافاضل قد قاموا بعمل موازي لهذا النص، ولهم كل الاحترام اياً كانت اعتراضاتهم او اختلافاتهم مع هذا السرد، والحمد لله ان باب الاجتهاد القانوني والسياسي لم تغلقه فتوة بعد.
______________________________________________________________
ثانياً: ماذا نفعل الآن
الآن وقد اتفقنا علي ان علينا التصدي لهذا الدستور بأي وسيلة، فلنتطرق للتساؤل بإيجاز وموضوعية عن الطريق الأمثل لتحقيق هذا الهدف. التالي هو شرح لكل وسيلة مع إيضاح سريع للمخاطر خلف كل منها
الخيار الأول:
سنشترك جميعاً في حملة قومية للحشد بضرورة التصويت بلا يوم السبت ١٥ ديسمبر القادم وهذا معناه ببساطة ان كل منا سيلخص اسباب رفضنا لهذه المسودة، كما حاولت في هذه الورقة، مستعيناً بها أو بغيرها، عن طريق طبعاعتها كما هي أو تلخيصها بأي شكل، ونشر هذا الفكر في كل مكان، ومع كل المصريين الذين سنتعامل معهم، وفي كل لحظة من حياتنا علي مدار الأسبوعين القادمين. من أجل تحقيق ذلك يجب ان نتعامل مع جميع الظروف والعقليات، ونستخدم كل الأساليب والتقنيات، ونخاطب كل الطبقات والمستويات. وحتي لا يساء فهم كلمة حملة قومية، فالفاعل الأساسي في هذه الحملة ليس جهة او مؤسسة، بل كل فرد منا وكل حسب إمكانيته وكل بمقدار قدراته. ولكن أيضاً هذا معناه ان تعي النوادي والجمعيات وسائل الإعلام المقروئة والمرئية والمسموعة خطورة هذه اللحظة الحاسمة، وان تفهم كلها ضرورة الكف عن القيام بدور هزلي بزعم حياديتهم. آن الآوان ان نتحدث بوضوح، وطالما لا أري الدكتور البرادعي او حمدين صباحي علي قنوات الناس أو الحافظ أو في سرادق تقام بالمحافظات بتمويل حكومي، فمن واجب القائمين علي محطات سي بي سي ودريم والحياة والمحور والقاهرة والناس وأمثالهم ان يرحمونا من تامر تان تان ومحمد البلطجي في الأسبوعين القادمين، وألا نعطي أي مجال للمروجي لهذا الفكر حتي ولو إرتدوا عباءة الإعتدال من أمثال أبو الفتوح ومن يشبهه من المتلونون بكل ألوان الطيف، الذين برعوا في فن دس السم في العسل عن طريق اتباعهم وكتابهم من أمثال من كنت أحترمه بلال فضل ومن هم علي شاكلته, لأن المحايد في هذه اللحظة مضلل ولن ينوبه جائزة النزاهة، بل سيكون السبب المباشر في القمع الذي سيدواينا به جميعاً من يدفعوا هؤلاء المتمرسون علي تنويمنا مغناطيسياً.
الخطر: يجب أن نعي جميعاً ان هذه الحملة إذا بدأت اليوم ودامت أسبوعين, وإذا إمتثلت كل الجهات والجمعيات والمؤسسات والشركات بما فيهم الإعلام، وإذا إمتثل كل منا لكل ما طرحناه من حتمية العمل الإيجابي وعدم التقاعس عن أداء دورنا في الشوارع والحواري والمقاهي والنوادي والنجوع و القري وأينما ذهبنا وتوسعنا عن وعي ودراية بعيداً عن الفيسبوك والتويتر ومحيطنا الإجتماعي والأسري المباشر، وحتي إذا حسبنا حسبة الإنتخابات الرئاسية الماضية بفرق المليون بين المرسي والشفيق، فكل ذلك لا يعني ألا نعي ان قواعد اللعبة قد إختلفت كثيراً الآن وقد أصبحت الجماعة هي التي تحكم، وقد أصبح القضاة الذين وافقوا علي الإشراف علي هذا الإستفتاء، ليس كمن كنا نشك أو نتناقش في نزاهتهم، بل من الذين هم واضحون وصرحاء في الإنحياز والميول لصالح الحاكم، كما اننا لا نملك أدوات الرقابة داخل اللجان كما إمتلكناها بمندوبي حملات المرشحين كلهم أو بوجودنا كمراقبين داخل وخارج اللجان ومع الصناديق. وأخيراً يجب أن نعي أيضاً ان إذا كانت السلطات الأمنية أثناء الإنتخابات الرئاسية قد إلتزمت الحياد إذا جاز التعبير، فهذا الزمن قد مضي، ومن يعول علي قيادات القوات المسلحة او وزارة الداخلية أن يعملوا ضد النظام فهو واهي وساذج مع كل الإحترام.
الخيار الثاني:
خيار المقاطعة وعدم المشاركة في الإستفتاء وهو عن طريق التوعية للجميع بضرورة عدم المشاركة في هذا الإستفتاء من منطلق أن ما بني علي باطل فهو باطل. وهنا لن أسهب كثيراً في الشرح لأن الموضوع واضح والأساليب المتبعة في الحشد لهذه المقاطعة هي ذاتها كتلك التي تم شرحها في الخيار الأول كما انه لا داعي للحديث طويلاً عن الخطر لأني أجزم ان ما من أحد منا يعتقد ان الجماعة التي تلونت وكذبت وتحولت وإغتصبت وسرقت وسلقت لن تستطيع ان تحشد وتعلن النتيجة التي تبغاها. فحتي إذا لم يذهب سوي من وافق فالنتيجة ستكون علي الشكل الذي يناسب الحدث من وجهة نظرهم لكي نصبح قد ساهمنا وساعدنا في تسهيل المهمة عليهم وأعطيناهم كل الخيوط في أيديهم لكي يحركوا العرائس كيفما شائوا.
الخيار الثالث:
التصعيد والتظاهر والإعتصام والإضراب والعصيان المدني حتي نشل حركتهم ونجبرهم علي الخضوع لمطلب واحد لا بديل له وهو إلغاء هذا الإستفتاء، تفادياً لسقوط الدولة فعلياً وليس فقط لفظياً كما إعتدنا سماعه من أبواق دعاة الإستقرار بأشكالهم. لكي ينجح هذا الطريق الصعب، يجب ان تتضافر جميع القوي المجتمعية، وتتضامن جميع الأحزاب والجمعيات، وتتشابك جميع المبادرات والحركات، ويتعاون كل المواطنين والمواطنات علي التظاهر السلمي في مسيرات إحتجاجية في كل المحافظات، والإنضمام للمعتصمين في كل الميادين، ومساندة القضاة والإعلاميين الذين ينوون الإضراب عن العمل في كل القطاعات، ومقاطعة كل الهيئات الحكومية، والإعتكاف عن العمل (ما عدي فيما يهدد حياة المواطنين مثل الإسعاف والإطفاء)، والغياب عن المدارس والجامعات، والإمتناع عن الممارسات المالية مع قطاعات الحكومة المختلفة مثل دفع الفواتير، والممارسات الإدارية مثل إستخراج المستندات الرسمية وتجديد الرخص والتراخيص وإصدارها وتوثيق العقود في مكاتب السجل المدني والشهر العقاري، وغير ذلك من الممارسات حتي يتعطل تدفق الأموال بأنواعها إلي الحكومة وتجف إيراداتهم، فضلاً عن إرهاقهم في التعامل الأمني والمعنوي والإعلامي مع مظاهر الإضراب والإعتصام كلها، فيتضطر القائمون علي هذه المحاولة الدنيئة لإغتصاب مستقبل أولادنا العدول عن طريقهم، ويقوم مندوب المرشد بإلغاء هذا الإستفتاء، والرضوخ لطلب القوي الوطنية المتحدة بتشكيل مجموعة أو جماعة أو جمعية من المتخصصين الأحرار لكي يصيغوا دستور يستحقه شعب مصر بعد ثورته العظيمة.
الخطر: وهنا أيضاً فعلينا ان نعي هنا انه قد يكون من الصعب إقناع الجميع بمثل هذه الخطوة لأنها تتطلب قدر كبير من الوعي والحراك الشعبي حتي تصبح الكتلة الفاعلة بالحجم المؤثر فعلياً ولا نقوم بعزل أنفسنا وإستنذاف جهودنا في دعوات ومظاهرات ومسيرات في حين يفضل جزءً منا خرق الصفوف وحشد من يعرفونهم للمشاركة في الإستفتاء بعيداً عن هذه الممارسات التي قد لا يفهموا ابعادها او لا يصدقوا فرص نجاحها، وغالباً ما سيكون ضمن هؤلاء الكثيرون من أعضاء حزب الكنبة أو من لم يناصروا الثورة أو من لم تتشبع قلوبهم بالإيمان بقدرة الشعب الثائر علي نيل مطالبه بالصمود والصبر والشجاعة والتضحيات الحقيقية، ومن يعتقدوا ان الأصوات التي فرقت بين شفيق ومرسي من السهل تعديها، وسيشجعهم علي ذلك انصار حزب الليمون الذين سيعطوا بذلك الشرعية لمن يدعمون خفياً او باطناً لأسبابهم وبذلك يؤدوا إلي فشل العصيان المدني وتفتيت القوي الوطنية.
___________________________________________________________________
ثالثاً: الخلاصة والحل
كما تحملنا جميعاً تداعيات إنسياق البعض خلف نداءات الإستقرار الزائفة عندما قالوا نعم لإستفتاء العام الماضي، وكما تحملنا جميعاً طيبة قلب من إعتقدوا ان إنتخاب من تظهر عليهم أعراض الإسلام والإيمان في البرلمان ظناً منهم ان هؤلاء لا يكذبون ويتقوا الله فيما يفعلون، وكما تحملنا كلنا سذاجة من حللوا تحليلات مخطئة عن فرص المرشحين الرئاسيين في الجولة الأولي وبذلك فتتوا الأصوات وساعدوا المجلس العسكري في عزل الصوت المدني خلف احمد شفيق وهو المرشح الوحيد الذي لا يستطيع الفوز ضد مرشحهم ومرشح الأمريكان السيد محمد مرسي، ومثلما تحملنا أنصار البونبوني وأنصار الليمون في معركة الإعادة الوهمية المحسومة مسبقاً, سنتحمل أي شيء آت مهماً كان. نعم. دعونا نتفق ان أياً كانت الوسيلة التي سنتفق عليها أو نتبعها، فعلينا جميعاً ان نتفق علي تحمل عواقبها من الآن. وتلك العواقب قد تكون ان الجماعة ستضع كل إمكانياتها خلف إنجاح هذا المخطط حتي تطل علينا هيئة ما بعد الإستفتاء بساعات لكي تعلن عن قبول الشعب المصري لهذا الدستور.
ولكن – ولعلها تكون أهم لكن في حياتنا وفي التاريخ - شيئاً واحد فقط سيحدد مصيرنا، وهذا الشئ هو ما سيحدد إذا كان تحملنا لعواقب إختياراتنا سيأتي بما نبتغيه جميعاً لمصر أو إذا كنا شعب قد تعود علي تكرار أخطائه بشكل يجعلنا فريسة تستحق السخرية، وهو هل سنتخذ جميعاً موقف موحد في الأسبوعين الآتيين أم سننقسم مرة أخري ونضيع بذلك أي أمل في إنجاح أياً من الطرق التي سنسلكها؟ الإختبار الحقيقي ليس في الوسيلة التي سنختارها ولا حتي في نتيجة الإستفتاء، ولكن في توحيد صفوفنا علي عكس كل ما مضي حتي ننجح فيما نبتغيه أخيراً أو - وهذا أضعف الإيمان - حتي نخرج من هذه الموقعة أقوياء ومهابون قادرون علي مواصلة الحرب متحدون أقوياء مهما زوروا ومهما تلاعبوا.
إلي شعب مصر الحر:
إستقيموا يرحمكم الله. أياً كانت الطريقة التي ترونها الأمثل، فآن الآوان الا ينفرد أحداً منا في الفعل، والا يتسلط أحداً منا في الرأي، وأن ننصاع جميعاً علي إختلاف وجهات نظرنا لرأي واحد وفعل واحد، ونرتضي كلنا بما ستتفق عليه قيادات جبهة الإنقاذ الوطنية.
إلي جبهة الإنقاذ الوطني:
إستقيموا يرحمنا ويرحمكم الله. نحن في إنتظار قراركم الواضح فوراً ونتعهد بالمضي قدماً وسوياً خلفكم في الطريق الذي سستتفقوا عليه.
عاشت مصر قوية مستقلة وعاش شعب مصر حر.
محمد رؤوف غنيم
التحرك الإيجابي
الأحد ٢ ديسمبر ٢٠١٢
--
www.facebook.com/TaharokIgaby
No comments:
Post a Comment