بالنسبة للمقـتـرحات الخاصة بتعديل الدستور
مفتوح للمناقشة
بعد تدارس المقترحات التي قدمتها لجنة التعديلات الدستورية باهتمام بالغ، ورغم أن كثيرا من هذه المقترحات، تعالج عيوباً دستورية خطيرة كانت قائمة في الدستور السابق، وتستجيب لبعض المطالب التي ناضلنا لسنوات من أجل تحقيقها وأجمعت عليها القوى الوطنية خلال الشهور والسنوات الماضية، ومنها الخاصة بتحديد مدد الرئاسة، وفتح الباب أمام قطاعات كبيرة مؤهلة من أبناء الشعب المصري للترشح لهذا المنصب الرفيع، وإعادة الإشراف القضائي على الانتخابات، إلا إننا نرى أن هذه الاقتراحات قد شابها عوار في الشكل وفي المضمون. فبداية، لم تتم أي حوارات أو مناقشات بين اللجنة وبين القوى السياسية، رغم أن الدستور بتعديلاته يجب أن يأتي كحصاد لحوار سياسي ومجتمعي. ومن ناحية أخرى، فإن قيام ثورة 25 يناير المجيدة تجعلنا نقول أن الوطن اليوم قد تجاوز هذه التعديلات والدستور ككل، وذلك من المنطلقات التالية:
· أن دستور 1971 بتعديلاته والمقترحات الأخيرة، ينظم عمل الدولة في الظروف الطبيعية، بينما الوطن يعيش منذ ثورة 25 يناير المجيدة في ظروف استثنائية، وأنه وقد تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 11 فبراير مسئولية إدارة البلاد لتفعيل الإرادة الشعبية، وهو أمر خارج إطار الدستور المعطل، فإن هذه المرحلة الانتقالية تستدعي صدور إعلان دستوري يضع أسس الحكم ويرسخ الحقوق والحريات، وينظم العمل خلال المرحلة الانتقالية، وهو ما لا يفي به الدستور المعطل بتعديلاته المقترحة، وأن الإعلان الدستوري لابد أن يضع الآليات المناسبة بمواعيد محددة، لتفعيل التحول الديمقراطي تنتقل فيه السلطة سلميا لهيئات منتخبة من الشعب بصورة حضارية، تضمن الحفاظ على الاستقرار ودوران عجلة الإنتاج وحماية المصالح العليا للوطن.
· لقد أفصحت الإرادة الشعبية عن نفسها من خلال ثورة 25 يناير، بضرورة بناء دولة مدنية تقوم على أسس الديمقراطية والمساواة والمواطنة وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، وأن تكون الأمة هي مصدر السلطات، وأن يتمكن الشعب من المشاركة السياسية في كل مستويات السلطة، كما خلقت الثورة واقعا سياسيا جديدا، اتضحت فيه رغبة قطاعات واسعة من الشعب المصري في إنشاء أحزاب جديدة تعبر عنها، والانضمام إلى بعض الأحزاب القائمة وإعادة بنائها، بعد عقود طويلة من موات الحياة الحزبية في مصر.
· أن الديمقراطية لا يمكن اختزالها فقط في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة، بل أن وجود حياة سياسية وحزبية تتمتع بالحيوية والقدرة على الوصول للجماهير والتواصل معها سياسيا وإعلاميا في مختلف أنحاء الوطن، هي الضمانة لأن تأتي الانتخابات النزيهة لتعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي، كما أن تكافؤ الفرص بين اللاعبين السياسيين يستدعي إعطاء الفرصة أمام الكيانات السياسية في تكوين أو إعادة بناء نفسها بعد عقود طويلة من الحصار الأمني والإعلامي والإداري والقانوني على العمل الحزبي.
· أن إجراء انتخابات برلمانية بصورة متعجلة مبتسرة، قبل صدور قانون جديد ينظم عمل الأحزاب السياسية، وقبل فترة تتيح لتلك الأحزاب الخروج والوصول للجماهير، إنما يخاطر بوأد الثورة، وإعادة إنتاج المشهد السياسي للعصر البائد تحت لافتات جديدة، وهو ما تتبناه قوى الثورة المضادة، التي تصمم على إجهاض تطلعات الشعب المصري وثورته المجيدة.
ومن الناحية الفنية، فإن المقترحات المقدمة لم تعالج العديد من المشاكل الخطيرة في الدستور الحالي:
· تنص المقترحات على يقوم البرلمان القادم باختيار الهيئة التأسيسية المنوط بها وضع الدستور الدائم للبلاد مما يحول بين المصريين وحقهم الطبيعي في الاختيار المباشر للهيئة التأسيسية التي ستضع الدستور الدائم.
· كما تنص التعديلات على أن يقوم الرئيس القادم باختيار نائب له خلال شهرين دون أي تحديد لصلاحيات ومسئوليات النائب، وكان من الأحرى أن يتم التصويت على الرئيس والنائب في بطاقة انتخابية واحدة، فلا يعقل أن يقوم أي شخص بشغل هذا المنصب الهام والرفيع بعيدا عن الإرادة الشعبية.
· لم تتطرق التعديلات الدستورية المقترحة لتقليص سلطات رئيس الجمهورية المطلقة، والتي تؤدي لفساد الحكم، بل أبقت عليها بالمخالفة للإرادة الشعبية التي تريد توازناً في السلطات، وفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، وعلى سبيل المثال، طبقا للدستور القائم بتعديلاته المقترحة، يظل رئيس الجمهورية رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء مما يخل باستقلال القضاء وهو مطلب شعبي أصيل.
· لم تتطرق التعديلات الدستورية لإلغاء المادة 82 فقرة أخيرة، والخاصة بعدم جواز تعديل الدستور أو إقالة رئيس الوزراء أو حل البرلمان، إلا من قبل رئيس الجمهورية وهي العيوب الدستورية التي أدت للوصول للأزمة الدستورية الحالية.
· لا يوجد أي نص طبقاً للتعديلات المقترحة يلزم رئيس الجمهورية بتكليف الحزب أو الائتلاف الذي يحصل على الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة.
· لا يوجد أي بند يضمن حق التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للمصريين الذين يعيشون في الخارج.
وعليه، فإن التحول الديمقراطي الحقيقي من وجهة نظرنا ومعظم القوى السياسية والحركات الشبابية يستدعي فترة انتقالية لا تقل عن 18-24 شهرا قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، وفي ظل إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن نيته في تسليم السلطة لمدنيين في خلال ستة أشهر، وهو أمر محمود، فإننا نرفق مشروعين ينظمان انتقال السلطة عبر فترة انتقالية ذات مرحلتين:
· المرحلة الأولى: يتولى فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسئوليات رئيس الجمهورية لمدة ستة أشهر
· المرحلة الثانية:
o يتولى فيها رئيس انتقالي منتخب مسئوليات رئيس الجمهورية لمدة سنتين لا تجدد على ألا يكون له الحق في الترشح مرة أخرى للرئاسة.
أو:
o يقوم فيها مجلس رئاسي - يتم اختياره بناء على آلية موضوعية مقترحة، بتولي مسئوليات رئيس الجمهورية لمدة سنتين لا تجدد على ألا يكون لأي من أعضائه الحق في الترشح للرئاسة فيما بعد.
وإذ نحن نتقدم بهذه المقترحات ونطرحها للحوار والنقاش على الشعب المصري والقوى السياسية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإننا نبتغي منها صالح الوطن، وتحقيق مطالب ثورة 25 يناير المجيدة، والله الموفق المستعان.
No comments:
Post a Comment