Tuesday, August 12, 2008

Palestinian Refugees - Right of Return 1

الحفاظ على حقوق

اللاجئين الفلسطينيين


بدائل إستراتيجية




التفاوض كبديل عن اللجوء لأدوات العـدالة الدولية
جاء الطرح الأمريكي - بدءاً من السبعينيات - بضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي عبر التفاوض الثنائي المباشر بين كل من دول المواجهة وإسرائيل لتحقيق عدة أهداف:
1- التفاوض المباشر يعطي اعترافاً ضمنياً بحق إسرائيل في الوجود والعيش بسلام، ويكسر الحاجز النفسي بين أطراف النزاع.
2- التفاوض الثنائي وليس الجماعي يعظم من القوة التفاوضية لإسرائيل على حساب العرب.
3- اتخاذ التفاوض – وليس مرجعيات وأدوات العدالة الدولية – كوسيلة وحيدة لحل الصراع يضمن أن يأتي الحل متماشياً مع الأمر الواقع، ويعطي للطرف الأقوى عسكرياً – إسرائيل – الفرصة في التهام الحقوق العربية، عكس اللجوء لأدوات العدالة الدولية - مثل محكمة العدل الدولية – والتي غالباً ما سوف تنتصر لأصحاب الحق – العرب – على حساب الغاصب – إسرائيل – بصرف النظر عما تملكه الأخيرة من مزايا تفضيلية تفاوضية ناشئة عن احتفاظها بالأراضي العربية كأمر واقع، وامتلاكها لأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط مدججة بأحدث الأسلحة الأمريكية علاوة على أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل، وكلها أمور ترجح كفتها التفاوضية. والتفاوض مع الطرف الغاصب في غياب الشرعية الدولية وانعدام إرادة فرض تلك الشرعية، أشبه بأن تلجأ ضحية لا تملك القوة أو السلاح للشرطة لاستعادة حقوقها التي سلبها "بلطجي" مدجج بالسلاح، فتأمرها الشرطة بالتفاوض مع المجرم تحت تهديد السلاح.

وقد جاء هذا التوجه الأمريكي احتراماً لتعهدات الولايات المتحدة لإسرائيل قبل حرب 1967، بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تضمن التفوق الإسرائيلي العسكري على الدول العربية مجتمعة، وأنها لن تضغط على إسرائيل لإعادة الأراضي العربية التي كان من المقدر أن تكتسبها نتيجة لتلك الحرب، مع الأخذ في الاعتبار حجم المخاطرة التي أخذتها إسرائيل على نفسها بشن الحرب على ثلاث جبهات في وقت واحد، وقيامها بتنفيذ سياسة أمريكا بإسقاط أو إضعاف نظام عبد الناصر. وهذا التعهد الأمريكي جاء لضمان ألا تكرر أمريكا ما فعله إيزنهاور أثناء حرب 1956، عندما "انتصر للمبادئ على حساب الصداقات"، مما سمح لعبد الناصر أن يحرز نصراً سياسياً رغم هزيمته العسكرية أثناء العدوان الثلاثي.

دروس من إستراتيجية السادات التفاوضية
ومن الملاحظ أن مصر قد أدركت عدم جدوى اللجوء للشرعية الدولية، فجاء السادات في السبعينيات واستخدم تقنيات تفاوضية جديدة أثبتت نجاحاً ملموساً في تحقيق الغرض منها:
1- وضع السادات أمريكا في صورة الشريك النزيه والأوحد، فحيد الرأي العام الأمريكي وقطع خط الرجعة على من يدعون أن مصر تعمل لمصلحة السوفييت في الحرب الباردة.
2- بذهابه للقدس وحديثه للمجتمع الإسرائيلي مباشرة، وندائه بجعل حرب أكتوبر هي آخر الحروب، اكتسب السادات تأييداً واسعاً داخل المجتمع الإسرائيلي وبالتالي داخل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ووضع الإدارة الإسرائيلية في موقف حرج داخلياً وخارجياً، لا تستطيع معه إفشال هذه الفرصة التاريخية.
3- خاطب السادات الرأي العام العالمي من منطلق الدعوة للسلام من موقف القوة بعد ما أنجزته مصر في حرب أكتوبر (سلام الشجعان – سلام الأقوياء).
4- لم يتفاوض السادات باسم أحد، ولم يتنازل عن حقوق الفلسطينيين – باعتبار هذه الحقوق هي السبب الأصلي للصراع – بل أن اتفاقية "كامب ديفيد" ذكرت 3 مراحل لحل القضية الفلسطينية، بدءاً بالحكم الذاتي، وصولاً لترتيبات الوضع النهائي.

ودون أن ننتقص من قدر السادات كزعيم وطني ذي رؤية مستقبلية ثاقبة وخيال واسع، فهناك أيضاً أخطاء منهجية وتكتيكية وقع فيها السادات(Telhami, Shibley; Raiffa, Howard; etc.) ، ويجب أن تعيها الأجيال الحالية والقادمة من المفاوضين العرب، مثل "الثقة" الزائدة في نزاهة "شركاء" التفاوض، ووضع كل الثقل التفاوضي في يد شخص واحد على قمة صنع القرار – السادات نفسه - بدلاً من وجود طبقات مؤسسية وفنية متتالية للوصول إلى التفاصيل النهائية، مع ضرورة تصميم "أبواب خروج" Exit Strategies وخطوط دفاع تفاوضية ثانية وثالثة.

وقد مشي عرفات على درب السادات – وإن جاء هذا متأخراً 12 عاماً، عندما أقر بحق إسرائيل في الوجود، وقام بقبول المفاوضات المباشرة، وصولاً لاتفاقية أوسلو في سبتمبر 1993، وتلاها انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة، وقيام "السلطة الفلسطينية"، تمهيداً لإعلان الدولة الفلسطينية في غضون 5 سنوات. وأدرك اليمين الإسرائيلي أن الدولة اليهودية على وشك أن تدخل في نفس القفص الذي سبق وأن حوصرت فيه على يد السادات، فقامت قيادات الليكود بانتقاد رابين – (حكومة حزب العمل) بشدة، ووصمته بالتخلي عن الحقوق التاريخية للشعب اليهودي، وعلى أثر ذلك قام المتطرفون باغتيال رابين.

اليمين الإسرائيلي يتراجع
ثم جاء نتنياهو إلى الحكم، وألقى بكل ثقله لإلغاء اتفاقية أوسلو، وبذل مجهوداً كبيراً في إقناع المنظمات اليهودية الأمريكية بأن عرفات ليس بشريك سلام يعتمد عليه، ولكن الشعب الإسرائيلي لم يكن مستعداً للتخلي عن حلم السلام بعد أن لاحت ثماره، فأطاح بنتنياهو (الليكود) وجاء بباراك (العمل مرة أخرى)، وبدا أن باراك مستعداً لإتمام صفقة رابين، واقترب الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني للغاية من التوصل لاتفاق سلام في كامب ديفيد في أغسطس 2000، حتى توقف الطرفان عند نقطة "حق العودة للاجئين"، ففشلت المفاوضات، وأعلن باراك وكلينتون أن عرفات لم يكن مستعداً لقيادة شعبه نحو تقبل التضحيات اللازمة لحل الصراع، فنجحت خطة نتنياهو في إثبات أن عرفات ليس شريك سلام Not A Peace Partner (سوف نعود لهذه النقطة فيما بعد). واتبع اليمين الإسرائيلي سياسة استبدال اللاعبين وتصعيد الموقف، فدخل شارون – وهو خارج السلطة - الحرم القدسي محاطاً بثلاثة آلاف جندي مدججين بالأسلحة، لتندلع عقب ذلك انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 (يوم الذكرى الثلاثين لوفاة عبد الناصر)، وجاء شارون إلى الحكم، لينتهي فصل "أوسلو" بإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية، وحصار عرفات، ثم بناء السور العازل.

الشرك الليكودي
ويلاحظ أن الفلسطينيين قد وقعوا في الشرك الذي رسمهما لهم نتنياهو وشارون، عندما تحولوا من الرفض السلمي – انتفاضة الحجارة – للعمليات الاستشهادية / الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين – فحدث تحول للرأي العام العالمي بعد أن كان يؤيد الحقوق الفلسطينية على طول الخط، ودعم هذا التحول لغير صالح الفلسطينيين وقوع أحداث 11 سبتمبر الدامية، والربط بين الإرهاب الدولي والعمليات الاستشهادية – أو الانتحارية – ليتم تصنيف العديد من منظمات المقاومة الفلسطينية كمنظمات إرهابية، وأعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل بصورة نهائية أن عرفات "ليس بشريك سلام" ووصمتاه برعاية الإرهاب أو على الأقل السكوت عليه، علاوة على الفساد واحتكار السلطة.

هل كان يجب على عرفات أن يتنازل عن حق اللاجئين في العودة؟
مبدئياً، ومن الناحية الفنية، أشكك في أهلية عرفات رحمه الله – أو أهلية أي رئيس للسلطة الفلسطينية – للتنازل عن حق اللاجئين في العودة، للأسباب التالية:
1- رئيس السلطة الفلسطينية هو رئيس منتخب من أهالي الضفة الغربية وغزة، وليس لديه أي تفويض بتمثيل اللاجئين.
2- ما الذي سوف يحصل عليه اللاجئون مقابل تنازلهم عن حق العودة؟ ليس من المنطقي أن يتنازل اللاجئون عن حق العودة مقابل أن تحصل مجموعة أخرى من الفلسطينيين على حق إقامة دولة لهم، فهنا التنازل لا تقابله أية مصلحة للطرف المتنازل.
3- بفرض حصول رئيس السلطة الفلسطينية على تفويض أو توكيل قانوني من اللاجئين ليتفاوض باسمهم، فهذا التوكيل في طبيعته توكيل "خاص" بشروط محددة، يلتزم معها المفاوض باستعادة الحقوق والأراضي والحصول على تعويضات مناسبة، وليس من ضمن هذا أن يتنازل عن حق "المواطنة" الخاص بمن وكلوه، لأن حق المواطنة هو حق أصيل من حقوق الإنسان لا يمكن التنازل عنه. وإذا قبل اللاجئون الفلسطينيون التنازل عن حق المواطنة، فماذا تصبح جنسيتهم بعد ذلك؟ هل يصبحون عديمي الجنسية؟

من الأفضل إذن أن نسأل السؤال بصور أخرى. من هم الذين يمثلهم رئيس السلطة الفلسطينية؟ والجواب هنا في رأيي، أن رئيس السلطة الفلسطينية يمثل من انتخبوه، وهم أهالي الضفة الغربية وغزة. والسؤال التالي هو: ما هي المجموعات الأخرى الفلسطينية؟ والجواب في تصوري هو:
1- عرب 48 الذين يعيشون داخل إسرائيل ويعانون من التمييز العنصري المقنن.
2- اللاجئون الفلسطينيون الذين نزحوا عن أراض تقع اليوم داخل إسرائيل بحدودها "التقريبية".
3- اللاجئون الفلسطينيون الذين نزحوا عن أراض تقع اليوم داخل نطاق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
4- علاوة على الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هل يجب أن يسعى رئيس السلطة الفلسطينية لتمثيل كل الفلسطينيين؟
في تصوري، يجب أن يتجنب رئيس السلطة الفلسطينية تمثيل المجموعتين (1) و (2)، ويقتصر على تمثيل المجموعتين (3) و (4)، وبهذا، فإن انتخابات رئيس السلطة يجب أن تمتد لتشمل ترتيبات خارج الأراضي المحتلة، ليشارك فيها كل من يعيش في - أو نزح عن - أراض فلسطينية تقع داخل نطاق الحدود "التقريبية" للدولة الفلسطينية المقترحة. لماذا؟ لأن المجموعات الفلسطينية الأخرى لها مصالح مختلفة وتعاني من مشاكل أكثر تعقيداً، ولابد من حلها بوسائل أخرى. ومن حسن الحظ، أن هذه المشاكل بطبيعتها من النوع الذي تقل درجة تعقيده بمرور الزمن، وخاصة بعد التوصل لاتفاق سلام بين السلطة الفلسطينية والمجموعات التي تمثلها ](3) و (4)[.

من يمثل عرب 48؟
الإجابة البديهية هي أن عرب 48 قادرون الآن بالفعل على تمثيل أنفسهم، ومن منطلق وضعهم "كمواطنين إسرائيليين"، فلهم دور فعال وأساسي في الوصول لحل عادل للصراع. ورغم أن إسرائيل تفاخر بكونها دولة "ديمقراطية"، فإن قوانين الهجرة والجنسية الموجودة بها الآن تكرس وضعها كدولة "عنصرية دينية" تعطي لليهود في كافة أنحاء العالم أفضلية في حق الهجرة لإسرائيل والتجنس بجنسيتها، مما لا يتماشى مع القوانين الأوربية مثلاً، ويتعارض مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة التمييز العنصري ومبادئ إعلان حقوق الإنسان. وليس من المستحيل أن يستطيع عرب 48 مع وجود الدعم المناسب، أن يحتكموا لأدوات الشرعية الدولية بحيث يتم في المستقبل غير البعيد "توفيق أوضاع" القانون الإسرائيلي، ليعطي حقوقاً متساوية للمواطنين الإسرائيليين بصرف النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي، وكذلك "توفيق أوضاع" قانون الهجرة الإسرائيلي.

تأجيل التفاوض على حق العودة
ومع نزع فتيل الصراع، فإن التطور الطبيعي للأشياء سوف يضع إسرائيل أمام مفترق طرق، إما أن تصبح دولة ديمقراطية علمانية، أو تستمر كدولة "يهودية" يشوبها العنصرية، وأتصور أن الشعب الإسرائيلي نفسه، ونتيجة لأسباب داخلية ودولية، واعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة، سوف يستقر على الخيار الأول – العلماني – مما سوف يكون في صالح عرب 48 وأيضاً في صالح اللاجئين الفلسطينيين من المجموعة (2). وهنا تظهر فكرة جديدة وإن كانت مؤلمة، وهو أنه يجب التريث قبل حسم مشكلة اللاجئين، وربما يجب تأجيل التفاوض في هذه القضية بالذات لفترة من 15 – 25 عاماً حتى تعطي النتائج المرجوة، وحتى لا يضيع حق اللاجئين في العودة والتعويضات المناسبة.
البديل الآخر، هو أن يقبل الفسلطينيون بحق عودة مؤجل لمدة 50 عاماً مثلاً. بمعنى أن إسرائيل توافق على حق عودة اللاجئين، ولكن اللاحئين أو أبناءهم لايصبح من حقهم العودة إلا بعد 50 عاماً. وفي النهاية هذا حل وسط، يعيد الحقوق لأصحابها، ولكنه يؤجل استحقاقها.

من يمثل اللاجئين الفلسطينيين؟
لابد من قيام منظمة أهلية في إحدى الدول الأوروبية، ذات فروع في الدول العربية والولايات المتحدة وكندا وأوروبا واستراليا Australasia، لتمثل بصورة مؤقتة مصالح اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في تلك الدول، وتطالب بصورة سلمية، وباستخدام كل أدوات العدالة الدولية وبالتعاون مع حكومات الدول العربية والصديقة، بحق العودة والمواطنة، واستعادة الأراضي والممتلكات المسلوبة، وبالتعويضات المادية المناسبة عن الأضرار المادية والأدبية الناشئة عن تشريدهم ومعاناتهم الطويلة. وقد يكون من المناسب أن يتم التعاون بين هذه المنظمة ومنظمات حقوقية إسرائيلية ويهودية، بحيث تتضامن هذا المؤسسات جميعاً في مخاطبة الرأي العام العالمي وأدوات العدالة الدولية (مثل محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة). وقد يقول البعض، أن منظمة التحرير الفلسطينية تقوم منذ عقود طويلة بهذا الدور، وهذا صحيح، ولكن في تصوري، لقد وصلت المنظمة لمفترق طرق وعليها أن تأخذ القرار، إما الاستمرار كمنظمة تمثل الفلسطينيين بعيداً عن السلطة، وإما أن تنغمس في السلطة وتتداخل معها فتخضع لاعتبارات سياسية وضغوط دولية، قد تعوق حرية حركتها على المدى الطويل.

التحكيم الدولي عند الاختلاف
من المهم الوصول بسرعة لاتفاق مبادئ Framework Agreement بين السلطة الفلسطينية المنتخبة وبين الحكومة الإسرائيلية – يجسد مبادئ خارطة الطريق تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية وبحضور مصري أردني. وإذا استطاع الفلسطينيون نزع الفتيل من مشكلة اللاجئين بالأسلوب المقترح هنا أو بأي أسلوب آخر، فسوف يكون من السهل الاتفاق على النقاط الأخرى بما فيها وضع مدينة القدس، والمستوطنات والجدار العازل. ومن المهم أن توجد آلية تحكيم يلتزم بها الطرفان عند حدوث اختلاف في التفاسير أو التفاصيل أو عند التطبيق، مثلما فعلت مصر في قضية طابا، لأن التحكيم الدولي سوف يكون عادة في صالح الفلسطينيين لأنهم أصحاب الحق الشرعي والتاريخي. وبالطبع فإن إسرائيل لن توافق بسهولة على اللجوء للتحكيم الدولي في أية قضية لنفس الأسباب، وهنا يجب حشد الرأي العام العالمي حول هذه النقطة.

المكاسب الصغـيرة مقابل "كل شيء أو لا شيء"
خلال المراحل الرومانسية في "إدارة" الصراع العربي الصهيوني عانى العرب، لفترة طويلة من أسلوب "كل شيء أو لا شيء". والآن، قد يقول البعض، لماذا يجب على الفلسطينيين أن يقنعوا بمكاسب صغيرة، ويتنازلون عن حقوقهم التاريخية مثل حق العودة؟ وهنا يجب أن نوضح شيئاً هاماً، إن قبول المكاسب الصغيرة لا يعني التخلي عن الحقوق الأخرى. فإذا كان أحد الأشخاص مديناً لك بمائة جنيه، وتعثر في السداد وماطل طويلاً، ثم أتى يوماً ما وعرض عليك أن يعطيك عشرة جنيهات وتنسى الموضوع، فأماك عدة بدائل: إما أن ترفض، أو أن تقبل، أو أن تقبل العشرة جنيهات شاكراً وتعطيه إيصال مخالصة بعشرة جنيهات مع التأكيد أنك تنتظر باقي المبلغ كاملاً مع الفوائد والتعويضات في المستقبل القريب. في حالتنا هذه، يحصل الفلسطينيون في الأراضي المحتلة على حق إقامة الدولة، ويشيرون أن هناك حقوقاً أخرى لجماعات أخرى يجب التفاوض عليها مع تلك الجماعات لتسويتها.

الرفض السلمي كبديل عن العنف
السيطرة الأمنية – أو انعدامها – في الأراضي المحتلة تمثل مشكلة ضخمة وعقبة في طريق السلام. وفي نفس الوقت، فلابد أن تظل الخيارات مفتوحة لجماعات غير رسمية للضغط السلمي ورفض ما تراه في غير صالح القضية من وجهة نظرها، ولكن يجب أن تتحول المقاومة الفلسطينية لمرحلة جديدة وذكية، يمارس فيها الفلسطينيون الرفض عبر وسائل ضغط سلمية، باستغلال الرأي العام العالمي لصالحهم لسبب رئيسي، وهو أن القوة في يد إسرائيل والحق مع الفلسطينيين، وبالتالي فإن استخدام منطق القوة مع إسرائيل في المرحلة الحالية لن يؤتي ثماره، بل يجب أن تختار المقاومة الفلسطينية نوع المعركة وتوقيتها وأسلحتها، وقد جرب الفلسطينيون النتائج الباهرة للرفض السلمي – أو شبه السلمي – أثناء الانتفاضة الأولى، فقد تعاطف العالم مع القضية لتصبح في بؤرة الاهتمام العالمي، مما أدى في النهاية لاتفاقية أوسلو. أما الانفلات الأمني الموجود حالياً، فهو ليس في صالح القضية الفلسطينية بل إنه يهدد مستقبلها بصورة مفزعة. ولا نود التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني باقتراح ضرورة نزع أسلحة الفصائل المختلفة للمقاومة بصورة تدريجية، لأن هذه هي أصعب مهمة تنتظر الرئيس المنتخب، ألا وهي مهمة تنظيم البيت الفلسطيني من الداخل، بما في ذلك تنمية المؤسسات ومكافحة الفساد وعلاج التشوهات الإدارية في بنية السلطة.

In Pursuit of Power

في سبيل التاج

من أجل عدة سنوات أو عدة أيام أو دقائق إضافية على سدة الحكم، دمر نظام الحكم المصري الحياة السياسة المصرية. على مدى ربع قرن من حكمه المرير، انشغل النظام بتزوير الانتخابات والاستفتاءات ومحاربة أحزاب المعارضة الجديدة وتجميد القديمة، تكسيح وتنويم الأحزاب القائمة، ودعم النائمة المتوائمة معه والمشغولة جداً بتفسير الأحلام وقراءة الكف وتبخير ورقي القادة المغاوير الذين لا بديل عنهم ويخشى من غيابهم على الأمة - الأمة العبرية – حتى قال رئيس أحد تلك الأحزاب وواحد من أهم الكومبارس في انتخابات الرئاسة – إذا فزت لا قدر الله فسوف أتنازل عن مقعد الرئاسة للرئيس. وكأن مقعد الرئاسة هو دكة رئيس الخفراء في شونة بنك التسليف أو مقعد في قطار كوبري الليمون أو كرسي في قهوة كتكوت.

المعارضة تلعب حول المواسير والحاكم يمسك بكل المحابس
خلال العام الماضي، قام النظام بجهد خارق تكلف المليارات وانشغل في تنفيذه مئات الآلاف من موظفي الدولة التي بدأت في عملية جديدة ومثيرة، انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بإشراف القضاء في كل مراحلها بشرط واحد، أن تأتي بالنتائج التي رسمها النظام. سمح النظام للمعارضة باللعب بجوار المواسير ولكن النظام الخبيث قرر أن يتحكم في جميع المحابس. هذه هي ديمقراطية النظام. ديمقراطية المواسير. أما المحابس فتخضع كلها للتوجيهات المسبقة والتعليمات اللاحقة التي تهبط على القضاة كالقضاء والقدر بالمحمول. هناك بعض الماء الذي يتسرب من المحابس فيختلط بالتراب وتلهو المعارضة باللعب في الطين ثم تهيله على رأسها وتلطم عندما تنتهي المسرحية بالنهاية المعدة سلفاً.

من أجل عدة أيام إضافية في مقاعد الحكم، كلف النظام زبانية البوليس السياسي بتعقب أحزاب المعارضة وشقها بزرع العملاء وابتزاز قياداتها وتجنيدهم للعمل كمرشدين للأمن. وبدلاً من أن يقوم النظام بالعمل على تقوية الأحزاب المدنية انشغل بتلفيق التهم الكيدية لرموز المعارضة واجتهد في إسقاطهم والإساءة إليهم. اجتهد النظام في منع المعارضة من التوسع بتهديد أصحاب العمارات والشقق بعدم تأجيرها كمقرات لأحزاب المعارضة، وتهديد المعلنين في صحف المعارضة، مثلما حدث مع أحد المعلنين من أصحاب مصانع السيراميك بعد قيامه بوضع إعلان في صحيفة الغد قيمته عدة آلاف من الجنيهات، اضطر بعد التوبيخ والتهديد أن ينشر عدة إعلانات في الصحف القومية قيمتها مئات الآلاف من الجنيهات ينفي فيها وينكر ويتبرأ من وضع إعلان في صحيفة الغد المعارضة. ولا ننسى اختطاف الصحفيين المعارضين والاعتداء عليهم بالضرب واستخدام تجمعات من البلطجية لمهاجمة مسيرات ومؤتمرات المعارضة والأمثلة كثيرة في بيراميزا وكفر صقر وأمام نقابة الصحفيين وضريح سعد. بدلاً من أن تشجع الحكومة صعود قيادات شابة معارضة لديها الجرأة والقدرة على المنافسة وجذب الجماهير حول أحزاب مدنية، بذلت الحكومة كل جهودها في التشهير بتلك القيادات، وتلفيق التهم لها، وإنهاكها 24 ساعة في اليوم حول مختلف أقسام الشرطة والنيابات لاستجوابهم في تهم عبثية مثل سب الحزب الوطني بينما تقوم قوات الأمن بحماية البلطجية ذوي السيوف المشرعة وتكفل الدولة الحصانة لمسئولي الزراعات المسرطنة.

نجاح العملية بنجاة الطبيب رغم وفاة الجنين والأم
كل هذا الجهد الخارق كان الهدف منه اصطناع "عملية" ديمقراطية وفي نفس الوقت التحكم في نتائجها بالحفاظ على الوضع القائم دون أي تغيير. أي نجاح "العملية" بنجاة الطبيب - رغم وفاة الجنين والأم. كان الهدف هو التلاعب في إرادة الشعب بوسائل حديثة غير مباشرة، وبدلاً من التزوير المباشر قرر النظام أن يحصل على مبتغاه في بقاء الأوضاع على ما هي عليه من خلال اغتيال المعارضة وتفتيتها واتهامها بالعمالة والخيانة ثم اختيار مرشحي الحزب الوطني الذين يتمتعون بالقدرة على شراء الأصوات وتأجير البلطجية. ولكن في النهاية ورغم الجهد الخارق الذي تفرغ له آلاف من ضباط البوليس السياسي فشل النظام في الحصول على الأغلبية وسقطت رموزه سقوطاً مدوياً وكانت فضيحة بجلاجل. وفي النهاية اضطر النظام للتدخل المباشر والضغط على القضاة لتغيير نتائج الانتخابات في معظم الدوائر بدءاً بباب الشعرية مروراً بدمنهور وباقي الدوائر التي عانت من مهازل شهد بها القضاة ومنظمات المجتمع المدني وبعض عدسات الإعلام التي نجت من محاولات التحطيم والمصادرة. مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي يقوم فيها حزب الحاكم بخوض الانتخابات بتسمية 444 مرشح أصلي و4440 مرشح احتياطي "مستقل" بينما تقوم المعارضة بتسمية 500 مرشح! وعندما يقوم الشعب بإسقاط حزب الحاكم، لا يستقيل الحاكم، ولا يترك الحكم، بل يستقيل المستقلون من صفتهم المستقلة وينضمون لتجمع المصالح المسمى بحزب الحاكم. مصر هي البلد الوحيدة التي يبلغ فيها طول دكة الاحتياطي السياسي عشرات الكيلومترات.

قصور بدون مرايا
أحياناً أسأل نفسي: هل لا زال النظام يدعي أنه يتمتع بالأغلبية؟ إذا قمنا بمقابلة ألف مواطن وتوجيه سؤال بسيط وبعيد عن السياسة مثل: "هل تحب الحزب الوطني؟" كم مواطن سيجيب بالموافقة؟ خمسة مواطنين؟ سبعة؟ تسعة من ألف؟ هل يعقل أن يستمر النظام في الحكم "بأغلبية ساحقة" سبعة في الألف؟ أليس لديهم مخابرات أو مباحث أو كرة بللورية تخبرهم بأن رموزهم مكروهة والشعب يتوق للتخلص منها؟ كيف يستمرون في الحكم وهم يعلمون مدى كراهية الشعب لهم ورغبته العارمة في الإطاحة بهم؟ كيف يستيقظون كل يوم صباحاً ويواجهون أنفسهم ووجوههم في المرآة ثم يستمرون في الحكم بعد أن ينظروا في المرآة. بالطبع لابد من استخدام المرآة لحلاقة الذقن وتسريح الشعر وصبغه. ثم توصلت لاكتشاف عظيم يشرح سر بقاء النظام في الحكم. النظام لا ينظر في المرآة. هناك الحلاقون والسريحة ورؤساء التحرير ومسئولي التبرير وكلهم متخصص في مختلف فنون تجميل وجه النظام بحيث لا يضطر رموز النظام للنظر في المرآة أو رؤية الحقيقة أبداً. النظام لا يرى التجاعيد. ولا يرى السيوف. ولا يرى التزوير. النظام يرى التجاعيد مساحيق ملساء. والتزوير تجاوزات بسيطة لا تؤثر في نزاهة العملية الانتخابية. والسيوف يراها سيوف بلاستيك كده وكده، أما قيام مرشحي النظام بإنفاق المليارات في شراء الأصوات بإشراف أمن الدولة فالنظام يرى هذا لعبة بنك السعادة وليس هناك أكثر سعادة من النظام لأن اللعبة تنتهي بعدد لا بأس به من مقاعد الأصلي ومثلهم من المستقلين الاحتياطي. ويسعد النظام أنه احتال على الشعب وخدع العالم أجمع بمسرحية الديمقراطية بينما حصل في النهاية على بضعة أيام إضافية في الحكم. النظام لا يرى وجهه أبداً. قصور النظام لابد أنها تخلو من المرايا. ومكان كل مرآة تجد صورة في إطار فخم. إطارات بها صور قديمة لوجوه شابة وأحياء نظيفة وحكومة حقيقية. هذا هو سر بقاء النظام. الصور مكان المرايا. الوهم مكان الحقيقة.

محصلة كل الشرور
نتيجة الانتخابات الماضية هي محصلة كل شرور وآثام الحزب الوطني. الانتخابات مثل الامتحان، تتحدد نتيجته طوال العام، كمحصلة للاجتهاد والتحصيل. الانتخابات لم تتحدد نتيجتها فقط أثناء جولات البلطجة وتزوير النتائج أو شراء الأصوات، بل تحددت أثناء إصرار النظام على التلاعب في كشوف الناخبين وقيد آلاف الموظفين على شقق وهمية تابعة لبعض الوزارات، أو تهديد أنصار المعارضة ومنعهم من الخروج من بيوتهم، أو بث الشائعات الكاذبة حول زعماء المعارضة وجرجرتهم في المحاكم والأقسام بتهم كيدية. نتيجة الانتخابات تحددت عندما احتكر الحزب الوطني المقرات ومئات الملايين من التمويل لحزبه وعشرات الصحف والقنوات في إعلام مزيف ومضلل. واليوم، وبعد ثلاثين عاماً من التعددية الحزبية على يد الحزب الوطني، لابد أن نجلس ونسأل أين هي الأحزاب؟ هل يعقل أن هذا تقصير من كل الأحزاب ومن كل المصريين وأن الحزب الوطني المسئول عن الحكم طوال هذه الفترة هو البريء من تهمة التآمر ضد الأحزاب والتجسس عليها وإضعافها بشتى الطرق؟

سقوط النظام في امتحان الانتخابات لم يتضح فقط من خلال سقوط رموزه، بل اتضح من خلال اختفاء المعارضة المدنية من النتائج. إن ضعف المعارضة هو دليل ونتيجة مباشرة لكل جرائم الحزب "الوطني" في حق هذا الوطن. هو دليل على الشر والأنانية التي يعاني منها النظام. النظام لا يهمه أن تسقط مصر في مستنقع الطائفية أو تنفرد "التيارات الدينية" بالساحة السياسية. المهم هو أن نحافظ على الكرسي الكبير لأطول فترة ممكنة وقد نستطيع تأمين كرسي الباشا الصغير أيضاً. وتولع البلد باللي فيها.

من يقف وراء النظام
النظام اليوم لا يمثل الشعب. ولا يمثل المؤسسة العسكرية. ولا يمثل رجال الأعمال. ولا يمثل الموظفين. ولا يمثل العمال أو الفلاحين. النظام اليوم يمثل نفسه وشخوصه فقط. يحمي مصالحه هو فقط. النظام اليوم تحول من أداة لخدمة الشعب والوطن، وأصبح جسماً سرطانياً يمتص كل موارد الوطن ويسخرها لصالح هدف واحد: بقاؤه هو في الحكم. وفي سبيل ذلك يعود السفراء إرضاء للخارج ويستمر الوزراء المكروهين من الشعب خوفاً من سطوتهم. تبرم المعاهدات وتخصص الأراضي والإقطاعيات والاحتكارات ويترك الفاسدون لينهبوا موارد البلاد لأنهم أركان النظام وأعمدته التي يقوم عليها. تتضخم حشود الأمن المركزي المكلف بحماية النظام وتتضخم أجهزة البوليس السياسي، ويتضخم الإنفاق على أمن النظام وعلى تزييف الإعلام، بينما يتدهور الأمن العام والوعي العام ولا حول للشرطة أمام البلطجة والإجرام والإرهاب، ولا حول للمواطن المصري أمام النصب السياسي بشعارات براقة مبهمة.

متى تحين ساعة الحساب
عندما وعد النظام بانتخابات نزيهة "هذه المرة" فقد اعترف ضمناً بتزوير عشرات الانتخابات والاستفتاءات. ولكننا لم نسمع عن النائب العام وقد قدم المسئولين عن هذا التزوير المستمر للمحاكمة. عندما اعترف النظام في مايو 2005 بأن مصر في سبيلها للتحول من نظام الحزب الواحد لنظام التعددية الحزبية، رغم مرور 30 عاماً على ذلك فقد اعترف بمخالفة الدستور لعقود طويلة. ولكننا لم نسمع عن مسئول أو غير مسئول يقدم للمحاكمة بتهمة خداع الشعب وتبديد موارده في مسرحية كاذبة. عندما حكم القضاء بشطب مئات آلاف الناخبين في دوائر السيدة زينب وباب الشعرية والمعهد الفني وهم ناخبون مسجلون على عناوين مصالح حكومية وهمية، لم نر من يحرك الدعوى الجنائية ضد السادة الوزراء المسئولين عن هذه الجرائم السياسية. عندما رفضت الحكومة تنفيذ أحكام القضاء، لم نر من يقدم الحكومة للمحاكمة. عندما فضحت عدسات الإعلام البلطجية ورأينا حشود الأمن تحميهم وتفسح لهم الطريق، لم نسمع عن أحد يسائل وزير الداخلية أو مدير الأمن أو حتى مأمور القسم! عندما انغمس مرشحي الحزب الوطني الأصلي والاحتياطي في شراء الأصوات بفجاجة رفعت الإنفاق الانتخابي من 70 ألف جنيهاً للمرشح حسب القانون إلى 15 مليون جنيهاً في بعض الدوائر تحت سمع وبصر وإشراف ضباط البوليس السياسي على تلك الجرائم الانتخابية التي تفسد الحياة السياسية لعقود طويلة قادمة، لم نسمع عن مرشح واحد من مرشحي الوطني تم تقديمه للنيابة العامة. لماذا تقتصر جرائم شراء الأصوات على مرشحي الوطني والمستقلين من احتياطي الوطني؟ هل لأنهم وحدهم حريصون على خدمة الجماهير أم لأنهم يعدون العدة للتربح من وراء الحصانة والتأشيرات والأراضي والامتيازات؟ لماذا تقترن كل تلك الجرائم بالحزب الوطني وتكاد تقتصر عليه ومع ذلك لا نسمع عن محاكمات أو عقاب أو حتى اعتذار أجوف رخيص؟

في سبيل التاج، من أجل الاحتفاظ بالمقعد لأيام قليلة إضافية، ضحى النظام بحاضر ومستقبل هذه الأمة. في سبيل التاج سقطت كل القيم والمثل العليا أمام شبق لا ينتهي للسلطة واحتكار الحكم. وفي النهاية، أصبح التاج مجرد قطعة صفيح لا قيمة لها بعد أن تدهورت أحوال الوطن - الذي يمثله التاج - في سبيل التاج.

El Ghad Paper Standoff

كان من المفترض أن يصدر العدد الأول لجريدة "الغد" يوم الأربعاء 9 فبراير 2005، برئاسة تحرير الأستاذ إبراهيم عيسى، الذي تطوع بالعمل هو وفريقه بدون أجر في رئاسة التحرير لحين أن نتدبر الموارد المالية لإصدار الجريدة. كان أيمن نور في السجن منذ رفع الحصانة عنه قبل عشرة أيام، وبالتحديد يوم 29 يناير 2005.


وقضيت مساء الاثنين 7 فبراير كله في إحدى مكاتب فصل الألوان في "دوحة ماسبيرو" بميدان الشهيد عبد المنعم رياض، حتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 8 فبراير، مع إبراهيم عيسى وفريقه، للعمل على وضع اللمسات الأخيرة في العدد الأول من جريدة الغد، وهو العدد الذي تحالفت السلطة على منعه من الصدور بالضغط على قيادات داخل حزب الغد وإعادة قيادات أخرى من الخارج لإجبارهم على إيقاف هذا العدد، والإطاحة برئيس التحرير، الأستاذ إبراهيم عيسى - من الجريدة. ويقال أن السبب في منع العدد هو أن المانشيت الرئيسي كان يحمل عبارة "حتى القردة في حديقة الحيوانات تعلم أن الاستفتاءات مزورة"، ولكنني أعتقد أن الموضوع كان أعمق من ذلك، فالحكومة لم ترغب أن يتحالف قلم إبراهيم عيسى الصحفي مع قدرات وشعبية أيمن نور السياسية، وشعرت أن مثل هذا التحالف قد يكون كفيلاً بإحداث "قفلة"، ومخاطر غير مقبولة بالنسبة لبقاء النظام. ففي ديسمبر 2004، وبمجرد أن انتشر خبر أن جريدة الغد ستصدر برئاسة تحرير "إبراهيم عيسى"، قامت الحكومة بإعادة السماح بإصدار جريدة "الدستور" التي كانت قد أوقفتها لمدة 7 سنوات! وكان الهدف الواضح هو إبعاد إبراهيم عيسى عن الغد.


....... ومقالي هذا - كان من المفترض أن ينشر في ذلك العدد - الذي لم ير النور أبداً.


المسرحية


عبر عقود طويلة، نعيش مسرحية عبثية مملة، تتكون من آلاف الفصول التي تتكرر كل يوم، دون أدنى أمل في نزول الستار إيذاناً بالنهاية. وهذه المسرحية تأتي تحت مسميات عديدة، مثل "أزهى عصور الديمقراطية" و"التعددية" و"التنمية"، وغيرها من الأسماء الهلامية، التي لا تجد لها في فصول المسرحية انعكاساً ولا صدى. وهي مسرحية من تأليف وتمثيل وإخراج شخص واحد هو الحزب الوطني، الذي يحاور نفسه طوال المسرحية، في مونولوج سخيف، لا يمتع ولا يضحك، ولا يغني ولا يسمن من جوع.

الفصل الأول من المسرحية هو فصل الإنجازات، الذي يتحدث عن تطور ضخم وتنمية يشهد لها الشرق والغرب، في عالم التصريحات والمليارات، المطعمة بما تيسر من إحصائيات، ومعظمها مضلل لا يصدقه الشعب، الذي عليه – رغم المسرحية - أن يعيش في العالم الحقيقي، وهو عالم لا وجود فيه للرخاء الحكومي، حيث الأسعار ترتفع بصورة مستمرة، بينما تعاني الأجور من الأنيميا الحادة، ويعاني الجنيه من البلاجرا المزمنة، بما يدفع الموظف المسكين إلى أن يمتهن أعمالاً أخرى، أو يطلب الإكراميات مقابل تأدية الخدمات وتمرير الاستثناءات، حتى صدرت فتوى شرعية بأن تقديم الرشوة حلال. الموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي إحدى أغاني الإشادة، الذي تؤكد أن الشعب بكامل حريته قد اختار الحزب الوطني دون غيره، لحبه الشديد في الفقر وشظف العيش. خلفية المسرح عبارة عن لوحة ضخمة وردية، دون أي تفاصيل.

الفصل الثاني من المسرحية هو فصل الريادة والتفوق، والعالم الذي يشيد بنا في كل مناسبة وبدون مناسبة، بشهادة صحيفة فرنسية مجهولة تمتدح دوماً أداء الاقتصاد المصري. وتبحث عن تلك الصحيفة الفرنسية حتى تطمئن بنفسك على الأحوال، فتجد أنها صحيفة حائط في المدرسة التجارية الفرنسية بالظاهر. وبينما يشيد العالم بأدائنا المتميز، ولا ينام الليل من فرط حلاوتنا التي هي "زايدة حتة"، باعتبار أن الجريدة (الفرنسية) تصدر الساعة (ستة)، وبينما تحسدنا الصحيفة على الريادة التي لا مثيل لها، يصطدم الشعب بالواقع المرير، والأصفار التي نحصل عليها في كل مجال بجدارة وامتياز، حتى أصبحت تلك الأصفار مثل لعنة شريرة تطاردنا باعتبارنا من سلالة الفراعنة. وطوال هذا الفصل، تسطع أدلة الريادة في خلفية المسرح، التي تزدحم بمقتطفات من الصحف القومية التي تؤكد تفوقنا الملحوظ، بشهادة الخواجات الأجانب. والموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي أغنية تتحدث عن فضائل الاستقرار، ومثالب التغيير الذي لا يعلم أحد ماذا يمكن أن يأتي من ورائه، من باب أن "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش".

الفصل الثالث من المسرحية هو فصل "الاستثمار"، تبدأه حكومة الحزب الوطني بالتغزل في المستثمر، وغوايته بالامتيازات والإعفاءات والوعود لجلب أمواله. وما أن يأتي المستثمر المسكين بأمواله، حتى تطالبه الحكومة بقائمة من المستندات والتراخيص والتصاريح والموافقات، فيجتهد المستثمر في الحصول عليها إعلاء للشرعية وسيادة القانون، ويصطدم أثناء ذلك بالأدراج المفتوحة ونصف المفتوحة، والقرارات العشوائية المتلاحقة، وعدم سداد مستحقاته إن كان مورداً للحكومة، ثم ينتهي الفصل بالملاحقة البوليسية عندما يتعثر المستثمر المسكين ويصيبه الإفلاس، فيسجن أو يهرب خارج البلاد، وينتهي الفصل بخلفية ضخمة، تزينها أسماء المستثمرين بعد وضعهم على قوائم ترقب الوصول، والموسيقى التصويرية تنقلب من موسيقى رومانسية حالمة في البداية، إلى موسيقى رعب، ثم تنتهي بأصوات سارينة سيارات الشرطة، وصوت لطم وشق الهدوم، ونواح المستثمر وأسرته لحظة القبض عليه.

وهناك المزيد من الفصول مثل فصل الرعاية الاجتماعية، وهو فصل فعلاً لأنه ينتهي بنهب أموال التأمينات، وفصل انتشار الخدمات الصحية، الذي ينتهي بوفاة المريض بسبب عدم توفر الدواء، وفصل التنمية البشرية وتميز التعليم الحكومي الذي ينتهي بفاصل من التلقين في أحد الدروس الخصوصية، ثم مشهد لشباب يجلس على الرصيف نتيجة للبطالة المتفشية والمحسوبية في التعيين. أما الفساد والبيروقراطية، فلا يوجد لأي منهما فصل خاص، لأنهما يتجولان في أرجاء المسرح جيئة وذهاباً طوال الوقت وأثناء كل الفصول، ثم ينزلان من على خشبة المسرح، ليقوما بتقليب المشاهدين المساكين وشق جيوبهم بالأمواس والمشارط علناً، ويضحك المشاهدون باعتبار أن هذا هو جزء من المسرحية، رغم تأكدهم من استحالة عودة أموالهم إليهم، ويتذكرون فصل توظيف الأموال اللطيف، الذي انتهى بتوزيع "الحلل" البلاستيك على المشاهدين تعويضاً لهم عن مدخراتهم، بينما ازدانت الخلفية بأسماء كبار المسئولين فيما عرف بكشوف البركة.

وأثناء فصول المسرحية، ولأن الموضوع تمثيل في تمثيل، تتظاهر الحكومة بتقديم الخدمات للشعب، من تعليم وصحة وأمن وعدل ومرافق، وتعد الشعب بتوظيف أبنائه، وتمنح موظفيها المرتبات والعلاوات. تتظاهر الحكومة بذلك، وفي المقابل، وبعد تمرس طويل، يتظاهر الشعب بأنه يسمع كلام الحكومة ويحترم قوانينها، ويمصمص شفتيه ويهز رأسه تصديقاً لتصريحاتها، وهو يعلم تمام العلم أن تلك التصريحات (فشنك)، وأن تلك القوانين واللوائح قد عفا عليها الزمن ولم تعد تصلح للتطبيق على أرض الواقع، لتستمر المعاناة الشديدة والنفاق الجماعي.

وعندما يتململ بعض المشاهدين ويعلو صوت الشعب بالشكوى، ويصاب البعض بنوبات التشنج العصبي والصرع، تلقي الحكومة على المشاهدين خطبة عصماء كتبها أحد الفطاحل من المبرراتية، فحواها أن المسرحية رائعة دون شك، وأن المؤلف قدير، والمخرج متمكن وعتيد في الفن، وأن السبب في فشل المسرحية في الواقع إنما يقع على جماهير الشعب من المشاهدين، الذين لا يفهمون الحكمة العظيمة والفلسفة الرفيعة التي تكمن وراء فصول المسرحية، ويتسببون بجهلهم في إفساد الحبكة الدرامية، وبكثرتهم وتوالدهم المستمر في استنفاد كل كراسي المسرح، رغم أن معظم صفوف المقاعد خالية ومحجوزة نظراً لدواعي الأمن، وبينما يتزاحم السواد الأعظم من الشعب وقوفاً في الممرات الخلفية الضيقة، يتنافس المحظوظون من محاسيب الحكومة على الجلوس في الصفوف الأخيرة بعد سداد "المعلوم" للمسئولين عن تخصيص المقاعد، وهؤلاء المسئولون يعملون بالطبع لحساب حكومة الحزب الوطني الرشيدة.

ومشاهدة هذه المسرحية ليست بالأمر الاختياري، بل إنها إجبارية، لأن كل المسارح الموجودة في البلاد تعرض نفس المسرحية، وإن اختلف ترتيب الفصول. ويتساءل الشعب عن موعد انتهاء المسرحية وإسدال الستار، فتطمئنه السلطة بأن هناك مسرحية جديدة قادمة في الطريق، تحت اسم "مرحلة جديدة"، أو "صحوة كبرى"، أو "فكر عصري"، وغيرها من اللافتات والأفيشات. وينتظر الشعب على مضض، ولكنه يُصدم عندما تبدأ أي من تلك المسرحيات "الجديدة"، عندما يكتشف أن الممثل واحد مهما تلون وجهه بالأصباغ والأحبار، والمضمون مكرر ممجوج، وإن اختلفت ألفاظ الحوار.

كيف نتخلص من الحصار المفروض علينا من قبل تلك المسرحية التي لا تنتهي؟ هل يمكن أن نخرج من المسرح لنتنفس هواءً نقياً لا يلوثه فساد أو احتكار أو نفاق؟ وفي نفس الوقت، كيف يتوقع المشاهدون أن تنتهي المسرحية بينما هم يصفقون في نهاية كل فصل؟ ورغم أن الشعب يصفق استعجالاً لانتهاء المسرحية، إلا أن الحزب الوطني يأخذ هذا كعلامة أكيدة تدل على أن الشعب سعيد جداً بالمسرحية ولا يطيق انتهاءها، فتصدح أصوات الجوقة بأغاني التجديد والمبايعة. ألم يحن الوقت حتى يطالب الشعب الحزب الوطني بالنزول من على خشبة المسرح ويمنح فرقته التمثيلية أجازة بدون مرتب – أو بمرتب – بشرط أن يستمتع بالراحة بعد احتكار الأداء لعقود طويلة؟

متى نرى اليوم الذي يتقاعد فيه الحزب الوطني ويترك خشبة المسرح؟

أو على الأقل، متى يكتفي الحزب الوطني بمسرح واحد، ويترك باقي المسارح للفرق الأخرى؟

3G Economic Reforms

تمصير الحوار
مع
وزير الاستثمار

بعد الاستئذان، دخل مساعد الوزير يحمل مجموعة من التقارير ووضعها أمام الوزير. قطب الوزير حاجبيه، وطلب من المساعد أن يتركه ليتفحصها. دفن الوزير رأسه بين راحتيه وتنهد. وفجأة بدأ الوزير يكلم نفسه بصوت مسموع: "ماذا يريدون؟ هل يحاولون تخريب الإصلاح الاقتصادي؟ أما يكفينا الحروب الضارية من الحرس القديم داخل حزبنا حتى تأتي أحزاب وحركات المعارضة وتقف بدورها ضد الإصلاح؟" وتذكر الوزير رحلته إلى أمريكا في الشهر الماضي، وما لاقاه من متاعب بسبب ما ادعاه الأمريكيون من قمع الحكومة المصرية للمعارضين، سواء بالسجن في طره، أو الحصار في وسط البلد، أو تكسير العظام في كفر صقر! وفجأة قرر الوزير أن يفهم بنفسه لماذا تتصرف المعارضة بهذه الطريقة.

ارتدى الوزير ملابس بسيطة ونظارة قاتمة، وخرج من منزله متخفياً عن الحرس عبر السلم الخلفي للمبنى. اتجه الوزير لندوة بمقر أنشط أحزاب المعارضة، وجلس ينتظر بدء الحوار. جلس الوزير لما يقرب من ساعة كاملة في قاعة غير مكيفة تمتلئ بمئات من البشر في انتظار المحاضر، حتى كاد يشعر بالاختناق من رائحة العرق وتلامس الأجساد ولكنه قرر أن يتحمل ليفهم ما الذي يجعلهم ينتظرون والأهم، ما الذي يغري المعارضة "بتخريب" الإصلاح الاقتصادي. من حوله كان الحاضرون يتغلبون على ملل الانتظار بالخوض في أحاديث السياسة والاقتصاد، ويتندرون بقصص كوميدية لفساد كبار وصغار مسئولي الحكومة، وقصص درامية لمن وقعوا ضحايا للروتين والبيروقراطية وطول إجراءات التقاضي. العامل المشترك الوحيد بين القصص الكوميدية والدرامية كان دعاء لله يتكرر بانتظام "بأن يخرب العلي القدير بيت الحزب الحاكم ومن عليه ويأخذ رجاله أخذ عزيز مقتدر". سأل الوزير نفسه ... لماذا كل هذا الكره؟ ترى ماذا يفعلون بي إن اكتشفوا أنني من الحزب الوطني؟ وجالت في خاطره أهوال مرعبة من السحل والضرب وتكسير العظام، فتحسس النظارة القاتمة في حركة لا إرادية، وطمأن نفسه بأن الشعب المصري طيب ولا يميل للعنف وخاصة الطائفة الليبرالية التي يحضر اجتماعها.

وفجأة قرر الوزير أن يبدأ حواراً مع جاره وكان رجلاً في منتصف العمر تبدو عليه مخايل عز قديم. "ما رأيك في الإصلاحات الاقتصادية الجديدة؟" نظر إليه الرجل في ريبة ثم قال: "أي إصلاحات؟" تحمس الوزير وقال: "الجيل الثالث من الإصلاحات الاقتصادية" تضاعفت ريبة الرجل وفكر مليا ثم أشار بيده متضايقاً لنهاية القاعة وقال: "الأمن يجلس في نهاية القاعة من فضلك!" وعلى ذكر الأمن التفت كل الرءوس نحو الوزير في غضب فأسرع بنفي التهمة: "والله العظيم أنا موش أمن ولا حاجة" فرد شاب غاضب: "أمال إيه نظارة المخبرين اللي انت لابسها دي؟" خلع الوزير منظاره محاولاً تبرئة نفسه وفجأة صرخ الشاب: "يا نهار أسود ... ده ... ده وزير الاستثمار!" تراجع الجميع وكأن الوزير يحمل مرضاً معدياً حتى كونوا شبه دائرة حاصرت الوزير، فلتت أعصاب أحد الحاضرين وبدأ يقترب من الوزير وهو يصيح بعبارات غاضبة وقبل أن يفتك بالوزير انشقت الأرض عمن تبين فيما بعد أنه المحاضر المنتظر وأحد قيادات المعارضة، واتجه المحاضر رأساً للوزير لينتشله من وسط التجمع الغاضب وساقه نحو المنصة.

"نرحب بالسيد الدكتور وزير الاستثمار الذي يشرفنا في ندوة اليوم." قالها المحاضر في لهجة حاول بها أن تكون طبيعية قدر المستطاع ولكن الهمهمات كانت لا تزال تتردد في القاعة. "سيادة الوزير سوف يحدثنا عن ... ما هو موضوعنا اليوم سيادة الوزير؟" تنحنح الوزير واضطر أن يساير المحاضر ... "أود أن أتحدث عن الجـيل ... أعني عن الإصلاحات الضريبية والجمركية وأثرها في تشجيع الاستثمار!" بدأ الوزير يتحدث وأسهب في امتداح المناخ الجديد الذي سوف يعمل على جذب المستثمرين من الخارج والمليارات التي سوف تمطرها السماء علينا قريباً. وقبل أن يختتم كلامه تردد قليلاً ثم استجمع شجاعته وقال: "وللأمانة، يجب أن أذكر أن الاحتقان السياسي والمظاهرات التي نراها قد تزعزع الاستقرار، على الأقل في ذهن المستثمر الأجنبي، مما قد يؤدي إلى عدم الاستفادة المثلى من هذه الإصلاحات، كما أن المعارضة تضخم من بعض الأحداث أمام وكالات الأنباء العالمية مثل أحداث كفـر ... أعني أحداث نقابة الصحفيين وضريح سعد، بما يؤثر سلباً على صورتنا في الخارج ويصعب من مهمتنا في الحصول على المنح والقروض والاستثمارات، وهو ما يعوق النمو الاقتصادي ويضعف من قدرة الحكومة على مواجهة الـمعـ ... المعضلات الكبرى مثل الفقر والبطالة." لم يصفق أحد، حتى رجال الأمن المندسين لم يصفقوا طبعاً حتى لا ينفضح أمرهم. ولكن المحاضر صفق بعد ثوان قليلة، فتبعه جزء من الحضور، وابتسم الوزير ممتناً وجلس.

قام المحاضر الأصلي واستهل كلامه بالتأكيد على أهمية احترام تعدد الآراء ثم قال: "أشفق على وزير الاستثمار وعلى وزير التجارة والصناعة وعلى رئيس الوزراء وعلى كل من يحاول أن يخوض مسيرة للإصلاح الاقتصادي، دون أن يفهم أسباب الإفساد والركود الاقتصادي. سيادتك تظن أن الحل لأزمتنا الاقتصادية هو أن تستكين المعارضة وتستسلم لفتوات البلطجة دون أن تشكو أو تتذمر أو تطالب بتغيير الوضع السياسي الاحتكاري، حتى لا تفسد الجو على لقاءاتكم بالمسئولين الأمريكيين، الذين تظنون أن بيدهم حل مشكلاتنا الاقتصادية، وهنا تكمن مشكلتكم الحقيقية. لابد أنك تعلم أن المصريين قد ضخوا 80 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 1991 و 1995 استخدم جزء كبير منها في الاستثمار الصناعي والتجاري والعقاري، لمجرد أنهم صدقوا وعود الحكومة بالإصلاح. نعم، خلال أربع سنوات، ضخ المصريون مليارات تزيد عن مجموع الاستثمار الأجنبي والمعونات التي حصلت عليها مصر عبر ربع قرن! الاستثمار يا عزيزي لن يبدأ إلا من المصريين. ولكن، كيف يستثمر المصريون مجدداً وهم يرون المستثمرين القدامى وقد أفلسوا أو دخلوا السجون بعد أن تعثروا أو اضطروا لمغادرة البلاد هاربين؟ كيف يستثمر المصريون وهم يرون الفساد يضرب أطنابه في الجهاز الإداري، ويعانون من القوانين واللوائح التي تمنع كل شيء، وفي نفس الوقت يأتي من يريهم الطريق الدائري الذي يسمح دائماً بكل شيء ويلتف حول كل القوانين بشرط ترطيب منقار كبار المسئولين أو إدخال أنجال الوزراء والحكام كشركاء في المشروع؟

أنت تريد مهلة نسكت فيها عن الإصلاح السياسي حتى تستكمل أنت ما تظنه إصلاحاً اقتصادياً، ولكن دعني أسألك، ألم تكن فترة 24 عاماً مهلة كافية؟ ما هو الضمان أننا إذا أجلنا الإصلاح السياسي سوف نحصل على الرخاء الذي ننتظره طبقاً لوعودكم لأكثر من ربع قرن. ربما تظن أن الدكتاتورية تسهل من السيطرة على الأمور عند تطبيق الإصلاح الاقتصادي، وربما تظن أن الظرف الآن يستدعي القبول "بالمستبد العادل" حتى ننهض بالاقتصاد، ولكن دعني أقول لك شيئاً: لا يمكن أن يكون المستبد عادلاً، لأن العدل يبدأ بالمساواة، والاستبداد يغتالها. دعني أكون أكثر صراحة، هل تعلم لماذا لن تثمر إصلاحاتكم؟ لأنها تأتي منكم. الشعب لم يختركم، ولا يحبكم، ولن يستجيب الشعب أو المستثمرون لأي دعوة تأتي منكم سواء لزيادة الإنتاج أم دفع الضرائب، أم تطوير البناء المؤسسي، أم الاستثمار في التنمية البشرية أو نظم المعلومات أو التسويق أو البحوث والتطوير أو غيرها من أولويات، ببساطة لأنكم فقدتم مصداقيتكم ولا شرعية لحكمكم. أنتم بالنسبة للشعب الآن مجموعة اغتصبت السلطة لمدة نصف قرن. استولت على الحكم بوضع اليد، وهي تريد الآن أن تقنن وضعها، وتكتسب شرعية لليد ووضعها. هل يمكن أن يستجيب أصحاب المزرعة لدعاوى اللصوص الغاصبين بزيادة إنتاج المحصول أو الحليب، مهما كانت تلك الدعاوى قائمة على أسس علمية أو تجارية؟

سيادتك غاضب لأن المعارضة شوهت صورتك أمام الأمريكان ببث صور الاعتداء على مصريين في كفر صقر وفي بيراميزا وفي عبد الخالق ثروت وعند ضريح سعد. أنت غاضب لأن الأمريكان الآن يعرفون مدى وحشية أساليبكم، ولكنك لست نادماً على استخدام مثل تلك الأساليب. لم تعتذر حكومتكم للضحايا أو المصابين، ولكنها اعتذرت للأمريكان! مشكلتك يا عزيزي أنك تظن أن الحلول لدى أمريكا، ولكنني أقول لك أن الحلول هنا، في مصر، لدى الشعب المصري الطيب الذي قد نسيتموه من طول تطلعكم للبيت الأبيض. المصريون هم الذين سوف يعملون وينتجون وهم الذين سوف يستهلكون ويدخرون ويستثمرون. المصريون بيدهم زيادة الناتج القومي، ولكنهم لن يفعلوا ذلك وأنتم في مقاعدكم. لابد أن ترحلوا أولاً.

المصريون سوف يحصلون على التكنولوجيا من الداخل والخارج وسوف يستثمرون في تحديث شركاتهم كما فعلوا على مدى 30 عاماً بعد وضع دستور 1923، حتى أصبحت بريطانيا مدينة لمصر وكانت قيمة الجنيه المصري أعلى من الإسترليني. ولكنهم سوف يفعلون ذلك بعد أن يحصلوا على الدستور الذي يضمن قدرتهم على إزاحتكم والإتيان بمن يريدون إلى الحكم. وعندما يحصل المصريون على القوانين العادلة المتسقة والتي تتماشى مع الطبيعة والواقع والعرف، عندما يشعرون بآثار انحسار الفساد وترسيخ الحكم الرشيد، سوف تزدهر شركاتهم، ويصدرون للعالم كله، فيأتي المستثمر الأجنبي مهرولاً بعد أن رأى نجاح أولاد البلد. أما أن تتصور أن زيارتك لأمريكا وتجميل الأمور وإنكار التصرفات القمعية سوف يأتي بمستثمرين أجانب، في الوقت الذي يعاني فيه المستثمرون من أصحاب البلد من التعثر والبيروقراطية والفساد وضياع الحقوق وتخبط السياسات، ويعاني المواطن العادي من الإذلال والقمع وفساد التشريعات وضياع العدالة والشعور بالغربة، إن كنت تتصور أن إخفاء القاذورات والتعفنات والتقيحات تحت البساط سوف يساعد على جذب المستثمرين، فهذا خداع ساذج وينم عن عدم فهم للأمور.

يا عزيزي، دعنا نمصر الحوار، فمشاكلنا هنا، وحلولنا هنا، والعالم كله سوف يساعدنا ويحترمنا، بشرط أن نحترم نحن أنفسنا ونحترم بعضنا البعض." انتهى كلام المحاضر. ونظر الجميع إلى الوزير. كاد الوزير أن يطلب التعقيب ليتحدث عن الأغلبية التي يتمتع بها الحزب الوطني، والشعب الذي يلتف كله حول المبايعة، ولكنه تردد في آخر لحظة وفضل الصمت. نظر الوزير في عيون الحاضرين فرأى انتظاراً ولهفة. أطرق الوزير وفكر قليلاً، وفجأة استجمع الوزير شجاعته، وفي لحظة صدق، أعلن الوزير استقالته من منصبه ومن الحزب الحاكم، ودوت القاعة بالتصفيق الحاد.


وائل نوارة


ملاحظة: هذه القصة خيالية ... بكل أسف.

Archive 2006 - Judges Club Standoff

من أرشيف 2006

المواجهة مع نادي القضاء

و

فخاخ الشرعية


نقطة اللا عودة
من المخيف أن نرى النظام في وضع مؤسف من التخبط والذعر، والانفصام بين الحزب الحاكم والحكومة التي تحكم باسمه، ولجنة الحكم التي تحتكر القرار دون دراية بمعطيات الأمور، وأجهزة الأمن التي تتلقى تعليمات متضاربة مرة بالسحل ومرة بالتسامح. وكل هذا التخبط والمرض مصحوباً بحالة من الإصرار على إنكار العلة من الأساس والتعامل مع المشاكل الخطيرة التي تنزلق فيها البلاد باعتبارها غير موجودة.

فخ الشرعية المؤسسية
النظام يقع في فخ الشرعية الذي نصبه لنفسه بمساعدة القوى السلفية والوهابية التي طالما استخدمها كذريعة للاستبداد والقمع، فعلى المستوى السياسي، لدينا في مصر كيانين فقط، هما الحزب الحاكم وجماعة الإخوان. والأول وهو الحزب الحاكم هو كيان ضخم أجوف، يتحكم فيه شخص واحد يحتكر القرار وجميع القنوات التي تصل بين صاحب القرار ومستشاريه، وهذا السلوك الاحتكاري في السياسة ليس بجديد على نفس الشخص الذي احتكر واحدة من أهم السلع الاستراتيجية والتي تدخل في جميع أوجه الصناعة والتشييد. وهو مع تقديرنا لنجاحه الرأسمالي السريع أو تحفظنا عليه، لا يمتلك أية رؤية سياسية أو رصيد شعبي أو حس جماهيري من أي نوع، وهو شخص متعال بطبعه، بما ينفر الآخرين الذين يتعامل معهم بمنطق سلطوي قد يكون طبيعياً بالنسبة له كصاحب عمل في صناعة احتكرها لنفسه، ولكنه ليس مقبولاً في الممارسة السياسة التي تحتاج للإقناع والقدرة على تحريك الجماهير وإلهامها نحو إصلاحات قد تكون في مرارة الدواء الذي لا مفر من تناوله. والكيان السياسي الحاكم الذي يديره بحرية ودكتاتورية كاملة هذا العبقري المحتكر هو كيان يفتقد الشرعية وتاريخه المؤسف الطويل يجعله اليوم بعد محاولات عديدة للإصلاح أشبه بمن يحمل أثقالاً مريرة وسمعة سيئة أكسبته كراهية الشعب على مدى عقود طويلة، حتى افتقد المصداقية والثقة، وأصبح غير قادر على أن يكمل المسيرة فضلاً عن أن يقودها، وهو فاقد الشرعية بحكم مولده من رحم السلطة، ونشأته الشمولية التي تحفل بالتزوير المفضوح والمستتر للاستمرار في الحكم، والفشل في تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم للبسطاء. لقد استنفد هذا الكيان الغرض من تكوينه وبات عبئاً ثقيلاً على الوطن وعلى أعضائه، الذين يشعرون أنهم يفتقدون احترام الشعب لمجرد انتمائهم له، رغم ما قد يمتلكونه من خبرة أو مهارة أو نية صادقة لخدمة الوطن. ومما زاد الطين بلة أن ينقلب النظام على أهم سلطة فيه، وهي السلطة القضائية، فيتعنت معها وينزلق نحو مواجهة خطيرة قد تسحب منه آخر أهداب الشرعية بما يمثله هذا من خطر داهم على الشرعية يفتح الباب أمام احتمالات لا نتمناها للوطن.

والكيان الثاني، وهو الجماعة الشهيرة بالمحظورة، هي جماعة يرفض النظام أن يمنحها الشرعية، ولكنه يتركها تعمل بحرية تحت الأرض وفوقها، حتى سيطرت على النقابات والعمل الاجتماعي والسياسي، في غياب أي قوى سياسية أخرى نتيجة لمحاولات الإخصاء المستمرة التي يمارسها النظام لتدمير وتفتيت أي أحزاب أو قوى سياسية مدنية. وهذه الجماعة هي تنظيم عالمي له فكر خاص به، وهو فكر متعدد الأوجه، يتراوح بين التسامح والعصرية التي تبذل قياداتها جهداً محموداً في إظهارهما في خطابها الإعلامي، عدا هنات عابرة، تكشف بتلقائية مكنون الأنفس في بعض الأحيان، وبين فكر متشدد وعاطفة دينية ملتهبة تجيش بها صدور الأعضاء بمرجعية مطلقة قد تصطدم مع الطبيعة النسبية والتفاوضية للعملية السياسية. ومهما كان من أمر، فبيت القصيد هنا أن الدولة لا تعترف بالجماعة وتعدها جماعة محظورة وغير شرعية.

وبهذا فإن الكيانين السياسيين الموجودين حالياً، يعانيان من شرعية منقوصة بصورة لا شك فيها.

فخ شرعية السلطة
وفي نفس الوقت، ونتيجة لما ناقشناه من هشاشة شرعية الحزب الحاكم أو انعدامها، علاوة على التزوير المستمر والتلاعب في أسس العملية السياسية، تفتقد السلطتين التشريعية والتنفيذية الشرعية التي تمكنهما من قيادة البلاد بالصورة المرجوة، بما يمثله هذا من خطر على استقرار البلاد. ولعل السلطة الوحيدة التي لا يشكك أحد في شرعيتها هي السلطة القضائية بحكم طبيعة عملها وتكوينها، ولكن الأحداث الأخيرة جعلت هناك صراع بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية حول "من يمثل السلطة القضائية؟"، فبينما يرى القضاة أن مجلس إدارة ناديهم المنتخب هو أصلح من يتولى مهمة تمثيل السلطة القضائية، تحاول السلطة التنفيذية أن تزعزع من شرعية هذا الكيان، بمختلف الطرق الإدارية والسياسية، لأنها في النهاية تريد من السلطة القضائية أن تكون خاضعة بصورة ما للسلطة التنفيذية، أو بالتحديد لرئيس الجمهورية، الذي يرفض بالممارسة أن يقتصر دوره على قيادة السلطة التنفيذية، بل يريد أن يصبح رئيساً للسلطات الثلاثة، وهو أمر قد يكون مقبولاً بصورة رمزية أو شرفية، ولكنه غير منطقي إذا ما حاول الرئيس أن يسيطر على السلطات الثلاثة بصورة فعلية، لما يمثله هذا من إهدار ضمانات الفصل بين السلطات والرقابة والمحاسبة، ويكرس السلطة المطلقة في يد الرئيس وهو ما لا يتناسب مع مفهوم الدولة الدستورية الحديثة. وقد وصلت المواجهة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية إلى منعطف خطير بالمماطلة في إصدار قانون استقلال السلطة القضائية، ثم ما رأيناه من محاولة عقاب القضاة الشرفاء الذين فضحوا تزوير الانتخابات، رغم أن الرقابة على الانتخابات هو واجبهم الأصيل الذي أناطه بهم الدستور، وبدلاً من أن يقوم النظام بمحاسبة المزورين، يقوم بمعاقبة من كشفوا التزوير، بما يمثله هذا من اعتداء على الشرعية وتكريس للفساد. وعندما يدين النظام السلطة القضائية ممثلة في بعض أعضائها الشرفاء، فإنه بهذا يهدم شرعيته هو من الأساس، لأن العدل هو أساس الحكم، وتعطيل العدالة بالتالي يهدم أساس الحكم. وقد يخشى النظام من الاعتراف بتزوير الانتخابات لما يمثله هذا أيضاً من إهدار لشرعية السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكن الاعتراف بالتزوير في بعض الدوائر ومحاسبة المتسببين فيه، مهما كان صعباً على النظام أن يتقبله، فهو في النهاية يحفظ له بعض الشرعية ويقي البلاد شرور الانزلاق في مستنقع الفوضى.

2005 Archive

التضبيش قبل الغرق
و
الهلال اللي اتسرق

في عز الظهر، والشمس ساطعة وأمام رجال القانون والإعلام، فوجئنا بحادث سرقة من نوع فريد، سرقة جرم سماوي عظيم، لا يمكن إخفاؤه أو تشله، ولكن حزب الحكومة متمرس وعتيد في الفن، ولا يهمه أي شيء. الحكاية أنه بعد منتصف ليلة الجمعة بقليل وصل ثلاثة من مندوبي المرشح (مرشح انتخابات الرياسة 2005) إلى مقر لجنة تلقي طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية ليأخذ المرشح دوره مبكراً في سبيل الحصول على أولوية اختيار الرمز الانتخابي.
وبعد مناقشات وشد وجذب مع الأمن والأمناء، والمباحث واللواءات والعقداء، توصل المتلاحون لحل وسط، يقوم بموجبه مندوبي المرشح بإثبات أسبقية حضورهم عن غيرهم الذي لم يحضر أصلاً. وفي الصباح قدم أيمن نور أوراقه بنفسه كأول المرشحين، واختار الهلال الجميل، كرمز مصري أصيل. وأعلنت وكالات الأنباء الخبر السعيد، وبدا للجميع أن الانتخابات القادمة ستدخل بنا لعصر ديمقراطي جديد. ولكن، لم تدم الفرحة إلا ساعات قليلة، وفجأة خيم الظلام، عندما أعلن الحزب الحاكم بأمره، أن مندوبه الخفي قد جاء مبكراً وتسلل دون أن يراه أحد من مئات الحاضرين، وأنه كان أول المتقدمين، فحصل على الهلال بإيصال متين. أي والله. حتى الهلال سرقوه. طاروا بمركبة فضائية، وقودها الفساد والمحسوبية، ليقتطفوا الهلال ويتركوا السماوات والأرض، يشكوان من الظلام عبر خطوط الطول والعرض.

يا أيها الحزب البطال: لماذا تستكثر علينا نور الهلال؟ هل تظن أن خدعة الإيصال، يمكن أن تنطلي حتى على الأطفال؟ كيف سولت لك نفسك أن تسمي خطتك الانتخابية هلال المستقبل، قبل أن تقوم اللجنة العليا بإعلان الرموز؟ ألا تكفيكم مناورات النجم الساطع، لتحاولوا أن تخطفوا نور الهلال الطالع؟ ألم تشبعوا من احتكار الماضي واحتضار الحاضر، لتحتكروا المستقبل وتدنسوا المولود الطاهر؟

وإذا عجز قاضي القضاة في قلب القاهرة المحروسة، عن التصدي لضغوط السلطة المفروسة، في حضور المرشح نفسه مع مندوبيه، وعلى مرأى ومسمع من التليفزيون ومشاهديه، فكيف يعقل أن نتوقع الصمود وقدر من الحياد، من وكيل نيابة أو قاض عاد؟ لله در المرشحين، وجموع الشعب من الناخبين، الأحياء منهم والمتوفين.

ألم يكن الحزب الحاكم قادراً، على أن يرسل مندوبه مبكراً، أو تحت جنح الظلام متستراً؟ لماذا تفضحوننا أمام العالم؟ هل تستكثرون علينا قبس أمل يوقظ هذا الشعب النائم؟ وماذا بعد سرقة الهلال؟ هل سوف تسرقون الشمس والكواكب السيارة؟ في نهاية الأمر، نكتشف أن الحكومة لا تنوي إصلاحاً ولا فلاحاً ولا تبتغي حرية ولا ديمقراطية، وأن الموضوع كله تمثيلية هزلية، موجهة لأمريكا والدول الغربية. لقد أثبت أشاوس الحزب الحاكم قدرة عظيمة على التضبيش، شوية يقولون الانتخابات نزيهة وشفافة، ثم يقومون بنشل الهلال بصنعة لطافة. ولكنني لا زلت متفائلاً، فنهاية النفق على ما يبدو قد اقتربت، والدليل هو ذعر الحكومة وارتباكها العظيم، بدءاً بأسطورة الكرة التي اخترقت قدم عضو الغد ببنها، وانتهاءً بفضيحة الهلال اللي اتسرق، وسبب تفاؤلي أن التضبيش عادة ما يسبق الغرق.

The Road to Fewer Regrets 1

1

كتالوج ميصر العريقة

وقوانين علم الفيزيقا

منذ حوالي 6 سنوات، صحوت في احد الأيام، و اكتشفت إنني لا أريد أن أستيقظ. ذكرت نفسي بالعمل و بالأولاد و أكل العيش، و لكن الرغبة في عدم الاستيقاظ تغلبت على كل شئ آخر. شعرت أن العمل الخاص مضر و العمل الأهلي غير مجد إن لم يكن مؤذ و التعليم الخاص فاشل و التعليم الدولي مكلف ويهدم الهوية الوطنية للأطفال، و البلاد على وشك الوقوع في براثن الجماعات الدينية، والاستقرار الهش الذي ننعم به يمكن أن ينشرخ في أي لحظة، والبناء الاقتصادي القش الذي نأكل عيش من خلاله يمكن بالتالي أن ينهار في اللحظة التالية، فليس هناك أي فائدة لمغادرة المنزل، أو الاستيقاظ من الأصل.

وفجأة تذكرت نيوتن. تذكرت قوانين الحركة الأول والثاني والثالث. و بعد أقل من ثلاث دقائق من الحسابات، نهضت من السرير، وفي أيام قليلة عدت للعمل العام، متخذاً هذه المرة طريق المخاطر، أو طريق الندامة كما يبشرني تقريباً كل إنسان عاقل. لم يعد العمل التطوعي في القطاع الأهلي أو المجتمع المدني الذي اكتفيت به لسنوات طويلة من قبل مقنعاً أو كافياً. خرجت إلى العمل السياسي ورميت قلبي ورائي.

ومن يومها، كلما شعرت بنفس الحالة من العزوف عن الاستيقاظ، أتذكر نيوتن فأنهض على الفور و أترحم على الرجل، الذي أنقذ حياتي شخصياً ومن قبل ذلك غير العالم بالطبع.

القصور الذاتي
خرجت أبحث عن قناة للتأثير على مسار القصور الذاتي. نظرت إلى الحزب الوطني. فوجدت التاريخ الطويل الأسود الذي صنعه بكل فخر الآباء المؤسسون، أو الأجداد المؤثمون – الحرس القديم و ما يشوبهم. التفت إلى الحرس الجديد فوجدت الفكر الجديد يخلو من الإلهام أو الرؤية في أفضل الأحوال، و يسعى للتوريث على الأغلب، بصرف النظر عن رغبة الرئيس أو نجله، بل أن الحرس الجديد و عملية تبديل السلطة الخامسة تجعل النظام يتجه للتوريث بالقصور الذاتي، إلى أن يأتي اليوم، فيتوسل المحيطون للوريث بأن يقبل التكليف وينقذ البلاد-أي ينقذ مصالحهم.

البلد هي المصالح؟ عندما يقول لك أحد –" من أجل ميصر أو عشان ميضر"، بكسر الميم بعنف يصل إلى كسر الكلمة كلها بياء تسبق الصاد، تعلم على الفور انه يقول "من أجل مصالحي الشخصية". فمصر تختلف من شخص إلى آخر حسب مصلحته الشخصية و هذه قصة أخرى.

هل شعرت من قبل بالقصور، بقصور الذات، بقصور الذات القومية عن الفعل أو الحركة؟

قانون نيوتن الأول ينص على أن الجسم أو الإثم أو الجماد، يحتفظ بحالته من السكون أو الحركة في خط مستقيم بسرعة منتظمة ما لم يتعرض لتأثير قوة خارجية تغير من هذا السكون أو هذه الحركة المنتظمة.

هذا في أفضل الأحوال.
أما في الأحوال العادية، فهناك المقاومة، وهناك الاحتكاك، و هناك الطاقة الضائعة طبقاً للقانون الثاني للثيرموديناميكس أو الديناميكا الحرارية، و هناك العكوسات، و هناك الأعداء الذين يتربصون بك لأن مصلحتهم تتعارض مع مصالحك، تماما مثل الأخ الذي يحدثك عن ميصر، عدا انهم يحملون جنسيات دول أخرى و هناك الحركة النسبية – و هي بالمناسبة تختلف عن النظرية النسبية لصاحبها أينشتين – و هذه قصة ثالثة – بما يعنى أن مجرد الحركة قد لا يفيد، إذا كنت تتحرك أبطأ ممن حولك.

(يتبع)


"The Path of Least Regrets" is a mathematical decision-making technique utilizing probabilities of favorable and unfavorable outcomes.


Example
for instance:

If you need to be in the Airport in 2 hours to catch your plane and you have two roads,

Road One
will take 1 hour in 90% of the journeys travelled but could be totally blocked and take 3 hours in 10% of the journeys travelled
-due to
تشريفة مثلاً

And
Road 2
Takes 1 hour and 30 minutes in 90% of the journeys travelled and takes 2 hours in 10% of the journeys travelled

Solution:

Time 1 = 60mins x 0.9 + 180mins x 0.1 = 72 mins

Time 2 = 90mins x 0.9 + 120 x 0.1 = 93 mins

So, one could argue that you should really take Road 1, because it usually saves 21 mins on average in this trip ...

but if worst happens

there is a 10% chance that you will miss your plane (and you will regret that) if you took Road 1
and
There is 0% chance that you miss your plane if you take Road 2, no matter what happens

So,

If you wish to minimize your regrets ... you just take Road 2 ... knowing that it will take longer time, but you have Zero risk of missing your plane ... you will have zero percent of developing a regret over that TRIP

Hence ... it the path of least regrets!
:)

**************

I just devised this example now ... so I could be totally off ... specially that I studied this some 20 years ago :)

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook