Wednesday, October 15, 2008
Obamanomics
Obama Ahead by 14% - CBS/NYT Poll Suggests
Monday, October 13, 2008
Financial Chaos (3) Real Estate
Speculative Investments in Egypt
في عام 1999 أعددت دراسة وكنت وقتها عضو مجلس إدارة جمعية الـ EJB التي كنت أحد مؤسسيها
وكان جزء كبير من الدراسة عن التأثير السلبي للمبالغة في تخصيص الاستثمارات لقرى الساحل الشمالي مثلاً ، والنتائج السلبية لهذا على كفاءة الاقتصاد المصري ...
وفي عام 2003 قمت بتضمين هذه الرؤية في برنامج حزب الغد – (التقديم الثاني نوفمبر 2003) بعد ورش عمل مناقشة مع زملائنا في الحزب ...
لماذا ؟
والسبب أن قرى الساحل الشمالي يستخدمه أصحابها لمدة 5-10% في السنة فقط …
دعونا نتصور أن هناك اصل منتج Asset ... مصنع مثلاً ... يعمل ساعة واحدة في اليوم ...
ألا يعد هذا إهدار للموارد؟ ألا ينعكس سلباً على حيوية الاقتصاد الذي تجمد قطاع كبير من موارده على مدى 20 سنة في غابات أسمنتية
دعونا نتصور لو أن نفس الاستثمار تم في الساحل الشمالي في قرى سياحية، يتملكها أصحابها ويستمتعون بها لفترة معينة يحددونها هم كل عام، ثم تقوم شركات فندقية متخصصة بإدارتها لصالحهم باقي شهور العام وتسويقها سياحياً
هنا ترتفع كفاءة الاستثمار العقاري عدة اضعاف بما يعود على الاقتصاد بارتفاع في الكفاءة الكلية
الآن الوضع أصبح أسوأ، مدن ضخمة نستثمر فيها وبها مئات الآلاف من الوحدات السكنية وقطع الأراضي التي اشتراها أصحابها بغرض المضاربة والتسقيع
والأسعار ترتفع ليس لوجود طلب على الشراء بغرض السكن أو التأجير أو السياحة، ولكن الطلب من مضاربين، يأملون أن يقوموا بالشراء اليوم ويبيعوا بعد شهور أو سنوات بأضعاف مضاعفة.
أين القيمة المضافة هنا في الاقتصاد للأموال المركونة؟
ماذا كان يحدث لو تم توجيه جزء من هذه الاستثمارات المركونة في مشروعات إنتاجية أو خدمية أو سياحية؟
بالتأكيد كانت كفاءة الاقتصاد ترتفع، وووظائف جديدة تخلق، ومستويات الدخول ترتفع، ومعدل دوران رأس المال يتحسن بصورة حقيقية، والناتج القومي ككل يرتفع، وهكذا
دور الدولة
طيب: هذه الاستثمارات من أفراد وشركات، ما الذي يجبر الناس على تأجير شققهم وفيلاتهم وشاليهاتهم أو تغيير توجههم الاستثماري من المضاربة مثلاً إلى الاستثمار في مشروعات أخرى أكثر إنتاجية بعيداً عن المبالغة في المضاربات والتسقيع؟
آه ... هنا يظهر دور الدولة طبقاً لفلسفة الطريق الثالث... وهو أن الدولة لا تتدخل في الإنتاج، ولكنها تتدخل بالتحفيز والتشجيع نحو اتجاهات معينة لها قيمة استراتيجية للمجتمع ككل
في هذه الأمثلة، تتدخل الدولة بالسياسات الإئتمانية والضريبية لتقدم الحوافز الإيجابية في مجال معين مرغوب فيه، مثل إعفاءات ضريبية، أسعار فائدة خاصة، تشجيع شركات إدارة الأصول العقارية بصورة سياحية مثلاً من خلال تقديم حوافز استثمارية وتسهيلات عديدة، ... إلخ.
وفي نفس الوقت يمكن أن تتدخل بحوافز سلبية لتحجيم النشاط الذي نريد أن نحول الاستثمار عنه، عن طريق مثلاً فرض ضرائب على الأصول غير المنتجة، أو سياسات من البنك المركزي حول الشروط الائتمانية لمشروعات الاستثمار العقاري، وهكذا ...
الإصلاح السياسي شرط للإصلاح الاقتصادي
طبعاً هذا لايمكن أن يحدث إلا مع فض الزواج الفاسد بين الثروة والسلطة، فإذا كان ملوك الحديد والسيراميك والأسمنت والموكيت وأباطرة الاستثمار العقاري، والمتحكمين في أسواق الأراضي وتخصيص القطع التي لا تحتاج إلى أي تسقيع، هم قواد لجنة السياسات في الحزب الحاكم والمسيطرين على صياغة القوانين في مجلس الشعب ... فلا يمكن أن نتصور أن يعمل هؤلاء ضد مصالحهم ...
ومصالحهم مع الأسف في ظل هذا الزواج غير الشرعي بين السلطة والثروة والاحتكار، وأجنة الفساد التي تتوالد كل يوم نتيجة هذا الزواج الفاسد، مصالحهم الآن ضد مصالح الشعب ... ضد مصالح البلاد والعباد ...
أسئلة عاجلة حان وقتها
هنا لابد أن نتساءل ونحن مقبلون على فترة حرجة جداً في الاقتصاد العالمي وأيضاً محلياً ... هل نضحي بالبلاد من أجل مصالح حفنة من رجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم من خلال الاقتراب من السلطة واستغلال النفوذ وإفساد القوانين والسياسات؟
أم أن مصير 75 مليون مصري أهم؟
والإجابة لك ...
باللغة العربية أو الانجليزية أو العامية أو الفرانكفونية ...
الإجابة لك ولنا جميعاً ...
Sunday, October 12, 2008
Financial Chaos (2) o.o.o
السياسات الاقتصادية المطلوبة محلياً
ورقة مبدئية مقدمة للمناقشة ولم تقر بعد بصورة نهائية من الحزب
اهتم حزب الغد منذ بداياته في عام 2003 بالبرامج الاقتصادية التفصيلية بهدف التنمية الشاملة، ورفع مستويات دخول المواطن المصري في كافة أرجاء الوطن، وجاء البرنامج ليوظف المزايا التنافسية للاقتصاد المصري، والخصائص المتفردة للثقافة المصرية والمواطن المصري، والموقع العبقري لمصر، ويزاوج كل هذا بالفرص المتاحة محلياً وإقليمياً وعالمياً، باعتبار أنه لا يوجد اقتصاد يستطيع أن يعمل بمعزل عن الاقتصاد العالمي المتشابك.
فلسفة البرنامج الاقتصادي القائمة على مبادئ الطريق الثالث
وجاءت فلسفة البرنامج الاقتصادي لحزب الغد ليبرالية في جوهرها، وتبنى البرنامج مبادئ "الطريق الثالث" منهجاً له، ليوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، يشجع المبادرة الفردية والجماعية، والحرية الاقتصادية للأفراد والشركات في العمل والكسب الشريف دون احتكار، مع وجود دور قوي للدولة في الإطار التالي:
- الدولة تعمل كميسر تشجع الوصول للاتزان الطبيعي في السوق من خلال وضع السياسات التحفيزية والضريبية والمالية والائتمانية الرشيدة
- تشجيع التنمية والاستثمار في القطاعات التي يمكن أن تكتسب مزايا تنافسية إقليمية وعالمية
- تشجيع التنمية والاستثمار في المناطق الأقل حظاً للوصول للعدالة الاقتصادية بحيث لا تتركز في منطقة بعينها (مثل القاهرة أو الاسكندرية وما حولهما، بل امتداد التنمية في الصعيد والدلتا بل والمناطق النائية، اعتمادا على الخصائص المتميزة لتلك المناطق)
- توفير الرعاية الاجتماعية والوصول لشبكة ضمان اجتماعي متكاملة
- العمل على تكافؤ الفرص من خلال إتاحة التعليم والتدريب لكافة أبناء الوطن
- تشجيع الحراك الاجتماعي الدائم
- وضع سياسات وقوانين وأجهزة تنظيمية تضمن حرية المنافسة وحيويتها، لمحاصرة الاحتكار
- تنمية القدرة التنافسية للاقتصاد المصري من خلال إزالة المعوقات البيروقراطية ورفع معدلات أداء الأجهزة الحكومية المختصة بالترخيص والرقابة والتنظيم وأجهزة الضرائب والجمارك وغيرها، والتخلص من "المصاريف الخفية"، والوصل لمعدل استقرار للسياسات مع إعلان الخط الزمني للسياسات المستقبلية بصورة تقريبية لتسهيل عملية التخطيط الاقتصادي للشركات والأفراد
- تنقية التشريعات الاقتصادية والوصول لآلية رشيدة في وضع تلك القوانين بالتعاون مع القطاع الأهلي بعيداً عن تزاوج السلطة والثروة
- الوصول للعدالة السريعة في القضايا الاقتصادية لترسيخ مبدأ سيادة القانون وحماية الملكية الخاصة والعامة
تشجيع قيام مؤسسات مختصة بمعلومات الأسواق والجدارة الائتمانية للأفراد والشركات وخدمات تأمين ضمان مخاطر الإئتمان وشركات التسويق الدولي وغيرها من مؤسسات البنية الأساسية الاقتصادية
فك التزاوج الفاسد وغير الشرعي بين السلطة والثروة واستغلال النفوذ في التربح غير الشرعي والقضاء على فساد الإدارة - الاندماج الطوعي للقطاعات الاقتصادية غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي من خلال الحوافز الاقتصادية
تشجيع المشروعات الصغيرة بآليات مستحدثة تضمن توفير عوامل النجاح في التسويق والتوزيع لتلك المشروعات وليس فقط من خلال التمويل - تشجيع ربط الصناعة بمراكز البحث العلمي ووضع الحوافز الإيجابية للشركات لتعظيم القيمة المضافة والبحوث والتطوير والاستثمار في التسويق الدولي والموارد البشرية ونظم المعلومات والنظم اللوجيستية
- تحجيم الاستثمار في اقتصاد المضاربات سواء في العقارات أو في أسواق المال، من خلال وضع ضوابط للإقراض في المشروعات العمرانية التي تزيد عن الاستيعاب الاستهلاكي للاحتياجات السكنية والسياحية
- توعية المجتمع المصري بفكر الاستثمار والتنمية، وأن أفكار العائد المرتفع والكسب السريع تقوم على منهج المضاربات وليس الإنتاج الحقيقي وتتسم بقدر ضخم من المخاطرة حيث تنهار اسواق المضاربات بصورة دورية نتيجة أن التضخم الحادث فيها هو تضخم يقوم على طلب المضاربين وليس على طلب المستهلكين، وخاصة مع إقبال المواطنين المصريين بصورة تقليدية وتاريخية وثقافية على الاستثمار العقاري في مشروعات تزيد بكثير عن الطاقة الاستيعابية لسوق السكن والسياحة
أسباب الأزمة المالية العالمية
وقد نشأت الأزمة المالية العالمية نتيجة للتوسع في الإقراض لتمويل شراء العقارات. والملاحظ أن البنوك والمؤسسات المالية المقرضة، توسعت في الإقراض بسياسات غير رشيدة، تمنح القروض لأفراد وشركات لا تستطيع الوفاء بالتزامات سداد مثل تلك القروض، باعتبار أن المقرض لديه رهن بالعقارات المشتراة، كضمان للقروض الممنوحة.
ولكن الضمان الحقيقي لأي قرض هو التأكد من قدرة المقترض على السداد وليس القيمة السوقية للأصل العقاري أو حتى الصناعي، لأن مثل تلك القيمة قد تتضخم نتيجة لزيادة الطلب من المضاربين، كما أن المقرض في صناعة المال وليس في صناعة الاستثمار العقاري، وبالتالي هو يحتاج لسريان التدفقات المالية الناشئة من سداد أقساط القروض والفوائد عليها، وليس وضع يده على عقارات لا يمكن تسييلها إلا باسعار أقل بكثير من قيم القروض الممنوحة عند يأخذ السوق المنحنى الهابط نتيجة لعجز المقترضين عن السداد واضطرار المقرضين لبيع العقارات المرهونة لتسييل أصولهم والوفاء باحتياجاتهم التشغيلية النقدية واستمرار العجلة الاقتصادية لمؤسساتهم المالية التي تحتاج إلى السيولة في صورة عملات سائلة وليس عقارات وغرف نوم وحمامات مثلاً.
وعلى سبيل المثال، يمنح البنك قرضاً بقيمة 400 ألف دولار لمقترض يريد أن يشتري عقاراً، ولكن المؤشرات المبدئية تدل على أن المقترض لا يستطيع الوفاء بأقساط القرض، غير أن البنك يتظاهر بأنه مطمئن لأن لديه رهن على العقار، وأن القيمة السوقية للعقار وقت الإقراض كانت مثلاً 450 ألف دولار، أي أكبر من قيمة القرض.
ولكن ماذا يحدث عندما يعجز المقترض عن السداد؟
يستولى البنك على العقار، ومع تكرر الأزمة مع قطاع كبير من المقترضين، يجد البنك المقرض وبنوك كثيرة مثله يجدون أنفسهم وقد وضعوا أيديهم على كم ضخم من العقارات ولكن ليس لديهم سيولة تفي باحتياجاتهم النقدية التشغيلية، فيندفعون جميعاً في وقت واحد لبيع الأصول العقارية للحصول على السيولة النقدية اللازمة لتشغيل أعمالهم وسداد رواتب الموظفين لديهم والوفاء بالتزاماتهم المالية، فيرتفع العرض في العقارات، بينما الطلب ضعيف لأن أغلب الملاك يريدون البيع والتسييل، فتنخفض أسعار العقارات بصورة حادة، وينخفض السعر السوقي للعقار الذي رأيناه في المثال من 450 ألف دولار إلى 150 ألف دولار مثلاً.
هنا البنك يكون قد قدم قرضاً قيمته 400 ألف دولار، مقابل عقار ثمنه في هذه اللحظة 150 ألف دولار، أي أن هناك 250 ألف دولار قد تبخرت في هواء المضاربات العقارية، أي أن 5/8 أو 62.5% من قيمة أصول البنك قد اختفت وليست موجودة فعلياً في المثال الذي رأيناه.
الحلول المقترحة
والحل هنا يكون باتباع السياسات الأئتمانية الرشيدة:
- الضمان الحقيقي لأي قرض هو قدرة المقترض على السداد
- على قدر استطاعة المقترض على السداد يكون حجم القرض بصرف النظر عن قيمة الضمان أو العقار المرهون
- فرض ضرائب عقارية إضافية على الاستثمار العقاري غير المنتج (أي الذي لا يستخدم في السكن أو الإيجار أو السياحة لأنه اصل غير منتج).
- التوعية المجتمعية إعلامياً وتعليمياً بأن المضاربات في النهاية لا تخلق قيمة مضافة حقيقية بل تقوم بخلق قيمة وهمية يستفيد منها البعض لحظياً ثم لا يلبثوا أن يخسروا ويخسر المجتمع ككل أكثر من القيمة الإضافية في صورة فقدان الثقة في الاقتصاد
- التوعية المجتمعية إعلامياً وتعليمياً بأن أوهام الكسب السريع ليست حقيقية وإنه فقط غرس البذور يمكن أن ينتج الثمار في وقت تحدده دورة الطبيعة، وأن معدلات الربح المرتفعة تقابلها بالتأكيد معدلات مخاطرة مرتفعة
- تحجيم المضاربات بسياسات نقدية وبنكية وائتمانية وضريبية رشيدة
- تشجيع الاستثمار في مجالات القيمة المضافة الحقيقية
تحذير من دعاة الردة الفكرية
وفي نفس الوقت، لابد أن نحذر من أن أعداء الطبيعة والزمن، يبتهجون في مثل هذه الأزمات التي رأينا مثلها من قبل بمستويات مختلفة من الحدة، واستطاع الاقتصاد العالمي الحر أن يتجاوزها عدة مرات من قبل بما فيه من آليات التصحيح الذاتي. ودعاة الردة الفكرية في مجال السياسات والمناهج الاقتصادية، يظنون أن هذه الأزمة المالية العالمية يجب معها أن نتحول من الاقتصاد الحر إلى رأسمالية الدولة حيث تتملك الدولة كافة وسائل الإنتاج، وهو ما ثبت فشله التام مع انهيار اقتصاديات عشرات الدول وإفلاسها، وإنما تدخل الدول الآن يكون بصورة مؤقتة، لعلاج الأزمة واستعادة الثقة في الأسواق والمؤسسات المالية، وتكفيراً عن تواطؤ الحكومات بالصمت عن السياسات الائتمانية الخرقاء، وأن العلاج يكون بالتشجيع الدائم للوصول لاتزان ديناميكي للسوق من خلال السياسات التحفيزية والنقدية والضريبية والإئتمانية، ومن خلال التوعية المجتمعية، ومن خلال تحجيم المضاربة الزائدة وعقاب التلاعب والتواطؤ بسوء نية، وأن تدخل الدولة بتملك الأصول الإنتاجية يكون فقط في اضيق الحدود وبصورة مؤقتة بهدف تنظيمي بحت.
إن آليات السوق كفيلة بتصحيح نفسها أولاً بأول، وإنما يأتي تدخل الدول والحكومات بهدف المساعدة للوصول لأوضاع الاتزان الطبيعية التي تتسم بالاستقرار الديناميكي وليس محاربتها، وتقصير فترة الوصول لاتزان السوق، وتقليل الفاقد العالمي في الفترات الانتقالية، ودعم الثقة في الأسواق والمؤسسات المالية لتجنب حالات الذعر التي يمكن أن تطيح بجزء كبير من التراكم الراسمالي كنتيجة لاهتزاز الثقة وليس كنتيجة لأي أوضاع مالية حقيقية.
Wednesday, October 08, 2008
Remembering 6 October 5
لقد شمل التوجيه الاستراتيجي الصادر من الرئيس السادات في أول أكتوبر 1973، على أهداف سيكولوجية وسلوكية هامة، فكان مطلوباً ومتوقعاً من الحرب أن تحدث "هزة" و"صدمة" داخل المجتمع الإسرائيلي والفكر الإسرائيلي، حتى يبدأ العدو في "تغيير سلوكه العدواني"، وهو ما حدث بالفعل وأدى لإمكانية بدء مسيرة السلام كخيار استراتيجي.
رد الفعل الإسرائيلي:
كانت ثقة الإسرائيليين كبيرة جدا في التفوق النوعي بل والكمي للجيش الإسرائيلي وسلاحه الجوي والأسلحة الأمريكية الحديثة، التي كانت تتدفق على الترسانة الإسرائيلية بصورة منتظمة. كما اطمأن الإسرائيليون لمنعة تحصيناتهم التي أقاموها علي الضفة الشرقية للقناة وعلي رأسها خط بارليف. وكانت نظرية الحدود الآمنة تصور لهم أن قناة السويس وهي أصعب مانع مائي في العالم، تجعل مهمة المصريين مستحيلة في العبور، أما إذا حاولوا العبور، فإن مواسير الغاز كانت كفيلة بإشعال سطح القناة على طول خط المواجهة وتلقين المصريين درساً لا ينسى. ولعل طبيعة عمليات الجيش المصري خلال حرب الاستنزاف، صورت لهم أن المصريين، سوف يقومون بعمليات كوماندوز محدودة على أفضل تقدير، فجاءت المفاجأة الاستراتيجية بعبور خمس فرق كاملة في الساعات الأولى للقتال وعلى طول خط المواجهة كفيلة لأن يفقد العدو اتزانه.
كما استبعد العدو تماماً نية مصر في خوض الحرب في ذلك التوقيت، خاصة بعد ما فعله السادات في مايو و أغسطس عام 1973 عندما أمر المشير أحمد إسماعيل بتحريك القوات المصرية حتى خط القناة ثم إعادتها لمواقعها مرة أخري، كجزء من خطة الخداع الاستراتيجي ، مما جعل إسرائيل في كل من هذين التوقيتين تعتقد أن السادات ينوي الحرب فتعلن التعبئة العامة، و تتكلف عشرة ملايين دولار في كل مرة بلا جدوى. فلما جاء يوم 6 من أكتوبر ظن الإسرائيليون في البداية أن السادات غير جاد مثلما حدث في المرتين السابقتين.
وعندما بدأ الهجوم المصري والسوري بعد ظهر يوم 6 من أكتوبر، ورغم المفاجأة الكبيرة التي هزت الإسرائيليين، إلا أن معظمهم كانوا متفائلين معتقدين أن بإمكانهم دحر الهجوم بكل سهولة، وأنهم سيتمكنون بسرعة من طحن عظام المصريين والسوريين، بيد أن موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي كان له رأي آخر، ففي اجتماع مجلس الوزراء الذي تم مساء اليوم الأول للقتال، اقترح ديان الانسحاب إلي خط ثان، والقتال ضد المصريين في نطاق 12 ميل من القناة مبديا شكوكه في قدرة القوات الإسرائيلية علي عرقلة عبور الجيش المصري قبل وصول الاحتياطي إلي الجبهات والذي قد يستغرق من 24 إلي 36 ساعة، ولكن أعضاء مجلس الوزراء لم يقتنعوا بهذا الرأي.
إسرائيل في خطر:
وفي اليوم الثاني للقتال يوم 7 من أكتوبر، وأثناء عودة ديان من مقر قيادة الجبهة الجنوبية (سيناء) بعد استعراضه للموقف مع قائدها الجنرال (جونين)، كان ديان قد أصبح محطما منهارا حتى أنه وصف رحلة طيرانه عائدا من هناك قائلا: "لا أتذكر لحظة في الماضي شعرت فيها بالقلق الذي شعرت به الآن … فلو أنني كنت أعاني جسمانياً، وأواجه الخطر شخصياً لكان الأمر أهون، أما الآن فثمة شعور آخر ينتابني … إن إسرائيل في خطر".
يوم الفشل العام
وفي مساء ذلك اليوم عندما اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي لمناقشة تطورات الموقف، كان ديان لا يزال مصمما علي رأيه بوجوب ترك خط القناة والبدء في تنظيم القوات الإسرائيلية علي خط جديد ولكن المجلس انتقد هذا الرأي للمرة الثانية وعدوه ضعفا وتشاؤما مبالغا فيه من قبل ديان، بالرغم من اعتراف رئيس الأركان الإسرائيلي اليعازر بفقدان إسرائيل للسيطرة علي الموقف وبالرغم من أن الذعر كان قد بدأ يعم الإسرائيليين خصوصا مع بدء وصول سيارات الإسعاف حاملة الجرحى الإسرائيليين من الجبهتين المصرية والسورية.
وفي اليوم الثالث من القتال يوم 8 من أكتوبر1973 –يوم الفشل العظيم كما وصفه ديان– شنت إسرائيل هجوماً مضاداً كان الغرض منه سحق القوات التي عبرت القناة، و حدث اشتباك فعلي بالدبابات، إلا أن هذا الهجوم باء بالفشل الذريع، وفي نهاية اليوم كانت إسرائيل قد فقدت أكثر من ثلث سلاح طيرانها علي الجبهتين المصرية والسورية مع خيرة طياريها المدربين. فقد كانت هذه هي بداية الهزيمة لإسرائيل، فكما جاء في اعتراف عساف ياجوري قائد اللواء 190 المدرع الإسرائيلي، والذي كان مقررا له أن يقوم بدور رأس الحربة، ويصل للقناة ويفصل القوات المصرية عن بعضها، إلا أنه بعد ثلث ساعة فقط من بدء المعركة أبيدت جميع دباباته وعددها أكثر من 115 ،مما أصاب عساف ياجوري بانهيار عصبي وهو يسلم نفسه للقوات المصرية.وبعد عودته من الأسر بعد انتهاء الحرب، كتب مقالا في جريدة معارييف وصف فيه يوم 8 من أكتوبر بأنه دخل التاريخ تحت اسم "الاثنين الأسود في إسرائيل"، وبأنه "يوم الدم وخيبة الأمل والألم العظيم "،
كما قال ديان واصفا هذا اليوم بأنه :"انقضى مخلفا في أعقابه خيبه أمل كبيرة، و خسائر جسيمة، و تقهقرا"، وهو الذي كان كثيرا ما يدعي بأن: "الجبهة المصرية لاتستحق من جهد جيش إسرائيل أكثر من 60 دقيقة" معبرا عن ثقته في الجيش الإسرائيلي، كما أنه كان يعبر عن ثقته في عدم قدرة مصر علي دخول الحرب قائلا: "إن مصر لن تحارب قبل عشر سنوات ، إذا هي فكرت في الحرب فعلا".
وبعد التأكد من فشل الهجوم المضاد، عم الذعر والفزع أرجاء إسرائيل، وفقد قادتها الاتزان تماما، كما فقدوا القدرة علي اتخاذ قرارات أو إجراءات سليمة، فلجئوا كالعادة إلي الولايات المتحدة الأمريكية !
لم تتوقف الولايات المتحدة عن دعم إسرائيل منذ اليوم الأول للقتال، وقام كيسنجر بصفته مستشار الأمن الأمريكي و وزير الخارجية بتنسيق الجهود الدبلوماسية الأمريكية أثناء الحرب- كان كيسنجر يعد رجل إسرائيل الأول في الإدارة الأمريكية نظرا لكونه يهوديا- و لم يكن كيسنجر يتوقع أن تقوم مصر وسوريا بالهجوم نظرا لمعرفته أنهما لا تمتلكان المعدات اللازمة، أو الإمكانيات الحربية اللازمة.
كان كيسنجر قد عرض علي أبا إيبان يوم 4 من أكتوبر أي قبل الحرب بيومين أن يحاول التفاوض مع مصر حول سيناء، فكان رد إيبان: "ولماذا نقدم حلولا؟ … سنبقي علي ضفة القناة للخمسين سنة القادمة. ومصر لا قيمة لها . ولن تستطيع مواجهتنا في يوم من الأيام". ولقد حدث أن استطاعت مصر مواجهة الجيش الإسرائيلي بعد هذا الحوار بيومين في يوم 6 من أكتوبر، حينما حدث الهجوم المصري، مما دفع أبا إيبان لأن يفقد عجرفته ويبادر بالاتصال مذعورا بكيسنجر مبلغا إياه الخبر قائلا: "لقد هجمت مصر وسوريا … أرجوك الاتصال بالرئيس نيكسون".
و كانت مسئولية كيسنجر صعبة، حيث كان عليه مواجهة عدد من المطالب التي تبدو متناقضة كما جاء علي لسانه: "علينا تأمين بقاء إسرائيل، وعلينا في الوقت ذاته المحافظة علي علاقاتنا بالدول العربية المعتدلة كالأردن مثلا، والمملكة العربية السعودية " . ثم حدث الانهيار الذي أصاب إسرائيل بعد فشل هجومها المضاد الذي تم في اليوم الثالث و أدرك كيسنجر هذا مما جعله يقول لجولدا مائير في اليوم الرابع للحرب: "لقد خسرت الحرب، و يجب أن تعدي نفسك لهذا".
انقذوا إسرائيل
كان الذعر الشديد قد انتاب جولدا، ودفعها لأن تطلب من كيسنجر السماح لها بالذهاب إلي الولايات المتحدة بنفسها، لتطلب إمداد إسرائيل المعدات والأسلحة الحربية، لمنع زيادة تدهور الموقف، إلا أن كيسنجر رفض مغادرتها البلاد، حتى لا يزيد الفزع والذعر العام في إسرائيل Panic . وعندها قالت جولدا لقادة جيوشها: "افعلوا أي شيء، فنحن علي الجبهة المصرية قد وصلنا إلي الحضيض".
و لمنع استمرار تدهور أوضاع إسرائيل في الحرب، قامت الولايات المتحدة بإنشاء جسر جوي لإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات، مستخدمة طائرات النقل العسكرية الأمريكية لنقل ما تحتاجه إسرائيل من المستودعات الأمريكية إلي إسرائيل، و لو لم يحدث هذا لاضطرت إسرائيل للتخلي عن أراضٍ محتلة أكثر.
فقد صرح الجنرال الأمريكي أيفيل بانجر عقب انتهاء الحرب: "إن إسرائيل بقيت كدولة لأننا لم نخنها. فبدون الأسلحة والنفاثات الأمريكية كان محتوما أن تفني إسرائيل". كماأعترف الجنرال إليعازر (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي) باعتقاده أن مصر وسوريا كان باستطاعتهما إن يصلا لأبعد مما يتصوره أي إسرائيلي، لو لم تصل إليهم الإمدادات الأمريكية بتلك الصورة السريعة والمكثفة. والمفارقة هي أن إليعازر كان كثيرا ما يباهي باليد الطولي للجيش الإسرائيلي والتي تستطيع أن تمتد في لحظات إلي أي موقع في الأراضي العربية، ثم تتحول إلي قبضة قوية تضرب بلا رحمة!
محاكمة الجنرالات - لجنة إجرانات
وبعد الإنتصار الذي حققه الجيش المصري في الحرب. وبعد الهزيمة التي لحقت بجيش إسرائيل الذي لا يهزم! اختلف الجنرالات في إسرائيل حيث حاول كل منهم أن ينفي مسئوليته عن الهزيمة ملقياً الذنب علي الأخريين. فتم تشكيل لجنة للتحقيق في مسئوليات الهزيمة عرفت باسم (لجنة أجرانات) والتي تضمن تقريرها المبدئي إدانة كاملة للجنرال دافيد إليعازر واتهمته بأنه تقاعس عن بذل أي جهد حقيقي لكي يستخلص استنتاجاً سليماً للموقف كقائد عسكري. إلا أن اللجنة دافعت عن موشي ديان لأسباب سياسية، وقالت أنه زار جبهة الجولان قبل نشوب القتال بأسبوع، ودعا إلى إرسال تعزيزات للمواقع. وقامت إسرائيل بطرد رئيس الأركان ورئيس المخابرات العسكرية وقائد الجبهة الجنوبية. إلا أن الشعب الإسرائيلي طالب بمزيد من الإدانات. وأخذ كل جنرال يهاجم الآخرين فيما عرف باسم حرب الجنرالات.
باسم الجنود الذين احترقوا أحياء في دباباتهم
وهكذا انهارت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم وأسطورة خط بارليف المنيع والذي كان مصممه - الجنرال حاييم بارليف - يقول في مارس عام 1972: "أقول باختصار… إذا استأنفت مصر القتال فإن إسرائيل لن تخسر موقعا واحدا". قالها بكل غرور متأكدا من قوة خط بارليف الذي صممه. وجاءت هزيمة إسرائيل في أكتوبر 1937 لتمحو غرور الإسرائيليين الذي نتج عن نصرهم في 1967 وبدلا من أغاني النصر التي كانت تذيعها الإذاعة في إسرائيل حلت مكانها أغنية تلاحق الإسرائيليين ليل نهار في الإذاعة تقول كلماتها: "باسم الجنود الذين احترقوا أحياء في دباباتهم … باسم الطيارين الذين هبطوا والنيران مشتعلة في أجسادهم … أعدك يا صغيرتي العزيزة أن هذه الحرب ستكون الأخيرة … نعم الأخيرة … الأخيرة … الأخيرة".
آخر الحروب؟
وهذا التحول الذي حدث في العقلية الإسرائيلية، كان من أهم أهداف حرب أكتوبر ، وقد استمر الرئيس السادات في استراتيجيته القائمة على تغيير تفكير العدو بالصدمات التراكمية، عندما ذهب في زيارته التاريخية إلى القدس ووجه خطابه للشعب الإسرائيلي واليهود في كافة أنحاء العالم، بل والرأي العام العالمي بأجمعه، واستثمر السادات الصدمة التي أحدثتها حرب أكتوبر حينما "تمنى" في مبادرة السلام أن تكون حرب أكتوبر هي آخر الحروب حتى تتفرغ الشعوب للتنمية.
**************
من برنامج
أكتوبر
نقطة التحول في الصراع العربي الإسرائيلي
الناشر
Horizon Studios
Ministry of Defense, Military Researches Authority
Remembering 6 October 4
بعد نجاح عملية العبور وتغلغل القوات المصرية بعمق 12-15 كيلومتراً شرق القناة، وإقامة رءوس جيوش وفشل الهجمات الإسرائيلية المضادة بعد استدعاء الاحتياطي الإسرائيلي والتعبئة العامة، كان على إسرائيل أن تواجه الهزيمة لأول مرة في تاريخها. وعبر رئيس إسرائيل عن ذلك في لقائه بالقادة العسكريين في غرفة العمليات بقوله : "عليكم أن تدفعوا ثمن غروركم، ولا أعرف كيف ستواجهون شعب إسرائيل بعد ما حدث".
وفي مؤتمره الصحفي مساء التاسع من أكتوبر قال ديان : "لقد أدرك العالم كله الآن أننا لسنا أكثر قوة من المصريين وإن الهالة التى كانت تتوجنا (إذا هاجم العرب فإن الإسرائيليين سيحطمونهم) قد سقطت و يتحتم أن نقول الحقيقة للشعب الإسرائيلي."
أما جولدا مائير فقد أطلقت صرخة "أنقذوا إسرائيل Save Israel "، وعرضت على الرئيس الأمريكي أن تذهب لواشنطن لشرح سوء الأوضاع وجهاً لوجه ومقابلته ولو "لساعة واحدة"، حتى يسارع بإنقاذ إسرائيل. وفي حديث تليفوني للرئيس نيكسون قالت: "لا أعرف كيف سأواجه عائلات القتلى الكثيرين في الحرب."
الجسر الجوي الأمريكي:
وأصبح الموقف واضحاً أمام أمريكا، فقد كانت جولدا مائير في حالة انهيار Panic ، ورفض كيسنجر تماماً فكرة حضورها وترك إسرائيل في ذلك الوقت الحرج مما سيجعل الأمور تظهر الواقع السيء الذي وصلت إليه القوات الإسرائيلية، مما قد يغري دولاً عربية أخرى على الاشتراك في الحرب. وكان كسينجر مقتنعاً بأن هزيمة إسرائيل بفضل التسليح السوفيتى ستكون كارثة جيوبوليتيكية لأمريكا، فقرر الرئيس نيكسون إقامة جسر جوي لتعويض إسرائيل عن جميع خسائرها وإمدادها بأسلحة جديدة بما فيها شحن الدبابات على طائرات أمريكية. واستخدمت أمريكا مائتين وخمسا و عشرين طائرة نقل بحيث قامت هذه الطائرات بخمسمائة و تسع و ستين طلعة على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً، استُخدم فيها حوالى ربع طائرات النقل التابعة لقيادة النقل الجوي الأمريكية، علاوة على جميع الطائرات الخاصة بشركة العال الإسرائيلية المدنية. واشتملت الأسلحة على الدبابات و الصواريخ المضادة للدبابات من طراز تاو و محركات و أجنحة طائرات، و معدات دفاع جوى من طراز شابرال وكانت الدبابات تصل الى مطار العريش مجهزة بكامل ذخيرتها و مليئة بالوقود.
ووصل كيسنجر إلى الاقتناع بأنه على إسرائيل أن تحرز بعض التقدم على الجبهة المصرية حتى يستطيع أن يجد ما يفاوض به السادات بعد وقف إطلاق النار، فعملت أمريكا على مساعدة إسرائيل لتحقيق أي تقدم على المستوى الاستراتيجي أو حتى التكتيكي يمكن استخدامه إعلامياً وسياسياً للضغط على العرب.
الجهد الاستطلاعي الأمريكي
وبالإضافة للجسر الجوي، فقد قررت الولايات المتحدة أن تعمل على تحويل مسار الحرب بكافة الطرق. وفي يوم 13 من أكتوبر، اخترقت مجالنا الجوي طائرة من طراز SR-71 تطير على ارتفاع أعلى من 25 كيلومتر بسرعة تصل إلى ثلاثة أضعاف سرعة الصوت، وقامت هذه الطائرة بتصوير ورصد مواقع قواتنا شرق وغرب القناة، و كذلك مطاراتنا ووسائل الدفاع الجوى و الاحتياطيات. وكان ذلك التدخل العسكرى الأمريكى المباشر و العلنى تمهيداً لقيام إسرائيل بعمل ثغرة بين الجيشين الثاني و الثالث، و العبور إلى غرب القناة، بهدف تحقيق نجاح تكتيكي إعلامي يعوض الفشل الإستراتيجي العام الذى منيت به إسرائيل، و كان كيسنجر كما وضحنا- يرى أنه لابد من تحقيق بعض التقدم لإسرائيل على الجبهة المصرية بالذات حتى يسهل ذلك من مهمته فى التفاوض عندما يتم وقف إطلاق النار.
ولتحقيق هذا، فقد دفع العدو بقوات ضخمة لعمل ثغرة بين الجيشين الثاني في الشمال والثالث في الجنوب، وكان الاستطلاع الأمريكي يوم الثالث عشر من أكتوبر بواسطة طائرات إس آر واحد وسبعين التي تطير على ارتفاعات عالية خارج حدود الدفاع الجوي أو الطيران المصري قد مد الإسرائيليين بخرائط تفصيلية لأوضاع قواتنا في الشرق والغرب مما مكن العدو من التسلل غرباً.
و كثفت إسرائيل من قواتها فى المنطقة الموجودة بين الجيشين الثانى والثالث بحيث قامت فرقتان مدرعتان بالهجوم بغرض تأمين ممر صحراوى عرضه ميلان و نصف جنوب الدفرسوار و شمال البحيرات المرة و الاستيلاء على قطعة أرض شرق القناة تعرف باسم "المزرعة الصينية"، وعمل معبر وإنشاء رأس كوبرى تعبر من خلاله الى الضفة الغربية. و قوبلت هذه المحاولة بقتال عنيف من الفرقة السادسة عشرة بقيادة اللواء عبد رب النبى حافظ ، و تحت ستار هذا القتال تسللت قوة من لواء مظلات إسرائيلي ليلاً وعبرت فى قوارب إلى الشاطئ الغربي للقناة و لحقت بها سرية دبابات واختفت هذه القوات فى منطقة الأشجار الكثيفة الموجودة فى هذه المنطقة لتأمين إنشاء المعبر.
ونتيجة للمقاومة العنيفة والقتال الضاري، فشلت المحاولة الأولى لإنشاء المعبر الإسرائيلي خلال ليلة السادس عشر من أكتوبر، و لكن العدو عاد و هاجم بقوات جديدة الى أن نجح فى إقامة المعبر يوم السابع عشر من أكتوبر و عبرت المدرعات الإسرائيلية الى غرب القناة وحاولت قوات شارون احتلال الاسماعيلية ولكن تم صد هجومها و حرمانها من تحقيق هذا الهدف السياسى العسكرى.
فلسفة التعامل مع الثغرة
لعل الكثيرون يتساءلون، كيف سمحت قواتنا لقوات العدو بالعبور للضفة الغربية، ولماذا لم تسحب مصر قواتها من شرق القناة لغربها لتصفية الثغرة؟
كان هدف إسرائيل من الدفع بقواتها غرب القناة، هو تحقيق نجاح تكتيكي استراتيجي بالاستيلاء على أحد مدن القناة وإجبار مصر على سحب قواتها من الشرق للغرب، حتى تستطيع القوات الإسرائيلية في شرق القناة مهاجمة قواتنا شرق القناة واستعادة الأوضاع التي كانت عليها صباح 6 من أكتوبر وإهدار الانتصار الاستراتيجي لمصر في الحرب وتصفية المكاسب العسكرية الناتجة عن حرب أكتوبر.
يفوق العدد الذي دخلت به العمليات في 6 أكتوبر ... أنا أستطيع أن أحارب إسرائيل لمدة عام كامل!".
وكان بعض القادة –ومنهم الفريق الشاذلي - يرون ضرورة سحب كم كبير من القوات من الشرق للغرب لتصفية الثغرة، ولكن الرئيس السادات والفريق أول أحمد إسماعيل واللواء الجمسي لم يوافقوه على ذلك، فقد رأوا أن القوات الإسرائيلية غرب القناة محكوم عليها بالفشل إن عاجلاً أو آجلاً، وأنه لا يجب التخلي عن المكاسب الاستراتيجية التي تحققت والوقوع في الفخ الإعلامي الذي نصبته إسرائيل لنا. ووجه السادات حديثه لقائد القوات الجوية قائلاً: "وما رأي اللواء مبارك؟" فرد قائلاً: "أنا طائراتي معظمها سليم، وهناك طائرات كانت معطلة وغير صالحة للاستعمال منذ تاريخ طويل قبل نشوب الحرب، وقد تمكنت من إصلاحها جميعاً، وأصبح عندي الآن عدد من الطائرات
وكان قرار الرئيس السادات هو عدم سحب أية قوات من الشرق للغرب. وعلى الرغم من صحة رأي الفريق الشاذلي من الناحية التكتيكية، فقد اتضحت رؤية السادات الاستراتيجية في قراره رفض سحب القوات من الشرق، وجاء مسار الأحداث فيما بعد ليؤكد حكمته وبعد نظره في هذا القرار.
وقف إطلاق النار والقرار 338
ومع وضوح التدخل الأمريكى فى الحرب قرر الرئيس السادات قبول وقف إطلاق النار بتاريخ الثانى والعشرين من اكتوبر، وصدر قرار مجلس الأمن رقم 338 بإيقاف وقف إطلاق النار اعتباراً من غروب شمس 22 من أكتوبر. وكان الاتحاد السوفيتى و أمريكا يطالبون بذلك منذ اليوم الثانى للحرب، وتعهدت القوتان العظميان بالمحافظة على مواقع القوات كما هى يوم الثاني و العشرين من أكتوبر. وبرغم قبول إسرائيل بوقف إطلاق النار، فإنها في الواقع كانت تنوي عدم احترامه، وشجعتها الولايات المتحدة على محاولة تحقيق أي مكاسب في الغرب. وكعادة العدو الإسرائيلي في استغلال وقف إطلاق النار في تحسين موقفه القتالي، فقد دفع بقوات جديدة الى غرب القناة ليلة الثالث و العشرين و ليلة الرابع و العشرين من أكتوبر، بحيث اتجهت فرقة من مدرعاته جنوباً فى اتجاه السويس بهدف تطويق الجيش الثالث وقطع طريق القاهرة السويس لحرمانه من الإمدادات والاستيلاء على مدينة السويس.
واتصل السيد "حافظ إسماعيل" بكيسنجر وأبلغه أن إسرائيل تجاهلت القرار 338، ولكن أمريكا كانت تسعى لكسب الوقت حتى تحقق إسرائيل بعض المكاسب غرب القناة كما قلنا. وأصدرت القيادة العامة المصرية تعليماتها للدفاع عن المدينة، وأخذت السلطات المدنية تعمل بجانب القوات العسكرية الموجودة داخل المدينة لمنع العدو من دخول المدينة وتدمير قواته، وقام العميد يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة بتخصيص الأسلحة للمدافعين عن المدينة من المدنيين.
ودار القتال العنيف غرب القناة، وفشلت القوات الإسرائيلية بقيادة "شارون" في التقدم شمالاً نحو الإسماعيلية، وقامت القوات الجوية بقيادة اللواء طيار حسني مبارك بدور بارز في تكبيد العدو خسائر فادحة، كما قامت الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة العميد "عبد العزيز قابيل " بدور بطولي، فقد عملت تلك الفرقة في خط مواجهة حوالي 70 كيلومتراً في مواجهة 3 فرق مدرعة إسرائيلية، وبتطور الأمور وتماسك أوضاع قواتنا، دخلت قوات أخرى لمعاونة الفرقة الرابعة في مقاومة ثم تصفية الثغرة فيما بعد.
وفي 23 من أكتوبر، اجتمع مجلس الأمن مرة أخرى وأصدر القرار 339 الذي حث الأطراف المتحاربة على العودة لخطوط اليوم السابق، ومرة أخرى، وبرغم موافقتها على القرار، فقد تركت إسرائيل لجيشها حرية الحركة بحيث يحاول الاستيلاء على مدينة السويس لتحقيق الهدف من "الثغرة".
وفي 24 من أكتوبر، حاول لواءان مدرعان من فرقة "آدن" اقتحام المدينة من الشمال والغرب، بعد قصف كثيف من المدفعية الثقيلة والطيران للمدينة بهدف تحطيم الروح المعنوية للمدافعين وخاصة المدنيين، ولكن العدو فوجئ بمقاومة أسطورية كبدته خسائر فادحة في الأفراد والدبابات، وكما نجح فريق المشاة من قبل في مواجهة المدرعة، فقد نجح المدنيون من أهل السويس في مواجهة المدرعات، ودار القتال في الشوارع وداخل المنازل وفي الميادين.
وبجهود أبطال السويس من رجال الدفاع الشعبي ورجال الشرطة والسلطة المدنية والقوات العسكرية من الفرقة 19 مشاة، أمكن هزيمة قوات العدو التي حاولت دخول المدينة، واضطرت قوات العدو إلى الانسحاب والتمركز خارج المدينة، وظلت الدبابات الإسرائيلية المحترقة والمحطمة في الطريق الرئيسي المؤدي للمدينة شاهداً على فشل القوات الإسرائيلية وعجزها عن احتلال المدينة، وليصبح يوم 25 من أكتوبر عيداً قومياً لمدينة السويس وللشعب المصري كله.
مباحثات الكيلو 101
وصدر قرار مجلس الأمن رقم 340 يوم 25 من أكتوبر والذي يقضي بإنشاء قوة طوارئ دولية لمراقبة تنفيذ قرار وقف القتال والعودة إلى خطوط يوم 22 من أكتوبر كما قضى بذلك القرارين السابقين 338 و 339. ومع تجاهل إسرائيل المستمر لقرارات وقف إطلاق النار، حدث تصعيد نووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي برفع حالة التأهب النووي إلى الدرجة القصوى، كما وجدت إسرائيل نفسها إنها وقد فشلت في احتلال مدينة السويس، فقد أصبحت قواتها في الغرب تمثل نزيفاً تتزايد فيه الخسائر كل يوم، ومع نجاح القوات الإسرائيلية في قطع طريق القاهرة السويس، وهو الطريق الرئيسي لإمداد مدينة السويس وقوات الجيش الثالث، فقد أصبح لدى كيسنجر أخيراً ما يناور به في المفاوضات، وبناء عليه بدأ تطبيق وقف إطلاق النار يوم الثامن و العشرين من أكتوبر، مع وصول طلائع قوات الأمم المتحدة و بدء محادثات الكيلو 101.
وتم تعيين اللوء الجمسي (الذي كان قد أصبح رئيساً للأركان وإن كان لم يُعلَن عن ذلك إلا في 12 من ديسمبر) ممثلاً لمصر في محادثات الكيلو 101 التي جرت تحت إشراف قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة بقيادة الجنرال سيلاسفيو، وكان الهدف من المباحثات هو تثبيت وقف إطلاق النار ومناقشة الاعتبارات العسكرية لتطبيق قراري مجلس الأمن 338 و 339، وتنظيم مرور عربات تحمل إمدادات غير عسكرية إلى الجيش الثالث.
واجتمع الوفدان المصري والإسرائيلي في الساعة الواحدة والنصف من صبح يوم 28 أكتوبر لبدء هذه المباحثات. وبهذا توقف القتال رسمياً يوم 28 أكتوبر 1973.
أوضاع قواتنا عند توقف القتال:
في 28 من أكتوبر، كانت قواتنا شرق القناة المكونة من الجيشين الثاني والثالث، في أوضاع عسكرية ممتازة، ولديها من الأسلحة والذخيرة والمعدات ما يمكنها من القتال لفترات طويلة بكفاءة تامة، وكانت رءوس الكباري بمثابة صخرة قوية تحطمت عليها كل هجمات العدو المضادة، وكانت القوات الإسرائيلية تقف دون تأثير في مواجهة قوات الجيشين.
أما في الغرب، فقد كانت أوضاع القوات المصرية في تحسن مستمر، فقد كانت في اشتباكات مستمرة مع قوت العدو لمنعه من تعزيز مواقعه، ومع تكوين التجميعات العسكرية المصرية الإضافية في الغرب، أصبحت قواتنا في الغرب قادرة على احتواء العدو ثم تصفيته. أما العدو، فقد عجز عن تحقيق الهدف الاستراتيجي من الثغرة وهو احتلال الاسماعيلية أو السويس، وأصبح عليه أن يكتفي بقطع طريق القاهرة السويس كورقة للمساومة على إمدادات السويس والجيش الثالث، وأصبحت تلك القوات نزيفاً مستمراً لإسرائيل، وليس في قدرتها تحقيق أي هدف آخر، وفي نفس الوقت كانت خسائرها تتزايد مع تحسن أوضاع قواتنا في الغرب، وكانت إمدادات قوات الثغرة صعبة وكذلك عملية إخلاء القتلى والجرحى، فكان لابد أن تمر من خلال ثغرة الدفرسوار وعرضها 7 كيلومترات أو بالطائرات، وكان على القوات الإسرائيلية أن تبدأ في عمل التجهيزات الهندسية الدفاعية لمحاولة صد الهجوم المصري المتوقع إذا فشلت مباحثات الكيلو 101. وكانت قوات العدو في الغرب في موقف لا يسمح لها بالعودة إلى الشرق، وبالتالي أصبح على إسرائيل أن تدفع ثمن نجاحها التكتيكي غرب القناة، فقد وقعت 3 فرق لها غرب القناة كرهينة يمكن تصفيتها في أي وقت بخسائر بشرية فادحة على الجانب الإسرائيلي.
وكان على إسرائيل أن تحتفظ بثلاث فرق غرب القناة في رقعة أرض محدودة ومحاطة إما بموانع طبيعية أو صناعية أو بقوات مصرية، فأصبحت شبه محاصرة وفي وضع عسكري هش وضعيف، مما دفع السادات بالتلويح عدة مرات للأمريكيين بقدرته على تصفية ذلك "الجيب" وما يعنيه ذلك من كارثة محققة لإسرائيل على المستوى البشري.
ولتأمين مدخل الثغرة، خصصت إسرائيل فرقتين لمنع الجيش الثالث من التقدم شمالاً والثاني من التقدم جنوباً لإغلاق مدخل الثغرة. كما كان على إسرائيل أيضاً أن تحتفظ ب3-4 فرق أمام الخمس فرق المصرية شرق القناة حتى تعوق تقدم القوات المصرية نحو المضايق. وبذلك فكان على إسرائيل أن تحتفظ بحوالي من 9 إلى 10 فرق في حالة استنفار دائم لمجرد الاحتفاظ بالوضع على ما هو عليه Status Quo دون وجود أي أمل في تحقيق أية مكاسب من أي نوع. ولكن إسرائيل استغلت الثغرة إعلامياً لأقصى درجة، وقامت بتصوير قادتها في الغرب وبث تلك الأفلام في تليفزيونات العالم، وأخذت في الطنطنة بتحقيق ذلك النجاح التكتيكي، رغم أن وضعها كان في الواقع أسوأ بكثير مما يمكن تخيله إذا تم استئناف القتال، فقد كان غرب القناة سوف يصبح أرض قتل Killing Fields للقوات الإسرائيلية، كما كان على إسرائيل أن تحتفظ بالتعبئة العامة لشهور طويلة مما أصاب اقتصادها بالشلل، فالاحتياطي الإسرائيلي يمثل نسبة ضخمة من قوة العمل Labor Force في إسرائيل، لأن الجيش الإسرائيلي يشبه جبل الثلج، والجزء الظاهر الصغير منه هو الجيش العامل، أما الجزء الأكبر فهو الاحتياطي.
وبالرغم من بدء المحادثات ووصول قوات الطوارئ الدولية إلا أن قواتنا بدأت حرب استنـزاف غرب القناة لمنع القوات الإسرائيلية من تثبيت مواقعها الدفاعية وكذلك تكبيدها أكبر خسائر ممكنة إلى أن يحين الوقت المناسب لتصفيتها، فقد حدث 452 اشتباكاً بالنيران منذ إيقاف إطلاق النار وحتى تم الانسحاب الإسرائيلي بعد اتفاقية فض الاشتباك الأول التي نجح كيسنجر في تحقيقها، فقد طلبت إسرائيل الانسحاب من الثغرة وسحب قواتها شرقاً بعيداً عن القناة، وكانت سعادة الإسرائيليين واضحة بالخروج من الثغرة التي كانت سوف تصبح أكبر فرصة للقوات المصرية لتكبيد إسرائيل خسائر أكبر من تلك التي تكبدتها في الأيام الأولى من الحرب.
الخطة شامل
ومع تماسك تجميعات قواتنا في الغرب، أصبح لنا دبابتان وصاروخان مضادان للدبابات في مواجهة كل دبابة إسرائيلية في الثغرة، وكانت قوات العدو في الثغرة دائماً هدفاً سهلاً لقواتنا الجوية، وبينما تأثر الإسرائيليون وصدقوا الطنطنة الإعلامية الكاذبة التي أطلقوها بأنفسهم حول الثغرة، وبدأوا يراوغون في المفاوضات، كانت الخطة "شامل" لتصفية الثغرة قد اكتملت، وصدق عليها الرئيس السادات في 24 من ديسمبر 1973، وكلف اللواء "سعد مأمون " -الذي قاد بنجاح الجيش الثاني في عملية العبور إلى أن سقط مريضاً يوم 14 من أكتوبر- بقيادة القوات التي سوف تقوم بتصفية الثغرة في حالة فشل المباحثات.
هل كانت القاهرة مهددة؟
أحياناً ما يثور التساؤل: هل كانت القاهرة مهددة؟ إذا كان العدو قد وصل إلى الكيلو 101 من طريق القاهرة السويس، فهذا يعني أنه كان على بعد أقل من 90 كيلومتراً من حدود القاهرة، فهل كان من الممكن أن يهدد القاهرة ويحقق جزءاً من حلمه في "إسرائيل الكبرى" الذي يجسده علمه "من الفرات وإلى النيل"؟
والواقع أن القوات الإسرائيلية غرب القناة، كانت في أوضاع سيئة لا تستطيع معها التمسك طويلاً بمواقعها الحالية فضلاً عن إحراز أي تقدم آخر، أما الوصول للقاهرة فكان هو المستحيل بعينه، لأن القوات المصرية التي كانت تعد للهجوم على القوات الإسرائيلية بهدف فتح طريق "القاهرة – السويس" بالقوة، كانت متجمعة في ذلك الاتجاه بالذات، فضلاً عن العديد من خطوط الدفاع الأخرى التي تحيط بالمنطقة المركزية مما يجعل تلك الفكرة مستحيلة التنفيذ.
وفي الواقع فإن الكثيرين يتصورون أن الحرب تعني أن يكون للجيش أفراد ومعدات في كل متر مربع تحت سيطرته، ولكن بالطبع هذا التصور لا يمت للعلم العسكري من قريب أو بعيد، فتجمعات القوات تكون ديناميكية وفي أماكن معينة مؤثرة، ومن الوارد أن يتم اختراق من نوع الثغرة في أي مكان، ولكن المهم هو مدى نجاحه في تحقيق أهدافه، وكيفية احتوائه والسيطرة عليه ثم تصفيته.
إن انسحاب العدو وتخليه عن الثغرة طواعية، لم يقابله أن تتخلى مصر عن الأراضي التي حررتها في حرب أكتوبر، وبهذا يتضح أن الثغرة التي طنطن العدو حولها كثيراً، كانت في الواقع شراً اضطر إليه متصوراً إمكانية الحصول على بعض التنازلات في مقابل التخلص منه –وهو ما كان سوف يتم إن عاجلاً أو آجلاً.
المفاوضات المكوكية
بعد وقف إطلاق النار في 28 من أكتوبر 1973، بدأ الدكتور هنري كيسنجر – وزير خارجية الولايات المتحدة، فى محاولة حل الأزمة عن طريق المفاوضات المكوكية، وبالرغم من أن كيسنجر استغل في البداية قطع إسرائيل لطريق "القاهرة-السويس"، فمع تطور التجميعات العسكرية المصرية حول القوات الإسرائيلية غرب القناة، وقيام الأقمار الصناعية الأمريكية بتصوير تلك الأوضاع، اعترف كيسنجر للسادات أن موقف إسرائيل ضعيف جداً في الغرب، فقد كانت هناك دبابتان مصريتان وصاروخان في الغرب لكل دبابة إسرائيلية، مع الأخذ في الاعتبار أن القوات الإسرائيلية في الغرب كانت بمثابة رهينة شبه محاصرة في أيدي القوات المصرية، فهي بعيدة عن خطوط إمدادها، ولم يكن لها سوى منفذ واحد عمقه سبعة كيلومترات عند الدفرسوار، ولوح كيسنجر بأن البنتاجون سيتدخل إلى جانب إسرائيل بقوة إن أصر السادات على تصفية الثغرة عسكرياً. وكانت القوات المسلحة قد وضعت الخطة "شامل" لتصفية القوات الإسرائيلية في الغرب في حالة عدم نجاح المباحثات السلمية، وكانت القوات الإسرائيلية في الغرب تعاني من حالة عدم اتزان تعبوي، بينما كانت قواتنا في وضع أفضل شرقاً وغرباً.
واستمر كيسنجر في جولات المفاوضات المكوكية إلى أن تم الاتفاق على فك الاشتباك الأول فى 17 من يناير 1974 فى أسوان، وتم الاتفاق على فك الاشتباك في الجبهة السورية في وقت لاحق.
وبالنصر الكبير الذي أحرزته مصر في حرب أكتوبر وبفك الاشتباك الأول وما تلاه من فك الاشتباك الثاني، بدأت مصر سعيها نحو السلام من موقف القوة.
من انتصر في الحرب؟
كما أن انسحاب العدو وتخليه عن الثغرة طواعية، لم يقابله أن تتخلى مصر عن الأراضي التي حررتها في حرب أكتوبر، وبهذا يتضح أن الثغرة التي طنطن العدو حولها كثيراً، وضعت قوات العدو كرهينة في أيدي قواتنا التي سرعان ما جهزت التجميعات العسكرية المناسبة واحتوت القوات الإسرائيلية في الغرب، بحيث أصبح لكل دبابة إسرائيلية في الغرب دبابتان مصريتان وصاروخان مضادان للدبابات، وأعدت الخطة "شامل" لتصفية الثغرة، مما دعا كيسنجر للتلويح بأن البنتاجون سوف يتدخل في الحرب بصورة مباشرة إن أصرت مصر على تصفية الثغرة عسكرياً. ومما سبق، فلا شك لدينا أن نتيجة الحرب كانت انتصار مصر وهزيمة إسرائيل. فلم نر من قبل الطرف المنتصر ينسحب ويترك الأرض للطرف المهزوم، وخاصة إذا كان ذلك الطرف هو دولة عدوانية عقيدتها التوسع على حساب جيرانها!
**************
من برنامج
أكتوبر
نقطة التحول في الصراع العربي الإسرائيلي
الناشر
Horizon Studios
Ministry of Defense, Military Researches Authority
Remembering 6 October 3
كانت الخطة المصرية تقضي باقتحام قناة السويس والعبور والاستيلاء على حصون خط بارليف وإنشاء رءوس كباري فرق ثم رءوس كباري جيوش وهزيمة التجمع الرئيسي للقوات الإسرائيلية في سيناء، والوصول إلى خطوط استراتيجية في سيناء تحقق الهدف السياسي من الحرب. وقد أفصح الرئيس السادات عن الهدف من الحرب في كتابه "البحث عن الذات – ص 384" بقوله :
وبذلك،طبقاً لرواية السادات، فإن خطة الحرب كانت تقتضي تطوير الهجوم شرقاً لاحتلال المضايق "بعد وقفة تعبوية أو بدونها"، أي أن مبدأ تطوير الهجوم شرقاً نحو المضايق كان أمراً مقرراً منذ البداية، وكان السؤال هو "متى يتم تطوير الهجوم". وكان بعض القادة ومنهم "اللواء الجمسي " – رئيس هيئة العمليات أثناء العبور (أصبح رئيساً للأركان فيما بعد ثم وزيراً للحربية ثم رقي إلى رتبة المشير)، يرون ضرورة أن يتم تطوير الهجوم في 9 أو 10 من أكتوبر، حتى يظل زمام المبادأة في أيدي قواتنا، دون أن تترك للعدو فرصة لالتقاط أنفاسه أو إعادة تنظيم قواته.
وفي المقابل، كانت هناك بعض العوامل التي جعلت القيادة تتمسك بالحذر للحفاظ على المكاسب الاستراتيجية التي تحققت بالفعل، دون الجري وراء تحقيق مكاسب إضافية أخرى قد تشكل مخاطرة تودي بالأهداف الاستراتيجية للحرب.
فقد كان القائد العام يرى أن تطوير الهجوم سوف يجعل قواتنا تخرج من نطاق حماية مظلة الدفاع الجوي المصري، وهي حوالي 15 كيلومتراً شرقي القناة، مما يترك لطيران العدو حرية قصفها وتكبيدها خسائر جسيمة. أما الجمسي، فكان يرى أن استئناف الهجوم يترتب عليه التحام قواتنا مع قوات العدو الأمر الذي يحد من تأثير السلاح الجوي للعدو، ويتم ذلك أيضاً بالاستفادة من جهد قواتنا الجوية التي أثبتت قدرة فائقة خلال الأيام الأربعة الأولى للحرب، مع الاعتماد جزئياً على وسائل الدفاع الجوي الخفيفة المحمولة، مع الدفع ببعض كتائب الدفاع الجوي الثابتة في وثبات إلى الأمام لتوفير الحماية اللازمة. وكان المبرر الأساسي هو الاحتفاظ بالمبادأة وعدم ترك فرصة للعدو في تحسين وضع قواته أو الإمساك بزمام المبادأة وتحويل قواتنا إلى أوضاع دفاعية.
وأياً كان الأمر، فقد استقر الرأي على عمل "وقفة تعبوية" يوم التاسع من أكتوبر. ولكن جاء سير
ولذلك صدر قرار الرئيس السادات في الساعات الأولى من يوم 12 من أكتوبر للفريق أحمد إسماعيل بتطوير الهجوم شرقاً على الجبهة المصرية لتخفيف الضغط على الجبهة السورية.
وقام المشير بإصدار أوامره ببدء التطوير في الساعة 06:30 صباح يوم 13 من أكتوبر. وبناء على طلب
وكانت هناك معارضة من رئيس الأركان "الفريق الشاذلي " وغيره من القادة لقرار تطوير الهجوم، وكان دافعهم لذلك أن استخدام احتياطي القوات الموجود غرب القناة يؤثر سلباً على الاتزان التعبوي لكافة القوات، ولعدم توافر المعلومات الدقيقة عن قوات الخصم، وعدم توفر غطاء جو كاف.
ولا تزال هناك أسئلة حول هذا الموضوع لم يتم حسمها لأنها تخضع للاحتمالات ولا يمكن لأحد أن يجزم بالجواب :
هل كان يجب تطوير الهجوم مساء 9 أو صباح 10 من أكتوبر؟
إذا لم تكن هناك نية للتطوير، هل كان يجب قبول وقف إطلاق النار يوم 9 من أكتوبر؟
وفي كل الأحوال، فقد تم تنفيذ قرار الهجوم يوم 14 من أكتوبر شرقاً فى اتجاه المضايق مما استدعى عبور الفرقة واحد و عشرين مدرعة وهى احتياطي الجيش الثاني، ولواء مدرع من الفرقة الرابعة المدرعة من احتياطي الجيش الثالث، وتم تنفيذ ذلك صباح يوم الرابع عشر من أكتوبر. وفى ذلك اليوم كانت أعنف معارك الدبابات التى دارت أثناء الحرب، وتكبد الطرفان فيها خسائر فادحة، واستفادت إسرائيل من وصول الإمدادات الأمريكية و خاصة الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات وكذلك من الجهد الاستطلاعي الأمريكي، فلم تنجح عملية تطوير الهجوم في تحقيق الهدف المطلوب منها.
**************
من برنامج
أكتوبر
نقطة التحول في الصراع العربي الإسرائيلي
الناشر
Horizon Studios
Ministry of Defense, Military Researches Authority