Sunday, August 10, 2008

Against God-State 4

ضد الدولة الإله (4)

هل تتوافق الديمقراطية

مع فكرة المجلس الملي

أو هيئة كبار العلماء؟


بداية لابد أن نوضح أن الديمقراطية التي يمكن أن يصل من خلالها أي حزب سياسي أو ائتلاف من عدة أحزاب إلى الحكم، تعني ببساطة "حكم الشعب" dēmos kratos ... وهو حكم أرضي بشري زمني Temporal قابل للتبديل والتغيير ...

فالبشر يضعون القوانين والسياسات ويصوتون عليها، ويطبقونها، وبعد فترة يكتشفون أنها تحتاج لتغيير، فيغيرونها، وهكذا ... عملية تطور مستمر ... عملية بشرية ...

وهي تختلف تماماً عن فكرة "حاكمية الله" أو النصوص المقدسة التي يعكف على تفسيرها "هيئة كبار علماء" أو "مجلس ملي" مثلاً ...

وهذه السياسات والقوانين التي تقرها الأغلبية، من غير المقبول أن تعصف بحقوق الأقلية، مثل حق المساواة، وحرية العقيدة والرأي وهكذا ...

أما بالنسبة للأحزاب الدينية، فهي تصفق للديمقراطية وتنادي بها، وتقبل أن تحتكم إلى الديمقراطية، أي حكم البشر، ثم بعد أن تصل لمقاعد الحكم، تخطط لتبديل هذا الوضع، طبقاً لبرنامجها المعلن، الذي يحتوي على مجلس ملي أو هيئة كبار علماء الدين، لتصبح المرجعية إلهية لدين بعينه
هذا للأسف فيه هدم لقواعد العملية السياسية التي جاءت بهم، وسوف يأتي بالتأكيد على حساب أصحاب الأديان الأخرى، أو غير المتدينين، ولكن أكثر من يتضرر من هذا هم أصحاب ديانة الأغلبية، التي يصبح عليهم أن يلتزموا بنسخة رسمية معتمدة من هيئة كبار العلماء تتحكم في حياتهم، في تعليم أبنائهم، وفي طبيعة قوانين المجتمع التي تحكم حياتهم طبقاً لرؤية نخبة دينية تحتكر الحقيقة، بينما أن الحقيقة في النهاية نسبية وقابلة للاختلاف من شخص لآخر، ومن مكان لآخر، ومن مجتمع لآخر، بل ومن زمن لآخر ...

لقد عرفت مصر التداخل بين السلطة ورجال الدين لآلاف السنين، ولكن نظراً لطبيعة التعددية في الديانات المصرية القديمة، وجدنا أن لكل إقليم Nome عقيدته الخاصة، وتصاهرت الديانات وانصهرت في بانثيون كبير قوامه التعددية ... فالاختلافات بين العقائد الأرضية لأوزوريس وهي ديانة عامة الشعب وخاصة في الدلتا، والعقائد السماوية الشمسية لرع ومنبتها أون وكانت ديانة النخبة الحاكمة في الدولة القديمة، أوجدت نوعاً من الصراع السلمي، كانت نتيجته في النهاية توافق رأينا معه أوزوريس يدخل في متون الأهرام ويمسك بالسلم الذي يرتقيه الملك المتوفي إلى السماء، قرب نهاية الدولة القديمة، بعد أن كانت نصوص الأهرام القديمة تحذر الميت من أوزوريس ...

نفس الشيء حدث بين رع وآمون الذي كان في البداية إلهاً مغموراً طيبياً (الأقصر وما حولها)، فارتفعت أسهم آمون في الدولة الوسطى مع انتقال بيت الملك إلى ملوك طيبة، ثم تمازج آمون مع رع في ثنائية آمون-رع، في توافق جديد ...

وفي لحظة ما، رأينا أخناتون في الدولة الحديثة يقصي كل تلك الآلهة ويقدم معبوداً جديداً، هو آتون، وهو مشتق من إله الشمس القديم أتوم ... وجاء هذا ليعصف بالتعددية، وانتقل الحكم إلى تل العمارنة، وشهدت البلاد اضطرابات كثيرة، انتهت بأن عادت مصر مرة أخرى إلى التعددية والاحتواء، ورأينا كيف تغير اسم توت-عنخ-آتون إلى توت-عنخ-آمون ...

وعندما حاولت الإمبراطورية الرومانية فرض المسيحية، بل فرض "نسخة معينة من الديانة المسيحية" على الشعب، رأينا حمامات الدم التي اجتاحت البلاد وعانى منها غير المسيحيين، من ظلوا على ديانات مصر القديمة، أو الغنوصيين، أو الهرمزيين، و اليهود، بل والمسيحيين الذي آمنوا بمذهب آريوس السكندري وغيرهم من الذين اعتبرتهم الكنيسة مهرطقين، فعانوا من اضطهاد غير مسبوق ...

نفس الشيء عانى منه المسيحيون بعد الغزو العربي، الذي جعل من الإسلام الدين الرسمي للدولة، فقد أصبح أهل البلاد الذين بقوا على دينهم الأصلي، "ذميين"، مواطنين درجة ثانية، وحوصروا بطرق اقتصادية واجتماعية وإدارية شتى، وشعروا بالاضطهاد، مثل أجدادهم المسيحيين تحت الحكم الروماني قبل أن تصبح المسيحية الديانة الرسمية للدولة، أو غير المسيحيين بعدها ...

إذن، دروس التاريخ علمتنا أن التداخل بين الدين والسياسة قد أدى إلى مشاكل كثيرة في الماضي وفي الحاضر. أما في المستقبل، ومع الوعي المتنام بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة، فإن فكرة الدولة الدينية، سواء إسلامية أو مسيحية لن تكون مقبولة لأصحاب الديانات الأخرى، بل وربما المذاهب الأخرى في نفس الديانة، فيؤدي هذا إلى عدم استقرار في الحكم، وغالباً ما يؤدي إلى تقسيم البلاد، مثلما رأينا في جنوب السودان ...

وهذا ما لا نتمناه ...

ومنذ أسابيع قليلة، رأينا أحد القادة الدينيين للشيعة في العراق، يطالب بأن تصبح الدولة مدنية علمانية، لا تفرق بين رعاياها السنة أو الشيعة، لأنه اكتشف أن الدولة المدنية العلمانية، هي الوحيدة التي يمكن أن توفر حرية العقيدة على أرض الواقع لكل رعاياها، أما الدولة التي تتسربل بغطاء ديني محدد، فإن هذا يأتي بالضرورة ومن الممارسة والتاريخ، على حساب أصحاب الديانات أو المذاهب الأخرى، فيعصف باستقرار البلاد وأمنها، ويعرضها لمخاطر الحرب الأهلية والتقسيم

ومن هنا، فإن الإخوان مثلاً أو غيرهم، لهم كل الحق في أن يكونوا الحزب الذي يريدونه، بشرط أن يتبنوا في برامجهم، فكرة الدولة المدنية حقيقة وليس من باب التقية، وقد بينا في مقال سابق، أن برنامج الإخوان قد تشدق بالمواطنة، ولكنه عصف بها في كل بند من بنوده، الذي يشبه في الحقيقة فكرة الدولة الدينية، حيث الحاكمية لله، وليست للشعب
فقد جاء موضوع "المجلس الملي" أو "هيئة كبار علماء الدين" (صفحة 10)، المنوط به "تطبيق الشريعة الإسلامية" الذي أعطاه البرنامج سلطات فوق - دستورية، باعتباره مجلساً يحتكر تفسير الإرادة الإلهية، بمثابة الصدمة للمراقبين، الذين رأوا في المجلس تكريساً للدولة الدينية وولاية الفقيه، إلا أن هذه الصدمة، حجبت أموراً فنية جوهرية في البرنامج، وهي أمور أراها أخطر بكثير، وتعد بمثابة إعلان حرب على "الهوية المصرية" نفسها.

ورغم أن البرنامج تحدث عن "دولة تقوم على مبدأ المواطنة"، تساوي بين كل المواطنين "في صفحة 12 و 26، إلا أن البرنامج عاد وأعلن أن "الهوية الإسلامية" هي أساس العقد الاجتماعي، والعلاقات الخارجية، والبناء الثقافي، في صفحة (18، 28، 32، 113، 114)، بينما لم يأت أي ذكر "للهوية المصرية" ولا مرة واحدة في البرنامج المكون من 128 صفحة.

وهنا يبرز تناقض واضح، كيف تقوم دولة مصرية على مبدأ المواطنة كما يدعي البرنامج، بينما هي لا ترى أن مصر لها هوية أصلاً، وتصر على أن الهوية الإسلامية هي الأساس التعاقدي للمجتمع؟ كيف تكون الهوية الدينية هي أساس العقد الاجتماعي في الدولة، التي يفترض فيها ألا تفرق بين مواطن وآخر على أساس الدين؟ إن الدولة الوحيدة في العالم تقريباً التي تركز على الدين كأساس للمواطنة هي إسرائيل، بالطبع إلى جانب الدولة التي يدعو لها هذا البرنامج.

وفكرة الحاكمية الإلهية، هي فكرة مضللة، لأن الله سبحانه لن يبعث بوحي ليرشد "البشر" إلى السياسات والقوانين، فهيئة كبار العلماء مهما اتسعت، ما هي في النهاية إلا هيئة بشرية، ولكنها تدعي حاكمية الله، وتقف بين الله والبشر، في كهنوت غير مقبول

حاكمية الله، التي يدعو بها سراً أو جهراً دعاة الدولة الدينية، هي عكس الديمقراطية، التي تدعي أن الشعب، هو مصدر السلطة والتشريع والقانون

المواطنة الحقة، والدولة المدنية، هي جزء أساسي وعمود ركين في منظومة ومفهوم الديمقراطية، فمن غير المنطقي، أن نسعى لاستخدام الديمقراطية في الوصول للحكم، ثم نهدم أركانها، لأننا حينئذ نهدم المبنى كله على من فيه، فنكون من الخاسرين. والديمقراطية هي الضمانة الحقيقية لتداول السلطة، والحكم الرشيد، والفصل بين السلطات، والقضاء على الاستبداد والفساد، والعدالة بين كل أفراد الشعب، أياً كان معتقد، أو لون، أو جنس أي فرد فيهم

Saturday, August 09, 2008

Against God-State 3

ضد الدولة الإله (3) - رسالة إلى فخامة الرئيس الموازي :
حق الضيف إكرامه وحق المضيف احترامه






بعد نشر المقال السابق بعنوان "إعلان حرب على الهوية المصرية" الذي ناقش برنامج الإخوان من زاوية تعريف الهوية الوطنية على أساس ديني، تلقيت العديد من المكالمات والرسائل القصيرة المؤيدة على طول الخط، كما جاءت بعض ردود الأفعال معارضة رغم أن معظم أصحابها يحسبون أنفسهم على التيار الليبرالي المصري. ورأى الناقدون أن المقال حمل في طياته توجهاً إقصائياً للإخوان، وهم أكثر الفصائل "السياسية" تنظيماً وتأثيراً وأغزرها تمويلاً وأعتدها تسليحاً، وأعمقها اختراقاً للمجتمع المصري تحت ستار الدين. والواقع يفرض علينا أن نعترف أن الإخوان بطبيعة تكوينهم السري الخلوي تحت-الأرضي، قد استطاعوا أن يقيموا دولة موازية، رئيسها هو المرشد العام، دولة نمت وترعرت في الظل، ظل نظام احتكاري سلطوي، يجتهد لاستئصال أي بدائل سياسية شرعية، نظام فشل في توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لقطاعات واسعة من المصريين، فتمتعت دولة الإخوان الموازية، دولة الظل، بسيطرة غير مسبوقة على النقابات والجامعات والعمل الاجتماعي والسياسي، وامتد تأثيرها ليخترق العديد من الدوائر الحساسة مثل مجلس الشعب ومنظومات الثقافة والإعلام والتعليم والعدل وصولاً إلى الجهاز الأمني نفسه!

وأود أن أوضح أنني أعني تماماً ما قلته، وأؤكد على إيماني بحق كل فرد أو فصيل مصري أن يمارس السياسة ويطرح نفسه وأفكاره كبديل لنظام الحكم الحالي أو المستقبلي أياً كان، بشرط وحيد، وهو أن يعترف بمصر وبالهوية المصرية، فالمتأمركون الذين قد يرون مثلاً أن مصر عليها أن تتبنى الهوية الأمريكية وتنصاع للإدارة الأمريكية على طول الخط، فتصبح عملياً مستعمرة أمريكية، بينما هم يحصلون على الدعم والتمويل من تلك الدولة الأجنبية، لا يمكن أن نعتبرهم سوى عملاء لمن يمولونهم ويوكلونهم في الدفاع عن مصالحهم.

وبنفس المنطق، عندما نرى برنامج فصيل سياسي يحاول طمس ودفن الهوية المصرية، والمجاهرة بأنه "طز في مصر" وأن هويتها هي هوية دينية في الأساس، ويعلن علينا مشروعاً استعمارياً في برنامج يتحدث عن الهوية الدينية لمصر عشرات المرات، بينما لم يتحدث مرة واحدة عن الهوية المصرية، فهذا الفصيل مهما كانت قوته وعمق اختراقه للمجتمع، هو فصيل استعماري، لا يؤمن بالمصلحة القومية، لأنه لا يعترف بالقومية من الأساس، ويجب التصدي له بكل حزم وحسم وقوة مهما كانت العواقب، لأن خطره يتمثل في المشروع الاستعماري الثقافي والفكري الذي يروج له تحت ستار الدين. والخطر في هذا التوجه نحو تعريف الهوية الوطنية من منطلق ديني يكمن في أنه ينسف فكرة المواطنة المصرية، ويقسم المصريين إلى طائفتين، طائفة المسلمين وطائفة غير المسلمين، مما يهدد بكارثة كبرى، هي تقسيم مصر إلى دولتين، دولة إسلامية في الشمال، ودولة مسيحية في جزء من الصعيد، ولا يجب أن يتعجب أي شخص عاقل إذا خرج علينا فصيل آخر مضاد، يدعو لقومية مسيحية، لأنه لا يوافق على أن ينتمي سياسياً لدولة ذات هوية إسلامية على أرض مصر.

وقد رأينا بالفعل البوادر والأدلة الدموية لهذا الخطر، منذ أن بدأ السادات يستخدم التيار الديني السياسي في مجابهة التيارات الناصرية والقومية واليسارية في مصر في السبعينيات، وشاهدنا ونحن غفاة كيف تصاعدت أعمال العنف الطائفي بين مسلمين ومسيحيين مصريين، لأن التيار السياسي الإسلامي عندما ينادي بهوية مصرية إسلامية، فهو بهذا ينسف أساس الوحدة المصرية التي تساوي بين المصريين جميعاً مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم من أصحاب الملل والمذاهب المختلفة، في ظل هوية واحدة هي الهوية المصرية. وفي الواقع فإن الكارثة الثانية تقع على المسلمين أنفسهم، الذين سوف يصبح عليهم أن يعتنقوا النسخة "الرسمية" من الإسلام الذي تمليه عليهم الدولة الإله، من خلال هيئة كبار العلماء، رغم أن الدين، أي دين، هو عقيدة شخصية في ظل غياب أي تفويض إلهي لأي شخص في أن يحتكر التفسير أو التنظير الديني والفقهي. وهذا قد يعني قيام دولة ثالثة على أرض مصر، سكانها من المسلمين والمسيحيين الذي يرفضون أن يقسموا الولاء للدولة الإله، سواء دانت بالهوية الإسلامية أو المسيحية، وأصارحكم القول بأنني سوف أكون من مواطني تلك الجمهورية الثالثة، وسوف أحارب بكل قوة إذا استدعى الأمر للحفاظ على هويتي المصرية والحصول على كامل حريتي السياسية والفكرية والدينية بعيداً عن سيطرة الدولة الإله!

إن الإخوان المسلمين الذين يخضعون لسلطان المرشد العام أو الرئيس الموازي، عليهم أن يعلنوا اختيارهم اليوم بكل وضوح، إما مع مصر أو ضد مصر، وهو قد يبدو من ناحيتي اتجاها متطرفاً في ثنائيته واختزاله للبدائل، ولكن عندما نتحدث عن موضوع محوري مثل الهوية القومية، فلا أرى بدائل أخرى، رغم أنني أعلنت أيضاً ترحيبي بدوائر ثانوية للهوية الأوسع، سواء عربية أو بحر- متوسطية أو نيلية أو أفريقية، بشرط أن تكون دائرة المركز المتفق عليها هي الهوية المصرية. وقد سعدت حقاً عندما وجدت مجموعات مستنيرة من شباب الإخوان يجاهرون برفض برنامج الجماعة ومرشدها، وأرى أنه على الجماعة في الواقع أن تستغنى عن لقب "المرشد" ومكتب "الإرشاد"، وتستبدله بالرئيس أو الزعيم ومكتب القيادة أو اللجنة المركزية مثلاً، لأن كلمة المرشد في حد ذاتها، وهي تذكرني بوزارة الإرشاد القومي في الستينيات، تحمل في طياتها إيحاءً بتأليه وقدسية شخص أو هيئة، يختصه الإله بالألهام والرشاد وحده، ويصبح عليه أن يرشد من حوله، باعتباره معبر الرشد والحكمة الإلهية، الذي يمتلك حصرياً وصلة إلهية خاصة به، وباعتبار من حوله جهلاء ناقصي الرشد والأهلية، وهو توجه فوقي سلطوي بابوي، يوضح أن ما تتحدث عنه الجماعة من ديمقراطية هو "هراء" من باب التجمل والتزين والنفاق والتقية، لأن الديمقراطية تعني أن يخضع الجميع بما فيهم الرئيس لرأي الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقلية، أما الإرشاد، فيوحي بوجود هذه الوصلة الإلهية الحصرية التي يتعين على الجميع الاعتراف بها والانصياع لصاحبها أو مدعيها.

إن الخيار الإخواني الذي يطرح نفسه على الإخوان اليوم في مفترق طرق تاريخي، يشبه إلى حد كبير الخيار الإسرائيلي الذي يتعين على الشعب الإسرائيلي أن يتخذه، فإسرائيل التي تدعي أنها دولة ديمقراطية، هي دولة دينية على أرض الواقع، لأنها تعطي حق المواطنة لأي يهودي في العالم مهما كان مكان مولده، بينما تنكر حق المواطنة والعودة للفلسطينيين الذي ولدوا وأباؤهم وأجدادهم على نفس الأرض التي تحكمها إسرائيل اليوم، ويصبح على إسرائيل أن تختار، إما أن تكون دولة يهودية أو تكون دولة ديمقراطية لأن النقيضين لا يجتمعان على سلم المواطنة بنفس المنطق الذي ذكرناه. والإخوان أيضاً عليهم أن يعلنوا بكل صراحة، هل يؤمنون بالهوية المصرية كأساس للمواطنة، وبالديمقراطية كأساس للحكم، أم يؤمنون بالطائفية والهوية الدينية كأساس للمواطنة، وبالإرشاد الإلهي كأساس للحكم وسن القوانين والسياسات، سواء جاء هذا الإرشاد عن طريق الوصلة الإلهية الحصرية للمرشد، أو عن طريق شبكة الوصلات الحصرية لمكتب الإرشاد أو هيئة كبار علماء الدين.

أما المسلمون الذي ينتظرون تلقي التوجيه السياسي من أية قيادة دينية، والمسيحيون الذين ينتظرون تلقي التوجيه السياسي من البابا مع كل إجلالنا لمثل تلك القيادات الروحية، فأقول لهم، أنتم ترتكبون جرماً فاحشاً في حق وطن وأمة تمتعت بالوحدة السياسية على مدى 5200 عاماً، ومن العار أن نفتت وحدتها اليوم في نوبة أو "وردية" حراستنا القصيرة والمؤقتة لهذا الوطن وهذه الأمة.

عزيزي فخامة الرئيس الموازي، رئيس جماعة الإخوان المسلمين، من حقك ومن حق الجماعة أن تمارس السياسة، وتتغلغل في النقابات والجامعات والجمعيات والمجالس وكافة مؤسسات الوطن مثل أي شخص أو حزب آخر لديه طموح سياسي، بشرط واحد عادل وصريح، وهو أن تعترف بالهوية المصرية كأساس لعملك وطموحك السياسي، أما إذا كنت تصر على أنه لا توجد هوية مصرية من الأساس، فهنا مع كامل احترامي أنت تصبح ضيفاً علينا في مصر، وأطلب منك بكل أدب وتجلة واحترام، أن تتوقف فوراً ودون إبطاء عن الترويج للهوية الدينية كأساس للمواطنة في مصر، لأن ما تفعله يضر الدولة والأمة التي اخترت أنت أن تحل عليها ضيفاً بأفكارك الاستعمارية، وأؤكد لك أن المصريين إذا كانوا طيبين و"على نياتهم"، فقد تعلموا من طول تعاملهم مع الغزاة الناهبين والرعاة المغيرين والولاة قساة القلوب الظالمين أن يحافظوا على استقلالهم الذي فقدوه لما يزيد عن ألفي عام تدهور خلالها وضعهم الحضاري من القمة إلى الحضيض، واعلم فخامة الرئيس الموازي بكل حب، أنه كما للضيف حقه في الإكرام فللمضيف حقه في الاحترام.


وائل نوارة


المصري اليوم
5 ديسمبر
2007
ص
13

Against God-State 2

ضد الدولة الإله 2

إعلان حرب على الهوية المصرية







أعلنت في المقال السابق (ضد الدولة الإله) اعتراضي الصريح على تغول سلطان الدولة التي تتسربل بالغطاء الديني لتتقمص دور الإله زوراً وبهتاناً، فتتنامى سلطاتها بصورة شمولية على حساب حريات مواطنيها. وقد جاء موضوع "المجلس الملي" أو "هيئة كبار علماء الدين" (صفحة 10)، المنوط به "تطبيق الشريعة الإسلامية" الذي أعطاه البرنامج سلطات فوق - دستورية، باعتباره مجلساً يحتكر تفسير الإرادة الإلهية، بمثابة الصدمة للمراقبين، الذين رأوا في المجلس تكريساً للدولة الدينية وولاية الفقيه، إلا أن هذه الصدمة، حجبت أموراً فنية جوهرية في البرنامج، وهي أمور أراها أخطر بكثير، وتعد بمثابة إعلان حرب على "الهوية المصرية" نفسها.

ورغم أن البرنامج تحدث عن "دولة تقوم على مبدأ المواطنة"، تساوي بين كل المواطنين "في صفحة 12 و 26، إلا أن البرنامج عاد وأعلن أن "الهوية الإسلامية" هي أساس العقد الاجتماعي، والعلاقات الخارجية، والبناء الثقافي، في صفحة (18، 28، 32، 113، 114)، بينما لم يأت أي ذكر "للهوية المصرية" ولا مرة واحدة في البرنامج المكون من 128 صفحة.

وهنا يبرز تناقض واضح، كيف تقوم دولة مصرية على مبدأ المواطنة كما يدعي البرنامج، بينما هي لا ترى أن مصر لها هوية أصلاً، وتصر على أن الهوية الإسلامية هي الأساس التعاقدي للمجتمع؟ كيف تكون الهوية الدينية هي أساس العقد الاجتماعي في الدولة، التي يفترض فيها ألا تفرق بين مواطن وآخر على أساس الدين؟ إن الدولة الوحيدة في العالم تقريباً التي تركز على الدين كأساس للمواطنة هي إسرائيل، بالطبع إلى جانب الدولة التي يدعو لها هذا البرنامج.

إن الأساس في الهوية القومية هي شعور "بالزمالة" والاشتراك في المصلحة الوطنية، بناء على اشتراك في معظم أو كل العوامل التي تحدد الهوية، من عرق، ودين، ولغة، وأرض، وثقافة وطريقة حياة بتفاعلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة، دون التركيز على عنصر واحد فيأتي تعريف الهوية عنصرياً متحيزاً للعرق أو الدين مثلاً على حساب باقي العناصر التي تشكل في مجملها تعريف الهوية القومية. فلا يعقل مثلاً أن يكون الماليزي المسلم أقرب للمصري المسلم من المصري المسيحي. والهوية المصرية، هي هوية راسخة، تشكلت ونضجت قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام بآلاف السنين، والمصريون أمة، يشترك أعضاؤها في ميراث حضاري وثقافي وديني وأخلاقي ولغوي متميز. فاللغة العامية المصرية مثلاً تحتوي على آلاف الكلمات والتعبيرات والتراكيب المشتقة أساساً من لغة الأجداد، والعرق المصري لم يتأثر تقريباً بموجات الغزو الفارسي أو اليوناني أو الروماني أو العربي، طبقاً للأبحاث الجينية التي أثبتت أن التركيب الجيني للعمال المصريين الذين بنوا الأهرامات منذ 4600 يكاد يتطابق مع التركيب الجيني للمصريين الذين يعيشون على أرض مصر اليوم، وحتى الدين المسيحي والإسلامي، يشتركان مع الأديان المصرية القديمة في آلاف القيم والتفاصيل والطقوس، بما جعل بعض المفكرين الإسلاميين يقولون أن أوزوريس ما هو إلا النبي إدريس مثلاً. وعبر القرون، نجد أن مصر قد احتضنت المسيحية والإسلام، واستوعبتهما، ومصرتهما بصبغة مصرية خالصة، وسطية معتدلة، وأعادت تصديرهما للعالم من خلال مؤسساتها الدينية التي تشع نورها الروحي في الشرق والغرب.

إن الحرب على الهوية المصرية لم تبدأ اليوم، بل بدأتها الجماعات المتأسلمة منذ عدة عقود، تغلغلت خلالها في المجتمع بجامعاته ونقاباته ومؤسساته التعليمية والثقافية والخيرية، في محاولة لطمس الهوية المصرية. فقد حاربت تلك الجماعات مثلاً الاحتفالات المصرية والعادات المصرية، فانتشرت الأزياء التي ترمز لهذا التغلغل مثل الجلباب الأفغاني، والنقاب، والخمار، وإطالة الذقون، وحلق الشارب، أما الاحتفال بالمولود الجديد على سبيل المثال فقد غيروا اسمه من "سبوع" إلى "عقيقة"، مع تحريم الاحتفال بعيد شم النسيم باعتباره عيداً وثنياً، وتحريم الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية باعتباره تقليداً مسيحياً، وأن الأعياد المعترف بها هي عيدي الفطر وعيد الأضحى فقط. وهكذا، استمرت الحرب المستترة على الهوية المصرية، تتمسح برداء الدين والدين منها براء، وتبث سموم الكره والفرقة بين المصريين، مما نتج عنه تصاعد للمد الطائفي، والمواجهات العنيفة بين أبناء الوطن الواحد نتيجة لخلخلة الأساس الذي تستند إليه الوحدة الوطنية، وهو الهوية المصرية، ومحاولة استبداله بأساس ديني طائفي للهوية، إلى أن جاء إعلان البرنامج المنسوب للإخوان، ليعلن الحرب على الهوية المصرية بصورة رسمية.

ويتضح في البرنامج الهدف الرئيسي من هذه الحرب، حينما يدعو إلى "دولة تحقق وحدة الأمة الإسلامية" (صفحة 15 و 16 و 27 و 32) وهي في الواقع دولة الخلافة الإسلامية التي أعلن الشيخ على عبد الرازق منذ ثمانين عاماً أنها سبب تخلف الدول الإسلامية كلها، في كتابه التاريخي، الإسلام وأصول الحكم. واليوم يعلن علينا الإخوان أن مسح الهوية المصرية هو السبيل لتحقيق الوحدة، رغم أننا رأينا كيف استطاعت دول أوروبا أن تتحد، مع الاحتفاظ بالهوية القومية والحضارية لكل شعب واحترامها، وفي تصورنا أن التحالف أو الاتحاد مع الدول الأخرى لابد أن يأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية والعوامل المختلفة للهوية وليس الدين فقط.

إن برنامج الإخوان، هو مانفستو للغزو الثقافي باستغلال الدين، وتعبير صارخ عن الحرب على الهوية المصرية، التي تعرضت لحالة من العدوان الشامل عليها خلال نصف قرن، تحت دعاوى القومية العربية أو الهوية الإسلامية، وحان الوقت لكي يستيقظ الشعب المصري من سباته، ليواجه هذا العدوان، ويؤكد هويته المصرية القومية، دون أن يعني هذا تخليه عن عقيدته، ليوقف هذا الغزو الفكري المنظم، من أولئك الذين يضعون شعاراً لهم "طظ في مصر". لقد سمعنا بعد انتخابات البرلمان في عام 2005 عن مانفستو آخر منسوب للإخوان بعنوان "الفتح الثاني لمصر"، وهاج الإخوان وماجوا، وأنكروا أن يكونوا قد أصدروا هذا المانفستو، وادعوا أن الأمن قد دسه عليهم، ولكن ها هو برنامج الإخوان يأتي في 128 صفحة خالية من أي ذكر للهوية المصرية، بينما تذكر فيه الهوية الإسلامية ودولة الوحدة الإسلامية عشرات المرات، فهل هذا البرنامج أيضاً مدسوس عليهم من الأمن؟ نتمنى ذلك وننتظر توضيحاً رسمياً منهم في هذا الصدد.

نحن لسنا دعاة للشوفونية القومية أو العزلة، ونؤمن بأهمية تحالف مصر مع أخواتها الدول العربية ودخول الجميع في منظومة تكاملية في الوقت المناسب، ولكن التعاون والتحالف وحتى الاتحاد لا يمكن أن يحدث قبل أن نتحد أولاً مع أنفسنا، ونعرف من نحن، وننبذ الطائفية الدينية المقيتة، فكيف نتحد مع الآخرين في الخارج، إذا كان دعاة التعصب الديني يضربون أساس وحدتنا من الداخل، وهو هويتنا المصرية؟

إن تفرد الهوية المصرية واضح، وهو مجال لمئات الكتب والأبحاث، ومع ذلك لا ننكر اشتراكنا مع الآخرين في بعض عوامل الهوية، عبر دوائر أوسع، سواء كان هؤلاء الآخرون عرباً أم مسلمين أم أفارقة أم يونان أم طليان. فأهل الدنمارك على سبيل المثال يعتزون بهويتهم القومية، ومع هذا هم على الأوسع اسكندنافيون، وعلى الأشمل أوروبيون، ومصر قد تكون عربية وبحر أوسطية ولكنها في الأساس مصرية.


والتأمل في السياق التاريخي، والبحث في الدلائل الجغرافية والتاريخية والعرقية والحضارية واللغوية، والنظر في الواقع الأليم الذي نحن فيه بعد 23 قرن من الاحتلال الأجنبي، ووضع رؤية للمستقبل الذي نتمناه، يجعلنا نسأل أنفسنا: إذا كان بيدنا اليوم أن نعيد تعريف الهوية المصرية، ولدينا بعض المنابع الحضارية التي نشترك فيها مع الآخرين ... عربية ... بحر متوسطية ... إسلامية، ومنبعاً أصيلاً عميقاً لا آخر له، نتفرد به عن العالم أجمع، ونتباهى به في كل مناسبة وبدون مناسبة، لا ينازعنا فيه أحد، وهو أيضاً منبع المنابع الحضارية في العالم أجمع، منبع الحضارة المصرية، أم الحضارات في العالم القديم وأصل الحضارة الحديثة، فماذا نأخذ من هنا وماذا نأخذ من هناك، لأن الهوية كما هي قدرية في بعض أجزائها، فهي اختيارية في أجزاء أخرى، ويحضرني هنا قول رينان Renan في أواخر القرن التاسع عشر "الهوية هي أن نعي أننا فعلنا الكثير من الأشياء العظيمة مع بعضنا البعض، وأننا نتطلع لعمل المزيد منها معا"، فهذا ولا شك يجعلنا نتمسك بهويتنا المصرية التي نتفرد بها عن كافة أمم الأرض.

إخواني من تحاولون اغتيال الهوية المصرية، هوية الوطن الأم، وتفتحون الباب واسعاً لاغتيال وحدة مصر، ربما بحسن نية، أدعوكم لمراجعة النفس، والنظر في تاريخنا الذاخر، ثم في المستقبل وكيف يمكن أن تستعيد مصر عبره مكانتها كدولة رائدة في العالم، لنرسم معاً صورة، لما نتمنى أن نرى مصر عليه، ثم دعونا نعود إلى الحاضر، لنعلن كلمتنا في كنه ومكونات هوية مصر، إن كان في قلوبكم مكان يتسع لهوية مصرية. أما إذا كنتم لا تظنون أن هناك هوية مصرية من الأساس، فأهلا بكم أيها الأشقاء على أرض مصر، لأننا شعب مضياف، يرحب بكم ضيوفاً أعزاءً في وطننا مصر، ونرجوكم وأنتم ضيوف لدينا، أن تكفوا عن إشعال نار الفتنة الطائفية تحت دعاوى الهوية الدينية، ومن باب إكرام الضيف، نعدكم بأن نعرفكم على هويتنا المصرية التي لا تفرق بين مسلم أو مسيحي على أرض هذا الوطن، مصر، كيمي أو كيميت، في مقالات قادمة بإذن الله.

وائل نوارة

*****

نشرت في المصري اليوم

15 نوفمبر 2007

Friday, August 08, 2008

A Message to HG Bishop Thomas

رسالة للأنبا توماس



المبجل نيافة الأنبا توماس

نحترم سيادتك
كإنسان
وكمصري

ونجل نيافتك كرجل دين
احتراماً لآخرين يدينون بذلك الدين

لكن الأب توماس، سيادتك، تدخلت في شيء يهمنا
وهو مسألة الهوية المصرية

ويهمني أن أعلمك أننا وآخرين قد بدأنا مبادرات عديدة
هنا على الفيسبوك منذ حوالي سنة
لإعادة قراءة التاريخ المصري
سمينا إحدى هذه المبادرات

مصر تتذكر
Egypt Remembers

وهي مبادرة هدفها إعادة تنشيط
الذاكرة المصرية
من وجهة نظر مصرية
لإزالة التزييف التاريخي الذي دسه علينا العبرانيون
واليونان
والرومان
والعرب
والأتراك
والأوروبيين

ولا يخفى عليكم
أننا قد وجدنا الكثير مما تم التعتيم عليه
وجدنا أن العبرانيين قد اختلسوا تراث المصريين في كتبهم
ثم عادوا يحقرون من المصريين
في ذات الكتب وأورثونا هذا عبر المسيحية والإسلام

ولا يخفى عليكم الاضطهاد الذي تعرض له أجدادنا
المسيحيين على أيدي الرومان

والاضطهاد الذي تعرض له أجدادنا
من أتباع عقيدة أوزوريس وإيزيس ورع وآمون وسيرابيس
على أيدي بعض رجال الكنيسة المتعصبين

والاضطهاد الذي تعرض له أجدادنا من الأريوسيين
لا لشيء سوى لأنهم تجرءوا واختلفوا في بعض تفاصيل العقيدة
وآمنوا مثلاً بأن طبيعة المسيح بشرية
كلهم تعرضوا للاضطهاد
على يد بعض بطاركة كنيسة الأسكندرية
الذين أمروا بهدم معابدنا
ومنعوا الكتابة
بالحروف الهيروغليفية
للغتنا


نتذكر جيداً الاضطهاد الذي تعرض له
أجدادنا المسيحيون على أيدي حكام من أمثال الحاكم بأمر الله

ونتذكر لغتنا القبطية التي حوصرت من قبل الغازين العرب

ونحاول أن نتعلمها ونعلمها لأبنائنا

والخلاصة فيما أقصده
حتى لا أطيل على نيافتكم


لقد عانى أجدادنا من تديين السياسة
وتسييس الدين
وتدخل رجال الدين ورجال السياسة في شئون العقيدة للآخرين

فأن يأتي الأب توماس
سيادتك
الآن
ويعلن علينا
بأن المصريين الذين اعتنقوا الإسلام
مثلاً
قد تحولوا عن هويتهم المصرية

هنا نقول للأب توماس
سيادتك
كما قلنا للأب مهدي عاكف من قبل
بكل تجلة واحترام وحب

وأدب

مصر ليست ملكك حتى تخرج البعض
من هويتها أو تدخل البعض الآخر في هويتها

وعليك أن تعلم
بكل حب

أن مصر قبل أن تكون مسلمة أو مسيحية
فقد استمرت تحتضن أديان أوزوريس وإيزيس
وآمون ورع وسيرابيس لمدة 4500 سنة

يعني المسيحية والإسلام والديانات الإبراهيمية كلها
لم تمكث في مصر سوى ما يزيد قليلاً عن 2000 سنة
مقابل 4500 سنة لأديان أخرى رأينا معها
مصر ترتفع لقمة الحضارة ورأينا معها التسامح والتعددية
عدا فترات قصيرة حاول فيها البعض فرض ديانة واحدة مثل أخناتون
ولكن التعددية عادت لمصر بموته

وبكل حب
نرجو منك أن تفهم جيداً

أن مصر ليست مسيحية
وليست إسلامية
وليست يهودية

مصر مصرية

وسوف نقدر ابتعادك عن السياسة
كما سوف نقدر ابتعاد رجال الدين الإسلامي
أيضاً عن السياسة
وابتعاد السياسيين عن تديين السياسة وشئون الحكم
أو مراقبة عقائد المواطنين المصريين
أو التفتيش في ضمائرهم


وشكراً



وائل نوارة



*****************





مقتطفات من نص كلمة الأنبا توماس في معهد هدسن

Hudson Institute




"أشكركم جزيلاً لأجل هذه الدعوة، وأشكر المعهد من أجل الجهود التي يبذلها من اجل التوعية وتحقيق العدل للجميع.

حين يسمع الناس كلمة "قبطي"، كثيراً ما لا يفهمون معنى الكلمة، فمن هم الأقباط؟ ولماذا يُدعون هكذا؟

ولهذا شعرت أنه من الأهمية أن أبدأ بشرح أصل الكلمة ولماذا نُدعى "أقباط"، وهذا الشرح قد يخبركم بعض الشيء عن المعضلة التي نواجهها.

مصر كانت تدعى دائماً "إجيبتوس" وكان الجميع يعرفونها بهذا الإسم، وفي القرن السابع حدث تغيير في الإسم وفي البلاد ذاتها، حين جاء العرب لمصر أو بالأحرى حين قاموا بغزوها. لم يستطعوا نطق كلمة "إجيبتوس" بسبب الفروق اللغوية فغيروها الى "جبت" بعد أن اقتطعوا حرف "إ" و مقطع "أوس" وهكذا أصبحت إجيبتوس "جبت"، واستخدموا القاف فاصبحت "قبط.."

وكان كل من في البلد يدعون أقباطا، ولكن بالتدريج، قام بعض الناس - لأسباب معينة سواء كانت الضرائب أو الضغوط من أي نوع أو الطموحات والرغبة في التعامل مع القادة أو الحكام - بالتحول للإسلام. هؤلاء الذين تحولوا (للإسلام) لم يعودوا بعد أقباطا، بل أصبحوا شيئا أخر ...والذين ظلوا مسيحيين هم الذين (كانوا) يدعون أقباط. وهنا سأتوقف وأضع علامة استفهام، ما الذي يجعل شخصا يغير هوية وطنه بأكمله؟ وأن يحول مركز الهوية من مصر ليصبح العرب، وبالرغم من أن الشعب والأفراد ظلوا كما هم من الناحية العرقية إلا أنهم لم يعودوا أقباطا... وهذه علامة استفهام كبيرة، وسبب كبير فيما يحدث الآن.. مصر كانت دائما بؤرة التركيز للأقباط ، فهي هويتنا، وطننا، أرضنا، لغتنا وثقافتنا، ولكن حين تحول بعض المصريين للإسلام، فإن بؤرة الإهتمام والتركيز عندهم تغيرت وبدلا من أن يكون الوطن في الداخل هو مركز الإهتمام، أصبحت شبه الجزيرة العربية المركز، وبدلا من أن ينظروا إلي حيث هم راحوا ينظرون وجهة أخري ولن يعودوا يسمون أقباطا وهذه نقلة كبيرة، كما أنها سبب هام للغاية فيما يحدث الآن.. هل هم حقا أقباط أم أصبحوا فعليا عربا؟ ولهذا تترك علامة استفهام كبيرة هنا. فإذا توجهت لشخص قبطي وقلت له إنه عربي فإن هذه تعتبر إساءة، بصورة ما، لأننا لسنا عربا بل مصريين وسعداء بكوننا مصريين ولن أقبل أن أكون عربيا. فمن ناحية أنا لست عربيا عرقا. وثانيا أنا أتكلم العربية، ومن الزاوية السياسية أنا جزء من بلد تم "تعريبه"، وأصبح ينتمي سياسيا للبلاد العربية ولكن كل هذا لا يجعل المرء عربيا.

لكن الموقف يختلف مع مواطن آخر يحيا في مصر ولكنه ليس "قبطيا" بنفس المعنى الذي شرحته، فقد أصبح الأمر بالنسبة له مختلفا إذ يعتبر نفسه منتميا لهوية أخرى مركزها في شبه الجزيرة العربية. لقد تحولت هوية الأمة وأصبح الإنتماء هو للعروبة وللمنطقة التي تتحدث بالعربية. وهذا يعني أنه إذا لم تكن تنتمي لهذه الهوية أو الجماعة، فأين يقع مكانك في المجتمع العربي؟ أنت داخله وخارجه، تنتمي ولا تنتمي، وهذه هي المعضلة الكبيرة التي يواجهها الأقباط الذين تمسكوا بديانتهم المسيحية بل بالأحرى بهويتهم كمصريين، وبثقافتهم، محاولين الإحتفاظ باللغة والموسيقى والتقويم القبطي، مما يعني أن التراث الثقافي للمصريين القدماء ما زال باقيا، بينما في ذات الوقت فإن إخواننا في الوطن قد تخلوا عنه من أجل ثقافة أخرى. هذا يعني أن هناك عملية تعريب مستمرة تحدث لهذا الوطن، بدأت منذ قرون، منذ القرن السابع، ومازالت جارية حتى الآن. يمكننا أن نقول أيضا أن هذا جزء من المعضلة، وفي نفس الوقت فإن الأسلمة هي معضلة أخرى بدأت منذ فترة ولا تزال تحمل معها العديد من المشاكل حتى الآن.

Source of Translation for HG Bishop Thomas' Speech

http://www.freecopts.net/arabic/arabic/content/view/3912/1

Egypt Remembers Facebook Group

http://www.new.facebook.com/group.php?gid=4967019140&ref=share


**********************

More than a 100 Comments on this Note at Facebook:

http://www.new.facebook.com/note.php?note_id=29171324433

Bread, Butter, Brain & Religion

Bread, Butter,
Brain & Religion




عندما أعطى الخالق
كل إنسان رزقه
لم يرض أحد عن نصيبه
وعادوا فرادى
إلى الخالق
يطلبون مقابلة شخصية


يا رب
لماذا أعطيتني
أقل من جاري
أقل مما أستحق
أقل من حاجة عيالي
لماذا أنقصت من مالي؟

وظلوا على تلك الحال
إلى اليوم


وعندها قرر الخالق
أن يكون الأمر مختلفاً
مع هبة العقل


فصاغ العقل بطريقة
تجعل صاحبه
يعجب به
ويظن أنه
أفضل العقول


وعندما أعطى الخالق
كل مخلوق عقله
ابتهج الجميع
وطاروا من الفرح
وخبأ كل شخص عقله
في تجويف عميق في رأسه
حتى لا يراه الآخرون
فيحسدونه عليه

وجرى كل منهم
إلى بيته
وجلس وحده
يتأمل حلاوة عقله
ودينه
وعقيدته
وأفكاره النيرة
التي لم يسمع الناس بمثلها
أبداً
من قبل

!!


Wael Nawara

Thursday, August 07, 2008

The Evils of Thinking

شر الفكر



من صالح الدعاء الخالد الذي نعتز به في مصر دعاء "ربنا يكفيك شر الفكر". وهذا الفكر المذموم من واقع التراث هو الفكر الزائد عن الحدود المسموح بها، بما يورث الهم والاكتئاب أو يؤدي إلى الوساوس والشكوك والأمراض الذهنية. أما في عصر الثورة المجيدة، فمن المؤكد أن شطط الفكر بعيداً عن مديح النظام على كل لون أو خارج تعاليم "الإرشاد القومي" يؤدي إلى الزنزانة أو الفصل التعسفي أو الحرمان من الامتحان في أحسن الأحوال، وهو العقاب العادل الذي نالته الطالبة آلاء التي لم تكتف بالفكر والعياذ بالله، بل تعدته إلى التعبير عن ذلك الفكر في جراءة متناهية، ولكن يقظة المصحح كانت تقف لها بالمرصاد، وصدق ابن عباس حينما قال: "قف للمصحح مهما كنت جليسا ... كاد المصحح أن يكون بوليسا".

وفي الواقع فإن الابتعاد عن الفكر الضار والاقتصار على الإشادة بحكمة النظام وإنجازاته الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى ولا ترى بالعين المجردة، لا يؤدي فقط إلى تجنب شر المصححين والزنازين، بل إنه بالفعل يؤدي إلى تجنب الإصابة بالاكتئاب. فتشغيل الفكر عمال على بطال في الظواهر العجيبة والخارقة التي تحيط بنا من كل جانب وبصورة يومية، له ضحايا كثيرة وربنا يكفينا جميعاً شر السوء. ويكفي أن تعلم أن الدكتور عكاشة قد قدر المصابين بالاكتئاب بحوالي 30% من الشعب الغلبان ولسه، وهذه الإصابة ليست بسبب البيروقراطية أو الظلم أو الفقر أو تفشي البطالة وتوحش الفساد، بل أنها بسبب الفكر اللعين الذي يذكر صاحبه دائماً بمثل هذه المشاكل ويلفت نظره إليها بدون داع، فيوسوس مثلاً لصاحبه بسؤال خبيث وشرير من عينة "لماذا يعاني الشعب من شظف العيش بينما تجود الحكومة بالاحتكارات المتنوعة على محاسيبها الذين يفرون بالمليارات بصورة منتظمة؟"، أو "كيف تسمح الحكومة لصاحب العبارة بالسفر إلى الخارج ثم تصدر بعد هربه أمراً بمنعه من السفر - إلى الداخل طبعاً – حتى يبقى في الغربة يا ولداه تطارده أشباح الضحايا؟" وقد صادفت أحد المصابين بالفكر من هواة قراءة وتحليل أخبار الجرائد المسماة بالقومية ومقارنتها بعضها البعض على مر الحقب الزمنية المختلفة، فماذا كانت النتيجة، أصيب المسكين بلوثة عقلية تجعله ينفجر في الضحك كلما رأى إحدى هذه الصحف أو إذا ما سمع تصريحاً من مسئول حكومي، وفي النهاية مات بكرشة نفس عندما فطس على نفسه من الضحك بعد ما رأى كيف غير أعضاء المجلس الموقر رأيهم في قانون الصحافة والتفوا على أعقابهم بزاوية 180 درجة بدون منقلة بمجرد أن سمعوا توجيهات الرئيس. أما الذين لا يشغلون أنفسهم بمثل هذه الأمور فهم في نعيم مقيم، فهم يصدقون كل التصريحات، فإذا قالت التصريحات أننا نعوم في الرخاء والوظائف الجديدة للشباب بالملايين، فهم يصفقون فرحاً ويهتفون بالدعاء لكل المسئولين، ويلقون باللوم على أبنائهم الكسالى العواطلية من هواة البطالة رغم الوظائف الجديدة المتلتلة و"هي الجرائد حتكذب يعني؟" لأ طبعاً وألف لا سمح الله.

ومن هنا اتضح أن الفكر في مصر ضار جداً، ويقال أن التحذير المكتوب على علب السجائر ليس بسبب القطران والزفت الموجودين في الدخان، بل بسبب أن التدخين ارتبط في الأفلام بالتفكير العميق ولهذا وجب التنبيه لعدم الإحراج. وأصبحت مصر طاردة لكل فكر ضار، فهاجر أصحاب الفكر والعلماء النابهين تصحبهم ألف سلامة والباب يفوت جمل على رأي المسئول الذي خرج علينا في العاشرة مساءاً يقول من لا يعجبه نظامنا يرحل، وكسر وزير الهجرة وراءهم مليون قلة وزير، بدل ما يقعدوا في مصر ويوجعوا أدمغتنا بفلسفتهم الكذابة، أهم يعيشوا بره ليحصلوا على جوائز نوبل والذي منه، منهم يقبضون بالدولار ومسيرهم يأتون إلى مصر ليشتروا شقة أو شاليه أو يحضروا أولادهم في أجازة وقد يشترون بعض الهدايا لأهاليهم فينتعش الاقتصاد القومي من بعيد لبعيد دون أن نتكبد مشقة الاستماع لأفكارهم العجيبة وآرائهم الشاذة المقرفة.

ولهذا لا نتعجب عندما نجد برنامج حكومة "الفكر الجديد" يخلو من أي إشارة إلى الفكر أو الثروة الفكرية، أو إلى القيمة المضافة، فالبرنامج يهتم ببناء ألف مصنع ومصنع، باعتبار أن بناء المصنع في حد ذاته إنجاز كبير وحلال على من يبيعون الأسمنت والحديد، أما آلاف المصانع التي فتحت وقفلت نظراً لأنها عجزت عن أن تصل للتنافسية أو تتميز بقيمة مضافة خاصة، أو في الأغلب عجزت عن أن تتواءم مع تحكم الحكومات المتتالية وتقاليعها التي تتغير في كل موسم، فهذه المصانع طبعاً كخة لأنها بنيت قبل صدور برنامج الألف مصنع. نسمع عن مدن صناعية وغير صناعية، ولكننا لم نسمع عن برنامج واحد يوحد ربنا يعمل على تنمية القيمة المضافة أو الثروة الفكرية. وهذا والحق يقال ليس خطأ الحكومة وحدها، فرجال الأعمال – أو من بقى منهم - مستعدون للاستثمار في كل مجال، عدا في الفكر وربنا يكفيك شر الفكر.

هل سألت نفسك يوماً ما هو الفرق بين السيارة نصر 128 والسيارة المرسيدس 200؟ لماذا سعر المرسيدس 10 أضعاف الـ 128 رغم أن السيارتين تحتويان على نفس المادة الخام تقريباً. نفس وزن الحديد. نفس كمية المطاط والزجاج. ما هو الفرق؟ الفرق يكمن في الثروة الفكرية الموجودة في المرسيدس. عشرات بل مئات من براءات الاختراع تظهر في كل مادة أو خامة أو منظومة. طيب، لماذا توقفنا عند إنتاج الـ 128 لمدة 40 عاماً بينما نجحت اليابان – بلاش اليابان - بينما نجحت كوريا في أن تطور موديلات تصدرها إلى العالم أجمع؟ بلاش كوريا، نجحت ماليزيا في عشرين عاماً في أن تقفز بالسيارة "بروتون" إلى المنافسة العالمية، بينما نفخر نحن بحسن العشرة الطويلة للسيارة 128 التي لا زلنا نصنعها بترخيص من الغير.

من جانب أصحاب المشروعات ورجال الأعمال - كيف يكون الاستثمار في الفكر، ومن الناحية الأخرى - كيف نتوقع من الحكومة أن تعمل على تنمية الثروة الفكرية؟

أولاً، لابد من أن نبتعد عن موضوع محل عصير القصب. في النهاية هناك قدرة محدودة لمثانة السوق في استيعاب كل هذا العصير أو السيراميك أو المكيفات أو محلات الأحذية أو غيرها من السلع أو الخدمات المكررة بصورة حرفية. أول استثمار فكري قد يأتي على شكل منتج جديد أو تقنية جديدة أو دراسة تسويقية يتعرف من خلالها صاحب المشروع على اتجاهات السوق والمنافسة الموجودة والفجوات التي يمكن أن يقوم مشروعه باستهدافها ليكتسب تفرداً وميزة تنافسية. ثانياً، على قدر الاستثمار في تطوير منتجات أو خدمات جديدة أو أساليب إنتاج أكثر كفاءة، على قدر ما تدوم المزايا التنافسية، لأن ما يسهل بناؤه أو تصنيعه، يسهل نسخه وتقليده. ثالثاً، عملية الابتكار وإضافة القيمة هي عملية دائمة، ولابد من وضع آليات داخل المؤسسة للحفاظ على التطوير باستمرار. رابعاً، يمكن الاستعانة بالقدرات البحثية في الكليات العملية مثل كلية الهندسة والزراعة والصيدلة في تطوير منتجات وتقنيات جديدة. خامساً، لابد أن تشجع المؤسسة التفكير والتطوير من خلال هيكل الحوافز، فالمؤسسات لا تحصل على ما تحلم به وتتمناه في كتيب الرؤية، بل تحصل على ما تقوم بقياسه وتشجيعه من خلال الحوافز والمكافآت. سادساً، المكون الفكري لا يقتصر على تصميم منتج جديد، بل يمتد ليشمل تطوير خامات أطول عمراً أو أرخص سعراً، تطوير أسلوب إنتاج يرفع من الإنتاجية، تطوير هيكل إداري يسمح بمرونة وتكيف أفضل، تطوير نظام محاسبي يسهل ربط الأرقام بالأداء، تطوير نظام جديد لقياس رد فعل السوق بصورة أسرع وأدق، تطوير نظم معلومات تساعد على تحليل الموقف واتخاذ القرارات الذكية، تطوير نظام لتنمية المواهب البشرية وتحسين مناخ العمل، إلخ.

هل للحكومات دور في تطوير القيمة المضافة والثروة الفكرية؟ هل لو شجعت الحكومة المصانع على إنتاج سيارات مرسيدس بدلاً من سيارات 128 سوف يرتفع الناتج المحلي 10 أضعاف؟ هذا بالطبع تصور ساذج، ولكن لنا أن نتصور، إذا استثمرنا قليلاً في المكون الفكري أو التسويقي لأي سلعة صناعية أو محصول زراعي أو خدمة، تزداد القيمة المضافة، ويزداد هامش الربح، وتزداد المبيعات دون أي استثمار إضافي يذكر في مبان أو معدات جديدة. وهنا يأتي دور الحكومة على عدة محاور. أولاً تشجيع تنمية المكون الفكري من خلال الحوافز الإيجابية والمنح الخاصة بالبحوث والتطوير. ثانياً، ضخ طلب حكومي على القيمة المضافة والمكون الفكري - وهذا يستدعي تغيير قانون المناقصات طبعاً! ثالثاً، ضخ طلب حكومي قوي على البحوث والتطوير في مجالات بعينها طبقاً لخطة قومية تستشرف فجوات المستقبل وفرصه. رابعاً، إيجاد آليات تمويلية للصناعات والمنتجات ذات المكون الفكري العالي، مثل صناديق تمويل مشروعات المخاطر Venture Capital. تشجيع التعاون بين الصناعة والجامعات والمراكز البحثية من خلال وضع بروتوكولات تعاون ميسرة وإلزام الكليات العملية بأن تخصص ما لا يقل عن 70% من مشروعات التخرج وبحوث الماجستير والدكتوراه لمشروعات مرتبطة بالصناعة والواقع العملي.

عندما استشعرت الولايات المتحدة الخطر من التفوق السوفييتي في مجال الفضاء، أعلن الرئيس كنيدي عن برنامج طموح لوضع أول إنسان على سطح القمر، "نفعل ذلك ليس لأنه سهل علينا ... بل لأنه صعب" وقامت الحكومة من خلال وكالة ناسا بضخ طلب من القطاع الخاص على صناعات الكومبيوتر والاتصالات، وتطوير مواد جديدة، ونظم التوجيه، ومحركات الصواريخ، ووقود الصواريخ، والأبحاث الطبية المرتبطة بالفضاء، إلخ. ماذا كانت النتيجة؟ أصبحت أمريكا هي القوة العظمى الأولى في العالم، ليس لأنها استطاعت وضع أول إنسان على سطح القمر، بل لأنها في خضم الاستعداد لذلك استثمرت في العديد من التقنيات التي ضمنت لها السيادة التقنية والصناعية في مجالات إستراتيجية لسنوات طويلة.

أما في مصر اليوم، وقبل كل شيء، لابد أن نرجع إلى الجذور. المكون الفكري يأتي من عقول البشر وهي التي يشكلها التعليم والإعلام والمسجد والكنيسة. إن قضية مثل موضوع التعبير الخاص بآلاء توضح كيف اغتال النظام قدرة النشء على التفكير الحر المبدع، وكيف اقتحم فيروس المباحث عقول المربين والمعلمين والمصححين. إن نظرة واحدة على كتاب اللغة العربية للصف الثالث الابتدائي بموضوعاته الشيقة عن الأمن الغذائي والأسر المنتجة وتشجيع السياحة وكيف أن الوزارات المبجلة كلها تقوم بدورها على أكمل وجه، أي والله نظرة واحدة على كتاب ثالثة ابتدائي، يوضح المؤامرة السخيفة التي يتعرض لها أبناؤنا. وبدلاً من أن يقوم المسئولون بحل المشكلة من جذورها ومحاكمة أبلة تفيدة مولشاك المتخصصة في التدبير المنزلي والمشرفة على مثل تلك الكتب، فإنهم يرسلون أبناءهم للمدارس الدولية، ليس للمدارس الخاصة أو مدارس اللغات، لأنها كلها لا تزال تخضع لسطوة هولاكو المولشاك، بل للمدارس الدولية البعيدة عن الإشعاع الوزاري الضار، ثم يجلسون معنا على مائدة الحوار ويتحدثون عن النهضة التعليمية الشاملة التي يعاني منها أبناء الشعب المسكين الذي يضطر لضيق ذات اليد للخضوع لوزارة هولاكو وبقية وزارات دولة التتار المفترية.

تنمية المكون الفكري تتحقق عندما لا يصبح الفكر عالة ونكبة على من يصاب به. مصر هي الدولة الوحيدة التي يقوم فيها المؤلف المحترم بسداد مبلغ مالي للناشر حتى يطبع أعماله الفكرية، وبينما تصدح أصوات الجوقة بأغاني أوبريت القراءة للجميع نكتشف أن أول المتضررين من الكتاب أبو جنيه هم الكتاب والمؤلفين الذين لا يحصلون إلا على الفتات – إذا توفر – مقابل أعمالهم. القراءة للجميع مبادرة عظيمة، ولكن لابد أن تصاحبها مبادرة أخرى، وهي الطعام للمؤلفين. عندما يصبح الفكر والبحث العلمي مورد رزق لا نكبة على أصحابه من العلماء والباحثين المصريين الذين ينفقون من جيوبهم على البحث العلمي نظراً لعدم توفر ميزانية! عندما تتوقف الصحف المسماة بالقومية عن الاستخفاف بعقول الشعب وتبتعد عن محاولة غسل مخ الشعب وتبدأ في احترام قدرته على التفكير، عندما تتوقف معاملة الفكر كمرض اجتماعي ونفسي، عندئذ يمكننا أن نعظم من المكون الفكري في الاقتصاد. للأسف، الفكر حزمة متكاملة أو عبوة ينتج عن استخدامها فوائد اقتصادية وتقنية واجتماعية وثقافية، ولكن ينتج عن استخدامها أيضاً أعراض جانبية وتبعات سياسية وأمنية قد لا يستطيع النظام أن يهضمها.

نحن لا ينقصنا البشر، ولا تنقصنا الموارد – عكس ما قد يظنه البعض – ولكن تنقصنا الرؤية الثاقبة، والقيادة الملهمة، التي تستطيع أن تقودنا إلى الأمام من خلال التخطيط الذكي، والتنفيذ المتقن، والالتزام والحزم، والتصميم والعزم، وقبل كل هذا ومعه وبعده، الفكر المجدد، ربنا يكفيكم شر الفكر.





وائل نوارة

Brain Drain
- A Note From the Archive



في كل بلدان العالم، الإنسان هو مصدر الثروة والقيمة المضافة. وبالتالي، فإن الاهتمام بقضية وعلوم التنمية البشرية لا تضاهيه أية أولوية ولا يعلو عليه أي صوت، حتى صوت المعركة، لأن الإنسان أيضاً هو الذي يستطيع أن يحقق النصر في المعارك، هذا بفرض أن النصر هو الهدف. طبعاً هناك استثناء لكل قاعدة. ونظراً لخصوصيتنا الثقافية وظروفنا التي تختلف عن كل بلدان العالم، فقد ابتكرنا علماً جديداً وبرعنا في تقنياته التطبيقية لدرجة مفزعة، ألا وهو علم التصفية البشرية.

هناك، في دول العالم الأخرى المختلفة عنا، تسمع مقولات وحكم فارغة مثل "الرجل المناسب في المكان المناسب"، و"تمكين الإنسان"، و"احتضان المواهب"، وغيرها من الترهات التافهة والتي لا تضمن الولاء، ولا تكفل الخلود في مقاعد الحكم، ولا تساعد على تجميد الواقع الجميل الذي لابد أن نحرص عليه.

أما هنا، فلدينا الحكم الحقيقية الراسخة، مثل "ذكاء المرء يحسب عليه"، و"الرجل المناسب يأتي بواسطة من الرجل المناسب"، و"القهر يولد الطاعة"، و"الشعب لابد أن يُضرب على دماغه"، و"الخلود هو سنة الحياة"، و"اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش"، و"الملف الأسود ينفع يوم العصيان"، مما أدى "لاحتضار المواهب"، و"تمكين أهل الثقة والولاء"، وهجرة المهارات والعقول، وتفشي الإحساس بالظلم والمعاناة من الاكتئاب، وتدهور كل أوجه الحياة، والحمد لله على كل حال.

ونتيجة للتمسك بالسلطة والكراسي الذي نراه في كل مجالات الحياة من صحافة وإعلام ووزارات وهيئات وحكومات، فقد سادت ثقافة مقاومة التغيير بصورة مرضية، حتى أصبح لفظ "التغيير" من الألفاظ القبيحة التي لا يجب التفوه بها باعتبارها سُبة بذيئة وغريبة عن تقاليدنا الأصيلة، وليس أدل على ذلك من اللاءات الثلاثة التي أسعدنا بها المؤتمر الأخير.

ولترسيخ التجميد ومقاومة التغيير، استخدمت النخبة الحاكمة مجموعة من السياسات التلقائية من الإخصاء والإقصاء، والتعقيم والتقليم، والتشكيل والتنكيل، والطرد العكسي والإعدام المعنوي، لضمان تشكيل أجيال تتميز بالمسايرة والامتثال والطاعة والخضوع.

ويأتي الإخصاء بضرب كل من يجرؤ على الاعتراض بصورة تهدد حالة التجميد، بينما ينتشر التقليم للبراعم التي يشي نشاطها المحدود بإمكانية أن تخرج عن الطوع يوماً ما، ثم يأتي التعقيم لتطهير البيئة من أية أفكار أو سلوكيات تدعو للتغيير وتهدد بقاء الأحوال على ما هي عليه. وبالإضافة لأجهزة للرقابة، فقد نجح النظام في غرس مفاهيم الرقابة الداخلية في كل مسئول سواء عن مؤسسة إعلامية أو أكاديمية أو ثقافية، فنجد هؤلاء المسئولين يقومون بالحذف التلقائي لأية أفكار أو عبارات قد تهدد بقاء الوضع على ما هو عليه، فتعطل المسيرة المهنية لأي كاتب أو باحث أو عالم يشتبه في عدم توافق اتجاهاته مع رغبات "المؤسسة".

وتأتي السياسات التعليمية والإعلامية لترسخ تشكيل أفراد المجتمع في قوالب محددة يتعلمون من خلالها أن هناك حدوداً لا يمكن تخطيها حتى في التفكير، فتجد الواحد من هؤلاء إن اشتط في فكره "استعاذ بالله من الشيطان الرجيم"، وتذكر أولاده أو أسر العاملين لديه، بل أن القلم نفسه قد يصيبه شلل رعاش حينما يقترب من التعبير عن الأفكار المخالفة لمبادئ المسايرة والامتثال. وخطورة التشكيل هو أنه يقضي على أجيال بكاملها ويقهرها من الداخل، ويلغي لديها القدرة على التفكير الحر والإبداع، ومن هنا نجد أن المناهج التعليمية ترسخ النفاق والاستظهار والحفظ، ومسايرة الوضع العام والتهليل للحكام والإنجازات التي لا تحدث على أرض الواقع، بينما نجد الصفحات الأولى في الصحف تقوم أيضاً بدورها في عملية غسيل المخ اللازمة لتشكيل أجيال مغيبة عن الوعي وغير قادرة على اكتشاف البديل، فيصبح الواقع المُر بالنسبة لها وكأنه قدر محتوم لا يمكن الفكاك منه.

أما ما يتعلق بعملية الإقصاء أو الطرد العكسي، فنجد أنها تعمل عكس آليات الانتخاب الطبيعي. والأخيرة هي خاصية من خصائص التطور البيولوجي والمجتمعي – وهي نفس فكرة البقاء للأصلح. وقد أدت سياسة تجميد "المؤسسة" ومحاربة التغيير وتكريس الأوضاع على ما هي عليه واتباع سياسات الإخصاء والتعقيم والتشكيل والإقصاء إلى بزوغ هذه الظاهرة الفريدة التي تعمل بمثابة "الانتخاب المقلوب"، فالمجتمع يطرد أفضل عناصره لصالح تكريس الواقع ومنع الارتقاء الداخلي للعناصر الأفضل، ومع منع تلك العناصر من الصعود لأعلى لا يصبح أمامها من سبيل سوى التحرك أفقياً للخروج من المنظومة والالتحاق بمنظومة أخرى تسمح لها بالصعود لأعلى، مثل فقاعات الغاز التي تحاول أن تجد طريقها إلى سطح الماء، وفي حالات أخرى، تعمل هذه العناصر المقهورة على هدم المجتمع ومحاربة النجاح.

وفي مثل هذه البيئة الفاسدة فإن معيار الانتخاب لأعلى ليس فقط هو الولاء، بل أيضاً الضعف واختيار العناصر الفاسدة التي يمكن إزاحتها عند اللزوم بإبراز "ملفات سوداء"، ثم استخدام إعلام الدولة في عمليات الإعدام المعنوي. وبالتالي فلا تسمح الطبقات العليا بصعود عناصر قادرة على إزاحتها فتحاربها وتطردها من المنظومة، وهذه ظاهرة خطيرة بدأت أول ما بدأت في رفض التغيير والرغبة في الخلود في المقاعد، والتي نجدها حولنا في كل مؤسسات الدولة، فجاءت نتيجتها المؤسفة في تفشي ظاهرة الانتخاب المقلوب، التي تغربل المجتمع لتسمح فقط لعناصر ذات قدرات محدودة في الارتقاء لأعلى، مما يضعف المجتمع ككل فضلاً عن أنه يهدم مبادئ العدالة ويحارب طبيعة الأشياء، وهذا ما نسميه بالتصفية البشرية كبديل عن التنمية البشرية.

فعندما يكون المطلوب هو النفاق الإعلامي، فمن الطبيعي أن من يصل لأعلى المناصب الإعلامية يكون هو أكبر المنافقين، وعندما يكون الهدف هو تزييف الانتخابات لتكريس سيطرة حزب ما على الحكم لأطول فترة ممكنة، فمن الطبيعي أن الذي يصل لأعلى المناصب الحزبية هو أعظم المزيفين ... وهكذا.

مع فساد الأهداف تفسد عملية الانتخاب الطبيعي لتعكس هذا الفساد، ومن هنا يظهر أن الفساد لا يقتصر على الرشوة أو المحسوبية أو غيرهما من الظواهر التقليدية، بل إن الفساد يتسع ليضرب جذوره في أعماق المجتمع ويلوث ضمير الأمة، ويفسد طبيعة التعاملات ومنطق الأشياء، ويشوه القيم والسلوكيات، والأهداف والمرجعيات، والنفوس والممارسات.

كيف وصلنا لهذه الحالة؟ والأهم، كيف نخرج منها؟ هذا ما يتعين علينا أن نحاول بحثه في مقالات قادمة بإذن الله.
*****

وائل نوارة
نشرت في
المصري اليوم
16 أكتوبر
2004

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook