Saturday, February 25, 2023

هل يتعلم النظام السياسي في مصر من فضيحة "جهاز الكفتة" أم يكررها؟

هل يتعلم النظام السياسي في مصر من فضيحة "جهاز الكفتة" أم يكررها؟



Read more: https://www.al-monitor.com/ar/contents/articles/originals/2014/06/egypt-parliament-elections-kofta-hiv-army-treatment.html#ixzz7uMHMwhY4


 فضيحة "جهاز الكفتة" في مصر دليل على غياب الضوابط والتوازنات

 

باختصار: تحتاج مصر إلى معارضة وبرلمان فعّالَين لإرساء توازن مع السلطة التنفيذية

 من أرشيف 2014 - نشرت بالمونيتور

وائل نوارة

 

أثار خبران يبدوان غير مترابطَين في الظاهر قدراً كبيراً من السجال على الساحة المصرية.

 

الخبر الأول هو الإعلان الذي صدر عن إحدى اللجان الطبية بتأجيل الاستخدام السريري لعلاج جديد للفيروسات التي تتسبّب بالتهاب الكبد الوبائي "سي" وفيروس نقص المناعة البشرية (إيتش آي في)، بواسطة جهاز مثير للجدل طوّرته فرقة الهندسة في الجيش المصري بانتظار - وشرط - التأكّد من فعاليته وأمانه، الأمر الذي قد يستغرق عاماً على الأقل.

 

وقد عُيِّنت اللجنة الطبية بأمر من الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما كان لا يزال وزير دفاع، بهدف تقويم العلاج المعجزة المزعوم. في حين هلّل أنصار الجيش للاختراع واعتبروه دليلاً إضافياً على قدرة الجيش على مواجهة أي مشاكل تتعرّض لها البلاد، سخر الناشطون والمشكّكون وعدد كبير من المهنيين العاملين في مجالَي الطب والأدوية من خصائص الجهاز المزعومة، وأطلقوا عليه اسم "أصابع كفتة عبد العاطي".

 

في خطاب متلفز في 24 شباط/فبراير الماضي، زعم إبراهيم عبد العاطي، وهو ليس طبيباً ولا مهندساً، أن الجهاز يستخدم موجات كهرمغنطيسية تتفاعل مع تردّدات الجزيئات المكوِّنة للفيروس بما يؤدّي إلى تحويلها إلى بروتينات غير مؤذية، مضيفاً: "آخذ الأيدز من المريض، وأعطيه أصبع كفتة". الكفتة، كما يعلم العارفون بالمطبخ الشرق أوسطي، عبارة عن لحم مفروم يُشوى عادةً في أسياخ، وسرعان ما انتشرت الكلمة وباتت متداولة على نطاق واسع كلقب للجهاز الجديد.

 

مُنِح عبد العاطي رتبة لواء مكلّفاً الشرفية في القوات المسلحة المصرية لقيادة فريق تطوير الجهاز. وقد وجدت اللجنة الطبية أن بروتوكولات اختبار الجهاز غير كافية وغير ملائمة، ورفضت منحه الترخيص بغية استعماله في العلاجات الواسعة النطاق اعتباراً من 30 حزيران/يونيو الماضي كما كان مقرّراً.

 

أما الخبر الثاني فيتعلّق بالانتخابات التشريعية المقبلة في مصر وبالقانون المؤقت الذي أصدره عدلي منصور في آخر يوم عمل له في سدّة الرئاسة الانتقالية. فمن أصل 567 مقعداً في مجلس النواب، يمنح القانون الجديد 420 مقعداً (77.8%) للمرشحين المستقلين، و120 مقعداً (22.2%) للوائح الحزبية المغلقة المخصّصة للمسيحيين والنساء والشباب والعمّال والمزارعين والمعوّقين والمصريين المقيمين خارج البلاد. سوف يتم توزيع هذه المقاعد بصورة متكافئة بحسب الأصوات التي تفوز بها كل لائحة. وينصّ القانون أيضاً على منح خمسة في المئة من المقاعد (27 مقعداً) للنواب الذين يُعيّنهم الرئيس. تنطلق العملية الانتخابية بحلول 18 تموز/يوليو الجاري، ومن المرتقب إجراء الانتخابات في الخريف المقبل.

 

اعترضت معظم الأحزاب السياسية على القانون الذي يُهمِّش دورها ويُهدّد بإنتاج برلمان مشابه لمجلس الأمة الذي كان قائماً قبل ثورة 2011، عندما كان فقط المرشّحون المتموِّلون أو الذين يتمتّعون بنفوذ قبلي أو دعم من التيارات الدينية، يُسيطرون على المشهد السياسي. تسبّبت هذه المنظومة بتفشّي الفساد السياسي على نطاق واسع وضعف مجلس الأمة الذي فشل في تجسيد التنوّع المصري أو الإفادة من المواهب المهنية والفكرية الغنية بين أعضائه. في أيلول/سبتمبر الماضي، كتبت عبر موقع "المونيتور" أن مصر تحتاج إلى نظام انتخابي نسبي من أجل ضمان فعالية التشريعات والحكم الرشيد والتمثيل العادل لتنوّعها.

 

فما هي أوجه الارتباط بين هذه المسائل المنفصلة؟

 

لقد اكتشفت اللجنة المحايدة التي شُكِّلت لتقويم المزاعم حول "الجهاز المعجزة"، أنه غير جاهز للاستعمال. ليس أكيداً إذا كان سيجهز يوماً، بيد أن كثراً يشكّكون في الأمر، والسبب ببساطة هو أنّ آلية تطويره لم تتقيّد بمعايير الأبحاث الطبية والممارسات المطبّقة في هذا المجال. في أفضل الأحوال، استعجل المعنيون كثيراً إعلان نجاح الجهاز، مستخدمين حملة دعائية لم تلحق الضرر بمصداقية الجيش وحسب إنما أيضاً مصداقية البلاد ككل. وفي أسوأ الأحوال، الجهاز خدعة، ويجب محاسبة كل المتورّطين في تلفيق مزاعم عن مزاياه وإمكاناته، وربما محاكمتهم بتهمة الاحتيال والسلوك الإجرامي عبر إجراء تجارب سريرية عرّضت للخطر المرضى غير المدركين لما يجري.

 

لقد وعد السيسي بإجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية واجتماعية كبرى فضلاً عن إطلاق مشاريع وطنية لإنقاذ الاقتصاد المتعثّر وتصويب عجلة العمل الحكومي غير الفعال، وإصلاح التنظيم المدني الذي يعاني من الاختلال الوظيفي. ومع وصول برلمان جديد يتألف حصراً، وعن سابق تصوّر وتصميم، من أعضاء يهلّلون للسيسي وسياساته، تواجه البلاد خطر تكرار أخطاء شبيهة بفضيحة "الكفتة" على نطاق وطني، مع ما يترتّب عن ذلك من تداعيات كارثية جداً أكبر من طاقة مصر على تحمّلها في الوضع الراهن.

 

يلمّح بعض المسؤولين والأشخاص الذين يدعمون الجيش والسيسي دعماً أعمى، إلى أن وجود معارضة فعالة وبرلمان قوي هو ترفٌ لا تستطيع مصر تحمّله في الوقت الحالي. ويُشيرون إلى الهشاشة التي تعاني منها البلاد بعد فشل العملية الانتقالية الأولى والاضطرابات التي عرفتها مصر طيلة ثلاث سنوات. لكن هذا الكلام بعيد كل البعد عن الحقيقة. فمصر لا تستطيع أن تتحمّل التداعيات التي يمكن أن تترتب عن اعتماد سياسات وتشريعات غير مدروسة، حتى لو جرى تصميمها بحسن نيّة، في غياب التدقيق من برلمان نافذ ومعارضة متيقّظة.

 

ربما أنقذت اللجنة الطبية التي أوقفت استخدام "جهاز الكفتة"، آلاف الأرواح وحالت دون هدر ملايين الجنيهات المصرية، وسمحت لمصر بتجنّب الإحراج والسخرية، وكذلك الدعاوى القانونية المطوّلة والتعويضات الطائلة للمرضى المخدوعين وعائلاتهم. لكن حتى لو ثبت أن "جهاز الكفتة" ناجح وفعّال، وهو أمر مستبعد، العبرة المستمدّة من هذه القضية هي أنه في السياسة والتشريعات والأبحاث الطبية، لا بد من اتّباع الأصول المرعية الإجراء.

 

لا وجود للطرق المختصرة في التاريخ. فالحكم والديمقراطية والتنمية ليست وجهات عشوائية يمكن بلوغها عن طريق المعجزات والاتّكال على الإرادة الطيّبة التي يتحلى بها بطل قومي ما، أو الثقة الممنوحة لمؤسسة معينة، حتى ولو كانت تستحق هذه الثقة. النجاح مسار يتّسم بالعمل الدؤوب والتفاني، والأهم من ذلك، باتباع الأصول المرعية الإجراء في مختلف النواحي.

 

اتباع الإجراءات الصحيحة هو بمثابة بوليصة التأمين التي تعزّز آفاق النجاح، وتحدّ من المخاطر، وتضمن أنه حتى لو حصل الفشل، على الرغم من الرهانات على العكس، فسوف يشكّل فرصةً لاستخلاص العِبَر تقود في نهاية المطاف إلى تحقيق النجاح.

 

تحتاج مصر إلى أحزاب سياسية قوية، ومعارضة فعالة، وبرلمان نافذ قادر على تأمين الضوابط والتوازنات في وجه السلطة التنفيذية، وتفنيد القرارات والسياسات الحكومية. بإمكان السيسي أن يتلقّف الدرس ويبادر إلى تصحيح قانون الانتخابات وقانون التظاهر، والإفراج عن مئات الناشطين الذين يجب أن يتمكّنوا من أن يقولوا "الملك عارٍ" من دون أن يُزَجّوا في السجون لمدّة 15 عاماً.

 

 

No comments:

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook