Saturday, February 25, 2023

 

الشاطر يغزل برجل حمار ... ويتجاهل النول

 رؤية مصرية  

من أرشيف 2013 - نشرت في جريدة التحرير ثم ضاع السيرفر!

وائل نوارة

 

هل الشاطر شاطر؟

أمثالنا المصرية عبقرية، تحمل حكمة آلاف السنين وأسرار الحياة والبقاء - رغم المصاعب والتحديات - على الطريقة المصرية. وأحيانا تجد مثلين عكس بعض، والاثنان صحيحان كل في سياقه. أحد هذه الأمثال هو "الشاطرة تغزل برجل حمار"، الذي يدعو الإنسان للاجتهاد في أداء المهمة بما هو متاح، والابتعاد عن أسلوب التكاسل والتعلل بعدم وجود الأدوات أو الظروف المناسبة. ولكن ... ماذا إذا أصر الشاطر على أن يغزل برجل حمار ورفض استخدام النول بل مصنع أنوال كامل؟ ماذا إذا أصر الرئيس أو رئيس الرئيس على أن يقوم بحل مشكلة سياسية بهراوات عساكر الأمن المركزي – وعندما فشل أسلوبه استدعى الجيش، حتى وصلت الأمور لنشوب اشتباكات بين الجيش والشرطة! هل هنا يكون الشاطر "شاطر"؟

 

المجـد لقاهـري الحصبة ...

زمان كان الناس لا يجزعون من الأمراض ويبالغون في احتياطات حماية الأطفال منها مثل الآن، على أساس تشجيع الأطفال على توليد مناعة ذاتية ضد هذه الأمراض في سن مبكرة. ومن أغرب العادات كانت "حفلة الحصبة"! فعندما يصاب أحد الأطفال بالحصبة، وبدلاً من عزله عن باقي الأطفال تجنباً للعدوى، تقام حفلة الحصبة حيث يدعى أقاربه وجيرانه وأصدقاءه من الأطفال لتصيبهم العدوى والمرض حتى يكونوا مناعة ضد المرض فلا يصيبهم في الكبر. وأتذكر أنه في عام 2006 في أحد المناسبات الاجتماعية، قابلت أحد الأصدقاء "السابقين" وكان عضوا في الحزب الوطني من تيار "الفكر الجديد" الذي اخترق للأسف جمعية "لشباب الأعمال" كنت أحد مؤسسيها، ونتيجة لموقفي المعلن في حركة كفاية وحزب الغد، وكنت وقتها سكرتير عام الحزب المناهض لنظام مبارك وخطط التمديد والتوريث، أي أحد المسئولين عن تنظيم المظاهرات والاحتجاجات والحملات الاحتجاجية وأحد الأسماء غير المرغوب فيها أمنياً، انقطعت العلاقات تقريبا بيننا وأصبحت أتجنبه لأن مجرد السلام معي كان "تهمة". ولكن في هذه المناسبة وجدت أنه هو الذي توجه ناحيتي وبادأني الحديث عن خطورة ما نفعله بحسن نية، وأنه كله يصب في مصلحة الإخوان المسلمين، وكيف أن الإخوان مثل السرطان الذي يهدد مستقبل مصر ووحدتها. وكان ردي أن الإخوان لم يتوغلوا سياسيا ونقابيا ومجتمعيا إلا مع الاستبداد والقمع، ومنحنى صعودهم مرتبط بمنحنى صعود الحزب الوطني، وكيف أن الحزب الحاكم يجتهد لإضعاف واختراق وتفتيت أحزاب المعارضة الوسطية والوطنية، حتى يظل الخيار ما بين الحزب والوطني والإخوان، وصفقة الـ 88 كرسي رائحتها كانت لا زالت تقرف الأنوف. فالحزب الوطني والإخوان كانا وجهين لعملة واحدة وهي الاستبداد، ومفهوم أنه مع سقوط نظام مبارك سيصعد الإخوان للحكم ويحاولون الاستيلاء على مقدرات البلاد، ولكن وصولهم للحكم سيكون بمثابة الحصبة التي لابد أن تصاب بها الشعوب في مرحلة مبكرة من مسيرتها نحو الديمقراطية، أما تجنبها بالقمع والإجراءات الحمائية، فهو قفز على المراحل وضد الطبيعة، بل لابد أن يرى الشعب حكم الدجالين باسم الدين حتى يعلم في النهاية جوهر حكمة "الدين لله والوطن للجميع" بصورة عملية. نأمل من الله أن يشفينا من الحصبة في أسرع وقت وبأقل خسائر.

 

ائتلاف بلا خراف: صفعة جامعية على وجه المرشدير

وتأكيداً لهذا الحوار، نشاهد كل يوم كيف يثور أهل المحافظات المختلفة على حكم المرشدير. والمرشدير هو خليط بين مرشد ومشير، فهو مرشد لجماعة سرية إجرامية، لديها ميليشيات عسكرية، وبالتالي فهو بمثابة المشير والقائد العام لهذه الميليشيات، وهدفه المعلن أن يأخذ البلاد للوراء – مرشدير للخلف – حتى تتحكم الجماعة في ثرواتها ومقدراتها باسم الدين. وبعد الصفعة النسائية على وجه الجماعة، والصفعة القاهرية التي أوضحت أن "مصر" - وهذا هو اسم القاهرة لدى عموم أهل المحروسة - ترفض الجماعة ورفضت دستورها الأخرق بنسبة 57% رغم التزوير والتحايل، جاءت الصفعة الطلابية الجامعية على وجه المرشدير مدوية، فقد حقق الشباب البسيط من المستقلين والمعارضين، دون تمويل أو تنظيم سري ولا سحر ولا شعوذة، انتصاراً ساحقاً في معظم الكليات والجامعات على شباب الجماعة، واستخدم بعضهم شعارات طريفة، تندروا بها على انصياع شباب الجماعة وانسياقهم الأعمى وراء ضلالات قياداتهم، وكان أحد هذه الشعارات: "ائتلاف بلا خراف"!

 

أفضل استخدام لأصنام العجوة

وكما نطالب شباب الجماعة بالتحرر من ضلالات وهلاوس المرشدير والشاطر اللي بيغزل برجل حمار متجاهلاً النول والآليات الحديثة، نلاحظ أيضاً أن بعض الشباب من التيارات الأخرى قد صنع أصناما من العجوة لقيادات محترمة ولكنهم في النهاية بشر، يخطئ ويصيب. وتستطيع أن تشم رائحة العجوة عندما يبادرك أحد عشاقها بسؤال من نوع: "لكن هل لاحظت أن الزعيم الفلاني كل كلامه بيطلع صح في الآخر؟"، أو "مش واخد بالك إن فلان ده هو اللي بدأ مسيرة التغيير من سنة ونص وخمسة؟"، وغيرها من أساطير كاذبة وهلاوس وترهات لابد من التعامل معها بالأسلوب السليم. الوصفة: ضع ملعقة زبدة كبيرة في الطاسة، وأضف إليها "بيضتين مطقوشتين"، ضع صنم العجوة في الطاسة بعد تقطيعه مكعبات متوسطة الحجم في الطاسة، رش قرفة، مع التقليب المستمر حتى النضج وبالهنا والشفا.

 

المجـد لقاهـري الأتيكيفوبيا:

الإتيكيفوبيا Atychiphobia هي رهاب الفشل، وهي خوف مرضي (من المرض والعيا ربنا يكفيكم الشر) من الفشل، وهوس بتجنب الهزيمة، يجعل الشخص المريض يتجنب العمل والنشاط الطبيعي خوفاً من الفشل، فالمريض يبدأ بالتفكير في آلام الفشل قبل أن يفكر في أي منافع قد تنتج من المحاولة، ويبدأ يشعر بهذه الآلام وتتمثل له صورته بعد أن فشل، ونظرات الناس له، وتهكمهم عليه، وصورته التي ستتشوه، وتاريخه الذي سينتهي نهاية فاشلة، وتتضخم هذه المخاوف في قلبه، فتصيبه بشلل معنوي وعجز عن الانخراط في الأنشطة الطبيعية مثل الآخرين. وهؤلاء تجدهم في حياتك كل يوم، تراهم انسحابيين وسلبيين ومتجنبين لأي عمل يستشعرون فيه مخاطرة الفشل أو الهزيمة. ومن المفارقات أن ما يفعلونه هو نبوءة تسعى لتحقيق نفسها، فهم بالفعل ينهزمون ويعانون من هذه الآلام بصورة دورية، فالشخص يمكن أيضاً أن ينهزم نتيجة أنه لا يريد أبداً أن ينهزم، فبينما هو يتجنب أي احتمال للهزيمة من خلال تجنب مخاطر دخول المعركة، ينهزم "بردو" بالانسحاب عادي جداً. وهنا تكون النصيحة ... لا تمشي وراء الأتيكيفوبيك ولا تخلي الأتيكيفوبيك يمشي وراك.

 

إنهاء حرب التخالف وتجنب عصر الاضمحلال:

حكم المحكمة الإدارية بوقف الانتخابات، يعطي للإخوان والقوى السياسية فرصة للخروج من وضع كارثي. فالإخوان هم أقلية صغيرة ومتطرفة وبعيدة عن التيار الوسطي المصري، ومهما كان حجم تمويلهم وأسلحتهم ومخازنهم السلعية، لن يستطيعوا أن يقهروا الشعب المصري، وما يفعلونه الآن نتيجته سيئة جداً ستعاني منها الجماعة نفسها إذا استمرت في طريق العناد، وستكون النهاية أسوأ من أي كابوس يتخيله المرشدير والشاطر، والحل الذي تعلمه أي أقلية ناجحة هو الائتلاف مع الآخرين والمشاركة في الحكم وليس الانفراد. وفي نفس الوقت، لابد أن تفكر المعارضة بصورة احترازية، فجماعة المافيا لا يهمها سقوط مصر شرطة وجيشاً وهيكلا إداريا للدولة بل لعلها تتمناه، حتى تستطيع هي أن تنشر ميليشياتها وتتحكم في مقدرات البلاد. ولهذا لابد من العمل بكل الوسائل للخروج من "حرب التخالف"، حيث لا يتفق الأطراف على ملعب مشترك للصراع السياسي بقواعد متفق عليها، فنجد كل طرف يشد في ناحية، واحد ماسك رجل، والتاني بيشد إيد، والتالت بيشد شعر الست المسكينة، وتتخلع أوصال البلاد نتيجة لحرب التخالف ونكون جميعا من الخاسرين. اللي بيحب أكتر بيخاف أكتر على اللي بيحبه، وعندما حكم القاضي بشق الطفل نصفين، ظهرت الأم الحقيقية ورفضت هذا الحكم "العادل"، وأصرت على تسليم ابنها للسيدة الأخرى، فعلم القاضي من هي الأم الحقيقية. لقد دخلت مصر في عصور الاضمحلال عدة مرات، بين الدولتين القديمة والوسطى، والوسطى والحديثة وهكذا. ويتميز عصر الاضمحلال بضعف الحكومة المركزية وإفلاسها، وتبدأ الأقاليم (المحافظات) في الإعلان عن استقلالها الذاتي، وتشح السلع في الأسواق، ومعها يتسع نطاق السلب والنهب، وتنهار سطوة القانون، ثم تنهار الدولة. هل يذكرك هذا بأي مشهد معاصر؟

دعاء ختامي:

ما علاقة كل هذا الكلام الفارغ ببعضه؟ كيف أدى استخدام رجل الحمار في الغزل إلى كل هذا؟

 

اللهم خلصنا من الأحمق الذي يصر على أن يغزل برجل حمار، واشف المريض برهاب الهزيمة، واجعله يتعلم من تجربة الطلبة وحفلات الحصبة. اللهم اطعم مريديه العجوة بالبيض، وجنبهم المشي وراءه إن هو أصر على الأتيكيفوبيا، حتى نتجنب أن تدخل مصر في عصر الاضمحلال، في وردية حراستنا القصيرة لأرض الأم. آمين. قادر وكريم.

 

 

No comments:

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook