Saturday, February 25, 2023

 

إخوان علي بابا – بداية ونهاية

 

وائل نوارة

 

من حوالي شهر، تحت عنوان "علي بابا والأربعين حرامي – مشهد ما بعد النهاية"، نشرت على صفحات التحرير، الجزء الأول من إحدى حكايات الراوي، ولكن من ألسنة متواترة وأعين مغايرة، متتبعاً مشهد ما بعد النهاية التقليدية. فبعد أن قامت ثورة الشباب ووصلوا لمغارة الأربعين حرامي، تمتم علي بابا بأن دخول المغارة يحتاج لشفرة خاصة، أشبه بالفوازير، لكن لكل فزورة حل، والسمسم هو الحل - في هذه الحالة. الله أكبر ولله الحمد، افتح يا سمسم، وتنفتح المغارة ويدخل علي بابا الكهف محمولاً على الأعناق وسط تهليل إخوانه، ويزعق الإخوان المندسون وسط جموع الشباب بأن علي بابا وهو ولي من أولياء الله وشيخ طريقة له الطاعة على أتباعه، وهو الأحق بولاية البلد بعد ما خلصهم بربانيته من شرور عصابة الأربعين حرامي، ولكن علي بابا يظهر الزهد والورع، ويترفع عن المنصب، ويرشح لهم كبديل "عتريس" أحد أتباعه المتفقهين الذي اصطفاه ورباه منذ الصغر، وأنه كشيخه يحله من عهد الطاعة له، ويقبل الشباب بعتريس بعد أن درات أكواب شراب الليمون عليهم في احتفال عظيم، ويذهل عتريس وتغرورق عيناه بدموع العرفان، ويجلس على مقعد الوالي في تواضع ويفتح صدره للشباب، ويعدهم بإصلاح الأحوال، وأنه لن ينفرد برأي أو قرار، بل سيضعون معاً كتاباً يكون بمثابة دستور للحكم وللبلد، يحدد الحقوق والواجبات، والوزارة والقضاء، وتدابير بيت المال والمحتسبة الرقباء. وبعد الاحتفال صرف أعوان علي بابا الشباب بلطف، ووعدوهم بأن الأمور سوف تنصلح في خلال 100 يوم، وليس عليهم سوى الانتظار والصبر الجميل.

 

وما أن أغلقت عليه أبواب المغارة، حتى حفر علي بابا أرضها بسرعة واستخرج صناديق الذهب والمجوهرات المدفونة، حيث أخذ إخوانه يشاركون كل تاجر أو صانع أو قهوجي، تماماً كما كان الوضع من قبل، وبدأوا في إنشاء سلاسل لدكاكين البقالة والثياب ومستلزمات الحرائر والجواري، وجلابيب وسراويل الرجال والخصيان، ثم بدأ يضع أعوانه في كل مناصب البلد، ويمسك بمفاتيح أسوارها، وعين أحد أتباعه كبيراً للرواة حتى يسيطر على الحكايات، وأمر أن تُطفأ أنوار المدينة بعد العشاء، ونشر المخابيل والمتطرفين يهاجمون الشباب وكل صاحب رأي أو نقد بالعصي والسيوف والنبال والبلي، بحجة أنهم يسيئون الأدب في حق ولاة الأمر أو يخرجون عن تقاليد السلف الصالح. واطمأن علي بابا وطمأن عتريس وإخوانهما، بأن البلد قد دانت لهم، متناسياً ما حدث للوالي المخلوع حينما سقط وسط أعوانه وجنوده.

 

وبدأ عتريس في ممارسة عمله كوال للبلد، ويهمس له الناصحون أن يقدر حجم المسئولية الجديدة، وأن يشكر الله بأن يتقيه فيها، وأن يوجه اهتمامه لمصالح أهل البلد، ويسهر على خدمتهم، وينشئ ديوانا للمظالم، يستمع فيه لكل صاحب شكوى أو مظلمة، ويهتم بأمر الشباب الذين مكنوه من كرسيه، ويسمع للحكماء والعلماء ويأخذهم كمستشارين، يسألهم في كل كبيرة وصغيرة، حتى لا يثور الشباب مرة أخرى إن وجدوه مثلاً يحابي إخوانه ويضعهم في أماكن ليسوا أهلاً لها. والحق أن عتريس أعجب لوهلة بالفكرة، وفي ليلة صفاء، أكثر من الدعاء، ونام بعد أن صلى العشاء، طالباً البشارة. وجاءته في المنام رؤيا عظيمة، حيث تمثل له في المنام يوسف الصديق عليه السلام، وذكره بصور من حياته كلها، منذ نشأته البسيطة، وأهله الطيبين في محلة صغيرة خارج أسوار المدينة، إلى اليوم الذي عطف فيه علي بابا عليه وهو بعد صبي طري العظام، فاتخذه عتريس أباً ومرشداً روحياً له، وكان علي بابا له تفاهمات وصفقات مع الوالي المخلوع لا يعلم بأمرها إلا المقربون، فتوسط له حتى ابتُعث ليأخذ العلم عن الخوارزمي في بيت الحكمة ببغداد، وبعد ذلك كيف عاد، وأصبح صاحب عمود، ثم كيف طالته وشايا الكياد، حتى ألقي به في غياهب السجن، ثم كيف أفرج عنه في فورة حماس الشباب، ليصبح واليا على البلاد. وأخبره الصديق أن الله قد من عليه بهذه النعم كابتلاء واختبار، فهل يقدر النعمة، ويرعى البلاد والعباد، أم يخضع لمطالب علي بابا وجماعته وجشعهم الذي لا سقف له ولا يشبعون، بعد ما علم من قبائحهم ودخائلهم وصُدم فيهم حين شب عن الطوق وبدأ يعرف حقيقتهم الإجرامية؟

 

استيقظ عتريس من النوم سعيداً راضي القلب، فقد أنعم الله عليه برؤيا ظهر فيها الحق ناصعاً أبلج، والباطل مظلماً لجلج. فكر عتريس في حل يجعله يتبع ما رأى، دون أن يغامر بإغضاب علي بابا وجماعته، بما يعنيه ذلك من مخاطر، أبسطها أن يؤلبوا عليه الناس إن هم رأوا منه تقاعساً عن تحقيق مطامعهم. وهداه تفكيره لأن يبدأ بتوازنات بين مصالح علي بابا وعصابته ليتقي شرهم، وبين مصالح باقي أهل البلد، ووضع بالفعل الحكماء والعلماء في معيته، كمستشارين له، وقلل من لقاءاته بعلي بابا وإخوانه، متعللاً بأن ذلك كفيل بذر الرماد في العيون، حتى لا يتنبه أهل البلد فيثورون، عليهم جميعاً.

 

وطالبه الشباب بأن يفي بوعده في كتاب يسجل الحقوق لكل ذي حق، فجلس معهم واستمع لهم وطلب منهم ومن مستشاريه أن يقترحوا عليه ما يرون. اقترح الشباب أن يشكل عتريس مجلساً يمثَل فيها أهل البلد وطوائفها وصناعها وروابطها وكل محلة قريبة أو بعيدة، ليسطر هؤلاء هذا الكتاب، فأعجبته الفكرة ووعدهم بالقيام على تنفيذها. واجتهد ومستشاروه في اختيار أعضاء المجلس المنشود، ولكن يوم اجتماع المجلس فوجئ عتريس والشباب بتبديل الأسماء، وبأن كل أعضاء المجلس من إخوان علي بابا، باستثناءات شكلية غير مؤثرة، لدرجة أن سأل سائل، ولكن أين تمثيل الشيعة في مجلس البلد؟ فقام أحد الموالين لعلي بابا وهو سني المذهب وقال: أنا أمثل الشيعة في المجلس! وفوجئ الشباب بأن رئيس المجلس لديه نص أعده علي بابا سلفاً، قام الرئيس بتمريره على أعضاء المجلس بعد منتصف الليل وأهل البلد نيام، حتى لا يشعر أحد بالجريمة، وهو نص يضع كل الصلاحيات في أيدي علي بابا، حيث عهد إليه بتفسير الأحكام الشرعية، هو ولجنة يختارها، مع تهميش دور قاضي القضاة والمحتسبة، ليصبحوا ألعوبة بين أصابع علي بابا، الذي أصبح له سلطة تعيينهم وصرفهم، مع تشكيل عدة مجالس صورية يسيطر علي بابا عليها جميعا من خلال أعوانه. وجد الشباب علي بابا وقد أصبح الحاكم الفعلي للبلد، وأن كلمته أضحت دستوراً وسيفاً فوق الرقاب، فغضبوا وذكروا عتريس باتفاقهم الذي لم تمض عليه شهور، فحاول عتريس ملاطفتهم بكلام مؤثر عن الأخلاق والدين والحب، الذي يجعل المجتمع كله يحتضن بعضه البعض دون قانون مكتوب، ولكن الشباب رفضوا حديثه وأمهلوه للغد كإنذار أخير.

 

تخفى عتريس في ملابس سوداء، ووضع لثاماً على وجهه، وخرج من الباب الخلفي للقصر مع أخلص حراسه متوجهاً لمغارة علي بابا في جبل المقطم. استقبله علي بابا بترحاب وهدوء، ووضع أمامه صحن فاكهة ضخم، واستحلفه أن يأكل قبل أي كلام، فهو قلق على صحته، وربت على خده كأب محب، وبعد أن أكل سأله عما يشغله. أجابه عتريس بمخاوفه وتهديدات الشباب بمحاصرة قصره إن هو أخلف وعده وحنث بقسمه معهم، فتظاهر علي بابا بالاهتمام وجاراه في الحديث، سائلاً عتريس ما الذي ينصح بعمله في هذا المأزق الصعب. أجاب عتريس بما رآه، ويتلخص في أن يبدأوا جميعاً بداية جديدة، بعد أن أغدق الله عليهم من عطاياه ونعمائه، ويتخذوا الشرف والأمانة والعدل طريقا لهم، وينبذوا أساليب الماضي بما فيها من تعاملات سرية مشبوهة وخطايا وآثام سترها الله بفضله. ضحك علي بابا وقرص أذنه بحب قائلاً، لا عجب أنني اخترتك لهذا المنصب بدلاً من أبي لهب "الكشر"، إنك فعلاً لمخلص وهذا ما جعل الشباب يصدقونك، لكن كيف يا ولدي ننبذ الماضي، أليس هذا الماضي الذي تراه الآن مشيناً لجلج، هو ما صنع منك رجلاً وعالماً ثم والياً على البلاد، ألم تعلم أن تجارتنا وأساليبنا السرية التي تخجلك الآن، هي التي أوصلتك لما أنت فيه، وأن جماعتنا المسلحة والمتطرفين المخابيل الذين اليوم تتحرج من أفعالهم، هم من يحمون كرسيك ويصدون معارضيك، فإن كنت ترغب صادقاً في التوبة، فاخلع عنك ثياب الأبهة واترك القصر والسلطة، وتعالى نبدأ معاً من جديد. ما رأيك؟

 

صمت عتريس يفكر. وما زال يفكر ويفكر. لكن ما رأيك أنت؟ وبماذا تشير على عتريس أن يفعل؟

 

من أرشيف 2012

7 ديسمبر 2012

نشرت في التحرير ثم ضاع السيرفر!

رؤية مصرية



No comments:

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook