Wednesday, May 09, 2012

Freedom of Competition #2004Archives


المنافسة ومنع الاحتكار

رؤية شاملة


نشرت في كتاب بعنوان منع الاحتكار في عام 2004
تأتي جذور فكرة المنافسة من الطبيعة، كسلوك إنساني ومجتمعي، فنجد مبدأ "البقاء للأصلح" يفترض ضمناً وجود العديد من الأنواع، تتنافس فيما بينها بهدف البقاء والنمو لأفضلها، من خلال قدرتها على التكيف مع تحديات البيئة المحيطة، ومهارتها في استغلال الفرص والتغلب على المخاطر التي تنتج عن التغير في تلك البيئة.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن وجود العديد من البدائل أمام المستهلك تتيح له حرية الاختيار، فيقوم بانتقاء أفضل تلك البدائل التي تفي باحتياجاته ورغباته وتكون في حدود إمكاناته. وبالنسبة للمنظمات فإن التنافس قد يأتي على العديد من المحاور مثل:
1.     التنافس على نصيب من شريحة أو شرائح معينة من السوق.
2.     التنافس على تطوير أفضل المنتجات.
3.     التنافس على اقتناء أفضل أساليب الإنتاج لتحسين الكفاءة أو زيادة السعة الإنتاجية أو الوصول لأقل تكلفة إنتاجية.
4.     التنافس على رؤوس الأموال الاستثمارية لتوسيع القاعدة الإنتاجية أو التسويقية.
5.     التنافس على شراء الخامات ووسائل وآلات وتقنيات الإنتاج.
6.     التنافس على جذب وضم وتطوير أفضل العناصر في سوق العمل في كافة الوظائف الإنتاجية أو الهندسية أو الإدارية ..... الخ.
7.     التنافس على دخول أسواق جغرافية جديدة أو اقتحام أسواق وشرائح جديدة من الأسواق الموجود.
وإذا تطرقنا الى أشكال الممارسات الاحتكارية، فسوف نجد أساليب وصوراً متنوعة، قد يصعب معها في بعض الحالات على المستهلك - بل وعلى الأجهزة المختصة أحياناً - أن تصنفها بدقة، لتحديد ما إذا كانت تلك الممارسات تقع ضمن نطاق الممارسات الاحتكارية أم لا.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، لا تجرم قوانين ضمان حرية المنافسة تمتع شركة ما بوضع احتكاري، ولكنها تجرم الوسائل التي قد تستخدمها شركة ما أو مجموعة من الشركات للوصول لاستبعاد المنافسين من السوق أو شل قدرتهم على المنافسة. وإحدى وسائل خلق وضع احتكاري هو البيع بأسعار تقل عن التكلفة "ضرب الأسعار". ورغم أن سياسات ضمان المنافسة تهدف في النهاية لخفض الأسعار في ظل المنافسة الحرة، فإن تعمد بعض الشركات خفض الأسعار بصورة مؤقتة، قد يهدف في جوهره لقتل صغار المنافسين، الذين لا يستطيعون الصمود والاستمرار في المنافسة عند مثل تلك الأسعار المتدنية، فيخرجون من السوق، فتستفيد الشركة أو الشركات الكبيرة من ذلك وتقوم برفع الأسعار، وحصد المكاسب الاحتكارية فيما بعد. وعليه، فإن اتجاه بعض الشركات لخفض الأسعار كنتيجة لتمتع تلك الشركة باقتصاديات الحجم أو الكفاءة الإنتاجية، أو استخدام تقنيات إنتاجية حديثة، لا يعد في حد ذاته دليلاً على نية احتكارية، وتقوم هيئات ضمان حرية المنافسة بتجريم عملية "ضرب الأسعار" فقط عندما تؤدي في النهاية لرفع الأسعار والتمتع بمكاسب احتكارية.
وتتواجد حالات "ضرب الأسعار" في معظم الدول التى تطبق آليات السوق الحر، وقد يكون الدافع وراء الشكوى من ضرب الأسعار هو تضرر بعض المنتجين، الذين يجدون أن الأسعار المنخفضة لمنافسيهم تهدد ربحيتهم. ومن ناحية أخرى، ونظراً لأن المستهلكين يستفيدون من انخفاض الأسعار، فهم عادة لا يثيرون أي إدعاء بضرب الأسعار، وقد يعطي ذلك انطباعاً بقصر نظر المستهلكين، الذين لا يرون في طرد المنافسين الضعفاء خارج السوق أي تهديد لمصالحهم على المدى الطويل، ولكنهم سرعان ما يبدءون في الشكوى عندما تقوم الشركات المحتكرة برفع الأسعار بعد خروج عدد كبير من المنافسين من السوق.
وهناك أساليب أخرى قد تلجأ إليها الشركات المحتكرة، مثل العمل على رفع التكلفة بالنسبة للمنافسين، أو التضامن بين مجموعة من المنافسين لتثبيت الأسعار لتحقيق نفس الأهداف الاحتكارية.
وهناك شكل آخر من أشكال الممارسات الاحتكارية يتمثل فى الاندماجات والاستحواذ، فبداية تتميز أسواق الدول النامية بصغر الكيانات الاقتصادية في القطاع الخاص. وفي أطوار التحول نحو اقتصاد ناضج، عادة ما تحدث موجات من الاندماجات بين بعض الشركات المنافسة، أو عمليات الاستحواذ حيث تقوم إحدى الشركات بشراء أسهم شركة أو شركات أخرى منافسة لها. وقد يكون من الضروري حدوث مثل هذه التغيرات الهيكلية في أسواق الدول النامية، حتى تتم غربلة السوق وقيام كيانات أكبر، ذات قدرة إنتاجية وتسويقية أضخم، بما يسمح بالوصول لاقتصاديات الحجم، وزيادة الكفاءة الإنتاجية والتسويقية والإدارية، مما يدعم قدرة الشركات الوطنية على مواجهة الشركات العملاقة ومتعددة الجنسيات، ولكن يجب ألا يأتي هذا على حساب المستهلك، فإن كان حقاً الغرض من مثل تلك الاندماجات تعظيم الكفاءة، فلابد أن ينعكس هذا على انخفاض التكلفة، ويجب أن يلمس المستهلك ذلك في انخفاض الأسعار، أما أن تؤدي الاندماجات لخلق وضع احتكاري للكيان الجديد، الذي يبرهن على نواياه الاحتكارية برفع الأسعار، أو التحكم في سريان السلع أو الخدمات، أو وأد الابتكار ومنع منافسين جدد من الظهور، فعندئذ تقوم الأجهزة المختصة بمنع الاحتكار بالتصدي لهذه الأساليب. وهذا يوضح مدى صعوبة تحليل وتفسير تصرفات الشركات في السوق، ولابد من وجود أجهزة وخبراء متخصصين وعلى مستو عال من الحرفية والقدرة على تحليل السلوكيات التنافسية المجردة واستجلاء خفاياها المبهمة.
وفي أغلب الحالات، وكقاعدة عامة، فإن الاندماج الاحتكاري له خاصيتان:
1-    عادة ما يؤدي إلى تركز السوق بصورة كبيرة
2-    يجعل من الصعب على شركات جديدة دخول السوق في المدى القصير والمتوسط
ففي ظل قدرة شركات جديدة على دخول السوق، لن يستطيع المحتكر الاحتفاظ بمستويات الأسعار المرتفعة بصورة مصطنعة ومبالغ فيها، لأن الوافدين الجدد سيقومون بالبيع بأسعار أقل من الأسعار التي تفرضها الشركة الاحتكارية ليحصلوا على نصيب متنام من السوق. ولا تقتصر الاندماجات الاحتكارية على اندماجات تحدث بين المتنافسين (اندماجات أفقية)، بل قد تنشأ بين أحد المتنافسين وبين مورد أو موزع (اندماجات رأسية)، وقد تنشأ أيضاً بين أحد المتنافسين وبين شركة أخرى على وشك الدخول في السوق كمنافس، أو يُخشى من دخولها السوق كمنافس.



تأخذ الممارسات الاحتكارية صوراً وأشكالاً عديدة قد تصل إلى درجة إبرام اتفاقيات بين المتنافسين بصورة معلنة أو سرية، أو وجود اتفاقيات ضمنية. وهناك الاتفاقيات الأفقية بين مجموعة من المتنافسين بغرض قصر المنافسة فيما بينهم فقط، ومن أخطرها الاتفاقيات التي تتعلق بتثبيت أو خفض أو رفع السعر، وذلك لأن السعر هو العنصر التنافسي الرئيسي في أي سوق. ومن ناحية أخرى، فقد يتفق مجموعة من المنتجين على تخفيض الإنتاج مما يؤدي إلى خلق حالة مصطنعة من نقص المعروض من السلعة في السوق وذلك بغرض رفع سعرها. وقد تلجأ مجموعة من الشركات إلى عملية مقاطعة منافس بعينه، بغرض إرغامه على الشراء بأسعار مرتفعة، أو إجباره على الالتزام بالبيع بسعر احتكاري ومنعه من المنافسة، أو منعه من دخول السوق أو البيع لشرائح معينة، وغيرها من الممارسات الاحتكارية.



وقد يتفق عدد من المتنافسين فيما بينهم على تقسيم السوق إلى أقاليم معينة وفقاً للمبيعات أو وفقاً لأماكن تواجد المستهلكين، وغالباً ما تتضمن هذه الاتفاقيات عدم تعدي أحدهم على الإقليم المخصص لمنافس آخر، مثلما حدث بين شركات الكابلات التليفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد يمثل "ميثاق الشرف" أو القواعد التي يتعين على أعضاء مهنة واحدة إتباعها أو تلك التي تحكم مجال صناعي معين أو حرفة محددة خرقاً لقوانين حماية المنافسة ومنع الاحتكار، فعلى سبيل المثال ومنذ عدة سنوات أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية فى الولايات المتحدة أن عددا من القواعد التي تضمنها "ميثاق الشرف" والذي ينظم العمل داخل الاتحاد الطبي الأمريكي تخرق قوانين حماية المنافسة ومنع الاحتكار، حيث كانت تمنع الأطباء من العمل ضمن نظم علاجية بديلة لتقديم الرعاية الصحية، ولقد ترتب على ذلك إلغاء هذه القواعد مما أدى إلى فتح الباب واسعاً أمام المنافسة في مجال تقديم خدمات الرعاية الطبية.
كما يدخل التمييز السعري في أحيان كثيرة ضمن الممارسات الاحتكارية. وهنا يقوم أحد المنتجين بتمييز أحد المشترين وتفضيله على منافسيه من خلال البيع له بأسعار تقل عن المنافسين دون مبرر موضوعي. وفي نفس الوقت، فقد يعد هذا التصرف مقبولاً إذا كانت تكاليف البيع أو النقل لذلك المشتري أقل من غيره، أو إذا اضطر البائع لخفض السعر بهدف إتمام الصفقة ومضاهاة أسعار منافسيه. واذا أخذنا مثالا للقانون الأمريكى، فإن هناك عدد من الممارسات الأخرى التي يجرمها القانون، مثل الاتفاقيات التي تبرم بين المنتج والموزعين بهدف فرض سعر موحد لبيع منتجات الأول في السوق، أو بيع أحد المنتجات بشرط أن يقوم المشتري بشراء منتج آخر، وغيرها من الممارسات. وما حاولنا أن نوضحه هنا، هو أنه على الرغم من وجود حالات واضحة للممارسات الاحتكارية، فإنه كثيراً ما تتشابه الممارسات الاحتكارية مع ممارسات تجارية تنافسية، مما قد يتسبب في التباس الأمر على السلطات أو الأجهزة المعنية بحماية المنافسة، ما لم تتحل بقدر كبير من الخبرة والحنكة والدراية.
وفي بعض الأحيان، قد تقوم إحدى الحكومات بضمان أو تشجيع الوصول إلى أوضاع احتكارية لشركات بعينها سواء كانت تلك الشركات مملوكة للدولة كلياً أو جزئياً، أو مملوكة للقطاع الخاص ولكنها تحظى برعاية حكومية نتيجة لأسباب متعددة، سواءً بهدف الحفاظ على القوة العاملة أو لاستبدال الواردات لتخفيف الضغط على الميزان التجاري وتدعيم موقف العملة الوطنية. وقد أثبتت التجارب العديدة أن الشركات المحتكرة عادة ما تعاني من سوء الإدارة وانخفاض جودة السلع والخدمات التي تقدمها، وضعف الكفاءة الإنتاجية وتقليص الحافز على الابتكار والإبداع والتطوير، وضعف عام في كل الوظائف المؤسسية التي ذكرناها، ويأتي هذا على حساب المستهلك الذي يضطر لشراء منتجاتها الرديئة بأسعار مرتفعة نتيجة للحماية الجمركية أو غيرها من الأساليب التي تتبناها الدولة بغرض حماية الصناعة الوطنية ولكنها في النهاية تؤدي إلى تكريس هذه الأوضاع الاحتكارية.
وتدريجياً تضعف قدرة الشركة المحتكرة على التكيف مع متغيرات السوق ورغبات المستهلكين والتطورات التقنية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية فضلاً عن تحديات المنافسة العالمية، وتصبح كمريض يحتمي بالحضانات الاصطناعية داخل ويعتمد في معيشته على العون الخارجي، فتضعف مناعته تدريجياً ويزداد اعتماده على الأجهزة التعويضية وضخ الدماء إليه بصورة مستمرة، وتصبح حياته رهناً لاستمرار تلك الرعاية الاصطناعية بحيث يصبح خروجه إلى العالم الحقيقي أمراً يهدد حياته.
وفي ظل اقتصاد العولمة، نجد أن كل دولة تتنافس مع الدول الأخرى التي تتشابه معها في الظروف الطبيعية والإقليمية والاقتصادية على اجتذاب رؤوس الأموال والتقنيات الحديثة بحيث تحظى الدولة التي تفوز في هذا السباق بوضع تفضيلي، يجعل الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات تختارها كمركز إقليمي أو عالمي للإنتاج والتسويق، ويؤدي هذا إلى توفير فرص عمل في تلك الدولة، وتنشيط عملية نقل التكنولوجيا الحديثة إليها، ورفع المستوى المعيشي فيها وصولاً لمعدلات نمو اقتصادي متميزة.
ومن المهم أن نحلل عوامل نجاح دول بعينها استطاعت عن طريق اتباع سياسات محفزة للاستثمار أن تصل إلى معدلات تنمية مرتفعة نتيجة لتدافع المستثمرين والشركات متعددة الجنسية على الاستقرار بها واختيارها كمركز إقليمي أو عالمي، ومن ضمن تلك العوامل:
§          وضوح واستقرار السياسات الاقتصادية والمالية لتلك الدول سواء بالنسبة لسهولة خروج ودخول السلع والمواد الخام ورؤوس الأموال.
§          تيسير اجراءات التراخيص وتقليل الخطوات البيروقراطية في كل الشئون المتصلة بالنشاط الاقتصادي.
§          بيئة تشريعية وقضائية تتميز بالوضوح والاتساق في القوانين، والشفافية والحزم في التطبيق، وسرعة الفصل في القضايا والمنازعات.
§          انخفاض معدلات الفساد الحكومي.
§          جودة التعليم ووجود العمالة الفنية المدربة والكوادر الإدارية والتسويقية الماهرة.
§          وجود بنية تحتية ومعلوماتية متطورة.
§          وجود نظم بنكية ومؤسسات مالية وائتمانية وبورصات تتمتع بالشفافية والنضج.
§          الاستقرار السياسي ووجود رؤية اصلاحية متفق عليها بين الحاكم والمحكوم.
§          حرية المنافسة في تلك الدول مما يتيح للاستثمارات الجديدة أن تفوز بنصيب عادل من السوق بعيداً عن احتكار شركات مملوكة للدولة أو لبعض الطبقات التي ترتبط مصالحها بأفراد الطبقة الحاكمة.
§          وجود سوق وطلب محلي متنام.
وأحياناً ما ترى الشركات المحلية أن سياسات ضمان حرية المنافسة ومنع الاحتكار، إنما تهدف في الأساس إلى خفض أرباحها والحد من قدرتها على الوصول إلى اقتصاديات الحجم أو تحقيق عائد مناسب على الاستثمار، ولكن في واقع الأمر فإن حرية المنافسة هي أفضل ضمان للشركات المحلية – والأجنبية - في الحصول على نصيب عادل من السوق وتحسين منتجاتها وتنافسيتها السعرية حتى تستطيع الصمود أمام الشركات العالمية في ظل الاتجاه العالمي لتحرير التجارة، مما يمكنها أيضاً من الخروج للأسواق العالمية واستهدافها، اعتماداً على تطوير قدرتها التنافسية من خلال العمل في ظل المنافسة الحرة في أسواقها الوطنية. فالمنافسة الحرة ترغم الشركات على تحسين انتاجيتها وتطوير منتجاتها، بل والعمل على تطوير كل الوظائف المؤسسية سواء في مجال الموارد البشرية أو الإدارة المالية أو شبكات التوزيع أو العمليات التصنيعية أو البحوث والتطوير أو المشتريات وتطوير العلاقات مع الموردين أو الأعمال اللوجستية.
ونتيجة لتعقد عمليات التصنيع وانفتاح الأسواق على بعضها البعض وتشابك العمليات الإنتاجية وزيادة الاعتماد على التخصص في انتاج الأجزاء والمكونات وتطوير التقنيات، لم يعد من المجدي أن تحاول أية دولة أن تصل للاكتفاء الذاتي، فتضطر الدول التي تتبع مثل هذه الإجراءات الحمائية إلى استيراد العديد من السلع والخدمات من الخارج لاستحالة تطويرها محلياً في ظل الأسواق الاحتكارية وفي ظل السياسات الحمائية وشعارات الإكتفاء الذاتي واستبدال الواردات من خلال التصنيع المحلي. 
وهنا تقع تلك الدول في الشرك الذي غزلته لنفسها، فمن جهة تضطر لاستيراد المواد الخام والأجزاء التي تعتمد عليها الصناعات التجميعية، علاوة على الكثير من السلع التي لا يمكن تصنيعها محلياً، وفي نفس الوقت لا تستطيع تلك الدول تصدير أي منتجات للخارج سوى المواد الخام والثروات الطبيعية وبعض الحاصلات الزراعية وغيرها من الصادرات ذات القيمة المضافة المنخفضة.
وتدريجياً تنخفض قيمة العملات الوطنية نتيجة لازدياد الهوة بين الواردات والصادرات للأسباب التي شرحناها، فيزداد المستهلكون فقراً وترتفع أسعار المنتجات المحلية كنتيجة لحتمية وجود مكون أجنبي بها، فينخفض الطلب المحلي عليها وتضطر الشركات المصنعة إلى إغلاق أبوابها أو تسريح جزء من العاملين، فتنخفض القدرة الشرائية مرة أخرى إلى أن ينهار الاقتصاد بعد دورات حلزونية متتالية من الانكماش.
ومع العولمة واتفاقيات تحرير التجارة العالمية، تضطر تلك الدول لأن تلتزم باتفاقيات التجارة الحرة في محاولة للخروج من حالة الانكماش والانهيار الاقتصادي، فتبدأ في فتح أسواقها لدخول الشركات العالمية بمنتجاتها الرخيصة عالية الجودة، مقارنة بالمنتجات المحلية الرديئة ذات السعر المرتفع، فتجد الشركات المحلية نفسها أمام منافسة لا قبل لها بمواجهتها، نظراً لأنها اعتمدت لعقود طويلة على الأوضاع الاحتكارية والحماية الجمركية كشرط لبقائها، حتى فقدت القدرة على المنافسة العالمية وضعفت مناعتها التنافسية في ظل اقتصاد العولمة.
وهنا ندرك أن ضمان حرية المنافسة هو الكفيل الوحيد لأي شركة ترغب في البقاء على المدى الطويل، ونفس الشئ بالنسبة لاقتصاد الدول فإن ضمان حرية المنافسة يأتي ليطور من قدرة اقتصاد الدولة على المنافسة العالمية، ويزيد من معدل جذب الاستثمارات الأجنبية ويفتح الباب أمام خروج شركات جديدة وابتكارات غير تقليدية، تثري الاقتصاد الوطني مما يؤدي إلى حيويته ونموه، واحتوائه على صفوف ثانية وثالثة من المتنافسين يعمل كل منهم باقتصاديات حجم مختلفة، حتى إذا عجزت شركة عن التكيف مع متغيرات السوق نهضت شركة منافسة لتحل محل الشركة الضعيفة في السوق.
وهذا أيضاً يضمن أن يحصل المستهلك على السلع التي تلبي احتياجاته الحقيقية بأفضل الأسعار، فالمنافسة الحرة تتيح للمستهلك الاختيار بين العديد من البدائل التي تناسبه عكس الاحتكار الذي يفرض على المستهلك شراء ما هو موجود في ظل ما يعرف بسوق البائع، ومن الناحية الاقتصادية فإن حرية المنافسة تضمن تحقيق أقصى كفاءة لاستخدام موارد المجتمع، فقد تعاني بعض القطاعات التي لا تتمتع بمزايا نسبية أو تنافسية من الضعف المتنامي فتندثر، بينما تزدهر القطاعات التي تتمتع بمزايا نسبية أو تنافسية، مما يؤدي لحيوية الاقتصاد الوطني، عندما يركز المجتمع موارده في تجويد ما يحسن إنتاجه أو تصنيعه من سلع أو تقديمه من خدمات.
وقد بينا إحدى الحالات التي ينشأ من خلالها الاحتكار في ظل ملكية الدولة لشركات تنفرد بتقديم بعض السلع أو الخدمات، مثل خدمة الاتصالات أو النقل أو السكك الحديدية أو الكهرباء وغيرها من المجالات التي كانت تُعد احتكارات طبيعية، نظراً لضخامة الاستثمارات المطلوبة في إنشاء البنية التحتية والشبكات اللازمة لتقديم الخدمة أو توزيعها. وهناك حالات أخرى كثيرة قد ينشأ عنها وصول بعض الشركات لوضع احتكاري من خلال إغراق الأسواق بسلع ينخفض سعرها عن سعر التكلفة بهدف دفع المنافسين للخروج من السوق، ثم إعادة الأسعار لمستوياتها العادية، أو من خلال الدمج والاستحواذ على شركات المنافسين، أو الاتفاق بين مجموعة من المتنافسين على تثبيت أو رفع الأسعار من خلال اتفاقات الكارتل.
ومثل تلك الأوضاع الاحتكارية لا تضر فقط بالمستهلكين وتحجب عنهم حق الاختيار، ولكنها تضر أيضاً بالصناعات المغذية، وعلى سبيل المثال فإذا افترضنا أن إحدى الشركات قامت باحتكار سوق زيت الزيتون، عندئذ يمكنها أن تفرض على الموردين الذين يعيشون على زراعة أو تسويق ذلك المحصول أسعاراً متدنية عند الشراء، بوصفها المحتكر الوحيد لشراء ذلك المحصول.
ومما لا شك فيه أن الاحتكار يقتل الابتكار والقدرة على تطوير منتجات جديدة، فالشركة ذات الوضع الاحتكاري تمنع الشركات الناشئة من الظهور، وقد تقوم أحياناً بمنع ظهور منتجات جديدة حتى تستطيع تصريف ما لديها من مخزون، أو حتى تقوم بحلب استثماراتها في خطوط الانتاج الموجودة، دون أن تكلف نفسها عناء تطوير منتجات جديدة تحتاج للاستثمار في البحوث والتطوير، أو في شراء الأصول الرأسمالية اللازمة لتحديث خطوط الإنتاج وتقنيات التصنيع.

Tuesday, May 08, 2012

Prohibitive Ceiling #2004Archives




السقف المانع


نشر بالمصري اليوم 30 أكتوبر 2004
جاء مؤتمر الحزب الوطني الأخير تحت عنوان "الفكر الجديد وأولويات الإصلاح". وهو عنوان ذكي خبيث، جاء مدعماً بعشرات اللافتات الضخمة التي تحتل الميادين والطرق الرئيسية، تطل عليك من خلالها وجوه مجموعة من المصريين الغلابة، كلهم مبتسمون في تفاؤل بالفكر الجديد، ولسان حالهم يقول:  "نريد أن نخرج من الفقر أولاً، دعونا من موضوع تغيير الدستور والانتخابات الحرة المباشرة، فنحن لا نمانع في التجديد أو التوريث، ولكن المهم التركيز على التنمية الاقتصادية ورفع مستويات المعيشة". وبناء على طلب الجماهير، فقد أعلن المؤتمر في نهايته "ثلاث لاءات"، وقرر أن تغيير الدستور ليس من أولويات الإصلاح.

ورغم اقتناعي بجدية الحكومة الذكية في تنشيط الاقتصاد المصري، والاتفاق العام على أهمية الإصلاح الاقتصادي وانتشال الشعب من قيعان بحور الفقر، فإنني يسوءني أن أبشر الحكومة ولجنة السياسات، بأنه لا يمكن الوصول لتنمية اقتصادية مستدامة دون تفعيل برنامج شامل متزامن، يشمل الإصلاح السياسي والدستوري والتشريعي والإداري، والإعلامي والتعليمي والاجتماعي.

لقد أشرت في مقال سابق إلى ظاهرة تفاوت المعدلات Rate Mismatch وهي تصف في أحد جوانبها التفاوت بين معدل نمو القطاع الخاص وبين معدل تطوير البيئة السياسية التشريعية الإدارية، على اعتبار أن هذا التفاوت يتسبب في ضياع الطاقات الاقتصادية عند كل مرة يحدث فيها الاصطدام الحتمي والدوري - المتكرر بانتظام - بين منحنى النمو الاقتصادي و"السقف السياسي التشريعي الإداري المانع"، ودللت على هذا بآلاف المشاكل والعوائق والعقبات البيروقراطية التي تواجه القطاع الخاص وتتسبب في تعثره وتمنعه من النمو، وصورت هذا بسيارة صغيرة ينمو محركها في الحجم والقدرة، بينما يبقى هيكلها - الشاسيه - على حاله بل ويصيبه الصدأ، مما يضع "سقفاً مانعاً" يحد من نمو الاقتصاد الوطني، باعتبار ناتج القطاع الخاص يمثل المكون الأعظم والمتنامي من الناتج القومي، وهو الطرح الذي أعادت نشره مجلة "النيوزويك"، فأغضب البعض الذي اتهمني "بنفخ" القطاع الخاص والتحيز له وتجاهل الفساد فيه.

إن الدعوة للاستثمار والتنمية مع وجود هذا "السقف المانع"، إنما هي دعوة لإهدار الموارد والطاقات،  مثل من يحاول أن يقفز عالياً داخل "عشة فراخ"، وبعد العديد من الكدمات الدامية سوف يكتشف إنه كلما حاول القفز بقوة أكبر، يصطدم رأسه  بالسقف بصورة أعنف وتصبح الكدمات أكثر إيلاماً، وهنا يصبح الحل إما شق فتحة في سقف عشة الفراخ، أو رفع مستوى السقف، أو الخروج  من "العشة" والقفز بحرية في الهواء الطلق.

لقد بدأت مشكلة هذا السقف المانع منذ الستينيات مع الميل الطبيعي للنظام الشمولي نحو فرض سيطرة الدولة على كل مظاهر الحياة Authoritarian Approach . وتدريجياً، جاءت القوانين لتكرس هيمنة الدولة ونظام الحكم على كل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. جرم القانون كل نشاط فردي أو جماعي خارج الإطار الحكومي، وقصر معظم الأنشطة على أجهزة الدولة نفسها وأعطى الحكام سلطات لا نهائية دون أن يقابل ذلك حساب أو مسئولية.
    
وفي السبعينيات، حاول النظام أن يتبنى الديمقراطية الغربية ويتشبه بالأصدقاء الجدد، إلا إنه عندما جاء وقت الاختبار الحقيقي وظهر أن الأسلوب الغربي يمكن أن يفرز معارضة حقيقية، وبدلاً من أن يتراجع النظام عن الديمقراطية التي اكتشف أنها لا تناسبه، قرر أن يغزل قماش الديمقراطية بخيوط القوانين الشمولية، ليفرز مسخاً مظهره التعددية الديمقراطية وجوهره الأحادية واحتكار السلطة، فسمعنا لأول مرة عن ديمقراطية ذات أنياب ومخالب، وكبير العيلة الذي يستخدم مفرمة سيادة القانون في تحويل المعارضين إلى أصابع كفتة وطرب، ونظراً لأن الشعب جائع ولا يذوق الكباب إلا فيما ندر، فقد خرجت المظاهرات – التي نظمتها الحكومة -  تهتف "أفرم أفرم ...."  تشجع الحكومة بل وتطالبها بفرم المعارضة استعداداً لشيها.

إن هذا يفسر اتجاه القوانين للمبالغة في فرض سيطرة الدولة وسطوتها على كل أنشطة الحياة، واستخدام العبارات الفضفاضة التي يمكن أن تمنع بل وتجرم كل شيء، والتناقض في اللوائح التي تحرم جميع الأنشطة فيضطر الجميع للتحايل على القانون، ويقع سيئو الحظ ضحايا وكباش فداء بصورة عشوائية أو اختيارية. وعلى الرغم من أن القانون هو القانون في نهاية الأمر، إلا أن هناك فروق جوهرية بين القانون في دولة شمولية وأخرى ديمقراطية. ففي مصر تأتي القوانين من أعلى إلى أسفل بصورة فوقية سلطوية، لتعبر عن وجهة نظر النخبة الحاكمة وتحقق أهدافها السياسية والإعلامية، فتولد منفصمة عن واقع ما يعيشه الشعب. وفي نفس الوقت، ترضي هذه القوانين السلطوية شهوة الحكام في السيطرة، فهم لا يطيقون أن يعمل أحد بصورة مستقلة عن إرادتهم، ويستمتعون بفكرة أن ما يجري من خير في البلاد ويأتي من رزق للعباد إنما يتحقق على أيديهم وبفضل توجيهاتهم، أما المشاكل فهي من الشعب أو بسبب قلة من كباش الفداء الذين يضحي بهم النظام  بصــــــورة  دورية  لامتصاص  الغضـب  الجــماهيري بـهدف اســـتمرار المـــــســــــرحية .The Show Must Go On

أما في الدول الديمقراطية، فيكتشف الشعب – من خلال ممثليه ومؤسساته - القوانين التي تصلح للزمان والمكان، وبالتالي يأتي القانون كحل تشريعي يوثق ما اتفق المجتمع على تطبيقه من نظم وأعراف. الفرق في الحالتين أن القانون عندما يفرض من أعلى وبصورة فوقية، فلا يمكن في الغالب تطبيقه لأنه يغفل اعتبارات المواءمة، ومع تفريغ العملية الانتخابية من مضمونها، يفقد المشرعون الشرعية التي تؤهلهم للتشريع (!) وصياغة القوانين أو إقرارها، وبالتالي يتعامل الشعب مع هذه القوانين كأنها غير موجودة، أولاً لافتقاد المشرعين – والنظام ككل -  الشرعية، وثانياً وهو الأهم، لأن تلك القوانين لا تصلح للتطبيق نظراً لأنها لم تأت من رحم التجربة الشعبية، وهنا ينشأ الانفصام القومي بين النظام والشعب، بين القانون والعرف، بين الممنوع والممكن، ويتولد عن هذه التناقضات الحادة مأساة الفوضى المنظمة المتعمدة التي نعيشها كل يوم، والتي تشبه حالة من العصيان المدني غير المعلن، يعبر بها الشعب من خلال اللاوعي الجماعي عن رفضه لنظام لم يختره، ويعلن بصورة عملية عن عدم التزامه بقوانين لم يُسأل عند صياغتها ولم يشترك في إقرارها.

مما سبق، يتضح استحالة تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة دون تفعيل الإصلاح الدستوري والسياسي والتشريعي والإداري. لا يمكن لحكومة ذكية أو حتى عبقرية أن تخرجنا من النفق المظلم الذي ننزلق فيه منذ سنوات طويلة، دون حدوث الإصلاحات الهيكلية والدستورية والسياسية المطلوبة في بنية النظام. وبالتالي، وحتى يتوقف النزيف المستمر، الناشئ عن الكدمات الدورية نتيجة لمحاولات القفز داخل "عشة الفراخ"، وهو ما رأيناه عبر عقدين من تعثر محاولات التنمية - بدءاً بمشكلة توظيف الأموال، وإهدار مئات المليارات في الساحل الشمالي ومدن الأشباح، والمشروعات القومية ضعيفة الجدوى، مروراً بالركود الاقتصادي وكساد سوق العقارات والتدهور الحاد  في الجنيه المصري، وعشرات المليارات التي تنفق سنوياً على نظام تعليمي فاشل، وماكينة إعلامية عزف الشعب عن مشاهدتها، فضلاً  عن تعثر آلاف الشركات، وضياع عشرات أخرى من المليارات في قروض معدومة - حتى نتخلص من كل هذه المصائب، فإننا نتمنى أن تقف "لجنة السياسات" في صف واحد مع باقي القوى الوطنية، وتعيد النظر في "أولويات الإصلاح"، بحيث تتبنى تفعيل الإصلاح السياسي دون إبطاء،  بدءاً بتعديل الدستور، وتحديث البنية التشريعية والإدارية للدولة.

Monday, May 07, 2012

هل نعاني من حالة من التوهان والنسيان وفقدان الذاكرة الحضاري؟ #مصرتتذكر


حركة مصر تتذكر

والخروج من حالة

النسيان والتوهان


حركة مصر تتذكر لمن لا يعلم تعيد قراءة - بل وكتابة - التاريخ من منظور مصري

أطلقناها معاً لأول مرة في أغسطس 2007، ولكننا مدينون بالطبع لمن سبقونا بعلمهم وجهدهم

وأنا عن نفسي لست متخصصاً في التاريخ - وإسهامي العلمي في الحركة محدود أو منعدم، ربما ينحصر إسهامي في قراءة ما غفل البعض عن قراءته، والإفصاح عما قد يتحرج البعض من أن يعلنه. ويكمن سر اهتمامي بهذه الحركة في كوني أعتقد أن جزءاً كبيراً من مشكلة الأمة المصرية هي أنها تعاني من تلوث في الوعي وفي الذاكرة وفي الهوية، مما يمنعنا من إدراك الذات بصورة صحيحة، ويتسبب مثلاً في انقسام المجتمع المصري حول الانتماء لهويات ثانوية (من الناحية السياسية التي يفترض أن تحكم الهوية) مثل الدين أو اللغة أو العرق أو حتى أحياناً كرة القدم ...

وقد أتى تلوث الوعي نتيجة أن من كتبوا تاريخ مصر الذي يقرأه ويدرسه أبناؤنا في المدارس، هم في الأصل غير مصريين، سواء إغريق، أو رومان، أو عرب، أو يهود. فاليهود تسللوا بتراثهم العبراني إلى الضمير المصري عبر الكتب والحكايات الدينية المسيحية والإسلامية، والرومان حكموا مصر وقمعوا المصريين في عصور مختلفة وفرضوا في النهاية على المصريين نبذ دياناتهم ولغتهم الأصلية، والعرب رأوا المصريين قبحاء في الطباع ودونهم في كل شيء، فورثوا أهلنا في الصعيد والدلتا احتقار الفلاح المصري والتغني بالنسب العربي مهما كان بعيداً أو منتحلاً، غير ما زيفوه من وصف الاحتلال العربي لمصر بالفتح، وهي مصيبة، والإغريق تصور العالم أنهم أصل الحضارة الحديثة رغم أن مصادرهم الحقيقية كانت في المعابد والجامعات والمدارس والمكتبات المصرية.

تصور شخص فقد ذاكرته، ثم غسل الغزاة مخه ليحفظ تاريخهم وكأنه تاريخه هو، هل يرجا من ذلك الإنسان أن يعيش حياة صحية وتستقيم شخصيته وينصلح حاله في المستقبل وهو لا يعلم من هو، لقيطاً بين الحضارات رغم أنه من بيت كريم هو أصل الحضارات التي ولدت فيها أم الحضارات نفسها؟

وفي نفس الوقت، لا يمكن أن نجتزأ تاريخنا أو ننكر الوشائج الحضارية القوية التي تجمعنا بالحضارة الإسلامية، أو العربية، أو الأوروبية، أو الرومانية، أو اليونانية، وهكذا. لابد أن نتصالح مع النفس ومع تاريخنا كله، ونثمن جميع الدماء التي صهرتها البوتقة المصرية لتنساب بسلاسة في عروق الأمة المصرية. لكن التذكر والفهم، لا بديل عنه للوعي والإدراك ومعرفة النفس والانتماء الصحيح، والسلام الداخلي لمصر ولكل منا.




Sunday, May 06, 2012

من هو عازر ؟ #مصرتتذكر 2

خلفية تاريخية


منذ آلاف السنوات ، في عصور تسبق التاريخ المسجل بألفيات عديدة ، بدأت الهوية المصرية تأخذ شخصيتها المتفردة، نتيجة لتفاعل العوامل البيئية والجغرافية مع الإنسان القديم. فقد اكتشف المنقبون حضارة وادي القبانية (15-17 ألف عاماً قبل الميلاد) وحضارات مصرية أخرى لاحقة استخدمت منجل بدائي للحصاد وعرفت طحن الحبوب في الألفية العاشرة قبل الميلاد! ثم تبعتها حضارة اعتمدت على صيد الحيوانات والأسماك وجمع الثمار البرية باستخدام أدوات حجرية. وفي حوالي 8,000 قبل الميلاد، أي منذ 10,000 سنة، ربما كنتيجة للتغيرات المناخية وشح الأمطار، جفت المراعي الخضراء، وبدأت تفسح مكاناً للصحراء الكبرى التي نعرفها اليوم. والعديد من النظريات  تربط تكوين القرى الزراعية والمدن التي بدأت تظهر فيما بعد كنقاط جذب محورية على ضفاف النيل، بهذه التغيرات المناخية، التي أدت لجفاف المراعي الطبيعية في الصحراء الغربية، وما نتج عنها من هجرات جماعية إلى ضفاف النيل.

في هذه اللحظة التاريخية، التي تحول خلالها المصري القديم  من حضارة الصيد، وبدأ يبحث عن مصادر مستدامة للماء والثمر، خرجت بويضة الحضارة التي يعرفها العالم اليوم من رحم وادي النيل. فتدريجياً، بدأ المصري القديم ينتظم في مجتمعات زراعية تتميز بالاستقرار النسبي، واعتمدت حياة هذه المجتمعات على النهر كشريان للحياة نفسها. 

وفي مرحلة مبكرة، نجد الأساطير التي تتحدث عن أوزوريس (عازر  - عزير – آزر - أوزير)، الذي انتشل المصريين من حياة الغاب، حيث كان الإنسان في سبيل سعيه للبقاء، يأكل أخاه الإنسان ، فقادهم "عازر" من الوحشية إلى التحضر، عندما علم المصريين أثناء عصر حكمه الزراعة، وطحن القمح والشعير، وصناعة الخبز، وحفظ الفواكه عن طريق العصر وصناعة النبيذ. والأهم، وضع الداعية المصري "عازر" أول لبنات البناء الحضاري، عندما علم المصريين تقديس العدالة "ماعت" وأرشدهم إلى القوانين التي تنظم علاقاتهم بعضهم ببعض وبالمجتمع الجديد الذي بدأوا يضعون قواعده في أول حل حضاري عرفه التاريخ. وتذكر البرديات أن أوزوريس - "عازر" في نشر رسالته نادراً ما لجأ إلى القوة، إذ كان قادراً على أن ينشر أفكاره المتحضرة بقوة الكلمة وحسن الحديث، والموسيقى والترانيم الجميلة، فهو أول داعية وصاحب أول رسالة أخلاقية عرفها التاريخ. ومن المرجح أن أوزوريس - "عازر" كان أحد أمراء الدلتا، ومن المحتمل  أن يكون أوزوريس - "عازر" هو الذي استطاع أن يحقق الاتحاد الأول ويوحد الدلتا والصعيد حوالي 4200 ق.م. وبعض الباحثين يظن أن "عازر Aser أو أوزوريس" هو النبي إدريس، أو نوح أو أنه آدم نفسه . ومن المؤكد أن ديانة أوزوريس - "عازر" والديانات المصرية بصفة عامة، تمتعت بمجموعة ضخمة من العوامل المشتركة مع الديانات التي ظهرت فيما بعد. وعلى سبيل المثال، فديانات العرب في الجاهلية استعارت إيزيس من قدماء المصريين وسمتها "العُزى" Uzza وهي إحدى ثلاثة آلهة "اللات والعزى ومناة" يمثلن بنات الإله الأعظم لدى العرب قبل الإسلام، كما ظهر "عازر" كأحد آلهة أهل بالميرا – تدمر الأقدمين.


ومن العوامل المشتركة بين ديانات المصريين والديانات العبرانية وغيرها من الديانات التي انتشرت في الشرق القديم، يأتي تصوير عملية الخلق، ونزول آدم على الأرض (آتوم)، وخلق حواء من ضلع آدم (تي فنوت)، والبعث بعد الموت، وفكرة الأبدية، والحساب (وزن القلب) والسراط، والعقاب، وظهور فكرة التوحيد (أخناتون – موسى)، والثالوث المقدس (أوزوريس – إيزيس – حورس)، وقيام أوزوريس بعد موته ليضع نطفته في رحم إيزيس فتحمل حورس، وأيقونات السيدة مريم وهي تحمل يسوع الصغير على نفس نسق تمثال إيزيس وهي ترضع حورس الوليد، والرموز المقدسة مثل الصليب (عنخ - مفتاح النيل) والشمس والقمر والهلال (إياحة)، وكلمة "آمين"  وعلاقتها "بآمون Amen"، وقصة الأخوين قابيل وهابيل (أوزوريس وست )، والشيطان (ساتان – ست  Satan - Set)، والتشابه الكبير بين نصوص كتاب الموتى  والوصايا العشر، وبين أناشيد أخناتون ومزامير داود، وكتاب الأمثال – حكم سليمان (300 ق.م.) Book of Proverbs   الذي احتوى على نصوص مشتركة كثيرة  مع "تعاليم أمينيموبي" (1200 ق.م.)    Instructions of Amenemopet المتأثرة بدورها بحكمة بتاح-حوتب (2350 ق.م.)، وغيرها من آلاف الأدلة الساطعة على التأثير المصري في الإرث الروحي للعالم، مما جعل قطاعاً متنامياً من علماء التاريخ يرجع شخوص وأبطال وروايات بل وطقوس التراث العبراني لأصول واشتقاقات مصرية قديمة، وعلى سبيل المثال فإن برستيد  يقول أن الأساس الأخلاقي للحضارة الغربية لم يأت من العبرانيين بل كانوا معبراً له، وأنه قد وصل للغرب من قدماء المصريين عبر العبرانيين. ولا ننسى أن علوم المصريات Egyptology هي علوم حديثة نسبياً لم تبدأ بصورة جدية إلا بعد فك رموز حجر رشيد، الذي تحولت معه النقوش والمخطوطات من طلاسم مبهمة إلى سجلات تاريخية، توثق حياة المصريين القدماء والأوجه المختلفة لحضارتهم. وهذا لا يتعارض بالضرورة مع ما نؤمن به كمسلمين ومسيحيين، فمن الممكن أن عدداً كبيراً من الأنبياء المذكورين في الكتب المقدسة كانوا مصريين، وخاصة مع ما نعلمه من أن أرض كنعان خضعت للحكم المصري لفترات طويلة من تاريخها، وبالتالي فإن استعارة الأبطال القوميين والمصلحين من منطقة لأخرى داخل نطاق نفس الدولة هو أمر شائع في كل الثقافات، وفي النهاية لا يوجد سبب لأن يحتكر العبرانيون النبوة، سوى ما يشعرون به من أنهم "شعب الله المختار – أو أمة الله"!

إن قيام الإمبراطورية البيزنطية بحظر استخدام اللغة المصرية بنقوشها القديمة بدءاً من القرن الرابع والخامس الميلادي باعتبار تلك النقوش نصوصاً وثنية (وهي بالفعل كانت تعد عند المصريين "لغة الآلهة" أو "النصوص المقدسة")، كان مرسوماً بدفن الحضارة المصرية وهي حية، وفتح الباب واسعاً أمام التراث العبراني لينفرد بالملعب، ويضع وحده قواعد اللعبة وطرق التصنيف والفهرسة، فتسللت المنهجية العبرانية الاحتكارية إلى الوعي الإنساني وترسبت فيه تدريجياً. ولكن منذ اكتشاف مفتاح اللغة المصرية في القرن التاسع عشر، بدأ العالم يكتشف كل يوم جزءاً من الحقيقة، ويزيل طبقة من الغموض، ويوماً بعد يوم، بدأ العلماء يصححون الأسماء والأماكن والحقب الزمنية ومناهج التصنيف التاريخي واللغوي المبنية على الأسس العبرانية، بما يفسح مجالاً للاقتراب من الحقيقة، عبر التسجيلات الدقيقة للمصريين على كل لوحة أو مسلة أو حائط معبد أو مقبرة، وفي كل بردية تم اكتشافها.




**********************************


حواشي ومصادر ومراجع


  The majority of current thinking is that Osiris is pronounced Aser where the "A" is the letter ayin "ع".  

لا يزال اسم عازر يستخدم اليوم في مصر

  According to Diodore, "Osiris, who wanted to serve humanity and to acquire glory, gathered a great army and formed the project to traverse the whole inhabited land and to teach to human kind the art of planting the grapevine and sowing wheat and barley. Indeed, he thought that while removing men from the wild state, while making them adopt a regime of civilised life, he would be made, by the importance of these good deeds, worthy of immortal honors. And it is indeed what happened" (I, 17, 1-2). The text of Plutarch is similar: "During his reign, Osiris started by delivering the Egyptians from destitution and savagery, made them understand agriculture, gave them some laws and taught them to honor the gods, then he left by the whole world to bring civilization, without having, only rarely, to resort to the weapons, almost always achieving the will of his intentions by the charm of his persuasive word and by the resources of song and music".  These accounts, touching the invention of agriculture, are confirmed by a great number of Egyptian sources, to start with the personal declaration of Osiris in the Ramesside tale of Horus and Seth: "It is I who created the barley and wheat to make the gods live and, after the gods, the herd of man !" (P. Chester Beatty I, recto 14, 12). in the same way, a stela of the XVIIIth Dynasty, previous to the time of Amarna, particularly instructive on Osirian theology, names the god: "The one who established Ma'at on the Two Banks" (Louvre C 256, line 9) http://www.osirisnet.net/ 

  الدكتور عبد الوهاب النجار - قصص الأنبياء ص348: إدريس ... أول من أنذر قومه بالطوفان، ... فخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الاهرام  في صعيد مصر الأعلى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم فيها صفات العلوم حرصاً منه على تخليدها لمن بعده خيفة أن يذهب رسمها من العالم .

   Lisa Ann Bargeman, in The Egyptian Origin of Christianity 2002, suggests that the Word "Amen", meaning "so be it", entered into the Hebrew Vocabulary during the Period in which Jews lived in Egypt, by their exposure to the worship of "Amen", "Amon" or "Amun". The word then found its way to the Aramic and Arabic Languages.


  يذكر العهد القديم أن ست هو الابن الثالث لآدم وحواء بعد قابيل وهابيل Cain & Abel  


   http://www.dpjs.co.uk/serpent.html , www.theisticsatanism.com/geifodd/set.html 
  Thomas George Allen, The Book of the Dead or Going Forth by Day. Ideas of the Ancient Egyptians Concerning the Hereafter as Expressed in Their Own Terms, Thomas George Allen, (SAOC vol. 37; University of Chicago Press, Chicago), c 1974. 

   Biblical Book of Proverbs (Míshlê Shlomoh - Proverbs of Solomon of the Ketuvim of the Tanakh), seem to draw upon "Instructions of Amenemopet" particularly chapters 22:17-24:22 . It also shows that it was drawn upon for the apocryphal books of Sirach and Ecclesiasticus. http://en.wikipedia.org/wiki/Instructions_of_Amenemopet

  "In his 'Dawn of Consciousness' (New York: Scribner's, 1934)... Breasted directed attention to the striking parallels between Akhenaten's hymn to the sun and Psalm 104 and to other parallels between Egyptian religious texts and the Old Testament, notably the Proverbs. Breasted then drew the revolutionary conclusion that Akhenaten was the pathfinder in the recognition of one God, a universal Creator of all men ...  the Hebrew prophet caught the splendor of this vision … he was standing on the Egyptian's shoulders.' Thus, Breasted concluded, 'Our moral heritage therefore derives from a wider human past enormously older than the Hebrews, and it has come to us rather through the Hebrews than from them.'" http://www.domainofman.com/forum/index.cgi?noframes;read=1037 

ما هي المشكلة عندما يكون الدين هو الوطن؟



الجو معبق برائحة إفرازات شبقية ممن يريدون ان يغتصبوا بهية - وابناؤها مغيبون يطرحونها أرضا 

فيسهل على الغاصبين أن يملكوا زمامها - والأبناء غافلون

لماذا يفعلون ما يفعلون؟

الحجة : أصل ماما شخطت فينا 

ياض منك له - كتك شخطة لما تشخبط وتلخبط كيانك وانت شحط وطويل واهبل ومش فاهم حاجة البعيد

....


في الصراع اللي احنا فيه ده مافيش ملايكة ولا شياطين - لكن فيه ناس عايزة مصلحتها ومصلحة الوطن - وناس عايزة مصلحتها ومعندهاش مفهوم الوطن أصلا

وفيه ناس نيتها طيبة في النص ... بس اتعورت مثلا بطوبة معدية من هنا أو هناك ... فدايرة تضبش ... والطيبين اللي في النص دول  هما أخطر نوع -- لأن حماسهم يسبق حسن تقديرهم -- وبراءتهم ونقاؤهم يغطي على سذاجتهم


الناس اللي عايزة مصلحة الوطن ومش مهم مصلحتها -- ما هماش جزء من الصراع أصلا - لأن الصراع على السلطة والمصالح 


وممكن يكونوا للأسف من النوع التالت - اللي مالوش مصلحة ونيته طيبة بس مش فاهم حقيقة الصراع وسهل ينضم لأي طرف حسب ظروف الخناقة

.....

ناس يقولك بس الإخوة وطنيين ...


طيب ...

أطلب من واحد فيهم أن يحلف على المصحف أنه يعترف بمصر كدولة مستقلة تقوم على المواطنة وقائمة بنفسها خارج مشروع الخلافة بتاعه؟ 

يقولك مصر دي حتة طين

الوطن هو دار الإسلام

طيب

إذا كنت لا تعترف بمصر كدولة ووطن - ما هي مشروعية مشروعك السياسي اصلاً؟

هو مشروع - بالمفاهيم السياسية الحقوقية - غير مشروع - لأنه يريد أن يستخدم تفويضاً شعبيا محدودا في إلغاء هوية الوطن ومسخها لإمارة في مشروعه الديني - وطنه هو الدين وليس مصر

التفويض السياسي الذي يحصل عليه حزب الأغلبية يتيح له الحكم وخدمة الشعب والدفاع عن الوطن - لكن لا يتيح له تغيير هوية الوطن أو إلغائها ...

لا مانع طبعا أن يسعى مثلا لتحالفات أو حتى اتحاد مع آخرين

بشرط أن يعرف في البداية مفهوم الولاء الأول - هل هو للوطن أم لغير الوطن؟

ما هي المشكلة عندما يكون الدين هو الوطن؟


أو بمعنى أدق ... عندما يكون وطن الحكام هو الدين -

عندها يصبح من يخالفهم في الدين أو المذهب أو حتى التفسير - يصبح غير مواطن وهذا هو موضع الاختلاف الحقيقي


الصراع واضح الآن : لما البلتاجي قال يوم الجمعة إن الزحف على وزارة الدفاع هو رسالة إنذار للمجلس - يتضح سبب الاضطرابات التي نعيشها الآن

الإخوة الشيوخ أرادوا أن يغيروا طبيعة الدولة لدولة برلمانية - من خلال أغلبيتهم في البرلمان - وبالتالي السيطرة على كتابة الدستور - بموجب خريطة الطريق المعيوبة والمعوجة التي رسموها للمجلس العسكري وساقوا البلاد فيها لمدة 18 شهرا - دون تقدم خطوة واحدة

وعندما فشلوا في السيطرة على لجنة الدستور  دفعوا باثنين مرشحين مرة واحدة - اصلي واستبن على منصب الرياسة (غير أن هناك 2 مرشحين آخرين كانوا أعضاء في الجماعة حتى العام الماضي وخامس يشاركهم في المشروع)  - عكس ما قالوه من قبل أنهم لن يترشحوا على منصب الرياسة

بل وصل بهم السفور أن قال أحدهم  بما معناه " ... نحن مع الجمهورية الرئاسية إن فاز فلان بالرياسة - ومع البرلمانية إن لم يفز ... " وكأن دستور البلاد يجب تفصيله حسب مقاس جماعة غير شرعية اصلا ومنحلة بحكم الدستور والقانون - لأنها تعمل في مجالات لا يمكن الجمع بينها .... فلا يمكن طبقا للقانون أن تقوم شركة بإنشاء حزب - أو يمتلك حزب شركة - أو تمتلك شركة جمعية أهلية ... فالفصل بين المجالات والسلطات ضروري لعمل الديمقراطية - ولا يجمع بين السياسة والبيزنس والنقابات والجمعيات الأهلية والدينية وهكذا  - لا يجمع بين كل هذه الأشياء سوى عصابات المافيا

ثم حاولوا السيطرة على الوزارة التي ستجري انتخابات الرياسة

وعندما فشلوا في ذلك لأن الإعلان الدستوري الذي وافقوا عليه لا يسمح لهم بذلك

أرسلوا الزحف المدمر ... ملثمين وظواهري والذي منه - وكلهم فروع والأصل واحد ومعروف ...

والرسالة  ... إما أن نحكم ونسيطر على كل السلطات - أو نعيث في البلاد الفوضى العارمة

لأنهم يعلمون أن هذه هي فرصتهم الأخيرة -- ولن يتركوها بسهولة

مش ده المهم -- كل ده مفهوم ومعروف ومالوش حل - صعب تقول لحد يغير عقيدته السياسية التي تربى عليها وقد أقسم على الطاعة والولاء لغير الوطن ...

لكن المهم ولاد الست الغلبانة يفوقوا بأه ... قبل ما يودوا أمهم في ستين داهية



Friday, May 04, 2012

حوار العمة زيزي حول موضوع الجهاد المسلح #هطل السنين


خرج علينا أبو الشباب يطالبنا بالجهاد المسلح وقال : لابد من جرجرة الشعب جراً للجهاد المسلح بالعباسية

حاجة عباسية خالص

حاولنا نجرجر العمة زيزي للعباسية ولكنها دعتنا لتناول الليمون المثلج في حديقة منزل عاطف ولوزة

قال تختخ :

لما وقت الثورة تحرم الاحتجاجات ووقت الانتخابات تحض على الجهاد المسلح عامل زي اللي حض على الفطار في رمضان وفرض الصيام في العيد ‫ 

رد الثورجي محب :
لابد أن نناضل لنكفل حق التظاهر والاعتصام 


رد تختخ : 

صحيح - حق التظاهر السلمي مكفول ... وحق الملكية أيضا مكفول - لكنك تختار ألا تمتلك جركن بنزين في البيت ولو فعلت لا تضعه بجوار المدفأة

فلا خلاف على كفالة حق التظاهر والاعتصام السلمي - لكن ممارسة الحقوق تكون بمسئولية - مع تجنب ما قد يعصف بالطابع السلمي للنضال السلمي

أما التحريض على الجهاد المسلح وما شابه فهو  رسمي

تساءلت لوزة:

حد يفهمني معنى الشعار ... خيبر خيبر يا مشير جيش محمد في التحرير ؟


قهقهت العمة زيزي ودعتها لشم القهوة المنعشة وقالت ...

معناه أنك قربتي تتطوعي في قوات العمة زيزي لمنع الهطل 

تساءلت نوسة:

هل  ده التطور الطبيعي لهتاف (يا مشير يا مشير ..من النهاردة انت الامير) في جمعه قندهار ‫ 

ذكرها عاطف :

 في جمعة قندهار أيضا قالوا خيبر خيبر يا علمان جيش محمد في الميدان..سبحان مغير الاحوال..

أمنت العمة زيزي على كلام تختخ ورددت ...

فعلا ... لما وقت الثورة تحرم الاحتجاجات ووقت الانتخابات تحض على الجهاد المسلح عامل زي اللي حلل الفطار في رمضان وفرض الصيام في العيد


وهنا اعتذرت العمة زيزي - لأنها قامت بإجراء عملية عميقة في زورها 

تساءلت لوزة:

حد فاهم حاجة؟


فردت العمة زيزي ونطقت بحكمة خالدة .... :

ميزة العباسية أنها لا تشترط الفهم .... ‎
الحمد لله إني أنا ساكنة في مدينة البط !






أبو الأشبال على قناة "الحكمة" يدعو لجرجرة الشعب للعباسية للجهاد المسلح ضد "العسكري" والقبض على أعضائه وإعدامهم 



هل المنهج التجريبي لقراءة التاريخ يتناقض بالضرورة مع المسلمات الدينية #مصرتتذكر 1

مقدمة في المنهج



يقوم منهجنا في هذا المبحث على التوفيق أو التوافق بين التاريخ الموثق للأقدمين المصريين وأساطيرهم الدينية من ناحية، وبين الأديان الثلاثة الكبرى، اليهودية والمسيحية والإسلام، التي ظهرت بعد ذلك التاريخ بعدة آلاف من السنين. والدافع الرئيسي لهذا المنهج التوافقي الذي اخترناه هو وجود تشابه ضخم لا يمكن إنكاره أو دحضه بين أساطير الأقدمين وبين التراث العبراني الذي اشتركت المسيحية بصورة كبيرة فيه، كما اشترك فيه الإسلام أيضاً ربما بصورة أقل، ولكن المساحات المشتركة في كل الأحوال هي مساحات واسعة لا يمكن معها إنكار الأصول المشتركة. وليس هدفنا هنا هو إثبات أن أصل هذا التراث الإنساني هو مصري بحت، لأننا نؤمن بالتفاعل والتواصل بين المصريين وبين الشعوب المجاورة في التراث الروحي، ولكن أيضاً لا يمكننا تجاهل الفارق الزمني الشاسع بين تاريخ تسجيل القصص الدينية لقدماء المصريين وأول تسجيل مفترض للتراث العبراني، وأن هذا الفارق يأتي لصالح قدماء المصريين.

منهج التوافق بين التاريخ الموثق للأقدمين وبين الأديان



والعهد القديم وهو جزء لا يتجزأ من الكتاب المقدس الذي يعده المسيحيون "كلمة الله"، فيه مساحات مشتركة ضخمة مع العقيدة الإسلامية، تتجلى في قصص الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم، وفي كثير من الأحاديث الشريفة، كما استعان المفسرون المسلمون بالتراث العبراني، وخاصة في اسماء الأنبياء والأماكن والأحداث التي لم يأت ذكرها في القرآن أو الأحاديث بصورة مباشرة صريحة. ويصبح على الباحث إما أن يختار منهجاً تصادمياً أو توافقياً، وقد اخترنا المنهج التوافقي الذي يبحث عن المساحات المشتركة ويرى فيها دليلاً على أن أساطير قدماء المصريين قد تكون مستوحاة من تراث أنبياء أقدمين مثل "إدريس" (أوزوريس – عازر)، أتى ذكرهم في الكتب المقدسة. وهذا المنهج يقتضي أن مثل هؤلاء الأنبياء كانوا مصريين وليسوا عبرانيين، لأن ذكرهم في التاريخ المصري يظهر بصورة مبكرة، تسبق وجود العبرانيين كأمة بعدة آلاف من السنين. وفي كل الأحوال، فقد خضع العبرانيون للحكم المصري لفترات طويلة بدءاً من الدولة الحديثة، سواء بنزوح جماعات ضخمة منهم إلى مصر Egypt Proper تحت ضغط موجات الجفاف والمجاعات التي صاحبته، أو عندما وسع ملوك الدولة الحديثة من رقعة الإمبراطورية المصرية بضم فلسطين وأجزاء كبيرة من الشام والعراق وأقاموا الحصون ووضعوا الحاميات المصرية لتشكل خطوط دفاع متقدمة، لحماية البوابات الشرقية لمصر، وهي التي تبين خطرها بعد غزو الهكسوس لمصر، وبهذ فإن العبرانيين يمكن النظر إليهم، تجاوزاً وبصورة فنية بحتة، كمصريين طوال الفترة من 1550 ق.م. وصولاً لنهايات الدولة الحديثة حوالي 1070 ق.م.

إذن الاعتماد على المنهج التجريبي في قراءة التاريخ، وهو الذي يستخدم الحفريات وطرق التأريخ العلمية، ويضع النظريات حول تسلسل الأحداث، ثم يختبرها بالقياس على أحداث أخرى وهكذا، يمكن أن يعطي نتائج لا تتناقض بالضرورة مع جوهر العقائد الدينية، لكنه يقتضي نوعاً من المرونة التي تعيد صياغة وترتيب الأحداث دون المساس بجوهر العقيدة نفسها.

والخيار في النهاية للقارئ أي منهج يحوز قناعته.

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook