Monday, March 13, 2023

 مشكلة البقاء: العدو داخل الأسوار

من أرشيف 2010

نشرت الثلاثاء 21-09-2010

المصري اليوم https://www.almasryalyoum.com/news/details/1850819

 

رأينا كيف أدى الانتخاب العكسى، أو المقلوب، إلى تلويث قيم المجتمع وسيادة مبدأ «البقاء للأفسد»، وهو عكس المبدأ الطبيعى «البقاء للأصلح»، وأن ما ينتج عن ذلك هو أن نفشل فى تحقيق التطور الطبيعى فنتدهور بينما يتقدم من حولنا، ورأينا كيف استفحلت المشكلة على كل المستويات وفى المؤسسات كافة وليس فقط فى المجال السياسى. وفى ضوء التنافس المستمر مع المجتمعات والأمم الأخرى، نخوض نحن معركة خاسرة مقدماً، بينما تقودنا نخبة مضروبة- تضم أسوأ عناصر المجتمع- نحو هزائم وأصفار حتمية، مع تفشى حالات الفشل العام والخاص.

وبما أننا نتبنى منهج محاكاة الطبيعة البيولوجية فى التحليل، اسمحوا لى أن أستعير فكرة الجينات أو DNA، الذى يتحكم فى خصائص الكائنات الحية، ويحمل الشفرة الوراثية لكل فصيل بكل ما تعلمته الأجيال السابقة من دروس التواؤم مع البيئة من أجل البقاء. الثقافة بالنسبة للأمم والشعوب والحضارات مثل الـ DNA بالنسبة للفصائل الحية.

وعندما أقول الثقافة Culture هنا، فأنا لا أقصد المعنى الذى يدل على الآداب والفنون والعلوم، بل أتحدث عن المفهوم الأنثروبولوجى للثقافة، وهو أقرب لفكرة «طريقة الحياة»، حيث تشير الثقافة طبقاً لهذا التعريف إلى مجموعة القيم والسلوكيات، والعادات والتقاليد، ونظم التفاعل الاجتماعى، التى يطورها ويتبناها مجتمع ما، باعتبارها تحمل فى طياتها الحل الجماعى لمشكلة البقاء، بقاء المجتمع أو الجماعة أو الأمة.

هل لدينا مشكلة فى البقاء؟ لعل الأمة المصرية من الأمم التى حباها الله بقدرة متميزة على البقاء رغم كل شىء. مر عليها المحتلون والغاصبون والجباة والبلطجية والمستبدون من كل ملة، وصمدت فى امتحان البقاء. ولكن اليوم، يشعر البعض– أو الكثيرون– منا بصورة غريزية بحلول أو قرب حلول مشكلة ضخمة تهدد بقاءنا بصورة خطيرة. الدليل على هذا نراه فى الأبحاث التى تشير إلى أن نسبة ضخمة من المصريين يفكرون فى الهجرة بصورة أو بأخرى، ونراه فى أنفسنا وفى كيف ينظر كل منا لنفسه وغده وأبنائه بقلق متزايد. لا أتحدث هنا فقط عن نزاعات حوض النيل– ومصر هى هبة النيل– وما يمكن أن تؤدى إليه، أو عن خطر أن ينفجر الشريط الأخضر الضيق بنا وبمن نحب تحت وطأة النمو السكانى والازدحام العشوائى فتتحول مصر لمقبرة بحجم الدولة، فكل هذه المصائب والكوارث هى فى الحقيقة أعراض للكارثة الحقيقية، وهى أن ثقافتنا– طريقة حياتنا– منظومة القيم التى تتحكم فى سلوكياتنا وعاداتنا وتقاليدنا ونظمنا ومؤسساتنا، لم تعد مناسبة لتحديات البيئة التى تحتضننا.

فى لحظة مصارحة مع النفس، لابد أن ندرك أن مستقبل أولادنا محاط بتهديدات تبدو خارجية، لكن منبعها فى الحقيقة داخل كل منا. الخطر يدق على الأبواب، ولكن العدو داخل الأسوار.

أبناؤنا يسافرون إلى الخارج فليتحقون بمنظومات سوية، يبدعون فيها ويتميزون وينجحون، رغم أن هروبهم من مصر علامة على أنهم لم يستطيعوا النجاح فى الوطن. ملايين المصريين الآن يتبنون الحل الفردى، سواء بالهجرة أو بالسكن فى مستعمرة مخلقة عالية الأسوار، غريبة عن البيئة المحيطة بها. على قدر نجاحنا فى الحل الفردى، لم نجرب الحل الجماعى.. أن نعمل على تغيير هذا الوضع المتردى معاً. وهو لن يتغير إلا إذا عملنا معاً على تغييره.

أتذكر تجارب كثيرة، عندما يختلف السكان فى إحدى العمارات على المشاركة فى المنافع العامة، صيانة العقار والمصاعد، كهرباء ونظافة السلم، وغيرها من أشياء بسيطة، وتتفاقم المشكلة، فتصطخب العمارة بالزبالة والقذارة، وتتدهور حالة المصاعد والمنافع العامة، وبينما يجتهد كل ساكن فى تجميل شقته من الداخل، لا يمكن أن ينفصل عن المرافق المشتركة التى تحدد فى النهاية جودة الحياة فى هذه العمارة.

هذا هو الوضع الحالى، تسرب الفساد لأساس البناء، امتلأت طرقات وممرات العمارة بالزبالة والقوارض والحشرات، تدهورت أحوال البنية الأساسية الدستورية والإدارية والتشريعية فى مصر، عجز الموهوبون عن العمل والكسب، وضعنا العوائق أمام المتميزين ليتقدمنا الفسدة، فأصبح البناء على وشك السقوط، بينما ينشغل كل منا بالتخطيط لشركته أو مؤسسته أو بيته، غير مدرك أن تدهور الوضع العام ينذر بكارثة ستنعكس– أو انعكست بالفعل- على الوضع الخاص لكل منا.

نحتاج لأن نغير بسرعة من هذا الوضع المأساوى. نحتاج لأن يصبح كل منا هو التغيير الذى ننشده. لابد أن نستعدل الأوضاع المقلوبة، أن نعمل على تقويم أو إسقاط أو مقاطعة المؤسسات التى تعمل بطريقة الانتخاب العكسى.

نحتاج أن نحترم وندعم التغيير والتطور الذى هو منهج الكون. أن نحترم الانتخاب الطبيعى الذى هو طبيعة الحياة. أن نعلم أن للسن أحكاماً، وأن صبغ الشعر وشد الجلد لا يديران عقارب الساعة للوراء. أن رتوش الفوتوشوب والتزييف والتزوير لأى صورة لا تغير الواقع.

قد نخدع البعض باصطناع خبر أو صورة، لكننا لن نتقدم فى الواقع الملموس بمجرد ترويش الصورة على طريقة سرايا التعبيرية. لابد أن نعلم أن الإنسان هو مصدر الإبداع والثروة. وأن الموهوب هو عملة نادرة يجب أن نحافظ عليها ونستفيد من قيمتها. لابد أن ندفع بالموهوب والعامل والمتميز لأعلى المراكز فى المجتمع، ليصبح هؤلاء هم النخبة الطبيعية، فهذا ما يحمينا ويضمن مستقبل أحبائنا.

تتحدث الأم فتقول: إن كنت تبحث عن الكنز، أنا أدلك على مكانه: فى قلب كل واحد من أولادى وفى ساعديه وفى رأسه. إذا جعلت قلبه حزيناً، وقيدت ذراعيه بالسلاسل، ووطئت رأسه بحذائك، فلا تشكُ من الفاقة وسوء المآل.

 

Saturday, February 25, 2023

هل يتعلم النظام السياسي في مصر من فضيحة "جهاز الكفتة" أم يكررها؟

هل يتعلم النظام السياسي في مصر من فضيحة "جهاز الكفتة" أم يكررها؟



Read more: https://www.al-monitor.com/ar/contents/articles/originals/2014/06/egypt-parliament-elections-kofta-hiv-army-treatment.html#ixzz7uMHMwhY4


 فضيحة "جهاز الكفتة" في مصر دليل على غياب الضوابط والتوازنات

 

باختصار: تحتاج مصر إلى معارضة وبرلمان فعّالَين لإرساء توازن مع السلطة التنفيذية

 من أرشيف 2014 - نشرت بالمونيتور

وائل نوارة

 

أثار خبران يبدوان غير مترابطَين في الظاهر قدراً كبيراً من السجال على الساحة المصرية.

 

الخبر الأول هو الإعلان الذي صدر عن إحدى اللجان الطبية بتأجيل الاستخدام السريري لعلاج جديد للفيروسات التي تتسبّب بالتهاب الكبد الوبائي "سي" وفيروس نقص المناعة البشرية (إيتش آي في)، بواسطة جهاز مثير للجدل طوّرته فرقة الهندسة في الجيش المصري بانتظار - وشرط - التأكّد من فعاليته وأمانه، الأمر الذي قد يستغرق عاماً على الأقل.

 

وقد عُيِّنت اللجنة الطبية بأمر من الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما كان لا يزال وزير دفاع، بهدف تقويم العلاج المعجزة المزعوم. في حين هلّل أنصار الجيش للاختراع واعتبروه دليلاً إضافياً على قدرة الجيش على مواجهة أي مشاكل تتعرّض لها البلاد، سخر الناشطون والمشكّكون وعدد كبير من المهنيين العاملين في مجالَي الطب والأدوية من خصائص الجهاز المزعومة، وأطلقوا عليه اسم "أصابع كفتة عبد العاطي".

 

في خطاب متلفز في 24 شباط/فبراير الماضي، زعم إبراهيم عبد العاطي، وهو ليس طبيباً ولا مهندساً، أن الجهاز يستخدم موجات كهرمغنطيسية تتفاعل مع تردّدات الجزيئات المكوِّنة للفيروس بما يؤدّي إلى تحويلها إلى بروتينات غير مؤذية، مضيفاً: "آخذ الأيدز من المريض، وأعطيه أصبع كفتة". الكفتة، كما يعلم العارفون بالمطبخ الشرق أوسطي، عبارة عن لحم مفروم يُشوى عادةً في أسياخ، وسرعان ما انتشرت الكلمة وباتت متداولة على نطاق واسع كلقب للجهاز الجديد.

 

مُنِح عبد العاطي رتبة لواء مكلّفاً الشرفية في القوات المسلحة المصرية لقيادة فريق تطوير الجهاز. وقد وجدت اللجنة الطبية أن بروتوكولات اختبار الجهاز غير كافية وغير ملائمة، ورفضت منحه الترخيص بغية استعماله في العلاجات الواسعة النطاق اعتباراً من 30 حزيران/يونيو الماضي كما كان مقرّراً.

 

أما الخبر الثاني فيتعلّق بالانتخابات التشريعية المقبلة في مصر وبالقانون المؤقت الذي أصدره عدلي منصور في آخر يوم عمل له في سدّة الرئاسة الانتقالية. فمن أصل 567 مقعداً في مجلس النواب، يمنح القانون الجديد 420 مقعداً (77.8%) للمرشحين المستقلين، و120 مقعداً (22.2%) للوائح الحزبية المغلقة المخصّصة للمسيحيين والنساء والشباب والعمّال والمزارعين والمعوّقين والمصريين المقيمين خارج البلاد. سوف يتم توزيع هذه المقاعد بصورة متكافئة بحسب الأصوات التي تفوز بها كل لائحة. وينصّ القانون أيضاً على منح خمسة في المئة من المقاعد (27 مقعداً) للنواب الذين يُعيّنهم الرئيس. تنطلق العملية الانتخابية بحلول 18 تموز/يوليو الجاري، ومن المرتقب إجراء الانتخابات في الخريف المقبل.

 

اعترضت معظم الأحزاب السياسية على القانون الذي يُهمِّش دورها ويُهدّد بإنتاج برلمان مشابه لمجلس الأمة الذي كان قائماً قبل ثورة 2011، عندما كان فقط المرشّحون المتموِّلون أو الذين يتمتّعون بنفوذ قبلي أو دعم من التيارات الدينية، يُسيطرون على المشهد السياسي. تسبّبت هذه المنظومة بتفشّي الفساد السياسي على نطاق واسع وضعف مجلس الأمة الذي فشل في تجسيد التنوّع المصري أو الإفادة من المواهب المهنية والفكرية الغنية بين أعضائه. في أيلول/سبتمبر الماضي، كتبت عبر موقع "المونيتور" أن مصر تحتاج إلى نظام انتخابي نسبي من أجل ضمان فعالية التشريعات والحكم الرشيد والتمثيل العادل لتنوّعها.

 

فما هي أوجه الارتباط بين هذه المسائل المنفصلة؟

 

لقد اكتشفت اللجنة المحايدة التي شُكِّلت لتقويم المزاعم حول "الجهاز المعجزة"، أنه غير جاهز للاستعمال. ليس أكيداً إذا كان سيجهز يوماً، بيد أن كثراً يشكّكون في الأمر، والسبب ببساطة هو أنّ آلية تطويره لم تتقيّد بمعايير الأبحاث الطبية والممارسات المطبّقة في هذا المجال. في أفضل الأحوال، استعجل المعنيون كثيراً إعلان نجاح الجهاز، مستخدمين حملة دعائية لم تلحق الضرر بمصداقية الجيش وحسب إنما أيضاً مصداقية البلاد ككل. وفي أسوأ الأحوال، الجهاز خدعة، ويجب محاسبة كل المتورّطين في تلفيق مزاعم عن مزاياه وإمكاناته، وربما محاكمتهم بتهمة الاحتيال والسلوك الإجرامي عبر إجراء تجارب سريرية عرّضت للخطر المرضى غير المدركين لما يجري.

 

لقد وعد السيسي بإجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية واجتماعية كبرى فضلاً عن إطلاق مشاريع وطنية لإنقاذ الاقتصاد المتعثّر وتصويب عجلة العمل الحكومي غير الفعال، وإصلاح التنظيم المدني الذي يعاني من الاختلال الوظيفي. ومع وصول برلمان جديد يتألف حصراً، وعن سابق تصوّر وتصميم، من أعضاء يهلّلون للسيسي وسياساته، تواجه البلاد خطر تكرار أخطاء شبيهة بفضيحة "الكفتة" على نطاق وطني، مع ما يترتّب عن ذلك من تداعيات كارثية جداً أكبر من طاقة مصر على تحمّلها في الوضع الراهن.

 

يلمّح بعض المسؤولين والأشخاص الذين يدعمون الجيش والسيسي دعماً أعمى، إلى أن وجود معارضة فعالة وبرلمان قوي هو ترفٌ لا تستطيع مصر تحمّله في الوقت الحالي. ويُشيرون إلى الهشاشة التي تعاني منها البلاد بعد فشل العملية الانتقالية الأولى والاضطرابات التي عرفتها مصر طيلة ثلاث سنوات. لكن هذا الكلام بعيد كل البعد عن الحقيقة. فمصر لا تستطيع أن تتحمّل التداعيات التي يمكن أن تترتب عن اعتماد سياسات وتشريعات غير مدروسة، حتى لو جرى تصميمها بحسن نيّة، في غياب التدقيق من برلمان نافذ ومعارضة متيقّظة.

 

ربما أنقذت اللجنة الطبية التي أوقفت استخدام "جهاز الكفتة"، آلاف الأرواح وحالت دون هدر ملايين الجنيهات المصرية، وسمحت لمصر بتجنّب الإحراج والسخرية، وكذلك الدعاوى القانونية المطوّلة والتعويضات الطائلة للمرضى المخدوعين وعائلاتهم. لكن حتى لو ثبت أن "جهاز الكفتة" ناجح وفعّال، وهو أمر مستبعد، العبرة المستمدّة من هذه القضية هي أنه في السياسة والتشريعات والأبحاث الطبية، لا بد من اتّباع الأصول المرعية الإجراء.

 

لا وجود للطرق المختصرة في التاريخ. فالحكم والديمقراطية والتنمية ليست وجهات عشوائية يمكن بلوغها عن طريق المعجزات والاتّكال على الإرادة الطيّبة التي يتحلى بها بطل قومي ما، أو الثقة الممنوحة لمؤسسة معينة، حتى ولو كانت تستحق هذه الثقة. النجاح مسار يتّسم بالعمل الدؤوب والتفاني، والأهم من ذلك، باتباع الأصول المرعية الإجراء في مختلف النواحي.

 

اتباع الإجراءات الصحيحة هو بمثابة بوليصة التأمين التي تعزّز آفاق النجاح، وتحدّ من المخاطر، وتضمن أنه حتى لو حصل الفشل، على الرغم من الرهانات على العكس، فسوف يشكّل فرصةً لاستخلاص العِبَر تقود في نهاية المطاف إلى تحقيق النجاح.

 

تحتاج مصر إلى أحزاب سياسية قوية، ومعارضة فعالة، وبرلمان نافذ قادر على تأمين الضوابط والتوازنات في وجه السلطة التنفيذية، وتفنيد القرارات والسياسات الحكومية. بإمكان السيسي أن يتلقّف الدرس ويبادر إلى تصحيح قانون الانتخابات وقانون التظاهر، والإفراج عن مئات الناشطين الذين يجب أن يتمكّنوا من أن يقولوا "الملك عارٍ" من دون أن يُزَجّوا في السجون لمدّة 15 عاماً.

 

 

Egypt Needs to Restore Faith, more than it Needs any President!

 Why General Sisi Should Not Run For President of Egypt

Deputy Prime Minister and Defense Minister Gen. Abdel Fattah al-Sisi and the military to play important role as guarantor of Egypt's democratic transition

Archive of 2013. Published in Al-Monitor September 20, 2013

Reports have surfaced with news of a popular Egyptian movement called "Complete Your Favor," aimed at mobilizing public pressure on Gen. Abdel Fattah al-Sisi to run for the presidency. As usual, skeptics smirked at such a plan. They had always suspected that Sisi would pretend that he was not interested in becoming president, while intelligence and security services prepare for popular and media pressure to "force" him to run in the end. What may appear as a spontaneous act, they see as a conspiracy long in the making.


Those who are enthusiastic about the defense minister running for president argue that Egypt is in need of a strong charismatic leader, someone capable of inspiring the people and reviving national ambitions. Such a leader, they believe, is needed to lead state institutions in coordinating their efforts to pick the country up from its fall and firmly restore the state's respect. Key reforms will undoubtedly require introduction of unpopular policies which can only be accepted if the people truly believed in the country’s leader. Enthusiasts point to the popular support Sisi enjoys and how Egyptians for instance accepted a harsh curfew which kept them at home starting from 7 p.m. and voluntarily observed its restrictions despite the negative economic consequences in a country where shopping traditionally takes place after sunset. Contrary to this, Egyptians had strongly rejected the Brotherhood’s government’s proposals to introduce legislation that would force shops to close at 9 p.m. 


Furthermore, supporters believe that Sisi's ascension to power as a president is necessary and even natural, since the country has only known military rule since the 1952 coup d’état. It was only recently that religious currents have challenged this monopoly, with a president elected from the Brotherhood. Also, according to them, a military leader like Sisi is badly needed to confront the Brotherhood's attempts to return to the forefront of the political scene, given all the risks this holds of things regressing.



In contrast, the majority of the Jan. 25 [2011] revolutionaries view this as a potential return to military rule and a dangerous setback for the revolution, for which thousands of martyrs sacrificed their lives. If Sisi becomes Egypt’s next president, for them this will indicate a comeback of the very regime they rebelled against. The sharp differences between supporters and critics of Sisi’s candidacy reveal the conflict between the Jan. 25 revolutionaries and the new comers of the June 30 protests against Morsi.


Sisi himself had announced on many occasions that he was not interested in ruling Egypt in the position of president, and that "protecting the people's will is more dear and more valuable than ruling Egypt." But these announcements only fueled the enthusiasm of his supporters and their insistence that he is the right candidate. Sisi undoubtedly emerged as a strong popular leader in a unique historical moment, saving the country and its people from the horrors of the Brotherhood's religious rule, which nearly hijacked the country with no hope of return. At the time of his intervention, Egypt had witnessed violent street confrontations between the Brotherhoods’ opponents and their supporters which was quickly developing to something which resembled the first signs of a civil war similar to the ones taking place in neighboring countries like Syria.


What Egypt really needs now is to promptly march along the roadmap. The new constitution must be drafted, debated and ratified, and then presidential and parliamentary elections must be held in an inclusive democratic process which leaves out no factions. Success in that endeavor can help improve stability and security, which are desperately needed for reviving the economy — including tourism, investment, service sector and industrial activities.  Then comes repairing the dilapidated state structures, hopefully putting Egypt on the threshold of a major breakthrough that would turn the country into a modern and advanced state. This requires the presence of a strong and neutral institution which is not a party to the political competition, and can act as an impartial guarantor and observer of the democratic transformation process. In the opinion of the majority of Egyptians, this institution is the armed forces. It would play this role through a subsequent transitional period, which may drag on for five or 10 years. Thus, Sisi running for president would prejudice this neutrality where the presidency and the armed forces would become two entities with one giant ruling will, with no one to oversee this enormous power concentration or scrutinize its policies. 


The Egyptian army has proven that governing the country is not on its agenda. At moments of severe state weakness, the army could have seized power without resistance, and be welcomed by the people. For example, one of these moments of weakness occurred during the bread riots on Jan. 18-19, 1977, then during the Central Security Forces’ rebellion in Feb. 1986 and finally following the Jan. 25 revolution. In these three instances, the armed forces insisted that its role was limited to resorting internal security. Once this was achieved, they returned to their barracks, leaving rule to the country's legitimate president.


In  a series of interviews which I had with Field Marshal Mohamed Abdel Ghani el-Gamasy, one of the greatest commanders of the October War and the minister of war during the bread riots in 1977, he remembered that before accepting the post of minister, he stipulated that President Anwar Sadat would not use the army to repress Egyptians. According to Gamasy, the army had regained its respect in the hearts of Egyptians following the October 1973 War, wiping out the shame of the Six Days’ War. After the 1967 defeat, Gamasy said, the army had firmly adopted a doctrine that it was necessary to distance itself from politics and be solely devoted to developing its combat capabilities as a professional army. This was to avoid what happened before 1967, when corruption resulted from the army meddling in most of the state's civilian affairs leading to the worst defeat in Egypt's modern history.


In my opinion, there is no military commander, regardless of his popularity, who can change this doctrine within the Egyptian army. The army operates as an institution with traditions, which no single member can compromise. If a commander becomes too full of himself that he decides to put his political ambitions before the army’s traditions, high- and mid-level commanders can remove him with minimal effort. Military sources revealed that Sisi ordered a wide poll to be held amongst officers and soldiers before deciding to go on challenging Morsi. Results revealed widespread approval in support of standing with the people on June 30 against the president. Such a poll was necessary because of the possible bloody confrontations where a soldier may have to carry arms against some of their own fellow countrymen as a result of such a step. The army’s move would only be successful if soldiers were convinced heart and soul of the necessity of such confrontations to protect the country from a much greater danger and strife that would threaten the people and the nation.


Some of those close to Sisi have come out and said that he asked that the popular campaigns calling for him to run for president be stopped, since his decision against running was final and irreversible. He wanted to prove to Egyptians and the entire world that the move carried out by the army was not how the West and some opposition members in Egypt perceived it: a desire to grab power. Rather, it came from a deep patriotic concern aiming to protect Egypt's identity and national security, and to safeguard its highest interests. It was to prevent the collapse of the state and stop the country from sliding into chaos possibly leading to civil war. Abdullah Sinawi quoted Sisi as saying that he would not run for the presidency even if millions took to the streets, blocking them for a week to pressure him. The army’s official spokesman also came out confirming that Sisi will not run for president.


Egyptians are currently experiencing a huge crisis of trust, a loss of faith in state institutions. This is a result of the corruption of the former regime. Revered national icons have one by one fallen from the grace. Skepticism has prevailed as not one person could serve as a role model for the youth. This has shaken the value system itself. A general belief is permeating  the national conscience in which everyone is corrupt, everyone is a hypocrite and those who preach patriotic slogans would be the first to disregard them in practice. Now, Sisi may be in a position to challenge this, set the record straight and restore this broken faith, cultivating confidence in state institutions.


Sisi's decision not to run in the elections is, in my opinion, the right decision and he should stick to it. This is because it can help restore confidence in state institutions and break this vicious cycle of skepticism, which itself leads to corruption, or at least to paralysis and inability to make decisions. A phenomenon known as "wobbly hands," where state officials are unable to make any decision, even if it is necessary to safeguard the country's interests, for fear that the official will later be accused of making the decision for personal motives or gains.


Today, Egypt may not need Sisi as a president as much as youth need to regain confidence that there are national figures who put the interests of the country above their own. Egypt does not need the military to rule, but rather — during the coming transitional stage — it needs the army to serve as a strong guarantor, which can support legitimacy and the democratic transformation capitalizing on its popularity and credibility in mobilizing popular support for elected governments and necessary, though sometimes unpopular, reform measures.


This puts Sisi and the army in an extraordinary situation for some time to come. And perhaps as a result of these exceptional circumstances, the next president will not be able to exercise full control over the army’s internal affairs or freely dismiss its commanders without first consulting the leaders of the army themselves. If this must happen, it should come as temporary situation that will eventually be phased out with time. We can look at transition models in other countries that have gone through the same experience to benefit from them at this stage. This may even require the constitution to clearly stipulate a special role for the army for a limited period, where the army protects legitimacy and the civil state, while the parliament and the Supreme Constitutional Court, for example, regulate potential interventions during the coming transitional period.


The message I wish to deliver to Sisi is: "Complete your favor, and don't yield to pressures demanding that you run for president. For Egypt needs restoring faith and confidence, more than it needs any president."

English: https://www.al-monitor.com/originals/2013/09/generalsisipresidentelection.html 
Arabic: https://www.al-monitor.com/ar/contents/articles/originals/2013/09/generalsisipresidentelection.html 

 Egypt "Post-Democracy" Nears Point of No-Return

 مصر تقترب من نقطة اللاعودة

Army Chief Warns of the Collapse of the State

 2013 Archive - Published in Al-Monitor 29 Jan 2013


Egypt is commemorating the second anniversary of its “Peaceful” Revolution with the shedding of yet more blood. Violent clashes in Cairo, Alexandria, Suez, Damanhour and Port Said left almost 60 dead and hundreds injured and the numbers are rising. There are circumstantial factors in every incident triggering violence. Whether it is the Port Said Football fans court verdict or regular confrontations between protesters and the police, but the root cause is political. It lies in the Muslim Brotherhood failure to create consensus around the shape of the political process. Last month, the Muslim Brothers insisted on putting forward the draft constitution to a hasty referendum despite opposition appeals to take more time to settle disputed articles. Liberals, leftists and representatives of Egypt’s Churches pulled out of the constituent assembly which drafted the constitution, leaving only Muslim Brothers and Salafis to craft a document which should ideally embody Egyptians’ ideology of coexistence in a country which had historically prided itself of being a “melting pot” and where accommodating diversity is a prerequisite for survival.

 

 

The referendum revealed that 57% of the voters in Cairo, Egypt’s capital and home to about fifth of Egyptians, rejected the draft constitution. And while urban voters all over Egypt mostly said “No” to the constitution, the Muslim Brothers, election savvy and superior in organization and funding, managed to pass the constitution with 63% majority. After the vote, a video was widely shared where Burhamy, a Salafi member of the constituent assembly, bragged about how Islamists deceived seculars and Christians from the beginning till the end. He described how Islamists dominated the constituent assembly by placing  secret “sleeping cells” or sympathizers with the “Islamist Enterprise” secretly in the seats allocated to “seculars” in breach of reached agreement. He then goes on explaining how he confounded seculars and Christians, whom he calls Nazerites, with tricky words and definitions from Sharia which would “annul and restrict rights and freedoms as never before witnessed in any Egyptian constitution”, according to Burhamy’s filmed confessions!  This comes after a Revolution which provided freedom for Burhamy and his Salafi fellows from prosecution that they suffered from for decades under Mubarak regime.

 

Clashes in Egypt reflect Muslim Brotherhood and opposition failure to work together in building a working democracy with an inclusive political process. Like many countries in Europe, no single political party or even stream commands an absolute majority in Egypt. This means Islamist and secular parties must work together to reach agreement on broader issues defining the political process. In the first round of the Presidential Elections, Muhamed Morsi, now president, got only 25% of the votes. This more or less represents the Islamists share of popular support in Egypt. The problem persists since the beginning of the revolution as the Muslim Brotherhood insists on getting 100% of power. The Muslim Brothers are skilled and experienced in election tactics and mobilization. There is no doubt about that. But they seem to be too clever for their own good. They are becoming hostage of their ability to leverage their popular share thus cornering the rest of the opposition in a squeezed political space where they will always kick back. This can hardly provide an atmosphere for a stable and sustainable government. A political party which has 25% popular support would usually seek coalitions and in so-doing accepts compromises. But for whatever technical reasons, the Brotherhood believes they do not have to make such compromises. They have been waiting for 85 years and this is their moment. They managed to get exceptionally much higher share in the elections following the revolution and they want to cling to that. The reality now is, this is an unsustainable situation and one which may threaten their future survival. On the other hand, the opposition, most notably the National Salvation Front (NSF), is limping and always a few steps behind. With mostly infant organizations and piggy bank financing, they can hardly turn the wide dissent against the Brotherhood into tangible election gains.

 

Since the revolution, Egypt has witnessed what we may call “post-democracy”. Failure of the democratic process to produce results agreeable to a wide spectrum representing diversity of the people, and specially the activists, is always met with resistance and pressure through protests, forcing authority to make amends to reflect voices of parties not even present on the table. Forces or sentiments poorly represented in the democratic institutions, such as the parliament, were able for instance to force SCAF and other political forces to amend a deal which would have left SCAF in power till 2013, bringing a deadline of handing power to a  civilian president to June 30, 2012. Similar pressure forced Morsi to withdraw his “Dictatorial Decrees” in November 2012. And when the Supreme Constitutional Court ruled to annul the People’s Assembly elected only months before, activists appalled with the Parliament’s performance applied zero or even “negative” pressure in sustaining the dissolved lower chamber of the Parliament.

 

On Sunday, President Morsi announced a state of emergency cities near Egypt's Suez Canal and invited NSF and other opposition leaders to dialogue the following day. NSF declined to join the dialogue accusing Morsi of not being serious and demanded guarantees which Morsi did not provide. People of Suez, Ismailia and Port Said totally ignored the curfew and organized massive rallies in defiance of the Emergency measures imposed. Commenting on the deteriorating security situation and increasing chaos the Army Chief announced on Tuesday that failure to reach a political deal threatens the integrity of the Egyptian State.

 

With the continued disarray of the political scene, Egypt may be approaching a point of “No-return” on the road to becoming a failed state on several dimensions. Lack of political consensus is dragging the economy preventing a much needed return to normalcy. Tourism is badly hit. Foreign investment, business and consumer confidence are at record lows. The Egyptian pound is losing grounds fast and could further go to a free fall if a political deal is not reached soon. This will in turn send prices of many basic commodities soaring which will further increase suffering of many people. What is worse is the general disintegration of law and order. Militias are being formed and smuggling of Arms from Libya has provided Jihadist organizations with ample supply of heavy ammunitions. If the political forces do not reach that deal soon, more street fights will erupt and intensify and the country will descend into chaos at which point the Army, supported by local and international demands for intervention, will almost certainly seize power to prevent further disintegration of the State.

 

Once this point of “no return” is reached, additional chaos would bring “loss of control” to an irreversible state when even a Military intervention would not be able to fix things or restore order. On the other hand, a Military coup will bring Egypt’s transition to square one or even a step below, as short-term measures which the Army would use to regain order may become long term deductions of newly acquired freedoms. Time will tell if the Egyptian political forces in government and opposition are able to grasp the risks involved as they push things ever closer to the brink, approaching the dangerous “point of no return”.

 

https://www.al-monitor.com/originals/2013/01/egypt-crisis-morsi-state-of-emergency-army-chief-warning.html

Twitter:

@WaelNawara

 

الشاطر يغزل برجل حمار ... ويتجاهل النول

 رؤية مصرية  

من أرشيف 2013 - نشرت في جريدة التحرير ثم ضاع السيرفر!

وائل نوارة

 

هل الشاطر شاطر؟

أمثالنا المصرية عبقرية، تحمل حكمة آلاف السنين وأسرار الحياة والبقاء - رغم المصاعب والتحديات - على الطريقة المصرية. وأحيانا تجد مثلين عكس بعض، والاثنان صحيحان كل في سياقه. أحد هذه الأمثال هو "الشاطرة تغزل برجل حمار"، الذي يدعو الإنسان للاجتهاد في أداء المهمة بما هو متاح، والابتعاد عن أسلوب التكاسل والتعلل بعدم وجود الأدوات أو الظروف المناسبة. ولكن ... ماذا إذا أصر الشاطر على أن يغزل برجل حمار ورفض استخدام النول بل مصنع أنوال كامل؟ ماذا إذا أصر الرئيس أو رئيس الرئيس على أن يقوم بحل مشكلة سياسية بهراوات عساكر الأمن المركزي – وعندما فشل أسلوبه استدعى الجيش، حتى وصلت الأمور لنشوب اشتباكات بين الجيش والشرطة! هل هنا يكون الشاطر "شاطر"؟

 

المجـد لقاهـري الحصبة ...

زمان كان الناس لا يجزعون من الأمراض ويبالغون في احتياطات حماية الأطفال منها مثل الآن، على أساس تشجيع الأطفال على توليد مناعة ذاتية ضد هذه الأمراض في سن مبكرة. ومن أغرب العادات كانت "حفلة الحصبة"! فعندما يصاب أحد الأطفال بالحصبة، وبدلاً من عزله عن باقي الأطفال تجنباً للعدوى، تقام حفلة الحصبة حيث يدعى أقاربه وجيرانه وأصدقاءه من الأطفال لتصيبهم العدوى والمرض حتى يكونوا مناعة ضد المرض فلا يصيبهم في الكبر. وأتذكر أنه في عام 2006 في أحد المناسبات الاجتماعية، قابلت أحد الأصدقاء "السابقين" وكان عضوا في الحزب الوطني من تيار "الفكر الجديد" الذي اخترق للأسف جمعية "لشباب الأعمال" كنت أحد مؤسسيها، ونتيجة لموقفي المعلن في حركة كفاية وحزب الغد، وكنت وقتها سكرتير عام الحزب المناهض لنظام مبارك وخطط التمديد والتوريث، أي أحد المسئولين عن تنظيم المظاهرات والاحتجاجات والحملات الاحتجاجية وأحد الأسماء غير المرغوب فيها أمنياً، انقطعت العلاقات تقريبا بيننا وأصبحت أتجنبه لأن مجرد السلام معي كان "تهمة". ولكن في هذه المناسبة وجدت أنه هو الذي توجه ناحيتي وبادأني الحديث عن خطورة ما نفعله بحسن نية، وأنه كله يصب في مصلحة الإخوان المسلمين، وكيف أن الإخوان مثل السرطان الذي يهدد مستقبل مصر ووحدتها. وكان ردي أن الإخوان لم يتوغلوا سياسيا ونقابيا ومجتمعيا إلا مع الاستبداد والقمع، ومنحنى صعودهم مرتبط بمنحنى صعود الحزب الوطني، وكيف أن الحزب الحاكم يجتهد لإضعاف واختراق وتفتيت أحزاب المعارضة الوسطية والوطنية، حتى يظل الخيار ما بين الحزب والوطني والإخوان، وصفقة الـ 88 كرسي رائحتها كانت لا زالت تقرف الأنوف. فالحزب الوطني والإخوان كانا وجهين لعملة واحدة وهي الاستبداد، ومفهوم أنه مع سقوط نظام مبارك سيصعد الإخوان للحكم ويحاولون الاستيلاء على مقدرات البلاد، ولكن وصولهم للحكم سيكون بمثابة الحصبة التي لابد أن تصاب بها الشعوب في مرحلة مبكرة من مسيرتها نحو الديمقراطية، أما تجنبها بالقمع والإجراءات الحمائية، فهو قفز على المراحل وضد الطبيعة، بل لابد أن يرى الشعب حكم الدجالين باسم الدين حتى يعلم في النهاية جوهر حكمة "الدين لله والوطن للجميع" بصورة عملية. نأمل من الله أن يشفينا من الحصبة في أسرع وقت وبأقل خسائر.

 

ائتلاف بلا خراف: صفعة جامعية على وجه المرشدير

وتأكيداً لهذا الحوار، نشاهد كل يوم كيف يثور أهل المحافظات المختلفة على حكم المرشدير. والمرشدير هو خليط بين مرشد ومشير، فهو مرشد لجماعة سرية إجرامية، لديها ميليشيات عسكرية، وبالتالي فهو بمثابة المشير والقائد العام لهذه الميليشيات، وهدفه المعلن أن يأخذ البلاد للوراء – مرشدير للخلف – حتى تتحكم الجماعة في ثرواتها ومقدراتها باسم الدين. وبعد الصفعة النسائية على وجه الجماعة، والصفعة القاهرية التي أوضحت أن "مصر" - وهذا هو اسم القاهرة لدى عموم أهل المحروسة - ترفض الجماعة ورفضت دستورها الأخرق بنسبة 57% رغم التزوير والتحايل، جاءت الصفعة الطلابية الجامعية على وجه المرشدير مدوية، فقد حقق الشباب البسيط من المستقلين والمعارضين، دون تمويل أو تنظيم سري ولا سحر ولا شعوذة، انتصاراً ساحقاً في معظم الكليات والجامعات على شباب الجماعة، واستخدم بعضهم شعارات طريفة، تندروا بها على انصياع شباب الجماعة وانسياقهم الأعمى وراء ضلالات قياداتهم، وكان أحد هذه الشعارات: "ائتلاف بلا خراف"!

 

أفضل استخدام لأصنام العجوة

وكما نطالب شباب الجماعة بالتحرر من ضلالات وهلاوس المرشدير والشاطر اللي بيغزل برجل حمار متجاهلاً النول والآليات الحديثة، نلاحظ أيضاً أن بعض الشباب من التيارات الأخرى قد صنع أصناما من العجوة لقيادات محترمة ولكنهم في النهاية بشر، يخطئ ويصيب. وتستطيع أن تشم رائحة العجوة عندما يبادرك أحد عشاقها بسؤال من نوع: "لكن هل لاحظت أن الزعيم الفلاني كل كلامه بيطلع صح في الآخر؟"، أو "مش واخد بالك إن فلان ده هو اللي بدأ مسيرة التغيير من سنة ونص وخمسة؟"، وغيرها من أساطير كاذبة وهلاوس وترهات لابد من التعامل معها بالأسلوب السليم. الوصفة: ضع ملعقة زبدة كبيرة في الطاسة، وأضف إليها "بيضتين مطقوشتين"، ضع صنم العجوة في الطاسة بعد تقطيعه مكعبات متوسطة الحجم في الطاسة، رش قرفة، مع التقليب المستمر حتى النضج وبالهنا والشفا.

 

المجـد لقاهـري الأتيكيفوبيا:

الإتيكيفوبيا Atychiphobia هي رهاب الفشل، وهي خوف مرضي (من المرض والعيا ربنا يكفيكم الشر) من الفشل، وهوس بتجنب الهزيمة، يجعل الشخص المريض يتجنب العمل والنشاط الطبيعي خوفاً من الفشل، فالمريض يبدأ بالتفكير في آلام الفشل قبل أن يفكر في أي منافع قد تنتج من المحاولة، ويبدأ يشعر بهذه الآلام وتتمثل له صورته بعد أن فشل، ونظرات الناس له، وتهكمهم عليه، وصورته التي ستتشوه، وتاريخه الذي سينتهي نهاية فاشلة، وتتضخم هذه المخاوف في قلبه، فتصيبه بشلل معنوي وعجز عن الانخراط في الأنشطة الطبيعية مثل الآخرين. وهؤلاء تجدهم في حياتك كل يوم، تراهم انسحابيين وسلبيين ومتجنبين لأي عمل يستشعرون فيه مخاطرة الفشل أو الهزيمة. ومن المفارقات أن ما يفعلونه هو نبوءة تسعى لتحقيق نفسها، فهم بالفعل ينهزمون ويعانون من هذه الآلام بصورة دورية، فالشخص يمكن أيضاً أن ينهزم نتيجة أنه لا يريد أبداً أن ينهزم، فبينما هو يتجنب أي احتمال للهزيمة من خلال تجنب مخاطر دخول المعركة، ينهزم "بردو" بالانسحاب عادي جداً. وهنا تكون النصيحة ... لا تمشي وراء الأتيكيفوبيك ولا تخلي الأتيكيفوبيك يمشي وراك.

 

إنهاء حرب التخالف وتجنب عصر الاضمحلال:

حكم المحكمة الإدارية بوقف الانتخابات، يعطي للإخوان والقوى السياسية فرصة للخروج من وضع كارثي. فالإخوان هم أقلية صغيرة ومتطرفة وبعيدة عن التيار الوسطي المصري، ومهما كان حجم تمويلهم وأسلحتهم ومخازنهم السلعية، لن يستطيعوا أن يقهروا الشعب المصري، وما يفعلونه الآن نتيجته سيئة جداً ستعاني منها الجماعة نفسها إذا استمرت في طريق العناد، وستكون النهاية أسوأ من أي كابوس يتخيله المرشدير والشاطر، والحل الذي تعلمه أي أقلية ناجحة هو الائتلاف مع الآخرين والمشاركة في الحكم وليس الانفراد. وفي نفس الوقت، لابد أن تفكر المعارضة بصورة احترازية، فجماعة المافيا لا يهمها سقوط مصر شرطة وجيشاً وهيكلا إداريا للدولة بل لعلها تتمناه، حتى تستطيع هي أن تنشر ميليشياتها وتتحكم في مقدرات البلاد. ولهذا لابد من العمل بكل الوسائل للخروج من "حرب التخالف"، حيث لا يتفق الأطراف على ملعب مشترك للصراع السياسي بقواعد متفق عليها، فنجد كل طرف يشد في ناحية، واحد ماسك رجل، والتاني بيشد إيد، والتالت بيشد شعر الست المسكينة، وتتخلع أوصال البلاد نتيجة لحرب التخالف ونكون جميعا من الخاسرين. اللي بيحب أكتر بيخاف أكتر على اللي بيحبه، وعندما حكم القاضي بشق الطفل نصفين، ظهرت الأم الحقيقية ورفضت هذا الحكم "العادل"، وأصرت على تسليم ابنها للسيدة الأخرى، فعلم القاضي من هي الأم الحقيقية. لقد دخلت مصر في عصور الاضمحلال عدة مرات، بين الدولتين القديمة والوسطى، والوسطى والحديثة وهكذا. ويتميز عصر الاضمحلال بضعف الحكومة المركزية وإفلاسها، وتبدأ الأقاليم (المحافظات) في الإعلان عن استقلالها الذاتي، وتشح السلع في الأسواق، ومعها يتسع نطاق السلب والنهب، وتنهار سطوة القانون، ثم تنهار الدولة. هل يذكرك هذا بأي مشهد معاصر؟

دعاء ختامي:

ما علاقة كل هذا الكلام الفارغ ببعضه؟ كيف أدى استخدام رجل الحمار في الغزل إلى كل هذا؟

 

اللهم خلصنا من الأحمق الذي يصر على أن يغزل برجل حمار، واشف المريض برهاب الهزيمة، واجعله يتعلم من تجربة الطلبة وحفلات الحصبة. اللهم اطعم مريديه العجوة بالبيض، وجنبهم المشي وراءه إن هو أصر على الأتيكيفوبيا، حتى نتجنب أن تدخل مصر في عصر الاضمحلال، في وردية حراستنا القصيرة لأرض الأم. آمين. قادر وكريم.

 

 

 الخروج من الأزمة قبل انهيار الدولة

 رؤية مصرية

من أرشيف 2013 - نشرت بجريدة التحرير

وائل نوارة

 

ينظر الكثيرون حولهم، فيجدون العمارات شاهقة والسيارات فارهة، والشوارع عامرة والتليفونات ناطقة، والأسواق مزدحمة والبنوك بنقود العملاء متخمة، والعيش في المخبز والخضار في السوق، وحوادث السطو والسرقة محدودة نسبياً، وأعمال العنف محصورة في أماكن قليلة، بينما الحياة الطبيعية تأخذ مجراها في كل مكان آخر، وبالتالي يشعرون بالأمان، ويأخذون وجود الدولة المصرية كأمر مسلم به. وليس الهدف هنا تخويف القارئ أو خلق فزاعة جديدة من انهيار الدولة، ولكن التنبيه ودراسة المخاطر التي تحيط بالدولة المصرية في هذه اللحظة.

 

الدولة، عبارة عن مجتمع منظم يعيش على رقعة أرض محددة تحت قيادة سياسية موحدة. والسبب الوظيفي لظهور الدولة، هو تقديم خدمات حياتية لأفراد المجتمع، يعجز أي منهم عن أن يحصل عليها وحده أو يصعب عليه ذلك، مثل الطرق والكباري والأمن الداخلي والخارجي وهكذا. ومن أجل تقديم هذه الخدمات الجماعية، تحتوي الدولة على مجموعة من المنظومات التي تعمل وتتفاعل وتتشابك لتشكل معاً منظومة متكاملة، فكل من هذه المنظومات تمثل عموداً يقوم عليه بنيان الدولة، وتأتي الحكومة لتدير هذه المنظومات وتتحقق من حسن عملها وتطور منها، وتتخذ القرارات والسياسات والتشريعات التي تحدد شكل وطريقة عمل هذه المنظومات، والموارد المخصصة لكل منها، وآليات ومصادر تمويلها.

 

وللإنصاف، دخلت الدولة المصرية في حالة ضعف وتحلل منذ عقود عديدة، ظهر في قصور وظيفي لأداء هذه المنظومات، مثل الأمن والتعليم والصحة، والنقل الداخلي والإسكان والتراخيص، والتشريع والأمن والعدل والسياسة والإعلام ... إلخ، ونتيجة لهذا القصور والفشل في أداء هذه الوظائف الحياتية، ظهرت المنظومات الموازية (مثل الدروس الخصوصية – والعلاج الخاص – والميكروباص – وشركات الأمن الخاصة والبلطجة، والجماعات والحركات السياسية غير الرسمية، والمدونات والشبكات الاجتماعية، ... إلخ)، وتشابكت هذه المنظومات الموازية وتفاعلت بدورها مع بعضها البعض، حتى تكون ما أطلقنا عليه "الدولة الموازية" في سلسلة من المقالات نشرت في الفترة من 2002 وإلى 2006. ويمكن القول بأن ثورة يناير كانت تعبيراً عن لحظة تقلصت فيها سلطة الدولة الرسمية مقابل تعاظم سلطة الدولة الموازية، فسقطت الدولة الرسمية بقرار من دولة موازية في ميدان التحرير وباقي ميادين الثورة، التي حلت محل مجلس الشعب بل وجزء من السلطة التنفيذية.   

 

وصاحب الفترة الأولى للثورة المزيد من التصدع في أعمدة الدولة، فقد انهار جهاز الأمن الداخلي بالكامل، وحملت القوات المسلحة عبئاً جسيما للحفاظ على ما تبقى من تماسك بنيان الدولة، في مواجهة انفجار القدر المضغوط، حيث خرجت كل طوائف الشعب المقهورة تعبر عن غضب كان مكتوما لسنوات وعقود، فالبعض يطالب بزيادة مبررة في الرواتب، والبعض الآخر يطالب بإسقاط الديون أسوة بغيره، وآخرون يطالبون بتغيير الهياكل والقيادات الفاسدة وهم محقون، ومتطرفون يطالبون بتطبيق رؤيتهم المتشددة في التشريع، وإخوان كاميليا يطالبون بكاميليا، وهكذا. وفي نفس الوقت، قام عدد مؤثر من أصحاب الأعمال بتصفية أو تقليص أعمالهم خوفاً من المحاسبة أو الانتقام، وبعضهم نجح في تحويل أرصدته لخارج مصر، كل هذا في الوقت الذي كانت فيها أعمدة الدولة بالفعل في حالة سيئة ومهترئة، وفي حاجة لتدخل إصلاحي سريع بالتنكيس والتقوية أو إعادة البناء والهيكلة، وهو ما لم يتم. وفي نفس الوقت، سعت جماعة الإخوان المسلمين للهيمنة على المشهد السياسي بعد الثورة، وأقنعت المجلس العسكري بقصة وهمية عن قدرتها على التحكم في مسار الحراك الثوري، فانفردت برسم خريطة التحول الديمقراطي التي فصلتها لمصلحتها الخاصة باستخدام نظرية الروافع المتتالية. وتتلخص نظرية الروافع المتتالية في تحويل التأييد الشعبي المحدود للجماعة والذي بلغ في انتخابات مجلس الشعب حوالي 37% - في غياب قوة كانت أساسية في المشهد السياسي السابق وهي الحزب الوطني المنحل – حيث نجح الإخوان في تحويل هذه النسبة إلى سيطرة بنسبة 100% على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، من خلال أن تفوض خريطة الطريق البرلمان في اختيار أعضاء التأسيسية – مع رفض وضع أي معايير للاختيار، فأصبح هذا يعني أن أي تيار أو تحالف سياسي يملك 51% من مقاعد البرلمان، يستطيع أن يختار 100% من أعضاء اللجنة التأسيسية.

 

ثم جاءت الانتخابات الرئاسية وظهر بوضوح أن التيار الطائفي لا تزيد شعبيته عن 25% أو على الأكثر 33% من الأصوات رغم بذخه الشديد في الإنفاق، وأصبح السؤال، كيف سيستطيع الإخوان والسلفيون وحدهم أن يحكموا البلاد وهم أقلية متطرفة وبعيدة عن الوسطية المصرية، وخاصة في مرحلة من المفترض أنها انتقالية، يتم وضع أسس العملية السياسية فيها. ومن أجل أن يفوز مرسي في الانتخابات، سعى لتكوين جبهة من القوى الثورية لتؤيده في المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وفي المقابل، قدم عدة وعود، مها إعادة تشكيل التأسيسية بصورة متوازنة. ولكن بعد فوزه، تنكر مرسي لتعهداته، وزاد عليها بأن انقلب على الإطار الدستوري الذي أقسم على احترامه، مرة في قرارات أغسطس، والأخرى في قرارات نوفمبر التي أشعلت الغضب ضده، وقامت ميليشيات التيار الطائفي بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي، وصولاً لأحداث الاتحادية التي نزلت فيها ميليشيات الإخوان وقتلت وجرحت وعذبت أكثر من ألف مصري ومصرية، وتم التعذيب في المساجد القريبة من وداخل القصر الجمهوري نفسه. وبقيام الإخوان باستخدام هذه الميليشيات في قتل مصريين، انهار ما بقي من دولة القانون وتخضبت أيدي الجماعة بدماء المصريين، وأصبحت البلاد في حالة حرب أهلية. فطبقاً لتعريف ماكس ويبر فإن أحد خواص الدولة أنها تحتكر العنف المشروع من خلال الشرطة والجيش، فجاءت ممارسات الإخوان لتهدم ركنا جديداً من أركان الدولة.

 

أما المقوم الأساسي للدولة، وهو بمثابة صبة الأساسات التي ترتكز عليها باقي الأعمدة، فهو وجود مفهوم موحد يتبناه أهلها للتعايش السلمي المشترك الذي يوثقه في العادة إعلان للمبادئ والحقوق أو دستور، وعندما طرح مرسي مسودة دستور غير توافقي للاستفتاء عليه، وهو الدستور الذي يصفه برهامي بأنه يضع قيودا كاملة على الحريات لم توجد من قبل في أي دستور مصري، فقد نسف هذا الأساس، حيث صوت 57% من أهل القاهرة عاصمة البلاد ضده، ولكن هذا الدستور مرر بنسبة 63% في استفتاء حفل بالتجاوزات، ولم يمكن تمريره سوى بالاعتماد على المناطق البعيدة عن أعين الإعلام ورقابة المجتمع المدني أو التي تعاني من سوء الخدمات التعليمية أو الأماكن التي لم تصل إليها الأحزاب الجديدة بعد. وفي كل الأحوال، فقد قسم هذا الدستور المصريين بدلاً من أن يوحدهم، ضارباً أساس الدولة المصرية في مقتل.

 

ومع غياب وجود توافق وطني حول الدستور وقواعد العملية السياسية، والرفض الشعبي لمحاولات جماعة الإخوان الهيمنة على البلاد و"أخونة" مفاصل الدولة، تصاعدت الاحتجاجات وأصبح النظام السياسي مهدداً بالانهيار في أي لحظة، مما أدى بالطبع لآثار اقتصادية خطيرة، فقد تراجعت حركة السياحة والاستثمار، وتراجعت العملة الوطنية لأدنى مستوى لها على الإطلاق، مع تصاعد عجز الموازنة والدين العام لأرقام غير مسبوقة في تاريخ مصر، وأصبحت مصر على شفا الإفلاس، وقيل أن الحكومة قد تعجز عن سداد رواتب موظفيها أو قد تضطر "لطبع نقود وهمية" مما يؤدي لموجة غلاء. وعندما تنصل مرسي من وعوده مرة أخرى بتعديل الدستور، علاوة على غياب أي تحقيقات في وقائع الاتحادية، اندلعت الاحتجاجات في ذكرى الثورة، وتأزمت الأمور لدرجة كارثية وخاصة في السويس وبورسعيد مع سقوط خمسين شهيداً وآلاف الجرحى، وفرض حالة الطوارئ وحظر التجول، الذي لم يمكن تطبيقه وتحداه شعب مدن القناة، وبهذا انهار عمود آخر، وهو هيبة الدولة. 

 

إذن تصدعت أعمدة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمن والقضاء واحترام القانون والدستور بل وهيبة الدولة نفسها – مع وجود مخاوف نتيجة لتصريح وزير الدفاع تتعلق بتماسك الجيش نفسه، وهو خط الدفاع الأخير للدولة المصرية، التي تقترب بسرعة من نقطة اللاعودة. ومع استمرار حالة الاحتراب السياسي وانتشار الميليشيات والأسلحة، والتربص بين التيار الطائفي وباقي التيارات، مما يضع على هذه الأعمدة المزيد من الأحمال وبالتالي يضاعف من مخاطر انهيار الدولة ككل.

 

كيف نخرج من هذه الأزمة؟

 

مفتاح حل كل هذه الأزمات هو تصميم المبنى وأساساته، أي الدستور وقواعد اللعبة السياسية، ولابد من الوصول لحل سياسي بسرعة يتضمن تعديل الدستور ورسم خريطة طريق لمرحلة انتقالية جديدة، وإلا قد ينهار النظام السياسي مما قد ينتج عنه انهيارات في أعمدة أخرى تتهاوى بصورة متتالية مثل قطع الدومينو. وبالطبع انهيار النظم السياسي قد يؤدي للمزيد من العنف بين الأنصار الغاضبين من الطرفين، كما سيرسخ حالة التربص على فرض استطاعة الطرف الآخر أن يشكل مجلس رئاسي أو سلطة انتقالية. أما إذا أصرت السلطة على الاستمرار في هذا الوضع المستقر، تكون كمن يحاول أن يجعل خروفا يقف على رجل واحدة بدلاً من أربعة أرجل، وهو وضع غير مستقر ويجعل الخروف في النهاية يسقط سقوطاً مدوياً.

فلاش باك من سيناريوهات اليوم التالي

 فلاش باك من سيناريوهات اليوم التالي

رؤية مصرية  

من أرشيف 2013 - نشرت بجريدة التحرير

وائل نوارة

لو رأينا سيناريوهات المستقبل، هل يمكن أن نختار أحدها ونسلك الطريق الذي يأخذنا له؟ أم أننا اخترنا بطبيعتنا المحددة أحد المسارات  منذ زمن طويل ولا يمكن أن نحيد عنه الآن، وقدرنا أن نلتقي بالنهاية المحتومة؟

السيناريو الأول: تتحول الثورة للعنف ويسقط النظام ولكن!

 

بدأت مجموعات من الشباب الملثم في تصعيد العنف ضد قوات الأمن، وأعلنت أن الفوضى هي نتيجة لغياب العدل والقصاص، وهجمت على المحلات والمنشآت الحيوية، وقطعت الطرق والكباري السكك الحديدية ومترو الأنفاق، وبدأت هذه الجماعات الفوضوية تستولى على الأتوبيسات وسيارات الأمن المركزي وتهاجم بها محابس ورموز السلطة، مثل التليفزيون وقصور الرئاسة والوزارات السيادية، بينما انسحبت معظم الحركات السلمية ووقفت بعض القوى السياسية في مؤخرة الأحداث تنتظر ما ستسفر عنه المصادمات، ربما تفرز موازين جديدة للقوى تعضد موقفها السياسي والتنظيمي الضعيف، أو عل المواجهات تفرز فراغاً في السلطة يتقدمون بسرعة من المؤخرة لاستغلاله. وانسحب أفراد الشعب المتعاطفون مع الثورة عندما رأوا أنهم ينجرون لمصادمات تنخذ المبادأة بالعنف سبيلاً لها، أما الحركات السلمية، فقد تركت كلها تقريبا الميدان باستثناء خدمات الإسعاف والمساعدات الحقوقية لمن يلقى القبض عليهم.

 

ولعدة أيام استمرت المواجهات الدامية وحروب الشوارع وامتدت لتشمل رقعة واسعة غير محددة، حيث كانت تأتي الضربات من مجموعات صغيرة في أماكن متفرقة، مثل أقسام الشرطة ومقرات الحزب الحاكم وجماعته، وأعلن الحزب الحاكم أن الشرطة متواطئة مع الفوضويين، رغم أن الشرطة كانت من أكثر المتضررين من الأحداث أفراداً وعتاداً ومنشآت، وبدأت الجماعات الجهادية تخرج بأسلحتها، لتتسع رقعة المواجهات وتتعقد، تارة بين الشرطة والفوضويين، وتارة بين الفوضويين والجماعات الجهادية، وفي معظم الأحيان بين الشرطة وبين أطراف متعددة، أو بين أطراف غير محددة بعضها البعض.

 

وتدريجيا انهارت قدرة الشرطة على مواجهة الأحداث، وبدأت بعض المنشآت الحيوية ومحطات الكهرباء والمياه والقناطر ووسائل الإعلام تتساقط في أيدي مسلحين متعددي الانتماءات، وأعلنت القوات المسلحة أن الوضع على وشك الانفلات بالكامل فنزلت بكامل ثقلها مدعومة بمطالبات من القوى السياسية محليا ودوليا وسط تأييد شعبي واسع، وأعلنت الأحكام العرفية، ونجح الجيش في أيام قليلة في استعادة السيطرة على بعض المنشآت الهامة، وقلت حدة الاشتباكات إلى حد ما مع عودة اللجان الشعبية وتعاونها مع الجيش.

 

قرر الجيش إلغاء الدستور الجديد سبب المصائب، وعودة العمل بدستور 1971 بعد تعديله، ودعى القوى السياسية للحوار حول تشكيل مجلس رئاسي مدني عسكري، لإنقاذ البلاد من الفوضى، وبعد أيام من مناقشات عقيمة، انسحبت القوى الدينية من الحوار، وأعلنت أن الجيش يحابي القوى السياسية المدنية، وأنه لا بديل عن عودة الشرعية والرئيس المنتخب والدستور الذي أقره الشعب، وعندما رفض الجيش تلك المطالب بحجة أنها لا تتفق مع معطيات الواقع المعقد، الذي يستدعي تشكيل جبهة سياسية واسعة تشمل قوى أخرى خلاف الإسلاميين للوصول للسلام الاجتماعي، أعلنت الجماعات الدينية تكفير قيادات الجيش، وأنهم قد خضعوا لابتزاز بني علمان ومن يساندهم من القوى الغربية، وأعلنوا الجهاد المسلح ضد الدولة الكافرة التي ترفض تطبيق شرع الله.

 

ومع ذلك تشكل المجلس المدني العسكري بمشاركة بعض الرموز الدينية، ولكن الجماعات الجهادية بدأت في شن هجمات متتالية على قوات الجيش والشرطة والمنشآت الحيوية، وأعلنت انفصال سيناء وقيام إمارة إسلامية بها، واستغلت إسرائيل الفرصة وبدأت تخترق الحدود المصرية بصورة منتظمة بحجة الدفاع عن نفسها وحماية حدودها، مهددة باحتلال سيناء لأي نقطة تراها مناسبة للدفاع عن أمنها الاستراتيجي إذا لم تنجح السلطة المصرية في استعادة السيطرة على شبه الجزيرة في خلال مهلة محددة.

 

واستمر الوضع المأساوي غير المستقر لسنوات عديدة، وازدادت المعاناة وشحت السلع الأساسية وانهار الأمن والخدمات بصورة غير مسبوقة، ووقفت الدولة المصرية الحديثة مترنحة على حافة الانهيار.

السيناريو 2: تتحول الثورة للعنف ولكنها تفشل ويولد نظام جديد متوحش

 

مع قيام المجموعات الفوضوية بمهاجمة الجيش والشرطة والمنشآت الحيوية، طالب الجيش القوى السياسية المعارضة بسحب تنظيماتها من الشارع وإدانة العنف، ولكن في الواقع لم تكن هناك سيطرة حقيقية للمعارضة على الأحداث، فأعلن الجيش أن المعارضة لم تستجب لنداء العقل، وأنها تغامر بإشعال حرب أهلية تهدد المصالح العليا للبلاد، وأعلن الجيش أنه نتيجة لهذا سيتدخل لحماية الشرعية التي اختارها الشعب، وأعلن الرئيس الأحكام العرفية، وأصدر النائب العام الأمر بالقبض على قيادات القوى السياسية المعارضة والحركات الشبابية والإعلاميين المحرضين، وفوض الرئيس القوات المسلحة في اتخاذ ما تراه مناسباً لاستعادة السيطرة على الأوضاع، وحظت هذه القرارات بتأييد واسع من الشعب الذي ضج من غياب السلع الأساسية. فرض الجيش حظر تجول طويل وأعلن التعامل بحزم مع أي محاولة لخرق حظر التجول أو تكدير الأمن، وتم بالفعل إطلاق نيران حية على بعض من خرقوا حظر التجول ليكونوا عبرة لغيرهم، ولكن هذا أدى لتعاظم الغضب ضد الجيش والدولة لدى الجماعات الثورية التي تحول معظمها للعنف ملتحقاً بصفوف الفوضويين، وتصاعدت وتيرة الصدامات العنيفة، ولكن الجيش نجح في استعادة السيطرة على زمام الأمور تدريجياً بتكلفة باهظة من الأرواح والاعتقالات، ثم أخذ في تأمين جميع المصالح والمنشآت والإعلام بصورة مباشرة، وبالتالي بدأت قبضة السلطة المدنية تتقلص، ثم بدأ الجيش في القبض على العناصر الفوضوية والجهادية والكشف عن تسليحها، وألقى بعشرات الآلاف في السجون وتم إعدام المئات ممن أعلن تورطهم في حمل السلاح أو القيام بأعمال عنف وتخريب، ولكن الجماعة لم ترض بخروج السلطة من يدها بهذه الطريقة، حيث أصبحت سلطات الرئيس تقريباً شرفية ومراسمية، وأصبحت كل السلطات في يد الجيش، الذي تواجد ضباطه في كل موقع ومنشأة ومصلحة لحمايتها، ولكن الجيش نجح في احتواء هذا الغضب من خلال إعطاء الجماعة بعض مساحات السلطة والاقتصاد، فرضيت بذلك إلى حين، مضمرة الانقلاب على الجيش في أقرب فرصة، واستمرت البلاد في وضع غير مستقر، وتراجعت الحريات والديمقراطية لأسوأ مستوى لها في البلاد على مر قرن ونصف.

 

السيناريو 3: تبقى الثورة سلمية وتنجح في بناء نظام جديد النظام

 

أعلنت قيادات المعارضة أن هدفها هو إسقاط دستور الجماعة بصورة سلمية وحذرت من العنف، وشكلت مجموعات كثيفة من الثوار للحيلولة بين الجماعات الفوضوية وبين التصادم مع الشرطة، وأعلنت قيادات شباب الثوار أن اللجوء للعنف هو بمثابة شهادة وفاة للثورة، لأن الشعب سيلفظ جر البلاد للفوضى، ونجحت تنظيمات المعارضة السلمية في جذب أعداد كبيرة من المؤيدين في الميدان، وأصبحت الجماعات الفوضوية معزولة وانكشف صغر حجمها وتأثيرها الضعيف، وبدأ أعضاؤها ينسلون منها واحداً بعد الآخر لينضموا للتنظيمات الثورية السلمية أو يؤيدونها ويمشون وراءها. وحاصر الثوار قصر الاتحادية، وبعد عدة أيام وضغوط من وراء الستار من جهات متعددة، أعلن الرئيس إلغاء العمل بالدستور المعيوب، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وفوض رئيس المحكمة الدستورية العليا في رئاسة البلاد بصورة مؤقتة، وتم تشكيل لجنة بتمثيل متوازن من كافة أطياف الشعب لوضع مسودة لدستور الثورة، وقام تيار إصلاحي من شباب الجماعة بالإطاحة بالقيادات "التي شاخت" وأعلنوا حل تنظيمات الجماعة السرية وميليشياتها العسكرية وتصفية شركاتها، وأسس البعض الآخر جمعيات دعوية وأقسموا على الابتعاد عن السياسة بشكل كامل، مكتفين بوجود أحزاب سياسية تمثلهم دون تداخل بين السياسة والعمل الدعوي، وأعلن حزبهم بعد إعادة تشكيله أنه لن يسعى للحصول على الأغلبية في البرلمان القادم، وأنه سيكتفي بالمنافسة على ثلث المقاعد، حتى لا يحصد سلطة أكبر من تمثيله الحقيقي في المجتمع، وحتى لا يصبح تفوقه التنظيمي واللوجيستي سبباً لهلاكه، مع إعطاء دور أكبر لشباب الثوار والمرأة والمسيحيين والعمال والفلاحين وأهل البدو والنوبة بجانب الخبراء والعلماء والمفكرين، وبدأت البلاد لأول مرة تتنسم عبير السلام الاجتماعي، وبدا أن الصراع السياسي الطويل قد أقنع جميع القوى والطوائف أنه لا يمكن التخلص من أي طرف، وأن حصول أي حزب أو جماعة على نصيب أكبر من حجمه الحقيقي هو عبء عليه وليس ميزة، وأن المشاركة في المسئولية بين الجميع عقب ثورة عظيمة، هو الحل الوحيد لبناء نظام جديد يتسع للجميع ويسمح بالخروج من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتفاقمة. وفي خلال شهور قليلة، بدأت وطأة المشاكل والأزمات والكوارث تخف تدريجياً، ثم بدأت مصر تحصد ثمار الاستقرار السياسي اقتصادياً واجتماعيا، ولم ترض بعض القوى الإقليمية والدولية عن هذا الوضع الجديد، وبدأت تحيك المؤامرات لوضع بذور الفرقة بين المصريين من جديد، خشية من القومة الهائلة للعملاق المصري من سباته العميق. 

خاتمة

والآن، أي سيناريو نختار؟ وهل يمكن أن نقوم بعمل فلاش باك من السيناريو المطلوب ونشرع في تنفيذه اليوم؟

 

                                                                   

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook