Tuesday, August 12, 2008

El Ghad Paper Standoff

كان من المفترض أن يصدر العدد الأول لجريدة "الغد" يوم الأربعاء 9 فبراير 2005، برئاسة تحرير الأستاذ إبراهيم عيسى، الذي تطوع بالعمل هو وفريقه بدون أجر في رئاسة التحرير لحين أن نتدبر الموارد المالية لإصدار الجريدة. كان أيمن نور في السجن منذ رفع الحصانة عنه قبل عشرة أيام، وبالتحديد يوم 29 يناير 2005.


وقضيت مساء الاثنين 7 فبراير كله في إحدى مكاتب فصل الألوان في "دوحة ماسبيرو" بميدان الشهيد عبد المنعم رياض، حتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 8 فبراير، مع إبراهيم عيسى وفريقه، للعمل على وضع اللمسات الأخيرة في العدد الأول من جريدة الغد، وهو العدد الذي تحالفت السلطة على منعه من الصدور بالضغط على قيادات داخل حزب الغد وإعادة قيادات أخرى من الخارج لإجبارهم على إيقاف هذا العدد، والإطاحة برئيس التحرير، الأستاذ إبراهيم عيسى - من الجريدة. ويقال أن السبب في منع العدد هو أن المانشيت الرئيسي كان يحمل عبارة "حتى القردة في حديقة الحيوانات تعلم أن الاستفتاءات مزورة"، ولكنني أعتقد أن الموضوع كان أعمق من ذلك، فالحكومة لم ترغب أن يتحالف قلم إبراهيم عيسى الصحفي مع قدرات وشعبية أيمن نور السياسية، وشعرت أن مثل هذا التحالف قد يكون كفيلاً بإحداث "قفلة"، ومخاطر غير مقبولة بالنسبة لبقاء النظام. ففي ديسمبر 2004، وبمجرد أن انتشر خبر أن جريدة الغد ستصدر برئاسة تحرير "إبراهيم عيسى"، قامت الحكومة بإعادة السماح بإصدار جريدة "الدستور" التي كانت قد أوقفتها لمدة 7 سنوات! وكان الهدف الواضح هو إبعاد إبراهيم عيسى عن الغد.


....... ومقالي هذا - كان من المفترض أن ينشر في ذلك العدد - الذي لم ير النور أبداً.


المسرحية


عبر عقود طويلة، نعيش مسرحية عبثية مملة، تتكون من آلاف الفصول التي تتكرر كل يوم، دون أدنى أمل في نزول الستار إيذاناً بالنهاية. وهذه المسرحية تأتي تحت مسميات عديدة، مثل "أزهى عصور الديمقراطية" و"التعددية" و"التنمية"، وغيرها من الأسماء الهلامية، التي لا تجد لها في فصول المسرحية انعكاساً ولا صدى. وهي مسرحية من تأليف وتمثيل وإخراج شخص واحد هو الحزب الوطني، الذي يحاور نفسه طوال المسرحية، في مونولوج سخيف، لا يمتع ولا يضحك، ولا يغني ولا يسمن من جوع.

الفصل الأول من المسرحية هو فصل الإنجازات، الذي يتحدث عن تطور ضخم وتنمية يشهد لها الشرق والغرب، في عالم التصريحات والمليارات، المطعمة بما تيسر من إحصائيات، ومعظمها مضلل لا يصدقه الشعب، الذي عليه – رغم المسرحية - أن يعيش في العالم الحقيقي، وهو عالم لا وجود فيه للرخاء الحكومي، حيث الأسعار ترتفع بصورة مستمرة، بينما تعاني الأجور من الأنيميا الحادة، ويعاني الجنيه من البلاجرا المزمنة، بما يدفع الموظف المسكين إلى أن يمتهن أعمالاً أخرى، أو يطلب الإكراميات مقابل تأدية الخدمات وتمرير الاستثناءات، حتى صدرت فتوى شرعية بأن تقديم الرشوة حلال. الموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي إحدى أغاني الإشادة، الذي تؤكد أن الشعب بكامل حريته قد اختار الحزب الوطني دون غيره، لحبه الشديد في الفقر وشظف العيش. خلفية المسرح عبارة عن لوحة ضخمة وردية، دون أي تفاصيل.

الفصل الثاني من المسرحية هو فصل الريادة والتفوق، والعالم الذي يشيد بنا في كل مناسبة وبدون مناسبة، بشهادة صحيفة فرنسية مجهولة تمتدح دوماً أداء الاقتصاد المصري. وتبحث عن تلك الصحيفة الفرنسية حتى تطمئن بنفسك على الأحوال، فتجد أنها صحيفة حائط في المدرسة التجارية الفرنسية بالظاهر. وبينما يشيد العالم بأدائنا المتميز، ولا ينام الليل من فرط حلاوتنا التي هي "زايدة حتة"، باعتبار أن الجريدة (الفرنسية) تصدر الساعة (ستة)، وبينما تحسدنا الصحيفة على الريادة التي لا مثيل لها، يصطدم الشعب بالواقع المرير، والأصفار التي نحصل عليها في كل مجال بجدارة وامتياز، حتى أصبحت تلك الأصفار مثل لعنة شريرة تطاردنا باعتبارنا من سلالة الفراعنة. وطوال هذا الفصل، تسطع أدلة الريادة في خلفية المسرح، التي تزدحم بمقتطفات من الصحف القومية التي تؤكد تفوقنا الملحوظ، بشهادة الخواجات الأجانب. والموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي أغنية تتحدث عن فضائل الاستقرار، ومثالب التغيير الذي لا يعلم أحد ماذا يمكن أن يأتي من ورائه، من باب أن "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش".

الفصل الثالث من المسرحية هو فصل "الاستثمار"، تبدأه حكومة الحزب الوطني بالتغزل في المستثمر، وغوايته بالامتيازات والإعفاءات والوعود لجلب أمواله. وما أن يأتي المستثمر المسكين بأمواله، حتى تطالبه الحكومة بقائمة من المستندات والتراخيص والتصاريح والموافقات، فيجتهد المستثمر في الحصول عليها إعلاء للشرعية وسيادة القانون، ويصطدم أثناء ذلك بالأدراج المفتوحة ونصف المفتوحة، والقرارات العشوائية المتلاحقة، وعدم سداد مستحقاته إن كان مورداً للحكومة، ثم ينتهي الفصل بالملاحقة البوليسية عندما يتعثر المستثمر المسكين ويصيبه الإفلاس، فيسجن أو يهرب خارج البلاد، وينتهي الفصل بخلفية ضخمة، تزينها أسماء المستثمرين بعد وضعهم على قوائم ترقب الوصول، والموسيقى التصويرية تنقلب من موسيقى رومانسية حالمة في البداية، إلى موسيقى رعب، ثم تنتهي بأصوات سارينة سيارات الشرطة، وصوت لطم وشق الهدوم، ونواح المستثمر وأسرته لحظة القبض عليه.

وهناك المزيد من الفصول مثل فصل الرعاية الاجتماعية، وهو فصل فعلاً لأنه ينتهي بنهب أموال التأمينات، وفصل انتشار الخدمات الصحية، الذي ينتهي بوفاة المريض بسبب عدم توفر الدواء، وفصل التنمية البشرية وتميز التعليم الحكومي الذي ينتهي بفاصل من التلقين في أحد الدروس الخصوصية، ثم مشهد لشباب يجلس على الرصيف نتيجة للبطالة المتفشية والمحسوبية في التعيين. أما الفساد والبيروقراطية، فلا يوجد لأي منهما فصل خاص، لأنهما يتجولان في أرجاء المسرح جيئة وذهاباً طوال الوقت وأثناء كل الفصول، ثم ينزلان من على خشبة المسرح، ليقوما بتقليب المشاهدين المساكين وشق جيوبهم بالأمواس والمشارط علناً، ويضحك المشاهدون باعتبار أن هذا هو جزء من المسرحية، رغم تأكدهم من استحالة عودة أموالهم إليهم، ويتذكرون فصل توظيف الأموال اللطيف، الذي انتهى بتوزيع "الحلل" البلاستيك على المشاهدين تعويضاً لهم عن مدخراتهم، بينما ازدانت الخلفية بأسماء كبار المسئولين فيما عرف بكشوف البركة.

وأثناء فصول المسرحية، ولأن الموضوع تمثيل في تمثيل، تتظاهر الحكومة بتقديم الخدمات للشعب، من تعليم وصحة وأمن وعدل ومرافق، وتعد الشعب بتوظيف أبنائه، وتمنح موظفيها المرتبات والعلاوات. تتظاهر الحكومة بذلك، وفي المقابل، وبعد تمرس طويل، يتظاهر الشعب بأنه يسمع كلام الحكومة ويحترم قوانينها، ويمصمص شفتيه ويهز رأسه تصديقاً لتصريحاتها، وهو يعلم تمام العلم أن تلك التصريحات (فشنك)، وأن تلك القوانين واللوائح قد عفا عليها الزمن ولم تعد تصلح للتطبيق على أرض الواقع، لتستمر المعاناة الشديدة والنفاق الجماعي.

وعندما يتململ بعض المشاهدين ويعلو صوت الشعب بالشكوى، ويصاب البعض بنوبات التشنج العصبي والصرع، تلقي الحكومة على المشاهدين خطبة عصماء كتبها أحد الفطاحل من المبرراتية، فحواها أن المسرحية رائعة دون شك، وأن المؤلف قدير، والمخرج متمكن وعتيد في الفن، وأن السبب في فشل المسرحية في الواقع إنما يقع على جماهير الشعب من المشاهدين، الذين لا يفهمون الحكمة العظيمة والفلسفة الرفيعة التي تكمن وراء فصول المسرحية، ويتسببون بجهلهم في إفساد الحبكة الدرامية، وبكثرتهم وتوالدهم المستمر في استنفاد كل كراسي المسرح، رغم أن معظم صفوف المقاعد خالية ومحجوزة نظراً لدواعي الأمن، وبينما يتزاحم السواد الأعظم من الشعب وقوفاً في الممرات الخلفية الضيقة، يتنافس المحظوظون من محاسيب الحكومة على الجلوس في الصفوف الأخيرة بعد سداد "المعلوم" للمسئولين عن تخصيص المقاعد، وهؤلاء المسئولون يعملون بالطبع لحساب حكومة الحزب الوطني الرشيدة.

ومشاهدة هذه المسرحية ليست بالأمر الاختياري، بل إنها إجبارية، لأن كل المسارح الموجودة في البلاد تعرض نفس المسرحية، وإن اختلف ترتيب الفصول. ويتساءل الشعب عن موعد انتهاء المسرحية وإسدال الستار، فتطمئنه السلطة بأن هناك مسرحية جديدة قادمة في الطريق، تحت اسم "مرحلة جديدة"، أو "صحوة كبرى"، أو "فكر عصري"، وغيرها من اللافتات والأفيشات. وينتظر الشعب على مضض، ولكنه يُصدم عندما تبدأ أي من تلك المسرحيات "الجديدة"، عندما يكتشف أن الممثل واحد مهما تلون وجهه بالأصباغ والأحبار، والمضمون مكرر ممجوج، وإن اختلفت ألفاظ الحوار.

كيف نتخلص من الحصار المفروض علينا من قبل تلك المسرحية التي لا تنتهي؟ هل يمكن أن نخرج من المسرح لنتنفس هواءً نقياً لا يلوثه فساد أو احتكار أو نفاق؟ وفي نفس الوقت، كيف يتوقع المشاهدون أن تنتهي المسرحية بينما هم يصفقون في نهاية كل فصل؟ ورغم أن الشعب يصفق استعجالاً لانتهاء المسرحية، إلا أن الحزب الوطني يأخذ هذا كعلامة أكيدة تدل على أن الشعب سعيد جداً بالمسرحية ولا يطيق انتهاءها، فتصدح أصوات الجوقة بأغاني التجديد والمبايعة. ألم يحن الوقت حتى يطالب الشعب الحزب الوطني بالنزول من على خشبة المسرح ويمنح فرقته التمثيلية أجازة بدون مرتب – أو بمرتب – بشرط أن يستمتع بالراحة بعد احتكار الأداء لعقود طويلة؟

متى نرى اليوم الذي يتقاعد فيه الحزب الوطني ويترك خشبة المسرح؟

أو على الأقل، متى يكتفي الحزب الوطني بمسرح واحد، ويترك باقي المسارح للفرق الأخرى؟

3G Economic Reforms

تمصير الحوار
مع
وزير الاستثمار

بعد الاستئذان، دخل مساعد الوزير يحمل مجموعة من التقارير ووضعها أمام الوزير. قطب الوزير حاجبيه، وطلب من المساعد أن يتركه ليتفحصها. دفن الوزير رأسه بين راحتيه وتنهد. وفجأة بدأ الوزير يكلم نفسه بصوت مسموع: "ماذا يريدون؟ هل يحاولون تخريب الإصلاح الاقتصادي؟ أما يكفينا الحروب الضارية من الحرس القديم داخل حزبنا حتى تأتي أحزاب وحركات المعارضة وتقف بدورها ضد الإصلاح؟" وتذكر الوزير رحلته إلى أمريكا في الشهر الماضي، وما لاقاه من متاعب بسبب ما ادعاه الأمريكيون من قمع الحكومة المصرية للمعارضين، سواء بالسجن في طره، أو الحصار في وسط البلد، أو تكسير العظام في كفر صقر! وفجأة قرر الوزير أن يفهم بنفسه لماذا تتصرف المعارضة بهذه الطريقة.

ارتدى الوزير ملابس بسيطة ونظارة قاتمة، وخرج من منزله متخفياً عن الحرس عبر السلم الخلفي للمبنى. اتجه الوزير لندوة بمقر أنشط أحزاب المعارضة، وجلس ينتظر بدء الحوار. جلس الوزير لما يقرب من ساعة كاملة في قاعة غير مكيفة تمتلئ بمئات من البشر في انتظار المحاضر، حتى كاد يشعر بالاختناق من رائحة العرق وتلامس الأجساد ولكنه قرر أن يتحمل ليفهم ما الذي يجعلهم ينتظرون والأهم، ما الذي يغري المعارضة "بتخريب" الإصلاح الاقتصادي. من حوله كان الحاضرون يتغلبون على ملل الانتظار بالخوض في أحاديث السياسة والاقتصاد، ويتندرون بقصص كوميدية لفساد كبار وصغار مسئولي الحكومة، وقصص درامية لمن وقعوا ضحايا للروتين والبيروقراطية وطول إجراءات التقاضي. العامل المشترك الوحيد بين القصص الكوميدية والدرامية كان دعاء لله يتكرر بانتظام "بأن يخرب العلي القدير بيت الحزب الحاكم ومن عليه ويأخذ رجاله أخذ عزيز مقتدر". سأل الوزير نفسه ... لماذا كل هذا الكره؟ ترى ماذا يفعلون بي إن اكتشفوا أنني من الحزب الوطني؟ وجالت في خاطره أهوال مرعبة من السحل والضرب وتكسير العظام، فتحسس النظارة القاتمة في حركة لا إرادية، وطمأن نفسه بأن الشعب المصري طيب ولا يميل للعنف وخاصة الطائفة الليبرالية التي يحضر اجتماعها.

وفجأة قرر الوزير أن يبدأ حواراً مع جاره وكان رجلاً في منتصف العمر تبدو عليه مخايل عز قديم. "ما رأيك في الإصلاحات الاقتصادية الجديدة؟" نظر إليه الرجل في ريبة ثم قال: "أي إصلاحات؟" تحمس الوزير وقال: "الجيل الثالث من الإصلاحات الاقتصادية" تضاعفت ريبة الرجل وفكر مليا ثم أشار بيده متضايقاً لنهاية القاعة وقال: "الأمن يجلس في نهاية القاعة من فضلك!" وعلى ذكر الأمن التفت كل الرءوس نحو الوزير في غضب فأسرع بنفي التهمة: "والله العظيم أنا موش أمن ولا حاجة" فرد شاب غاضب: "أمال إيه نظارة المخبرين اللي انت لابسها دي؟" خلع الوزير منظاره محاولاً تبرئة نفسه وفجأة صرخ الشاب: "يا نهار أسود ... ده ... ده وزير الاستثمار!" تراجع الجميع وكأن الوزير يحمل مرضاً معدياً حتى كونوا شبه دائرة حاصرت الوزير، فلتت أعصاب أحد الحاضرين وبدأ يقترب من الوزير وهو يصيح بعبارات غاضبة وقبل أن يفتك بالوزير انشقت الأرض عمن تبين فيما بعد أنه المحاضر المنتظر وأحد قيادات المعارضة، واتجه المحاضر رأساً للوزير لينتشله من وسط التجمع الغاضب وساقه نحو المنصة.

"نرحب بالسيد الدكتور وزير الاستثمار الذي يشرفنا في ندوة اليوم." قالها المحاضر في لهجة حاول بها أن تكون طبيعية قدر المستطاع ولكن الهمهمات كانت لا تزال تتردد في القاعة. "سيادة الوزير سوف يحدثنا عن ... ما هو موضوعنا اليوم سيادة الوزير؟" تنحنح الوزير واضطر أن يساير المحاضر ... "أود أن أتحدث عن الجـيل ... أعني عن الإصلاحات الضريبية والجمركية وأثرها في تشجيع الاستثمار!" بدأ الوزير يتحدث وأسهب في امتداح المناخ الجديد الذي سوف يعمل على جذب المستثمرين من الخارج والمليارات التي سوف تمطرها السماء علينا قريباً. وقبل أن يختتم كلامه تردد قليلاً ثم استجمع شجاعته وقال: "وللأمانة، يجب أن أذكر أن الاحتقان السياسي والمظاهرات التي نراها قد تزعزع الاستقرار، على الأقل في ذهن المستثمر الأجنبي، مما قد يؤدي إلى عدم الاستفادة المثلى من هذه الإصلاحات، كما أن المعارضة تضخم من بعض الأحداث أمام وكالات الأنباء العالمية مثل أحداث كفـر ... أعني أحداث نقابة الصحفيين وضريح سعد، بما يؤثر سلباً على صورتنا في الخارج ويصعب من مهمتنا في الحصول على المنح والقروض والاستثمارات، وهو ما يعوق النمو الاقتصادي ويضعف من قدرة الحكومة على مواجهة الـمعـ ... المعضلات الكبرى مثل الفقر والبطالة." لم يصفق أحد، حتى رجال الأمن المندسين لم يصفقوا طبعاً حتى لا ينفضح أمرهم. ولكن المحاضر صفق بعد ثوان قليلة، فتبعه جزء من الحضور، وابتسم الوزير ممتناً وجلس.

قام المحاضر الأصلي واستهل كلامه بالتأكيد على أهمية احترام تعدد الآراء ثم قال: "أشفق على وزير الاستثمار وعلى وزير التجارة والصناعة وعلى رئيس الوزراء وعلى كل من يحاول أن يخوض مسيرة للإصلاح الاقتصادي، دون أن يفهم أسباب الإفساد والركود الاقتصادي. سيادتك تظن أن الحل لأزمتنا الاقتصادية هو أن تستكين المعارضة وتستسلم لفتوات البلطجة دون أن تشكو أو تتذمر أو تطالب بتغيير الوضع السياسي الاحتكاري، حتى لا تفسد الجو على لقاءاتكم بالمسئولين الأمريكيين، الذين تظنون أن بيدهم حل مشكلاتنا الاقتصادية، وهنا تكمن مشكلتكم الحقيقية. لابد أنك تعلم أن المصريين قد ضخوا 80 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 1991 و 1995 استخدم جزء كبير منها في الاستثمار الصناعي والتجاري والعقاري، لمجرد أنهم صدقوا وعود الحكومة بالإصلاح. نعم، خلال أربع سنوات، ضخ المصريون مليارات تزيد عن مجموع الاستثمار الأجنبي والمعونات التي حصلت عليها مصر عبر ربع قرن! الاستثمار يا عزيزي لن يبدأ إلا من المصريين. ولكن، كيف يستثمر المصريون مجدداً وهم يرون المستثمرين القدامى وقد أفلسوا أو دخلوا السجون بعد أن تعثروا أو اضطروا لمغادرة البلاد هاربين؟ كيف يستثمر المصريون وهم يرون الفساد يضرب أطنابه في الجهاز الإداري، ويعانون من القوانين واللوائح التي تمنع كل شيء، وفي نفس الوقت يأتي من يريهم الطريق الدائري الذي يسمح دائماً بكل شيء ويلتف حول كل القوانين بشرط ترطيب منقار كبار المسئولين أو إدخال أنجال الوزراء والحكام كشركاء في المشروع؟

أنت تريد مهلة نسكت فيها عن الإصلاح السياسي حتى تستكمل أنت ما تظنه إصلاحاً اقتصادياً، ولكن دعني أسألك، ألم تكن فترة 24 عاماً مهلة كافية؟ ما هو الضمان أننا إذا أجلنا الإصلاح السياسي سوف نحصل على الرخاء الذي ننتظره طبقاً لوعودكم لأكثر من ربع قرن. ربما تظن أن الدكتاتورية تسهل من السيطرة على الأمور عند تطبيق الإصلاح الاقتصادي، وربما تظن أن الظرف الآن يستدعي القبول "بالمستبد العادل" حتى ننهض بالاقتصاد، ولكن دعني أقول لك شيئاً: لا يمكن أن يكون المستبد عادلاً، لأن العدل يبدأ بالمساواة، والاستبداد يغتالها. دعني أكون أكثر صراحة، هل تعلم لماذا لن تثمر إصلاحاتكم؟ لأنها تأتي منكم. الشعب لم يختركم، ولا يحبكم، ولن يستجيب الشعب أو المستثمرون لأي دعوة تأتي منكم سواء لزيادة الإنتاج أم دفع الضرائب، أم تطوير البناء المؤسسي، أم الاستثمار في التنمية البشرية أو نظم المعلومات أو التسويق أو البحوث والتطوير أو غيرها من أولويات، ببساطة لأنكم فقدتم مصداقيتكم ولا شرعية لحكمكم. أنتم بالنسبة للشعب الآن مجموعة اغتصبت السلطة لمدة نصف قرن. استولت على الحكم بوضع اليد، وهي تريد الآن أن تقنن وضعها، وتكتسب شرعية لليد ووضعها. هل يمكن أن يستجيب أصحاب المزرعة لدعاوى اللصوص الغاصبين بزيادة إنتاج المحصول أو الحليب، مهما كانت تلك الدعاوى قائمة على أسس علمية أو تجارية؟

سيادتك غاضب لأن المعارضة شوهت صورتك أمام الأمريكان ببث صور الاعتداء على مصريين في كفر صقر وفي بيراميزا وفي عبد الخالق ثروت وعند ضريح سعد. أنت غاضب لأن الأمريكان الآن يعرفون مدى وحشية أساليبكم، ولكنك لست نادماً على استخدام مثل تلك الأساليب. لم تعتذر حكومتكم للضحايا أو المصابين، ولكنها اعتذرت للأمريكان! مشكلتك يا عزيزي أنك تظن أن الحلول لدى أمريكا، ولكنني أقول لك أن الحلول هنا، في مصر، لدى الشعب المصري الطيب الذي قد نسيتموه من طول تطلعكم للبيت الأبيض. المصريون هم الذين سوف يعملون وينتجون وهم الذين سوف يستهلكون ويدخرون ويستثمرون. المصريون بيدهم زيادة الناتج القومي، ولكنهم لن يفعلوا ذلك وأنتم في مقاعدكم. لابد أن ترحلوا أولاً.

المصريون سوف يحصلون على التكنولوجيا من الداخل والخارج وسوف يستثمرون في تحديث شركاتهم كما فعلوا على مدى 30 عاماً بعد وضع دستور 1923، حتى أصبحت بريطانيا مدينة لمصر وكانت قيمة الجنيه المصري أعلى من الإسترليني. ولكنهم سوف يفعلون ذلك بعد أن يحصلوا على الدستور الذي يضمن قدرتهم على إزاحتكم والإتيان بمن يريدون إلى الحكم. وعندما يحصل المصريون على القوانين العادلة المتسقة والتي تتماشى مع الطبيعة والواقع والعرف، عندما يشعرون بآثار انحسار الفساد وترسيخ الحكم الرشيد، سوف تزدهر شركاتهم، ويصدرون للعالم كله، فيأتي المستثمر الأجنبي مهرولاً بعد أن رأى نجاح أولاد البلد. أما أن تتصور أن زيارتك لأمريكا وتجميل الأمور وإنكار التصرفات القمعية سوف يأتي بمستثمرين أجانب، في الوقت الذي يعاني فيه المستثمرون من أصحاب البلد من التعثر والبيروقراطية والفساد وضياع الحقوق وتخبط السياسات، ويعاني المواطن العادي من الإذلال والقمع وفساد التشريعات وضياع العدالة والشعور بالغربة، إن كنت تتصور أن إخفاء القاذورات والتعفنات والتقيحات تحت البساط سوف يساعد على جذب المستثمرين، فهذا خداع ساذج وينم عن عدم فهم للأمور.

يا عزيزي، دعنا نمصر الحوار، فمشاكلنا هنا، وحلولنا هنا، والعالم كله سوف يساعدنا ويحترمنا، بشرط أن نحترم نحن أنفسنا ونحترم بعضنا البعض." انتهى كلام المحاضر. ونظر الجميع إلى الوزير. كاد الوزير أن يطلب التعقيب ليتحدث عن الأغلبية التي يتمتع بها الحزب الوطني، والشعب الذي يلتف كله حول المبايعة، ولكنه تردد في آخر لحظة وفضل الصمت. نظر الوزير في عيون الحاضرين فرأى انتظاراً ولهفة. أطرق الوزير وفكر قليلاً، وفجأة استجمع الوزير شجاعته، وفي لحظة صدق، أعلن الوزير استقالته من منصبه ومن الحزب الحاكم، ودوت القاعة بالتصفيق الحاد.


وائل نوارة


ملاحظة: هذه القصة خيالية ... بكل أسف.

Archive 2006 - Judges Club Standoff

من أرشيف 2006

المواجهة مع نادي القضاء

و

فخاخ الشرعية


نقطة اللا عودة
من المخيف أن نرى النظام في وضع مؤسف من التخبط والذعر، والانفصام بين الحزب الحاكم والحكومة التي تحكم باسمه، ولجنة الحكم التي تحتكر القرار دون دراية بمعطيات الأمور، وأجهزة الأمن التي تتلقى تعليمات متضاربة مرة بالسحل ومرة بالتسامح. وكل هذا التخبط والمرض مصحوباً بحالة من الإصرار على إنكار العلة من الأساس والتعامل مع المشاكل الخطيرة التي تنزلق فيها البلاد باعتبارها غير موجودة.

فخ الشرعية المؤسسية
النظام يقع في فخ الشرعية الذي نصبه لنفسه بمساعدة القوى السلفية والوهابية التي طالما استخدمها كذريعة للاستبداد والقمع، فعلى المستوى السياسي، لدينا في مصر كيانين فقط، هما الحزب الحاكم وجماعة الإخوان. والأول وهو الحزب الحاكم هو كيان ضخم أجوف، يتحكم فيه شخص واحد يحتكر القرار وجميع القنوات التي تصل بين صاحب القرار ومستشاريه، وهذا السلوك الاحتكاري في السياسة ليس بجديد على نفس الشخص الذي احتكر واحدة من أهم السلع الاستراتيجية والتي تدخل في جميع أوجه الصناعة والتشييد. وهو مع تقديرنا لنجاحه الرأسمالي السريع أو تحفظنا عليه، لا يمتلك أية رؤية سياسية أو رصيد شعبي أو حس جماهيري من أي نوع، وهو شخص متعال بطبعه، بما ينفر الآخرين الذين يتعامل معهم بمنطق سلطوي قد يكون طبيعياً بالنسبة له كصاحب عمل في صناعة احتكرها لنفسه، ولكنه ليس مقبولاً في الممارسة السياسة التي تحتاج للإقناع والقدرة على تحريك الجماهير وإلهامها نحو إصلاحات قد تكون في مرارة الدواء الذي لا مفر من تناوله. والكيان السياسي الحاكم الذي يديره بحرية ودكتاتورية كاملة هذا العبقري المحتكر هو كيان يفتقد الشرعية وتاريخه المؤسف الطويل يجعله اليوم بعد محاولات عديدة للإصلاح أشبه بمن يحمل أثقالاً مريرة وسمعة سيئة أكسبته كراهية الشعب على مدى عقود طويلة، حتى افتقد المصداقية والثقة، وأصبح غير قادر على أن يكمل المسيرة فضلاً عن أن يقودها، وهو فاقد الشرعية بحكم مولده من رحم السلطة، ونشأته الشمولية التي تحفل بالتزوير المفضوح والمستتر للاستمرار في الحكم، والفشل في تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم للبسطاء. لقد استنفد هذا الكيان الغرض من تكوينه وبات عبئاً ثقيلاً على الوطن وعلى أعضائه، الذين يشعرون أنهم يفتقدون احترام الشعب لمجرد انتمائهم له، رغم ما قد يمتلكونه من خبرة أو مهارة أو نية صادقة لخدمة الوطن. ومما زاد الطين بلة أن ينقلب النظام على أهم سلطة فيه، وهي السلطة القضائية، فيتعنت معها وينزلق نحو مواجهة خطيرة قد تسحب منه آخر أهداب الشرعية بما يمثله هذا من خطر داهم على الشرعية يفتح الباب أمام احتمالات لا نتمناها للوطن.

والكيان الثاني، وهو الجماعة الشهيرة بالمحظورة، هي جماعة يرفض النظام أن يمنحها الشرعية، ولكنه يتركها تعمل بحرية تحت الأرض وفوقها، حتى سيطرت على النقابات والعمل الاجتماعي والسياسي، في غياب أي قوى سياسية أخرى نتيجة لمحاولات الإخصاء المستمرة التي يمارسها النظام لتدمير وتفتيت أي أحزاب أو قوى سياسية مدنية. وهذه الجماعة هي تنظيم عالمي له فكر خاص به، وهو فكر متعدد الأوجه، يتراوح بين التسامح والعصرية التي تبذل قياداتها جهداً محموداً في إظهارهما في خطابها الإعلامي، عدا هنات عابرة، تكشف بتلقائية مكنون الأنفس في بعض الأحيان، وبين فكر متشدد وعاطفة دينية ملتهبة تجيش بها صدور الأعضاء بمرجعية مطلقة قد تصطدم مع الطبيعة النسبية والتفاوضية للعملية السياسية. ومهما كان من أمر، فبيت القصيد هنا أن الدولة لا تعترف بالجماعة وتعدها جماعة محظورة وغير شرعية.

وبهذا فإن الكيانين السياسيين الموجودين حالياً، يعانيان من شرعية منقوصة بصورة لا شك فيها.

فخ شرعية السلطة
وفي نفس الوقت، ونتيجة لما ناقشناه من هشاشة شرعية الحزب الحاكم أو انعدامها، علاوة على التزوير المستمر والتلاعب في أسس العملية السياسية، تفتقد السلطتين التشريعية والتنفيذية الشرعية التي تمكنهما من قيادة البلاد بالصورة المرجوة، بما يمثله هذا من خطر على استقرار البلاد. ولعل السلطة الوحيدة التي لا يشكك أحد في شرعيتها هي السلطة القضائية بحكم طبيعة عملها وتكوينها، ولكن الأحداث الأخيرة جعلت هناك صراع بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية حول "من يمثل السلطة القضائية؟"، فبينما يرى القضاة أن مجلس إدارة ناديهم المنتخب هو أصلح من يتولى مهمة تمثيل السلطة القضائية، تحاول السلطة التنفيذية أن تزعزع من شرعية هذا الكيان، بمختلف الطرق الإدارية والسياسية، لأنها في النهاية تريد من السلطة القضائية أن تكون خاضعة بصورة ما للسلطة التنفيذية، أو بالتحديد لرئيس الجمهورية، الذي يرفض بالممارسة أن يقتصر دوره على قيادة السلطة التنفيذية، بل يريد أن يصبح رئيساً للسلطات الثلاثة، وهو أمر قد يكون مقبولاً بصورة رمزية أو شرفية، ولكنه غير منطقي إذا ما حاول الرئيس أن يسيطر على السلطات الثلاثة بصورة فعلية، لما يمثله هذا من إهدار ضمانات الفصل بين السلطات والرقابة والمحاسبة، ويكرس السلطة المطلقة في يد الرئيس وهو ما لا يتناسب مع مفهوم الدولة الدستورية الحديثة. وقد وصلت المواجهة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية إلى منعطف خطير بالمماطلة في إصدار قانون استقلال السلطة القضائية، ثم ما رأيناه من محاولة عقاب القضاة الشرفاء الذين فضحوا تزوير الانتخابات، رغم أن الرقابة على الانتخابات هو واجبهم الأصيل الذي أناطه بهم الدستور، وبدلاً من أن يقوم النظام بمحاسبة المزورين، يقوم بمعاقبة من كشفوا التزوير، بما يمثله هذا من اعتداء على الشرعية وتكريس للفساد. وعندما يدين النظام السلطة القضائية ممثلة في بعض أعضائها الشرفاء، فإنه بهذا يهدم شرعيته هو من الأساس، لأن العدل هو أساس الحكم، وتعطيل العدالة بالتالي يهدم أساس الحكم. وقد يخشى النظام من الاعتراف بتزوير الانتخابات لما يمثله هذا أيضاً من إهدار لشرعية السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكن الاعتراف بالتزوير في بعض الدوائر ومحاسبة المتسببين فيه، مهما كان صعباً على النظام أن يتقبله، فهو في النهاية يحفظ له بعض الشرعية ويقي البلاد شرور الانزلاق في مستنقع الفوضى.

2005 Archive

التضبيش قبل الغرق
و
الهلال اللي اتسرق

في عز الظهر، والشمس ساطعة وأمام رجال القانون والإعلام، فوجئنا بحادث سرقة من نوع فريد، سرقة جرم سماوي عظيم، لا يمكن إخفاؤه أو تشله، ولكن حزب الحكومة متمرس وعتيد في الفن، ولا يهمه أي شيء. الحكاية أنه بعد منتصف ليلة الجمعة بقليل وصل ثلاثة من مندوبي المرشح (مرشح انتخابات الرياسة 2005) إلى مقر لجنة تلقي طلبات الترشيح لرئاسة الجمهورية ليأخذ المرشح دوره مبكراً في سبيل الحصول على أولوية اختيار الرمز الانتخابي.
وبعد مناقشات وشد وجذب مع الأمن والأمناء، والمباحث واللواءات والعقداء، توصل المتلاحون لحل وسط، يقوم بموجبه مندوبي المرشح بإثبات أسبقية حضورهم عن غيرهم الذي لم يحضر أصلاً. وفي الصباح قدم أيمن نور أوراقه بنفسه كأول المرشحين، واختار الهلال الجميل، كرمز مصري أصيل. وأعلنت وكالات الأنباء الخبر السعيد، وبدا للجميع أن الانتخابات القادمة ستدخل بنا لعصر ديمقراطي جديد. ولكن، لم تدم الفرحة إلا ساعات قليلة، وفجأة خيم الظلام، عندما أعلن الحزب الحاكم بأمره، أن مندوبه الخفي قد جاء مبكراً وتسلل دون أن يراه أحد من مئات الحاضرين، وأنه كان أول المتقدمين، فحصل على الهلال بإيصال متين. أي والله. حتى الهلال سرقوه. طاروا بمركبة فضائية، وقودها الفساد والمحسوبية، ليقتطفوا الهلال ويتركوا السماوات والأرض، يشكوان من الظلام عبر خطوط الطول والعرض.

يا أيها الحزب البطال: لماذا تستكثر علينا نور الهلال؟ هل تظن أن خدعة الإيصال، يمكن أن تنطلي حتى على الأطفال؟ كيف سولت لك نفسك أن تسمي خطتك الانتخابية هلال المستقبل، قبل أن تقوم اللجنة العليا بإعلان الرموز؟ ألا تكفيكم مناورات النجم الساطع، لتحاولوا أن تخطفوا نور الهلال الطالع؟ ألم تشبعوا من احتكار الماضي واحتضار الحاضر، لتحتكروا المستقبل وتدنسوا المولود الطاهر؟

وإذا عجز قاضي القضاة في قلب القاهرة المحروسة، عن التصدي لضغوط السلطة المفروسة، في حضور المرشح نفسه مع مندوبيه، وعلى مرأى ومسمع من التليفزيون ومشاهديه، فكيف يعقل أن نتوقع الصمود وقدر من الحياد، من وكيل نيابة أو قاض عاد؟ لله در المرشحين، وجموع الشعب من الناخبين، الأحياء منهم والمتوفين.

ألم يكن الحزب الحاكم قادراً، على أن يرسل مندوبه مبكراً، أو تحت جنح الظلام متستراً؟ لماذا تفضحوننا أمام العالم؟ هل تستكثرون علينا قبس أمل يوقظ هذا الشعب النائم؟ وماذا بعد سرقة الهلال؟ هل سوف تسرقون الشمس والكواكب السيارة؟ في نهاية الأمر، نكتشف أن الحكومة لا تنوي إصلاحاً ولا فلاحاً ولا تبتغي حرية ولا ديمقراطية، وأن الموضوع كله تمثيلية هزلية، موجهة لأمريكا والدول الغربية. لقد أثبت أشاوس الحزب الحاكم قدرة عظيمة على التضبيش، شوية يقولون الانتخابات نزيهة وشفافة، ثم يقومون بنشل الهلال بصنعة لطافة. ولكنني لا زلت متفائلاً، فنهاية النفق على ما يبدو قد اقتربت، والدليل هو ذعر الحكومة وارتباكها العظيم، بدءاً بأسطورة الكرة التي اخترقت قدم عضو الغد ببنها، وانتهاءً بفضيحة الهلال اللي اتسرق، وسبب تفاؤلي أن التضبيش عادة ما يسبق الغرق.

The Road to Fewer Regrets 1

1

كتالوج ميصر العريقة

وقوانين علم الفيزيقا

منذ حوالي 6 سنوات، صحوت في احد الأيام، و اكتشفت إنني لا أريد أن أستيقظ. ذكرت نفسي بالعمل و بالأولاد و أكل العيش، و لكن الرغبة في عدم الاستيقاظ تغلبت على كل شئ آخر. شعرت أن العمل الخاص مضر و العمل الأهلي غير مجد إن لم يكن مؤذ و التعليم الخاص فاشل و التعليم الدولي مكلف ويهدم الهوية الوطنية للأطفال، و البلاد على وشك الوقوع في براثن الجماعات الدينية، والاستقرار الهش الذي ننعم به يمكن أن ينشرخ في أي لحظة، والبناء الاقتصادي القش الذي نأكل عيش من خلاله يمكن بالتالي أن ينهار في اللحظة التالية، فليس هناك أي فائدة لمغادرة المنزل، أو الاستيقاظ من الأصل.

وفجأة تذكرت نيوتن. تذكرت قوانين الحركة الأول والثاني والثالث. و بعد أقل من ثلاث دقائق من الحسابات، نهضت من السرير، وفي أيام قليلة عدت للعمل العام، متخذاً هذه المرة طريق المخاطر، أو طريق الندامة كما يبشرني تقريباً كل إنسان عاقل. لم يعد العمل التطوعي في القطاع الأهلي أو المجتمع المدني الذي اكتفيت به لسنوات طويلة من قبل مقنعاً أو كافياً. خرجت إلى العمل السياسي ورميت قلبي ورائي.

ومن يومها، كلما شعرت بنفس الحالة من العزوف عن الاستيقاظ، أتذكر نيوتن فأنهض على الفور و أترحم على الرجل، الذي أنقذ حياتي شخصياً ومن قبل ذلك غير العالم بالطبع.

القصور الذاتي
خرجت أبحث عن قناة للتأثير على مسار القصور الذاتي. نظرت إلى الحزب الوطني. فوجدت التاريخ الطويل الأسود الذي صنعه بكل فخر الآباء المؤسسون، أو الأجداد المؤثمون – الحرس القديم و ما يشوبهم. التفت إلى الحرس الجديد فوجدت الفكر الجديد يخلو من الإلهام أو الرؤية في أفضل الأحوال، و يسعى للتوريث على الأغلب، بصرف النظر عن رغبة الرئيس أو نجله، بل أن الحرس الجديد و عملية تبديل السلطة الخامسة تجعل النظام يتجه للتوريث بالقصور الذاتي، إلى أن يأتي اليوم، فيتوسل المحيطون للوريث بأن يقبل التكليف وينقذ البلاد-أي ينقذ مصالحهم.

البلد هي المصالح؟ عندما يقول لك أحد –" من أجل ميصر أو عشان ميضر"، بكسر الميم بعنف يصل إلى كسر الكلمة كلها بياء تسبق الصاد، تعلم على الفور انه يقول "من أجل مصالحي الشخصية". فمصر تختلف من شخص إلى آخر حسب مصلحته الشخصية و هذه قصة أخرى.

هل شعرت من قبل بالقصور، بقصور الذات، بقصور الذات القومية عن الفعل أو الحركة؟

قانون نيوتن الأول ينص على أن الجسم أو الإثم أو الجماد، يحتفظ بحالته من السكون أو الحركة في خط مستقيم بسرعة منتظمة ما لم يتعرض لتأثير قوة خارجية تغير من هذا السكون أو هذه الحركة المنتظمة.

هذا في أفضل الأحوال.
أما في الأحوال العادية، فهناك المقاومة، وهناك الاحتكاك، و هناك الطاقة الضائعة طبقاً للقانون الثاني للثيرموديناميكس أو الديناميكا الحرارية، و هناك العكوسات، و هناك الأعداء الذين يتربصون بك لأن مصلحتهم تتعارض مع مصالحك، تماما مثل الأخ الذي يحدثك عن ميصر، عدا انهم يحملون جنسيات دول أخرى و هناك الحركة النسبية – و هي بالمناسبة تختلف عن النظرية النسبية لصاحبها أينشتين – و هذه قصة ثالثة – بما يعنى أن مجرد الحركة قد لا يفيد، إذا كنت تتحرك أبطأ ممن حولك.

(يتبع)


"The Path of Least Regrets" is a mathematical decision-making technique utilizing probabilities of favorable and unfavorable outcomes.


Example
for instance:

If you need to be in the Airport in 2 hours to catch your plane and you have two roads,

Road One
will take 1 hour in 90% of the journeys travelled but could be totally blocked and take 3 hours in 10% of the journeys travelled
-due to
تشريفة مثلاً

And
Road 2
Takes 1 hour and 30 minutes in 90% of the journeys travelled and takes 2 hours in 10% of the journeys travelled

Solution:

Time 1 = 60mins x 0.9 + 180mins x 0.1 = 72 mins

Time 2 = 90mins x 0.9 + 120 x 0.1 = 93 mins

So, one could argue that you should really take Road 1, because it usually saves 21 mins on average in this trip ...

but if worst happens

there is a 10% chance that you will miss your plane (and you will regret that) if you took Road 1
and
There is 0% chance that you miss your plane if you take Road 2, no matter what happens

So,

If you wish to minimize your regrets ... you just take Road 2 ... knowing that it will take longer time, but you have Zero risk of missing your plane ... you will have zero percent of developing a regret over that TRIP

Hence ... it the path of least regrets!
:)

**************

I just devised this example now ... so I could be totally off ... specially that I studied this some 20 years ago :)

Sunday, August 10, 2008

Against God-State 4

ضد الدولة الإله (4)

هل تتوافق الديمقراطية

مع فكرة المجلس الملي

أو هيئة كبار العلماء؟


بداية لابد أن نوضح أن الديمقراطية التي يمكن أن يصل من خلالها أي حزب سياسي أو ائتلاف من عدة أحزاب إلى الحكم، تعني ببساطة "حكم الشعب" dēmos kratos ... وهو حكم أرضي بشري زمني Temporal قابل للتبديل والتغيير ...

فالبشر يضعون القوانين والسياسات ويصوتون عليها، ويطبقونها، وبعد فترة يكتشفون أنها تحتاج لتغيير، فيغيرونها، وهكذا ... عملية تطور مستمر ... عملية بشرية ...

وهي تختلف تماماً عن فكرة "حاكمية الله" أو النصوص المقدسة التي يعكف على تفسيرها "هيئة كبار علماء" أو "مجلس ملي" مثلاً ...

وهذه السياسات والقوانين التي تقرها الأغلبية، من غير المقبول أن تعصف بحقوق الأقلية، مثل حق المساواة، وحرية العقيدة والرأي وهكذا ...

أما بالنسبة للأحزاب الدينية، فهي تصفق للديمقراطية وتنادي بها، وتقبل أن تحتكم إلى الديمقراطية، أي حكم البشر، ثم بعد أن تصل لمقاعد الحكم، تخطط لتبديل هذا الوضع، طبقاً لبرنامجها المعلن، الذي يحتوي على مجلس ملي أو هيئة كبار علماء الدين، لتصبح المرجعية إلهية لدين بعينه
هذا للأسف فيه هدم لقواعد العملية السياسية التي جاءت بهم، وسوف يأتي بالتأكيد على حساب أصحاب الأديان الأخرى، أو غير المتدينين، ولكن أكثر من يتضرر من هذا هم أصحاب ديانة الأغلبية، التي يصبح عليهم أن يلتزموا بنسخة رسمية معتمدة من هيئة كبار العلماء تتحكم في حياتهم، في تعليم أبنائهم، وفي طبيعة قوانين المجتمع التي تحكم حياتهم طبقاً لرؤية نخبة دينية تحتكر الحقيقة، بينما أن الحقيقة في النهاية نسبية وقابلة للاختلاف من شخص لآخر، ومن مكان لآخر، ومن مجتمع لآخر، بل ومن زمن لآخر ...

لقد عرفت مصر التداخل بين السلطة ورجال الدين لآلاف السنين، ولكن نظراً لطبيعة التعددية في الديانات المصرية القديمة، وجدنا أن لكل إقليم Nome عقيدته الخاصة، وتصاهرت الديانات وانصهرت في بانثيون كبير قوامه التعددية ... فالاختلافات بين العقائد الأرضية لأوزوريس وهي ديانة عامة الشعب وخاصة في الدلتا، والعقائد السماوية الشمسية لرع ومنبتها أون وكانت ديانة النخبة الحاكمة في الدولة القديمة، أوجدت نوعاً من الصراع السلمي، كانت نتيجته في النهاية توافق رأينا معه أوزوريس يدخل في متون الأهرام ويمسك بالسلم الذي يرتقيه الملك المتوفي إلى السماء، قرب نهاية الدولة القديمة، بعد أن كانت نصوص الأهرام القديمة تحذر الميت من أوزوريس ...

نفس الشيء حدث بين رع وآمون الذي كان في البداية إلهاً مغموراً طيبياً (الأقصر وما حولها)، فارتفعت أسهم آمون في الدولة الوسطى مع انتقال بيت الملك إلى ملوك طيبة، ثم تمازج آمون مع رع في ثنائية آمون-رع، في توافق جديد ...

وفي لحظة ما، رأينا أخناتون في الدولة الحديثة يقصي كل تلك الآلهة ويقدم معبوداً جديداً، هو آتون، وهو مشتق من إله الشمس القديم أتوم ... وجاء هذا ليعصف بالتعددية، وانتقل الحكم إلى تل العمارنة، وشهدت البلاد اضطرابات كثيرة، انتهت بأن عادت مصر مرة أخرى إلى التعددية والاحتواء، ورأينا كيف تغير اسم توت-عنخ-آتون إلى توت-عنخ-آمون ...

وعندما حاولت الإمبراطورية الرومانية فرض المسيحية، بل فرض "نسخة معينة من الديانة المسيحية" على الشعب، رأينا حمامات الدم التي اجتاحت البلاد وعانى منها غير المسيحيين، من ظلوا على ديانات مصر القديمة، أو الغنوصيين، أو الهرمزيين، و اليهود، بل والمسيحيين الذي آمنوا بمذهب آريوس السكندري وغيرهم من الذين اعتبرتهم الكنيسة مهرطقين، فعانوا من اضطهاد غير مسبوق ...

نفس الشيء عانى منه المسيحيون بعد الغزو العربي، الذي جعل من الإسلام الدين الرسمي للدولة، فقد أصبح أهل البلاد الذين بقوا على دينهم الأصلي، "ذميين"، مواطنين درجة ثانية، وحوصروا بطرق اقتصادية واجتماعية وإدارية شتى، وشعروا بالاضطهاد، مثل أجدادهم المسيحيين تحت الحكم الروماني قبل أن تصبح المسيحية الديانة الرسمية للدولة، أو غير المسيحيين بعدها ...

إذن، دروس التاريخ علمتنا أن التداخل بين الدين والسياسة قد أدى إلى مشاكل كثيرة في الماضي وفي الحاضر. أما في المستقبل، ومع الوعي المتنام بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة، فإن فكرة الدولة الدينية، سواء إسلامية أو مسيحية لن تكون مقبولة لأصحاب الديانات الأخرى، بل وربما المذاهب الأخرى في نفس الديانة، فيؤدي هذا إلى عدم استقرار في الحكم، وغالباً ما يؤدي إلى تقسيم البلاد، مثلما رأينا في جنوب السودان ...

وهذا ما لا نتمناه ...

ومنذ أسابيع قليلة، رأينا أحد القادة الدينيين للشيعة في العراق، يطالب بأن تصبح الدولة مدنية علمانية، لا تفرق بين رعاياها السنة أو الشيعة، لأنه اكتشف أن الدولة المدنية العلمانية، هي الوحيدة التي يمكن أن توفر حرية العقيدة على أرض الواقع لكل رعاياها، أما الدولة التي تتسربل بغطاء ديني محدد، فإن هذا يأتي بالضرورة ومن الممارسة والتاريخ، على حساب أصحاب الديانات أو المذاهب الأخرى، فيعصف باستقرار البلاد وأمنها، ويعرضها لمخاطر الحرب الأهلية والتقسيم

ومن هنا، فإن الإخوان مثلاً أو غيرهم، لهم كل الحق في أن يكونوا الحزب الذي يريدونه، بشرط أن يتبنوا في برامجهم، فكرة الدولة المدنية حقيقة وليس من باب التقية، وقد بينا في مقال سابق، أن برنامج الإخوان قد تشدق بالمواطنة، ولكنه عصف بها في كل بند من بنوده، الذي يشبه في الحقيقة فكرة الدولة الدينية، حيث الحاكمية لله، وليست للشعب
فقد جاء موضوع "المجلس الملي" أو "هيئة كبار علماء الدين" (صفحة 10)، المنوط به "تطبيق الشريعة الإسلامية" الذي أعطاه البرنامج سلطات فوق - دستورية، باعتباره مجلساً يحتكر تفسير الإرادة الإلهية، بمثابة الصدمة للمراقبين، الذين رأوا في المجلس تكريساً للدولة الدينية وولاية الفقيه، إلا أن هذه الصدمة، حجبت أموراً فنية جوهرية في البرنامج، وهي أمور أراها أخطر بكثير، وتعد بمثابة إعلان حرب على "الهوية المصرية" نفسها.

ورغم أن البرنامج تحدث عن "دولة تقوم على مبدأ المواطنة"، تساوي بين كل المواطنين "في صفحة 12 و 26، إلا أن البرنامج عاد وأعلن أن "الهوية الإسلامية" هي أساس العقد الاجتماعي، والعلاقات الخارجية، والبناء الثقافي، في صفحة (18، 28، 32، 113، 114)، بينما لم يأت أي ذكر "للهوية المصرية" ولا مرة واحدة في البرنامج المكون من 128 صفحة.

وهنا يبرز تناقض واضح، كيف تقوم دولة مصرية على مبدأ المواطنة كما يدعي البرنامج، بينما هي لا ترى أن مصر لها هوية أصلاً، وتصر على أن الهوية الإسلامية هي الأساس التعاقدي للمجتمع؟ كيف تكون الهوية الدينية هي أساس العقد الاجتماعي في الدولة، التي يفترض فيها ألا تفرق بين مواطن وآخر على أساس الدين؟ إن الدولة الوحيدة في العالم تقريباً التي تركز على الدين كأساس للمواطنة هي إسرائيل، بالطبع إلى جانب الدولة التي يدعو لها هذا البرنامج.

وفكرة الحاكمية الإلهية، هي فكرة مضللة، لأن الله سبحانه لن يبعث بوحي ليرشد "البشر" إلى السياسات والقوانين، فهيئة كبار العلماء مهما اتسعت، ما هي في النهاية إلا هيئة بشرية، ولكنها تدعي حاكمية الله، وتقف بين الله والبشر، في كهنوت غير مقبول

حاكمية الله، التي يدعو بها سراً أو جهراً دعاة الدولة الدينية، هي عكس الديمقراطية، التي تدعي أن الشعب، هو مصدر السلطة والتشريع والقانون

المواطنة الحقة، والدولة المدنية، هي جزء أساسي وعمود ركين في منظومة ومفهوم الديمقراطية، فمن غير المنطقي، أن نسعى لاستخدام الديمقراطية في الوصول للحكم، ثم نهدم أركانها، لأننا حينئذ نهدم المبنى كله على من فيه، فنكون من الخاسرين. والديمقراطية هي الضمانة الحقيقية لتداول السلطة، والحكم الرشيد، والفصل بين السلطات، والقضاء على الاستبداد والفساد، والعدالة بين كل أفراد الشعب، أياً كان معتقد، أو لون، أو جنس أي فرد فيهم

Saturday, August 09, 2008

Against God-State 3

ضد الدولة الإله (3) - رسالة إلى فخامة الرئيس الموازي :
حق الضيف إكرامه وحق المضيف احترامه






بعد نشر المقال السابق بعنوان "إعلان حرب على الهوية المصرية" الذي ناقش برنامج الإخوان من زاوية تعريف الهوية الوطنية على أساس ديني، تلقيت العديد من المكالمات والرسائل القصيرة المؤيدة على طول الخط، كما جاءت بعض ردود الأفعال معارضة رغم أن معظم أصحابها يحسبون أنفسهم على التيار الليبرالي المصري. ورأى الناقدون أن المقال حمل في طياته توجهاً إقصائياً للإخوان، وهم أكثر الفصائل "السياسية" تنظيماً وتأثيراً وأغزرها تمويلاً وأعتدها تسليحاً، وأعمقها اختراقاً للمجتمع المصري تحت ستار الدين. والواقع يفرض علينا أن نعترف أن الإخوان بطبيعة تكوينهم السري الخلوي تحت-الأرضي، قد استطاعوا أن يقيموا دولة موازية، رئيسها هو المرشد العام، دولة نمت وترعرت في الظل، ظل نظام احتكاري سلطوي، يجتهد لاستئصال أي بدائل سياسية شرعية، نظام فشل في توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لقطاعات واسعة من المصريين، فتمتعت دولة الإخوان الموازية، دولة الظل، بسيطرة غير مسبوقة على النقابات والجامعات والعمل الاجتماعي والسياسي، وامتد تأثيرها ليخترق العديد من الدوائر الحساسة مثل مجلس الشعب ومنظومات الثقافة والإعلام والتعليم والعدل وصولاً إلى الجهاز الأمني نفسه!

وأود أن أوضح أنني أعني تماماً ما قلته، وأؤكد على إيماني بحق كل فرد أو فصيل مصري أن يمارس السياسة ويطرح نفسه وأفكاره كبديل لنظام الحكم الحالي أو المستقبلي أياً كان، بشرط وحيد، وهو أن يعترف بمصر وبالهوية المصرية، فالمتأمركون الذين قد يرون مثلاً أن مصر عليها أن تتبنى الهوية الأمريكية وتنصاع للإدارة الأمريكية على طول الخط، فتصبح عملياً مستعمرة أمريكية، بينما هم يحصلون على الدعم والتمويل من تلك الدولة الأجنبية، لا يمكن أن نعتبرهم سوى عملاء لمن يمولونهم ويوكلونهم في الدفاع عن مصالحهم.

وبنفس المنطق، عندما نرى برنامج فصيل سياسي يحاول طمس ودفن الهوية المصرية، والمجاهرة بأنه "طز في مصر" وأن هويتها هي هوية دينية في الأساس، ويعلن علينا مشروعاً استعمارياً في برنامج يتحدث عن الهوية الدينية لمصر عشرات المرات، بينما لم يتحدث مرة واحدة عن الهوية المصرية، فهذا الفصيل مهما كانت قوته وعمق اختراقه للمجتمع، هو فصيل استعماري، لا يؤمن بالمصلحة القومية، لأنه لا يعترف بالقومية من الأساس، ويجب التصدي له بكل حزم وحسم وقوة مهما كانت العواقب، لأن خطره يتمثل في المشروع الاستعماري الثقافي والفكري الذي يروج له تحت ستار الدين. والخطر في هذا التوجه نحو تعريف الهوية الوطنية من منطلق ديني يكمن في أنه ينسف فكرة المواطنة المصرية، ويقسم المصريين إلى طائفتين، طائفة المسلمين وطائفة غير المسلمين، مما يهدد بكارثة كبرى، هي تقسيم مصر إلى دولتين، دولة إسلامية في الشمال، ودولة مسيحية في جزء من الصعيد، ولا يجب أن يتعجب أي شخص عاقل إذا خرج علينا فصيل آخر مضاد، يدعو لقومية مسيحية، لأنه لا يوافق على أن ينتمي سياسياً لدولة ذات هوية إسلامية على أرض مصر.

وقد رأينا بالفعل البوادر والأدلة الدموية لهذا الخطر، منذ أن بدأ السادات يستخدم التيار الديني السياسي في مجابهة التيارات الناصرية والقومية واليسارية في مصر في السبعينيات، وشاهدنا ونحن غفاة كيف تصاعدت أعمال العنف الطائفي بين مسلمين ومسيحيين مصريين، لأن التيار السياسي الإسلامي عندما ينادي بهوية مصرية إسلامية، فهو بهذا ينسف أساس الوحدة المصرية التي تساوي بين المصريين جميعاً مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم من أصحاب الملل والمذاهب المختلفة، في ظل هوية واحدة هي الهوية المصرية. وفي الواقع فإن الكارثة الثانية تقع على المسلمين أنفسهم، الذين سوف يصبح عليهم أن يعتنقوا النسخة "الرسمية" من الإسلام الذي تمليه عليهم الدولة الإله، من خلال هيئة كبار العلماء، رغم أن الدين، أي دين، هو عقيدة شخصية في ظل غياب أي تفويض إلهي لأي شخص في أن يحتكر التفسير أو التنظير الديني والفقهي. وهذا قد يعني قيام دولة ثالثة على أرض مصر، سكانها من المسلمين والمسيحيين الذي يرفضون أن يقسموا الولاء للدولة الإله، سواء دانت بالهوية الإسلامية أو المسيحية، وأصارحكم القول بأنني سوف أكون من مواطني تلك الجمهورية الثالثة، وسوف أحارب بكل قوة إذا استدعى الأمر للحفاظ على هويتي المصرية والحصول على كامل حريتي السياسية والفكرية والدينية بعيداً عن سيطرة الدولة الإله!

إن الإخوان المسلمين الذين يخضعون لسلطان المرشد العام أو الرئيس الموازي، عليهم أن يعلنوا اختيارهم اليوم بكل وضوح، إما مع مصر أو ضد مصر، وهو قد يبدو من ناحيتي اتجاها متطرفاً في ثنائيته واختزاله للبدائل، ولكن عندما نتحدث عن موضوع محوري مثل الهوية القومية، فلا أرى بدائل أخرى، رغم أنني أعلنت أيضاً ترحيبي بدوائر ثانوية للهوية الأوسع، سواء عربية أو بحر- متوسطية أو نيلية أو أفريقية، بشرط أن تكون دائرة المركز المتفق عليها هي الهوية المصرية. وقد سعدت حقاً عندما وجدت مجموعات مستنيرة من شباب الإخوان يجاهرون برفض برنامج الجماعة ومرشدها، وأرى أنه على الجماعة في الواقع أن تستغنى عن لقب "المرشد" ومكتب "الإرشاد"، وتستبدله بالرئيس أو الزعيم ومكتب القيادة أو اللجنة المركزية مثلاً، لأن كلمة المرشد في حد ذاتها، وهي تذكرني بوزارة الإرشاد القومي في الستينيات، تحمل في طياتها إيحاءً بتأليه وقدسية شخص أو هيئة، يختصه الإله بالألهام والرشاد وحده، ويصبح عليه أن يرشد من حوله، باعتباره معبر الرشد والحكمة الإلهية، الذي يمتلك حصرياً وصلة إلهية خاصة به، وباعتبار من حوله جهلاء ناقصي الرشد والأهلية، وهو توجه فوقي سلطوي بابوي، يوضح أن ما تتحدث عنه الجماعة من ديمقراطية هو "هراء" من باب التجمل والتزين والنفاق والتقية، لأن الديمقراطية تعني أن يخضع الجميع بما فيهم الرئيس لرأي الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقلية، أما الإرشاد، فيوحي بوجود هذه الوصلة الإلهية الحصرية التي يتعين على الجميع الاعتراف بها والانصياع لصاحبها أو مدعيها.

إن الخيار الإخواني الذي يطرح نفسه على الإخوان اليوم في مفترق طرق تاريخي، يشبه إلى حد كبير الخيار الإسرائيلي الذي يتعين على الشعب الإسرائيلي أن يتخذه، فإسرائيل التي تدعي أنها دولة ديمقراطية، هي دولة دينية على أرض الواقع، لأنها تعطي حق المواطنة لأي يهودي في العالم مهما كان مكان مولده، بينما تنكر حق المواطنة والعودة للفلسطينيين الذي ولدوا وأباؤهم وأجدادهم على نفس الأرض التي تحكمها إسرائيل اليوم، ويصبح على إسرائيل أن تختار، إما أن تكون دولة يهودية أو تكون دولة ديمقراطية لأن النقيضين لا يجتمعان على سلم المواطنة بنفس المنطق الذي ذكرناه. والإخوان أيضاً عليهم أن يعلنوا بكل صراحة، هل يؤمنون بالهوية المصرية كأساس للمواطنة، وبالديمقراطية كأساس للحكم، أم يؤمنون بالطائفية والهوية الدينية كأساس للمواطنة، وبالإرشاد الإلهي كأساس للحكم وسن القوانين والسياسات، سواء جاء هذا الإرشاد عن طريق الوصلة الإلهية الحصرية للمرشد، أو عن طريق شبكة الوصلات الحصرية لمكتب الإرشاد أو هيئة كبار علماء الدين.

أما المسلمون الذي ينتظرون تلقي التوجيه السياسي من أية قيادة دينية، والمسيحيون الذين ينتظرون تلقي التوجيه السياسي من البابا مع كل إجلالنا لمثل تلك القيادات الروحية، فأقول لهم، أنتم ترتكبون جرماً فاحشاً في حق وطن وأمة تمتعت بالوحدة السياسية على مدى 5200 عاماً، ومن العار أن نفتت وحدتها اليوم في نوبة أو "وردية" حراستنا القصيرة والمؤقتة لهذا الوطن وهذه الأمة.

عزيزي فخامة الرئيس الموازي، رئيس جماعة الإخوان المسلمين، من حقك ومن حق الجماعة أن تمارس السياسة، وتتغلغل في النقابات والجامعات والجمعيات والمجالس وكافة مؤسسات الوطن مثل أي شخص أو حزب آخر لديه طموح سياسي، بشرط واحد عادل وصريح، وهو أن تعترف بالهوية المصرية كأساس لعملك وطموحك السياسي، أما إذا كنت تصر على أنه لا توجد هوية مصرية من الأساس، فهنا مع كامل احترامي أنت تصبح ضيفاً علينا في مصر، وأطلب منك بكل أدب وتجلة واحترام، أن تتوقف فوراً ودون إبطاء عن الترويج للهوية الدينية كأساس للمواطنة في مصر، لأن ما تفعله يضر الدولة والأمة التي اخترت أنت أن تحل عليها ضيفاً بأفكارك الاستعمارية، وأؤكد لك أن المصريين إذا كانوا طيبين و"على نياتهم"، فقد تعلموا من طول تعاملهم مع الغزاة الناهبين والرعاة المغيرين والولاة قساة القلوب الظالمين أن يحافظوا على استقلالهم الذي فقدوه لما يزيد عن ألفي عام تدهور خلالها وضعهم الحضاري من القمة إلى الحضيض، واعلم فخامة الرئيس الموازي بكل حب، أنه كما للضيف حقه في الإكرام فللمضيف حقه في الاحترام.


وائل نوارة


المصري اليوم
5 ديسمبر
2007
ص
13

My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook