Saturday, February 25, 2023

 

الشاطر يغزل برجل حمار ... ويتجاهل النول

 رؤية مصرية  

من أرشيف 2013 - نشرت في جريدة التحرير ثم ضاع السيرفر!

وائل نوارة

 

هل الشاطر شاطر؟

أمثالنا المصرية عبقرية، تحمل حكمة آلاف السنين وأسرار الحياة والبقاء - رغم المصاعب والتحديات - على الطريقة المصرية. وأحيانا تجد مثلين عكس بعض، والاثنان صحيحان كل في سياقه. أحد هذه الأمثال هو "الشاطرة تغزل برجل حمار"، الذي يدعو الإنسان للاجتهاد في أداء المهمة بما هو متاح، والابتعاد عن أسلوب التكاسل والتعلل بعدم وجود الأدوات أو الظروف المناسبة. ولكن ... ماذا إذا أصر الشاطر على أن يغزل برجل حمار ورفض استخدام النول بل مصنع أنوال كامل؟ ماذا إذا أصر الرئيس أو رئيس الرئيس على أن يقوم بحل مشكلة سياسية بهراوات عساكر الأمن المركزي – وعندما فشل أسلوبه استدعى الجيش، حتى وصلت الأمور لنشوب اشتباكات بين الجيش والشرطة! هل هنا يكون الشاطر "شاطر"؟

 

المجـد لقاهـري الحصبة ...

زمان كان الناس لا يجزعون من الأمراض ويبالغون في احتياطات حماية الأطفال منها مثل الآن، على أساس تشجيع الأطفال على توليد مناعة ذاتية ضد هذه الأمراض في سن مبكرة. ومن أغرب العادات كانت "حفلة الحصبة"! فعندما يصاب أحد الأطفال بالحصبة، وبدلاً من عزله عن باقي الأطفال تجنباً للعدوى، تقام حفلة الحصبة حيث يدعى أقاربه وجيرانه وأصدقاءه من الأطفال لتصيبهم العدوى والمرض حتى يكونوا مناعة ضد المرض فلا يصيبهم في الكبر. وأتذكر أنه في عام 2006 في أحد المناسبات الاجتماعية، قابلت أحد الأصدقاء "السابقين" وكان عضوا في الحزب الوطني من تيار "الفكر الجديد" الذي اخترق للأسف جمعية "لشباب الأعمال" كنت أحد مؤسسيها، ونتيجة لموقفي المعلن في حركة كفاية وحزب الغد، وكنت وقتها سكرتير عام الحزب المناهض لنظام مبارك وخطط التمديد والتوريث، أي أحد المسئولين عن تنظيم المظاهرات والاحتجاجات والحملات الاحتجاجية وأحد الأسماء غير المرغوب فيها أمنياً، انقطعت العلاقات تقريبا بيننا وأصبحت أتجنبه لأن مجرد السلام معي كان "تهمة". ولكن في هذه المناسبة وجدت أنه هو الذي توجه ناحيتي وبادأني الحديث عن خطورة ما نفعله بحسن نية، وأنه كله يصب في مصلحة الإخوان المسلمين، وكيف أن الإخوان مثل السرطان الذي يهدد مستقبل مصر ووحدتها. وكان ردي أن الإخوان لم يتوغلوا سياسيا ونقابيا ومجتمعيا إلا مع الاستبداد والقمع، ومنحنى صعودهم مرتبط بمنحنى صعود الحزب الوطني، وكيف أن الحزب الحاكم يجتهد لإضعاف واختراق وتفتيت أحزاب المعارضة الوسطية والوطنية، حتى يظل الخيار ما بين الحزب والوطني والإخوان، وصفقة الـ 88 كرسي رائحتها كانت لا زالت تقرف الأنوف. فالحزب الوطني والإخوان كانا وجهين لعملة واحدة وهي الاستبداد، ومفهوم أنه مع سقوط نظام مبارك سيصعد الإخوان للحكم ويحاولون الاستيلاء على مقدرات البلاد، ولكن وصولهم للحكم سيكون بمثابة الحصبة التي لابد أن تصاب بها الشعوب في مرحلة مبكرة من مسيرتها نحو الديمقراطية، أما تجنبها بالقمع والإجراءات الحمائية، فهو قفز على المراحل وضد الطبيعة، بل لابد أن يرى الشعب حكم الدجالين باسم الدين حتى يعلم في النهاية جوهر حكمة "الدين لله والوطن للجميع" بصورة عملية. نأمل من الله أن يشفينا من الحصبة في أسرع وقت وبأقل خسائر.

 

ائتلاف بلا خراف: صفعة جامعية على وجه المرشدير

وتأكيداً لهذا الحوار، نشاهد كل يوم كيف يثور أهل المحافظات المختلفة على حكم المرشدير. والمرشدير هو خليط بين مرشد ومشير، فهو مرشد لجماعة سرية إجرامية، لديها ميليشيات عسكرية، وبالتالي فهو بمثابة المشير والقائد العام لهذه الميليشيات، وهدفه المعلن أن يأخذ البلاد للوراء – مرشدير للخلف – حتى تتحكم الجماعة في ثرواتها ومقدراتها باسم الدين. وبعد الصفعة النسائية على وجه الجماعة، والصفعة القاهرية التي أوضحت أن "مصر" - وهذا هو اسم القاهرة لدى عموم أهل المحروسة - ترفض الجماعة ورفضت دستورها الأخرق بنسبة 57% رغم التزوير والتحايل، جاءت الصفعة الطلابية الجامعية على وجه المرشدير مدوية، فقد حقق الشباب البسيط من المستقلين والمعارضين، دون تمويل أو تنظيم سري ولا سحر ولا شعوذة، انتصاراً ساحقاً في معظم الكليات والجامعات على شباب الجماعة، واستخدم بعضهم شعارات طريفة، تندروا بها على انصياع شباب الجماعة وانسياقهم الأعمى وراء ضلالات قياداتهم، وكان أحد هذه الشعارات: "ائتلاف بلا خراف"!

 

أفضل استخدام لأصنام العجوة

وكما نطالب شباب الجماعة بالتحرر من ضلالات وهلاوس المرشدير والشاطر اللي بيغزل برجل حمار متجاهلاً النول والآليات الحديثة، نلاحظ أيضاً أن بعض الشباب من التيارات الأخرى قد صنع أصناما من العجوة لقيادات محترمة ولكنهم في النهاية بشر، يخطئ ويصيب. وتستطيع أن تشم رائحة العجوة عندما يبادرك أحد عشاقها بسؤال من نوع: "لكن هل لاحظت أن الزعيم الفلاني كل كلامه بيطلع صح في الآخر؟"، أو "مش واخد بالك إن فلان ده هو اللي بدأ مسيرة التغيير من سنة ونص وخمسة؟"، وغيرها من أساطير كاذبة وهلاوس وترهات لابد من التعامل معها بالأسلوب السليم. الوصفة: ضع ملعقة زبدة كبيرة في الطاسة، وأضف إليها "بيضتين مطقوشتين"، ضع صنم العجوة في الطاسة بعد تقطيعه مكعبات متوسطة الحجم في الطاسة، رش قرفة، مع التقليب المستمر حتى النضج وبالهنا والشفا.

 

المجـد لقاهـري الأتيكيفوبيا:

الإتيكيفوبيا Atychiphobia هي رهاب الفشل، وهي خوف مرضي (من المرض والعيا ربنا يكفيكم الشر) من الفشل، وهوس بتجنب الهزيمة، يجعل الشخص المريض يتجنب العمل والنشاط الطبيعي خوفاً من الفشل، فالمريض يبدأ بالتفكير في آلام الفشل قبل أن يفكر في أي منافع قد تنتج من المحاولة، ويبدأ يشعر بهذه الآلام وتتمثل له صورته بعد أن فشل، ونظرات الناس له، وتهكمهم عليه، وصورته التي ستتشوه، وتاريخه الذي سينتهي نهاية فاشلة، وتتضخم هذه المخاوف في قلبه، فتصيبه بشلل معنوي وعجز عن الانخراط في الأنشطة الطبيعية مثل الآخرين. وهؤلاء تجدهم في حياتك كل يوم، تراهم انسحابيين وسلبيين ومتجنبين لأي عمل يستشعرون فيه مخاطرة الفشل أو الهزيمة. ومن المفارقات أن ما يفعلونه هو نبوءة تسعى لتحقيق نفسها، فهم بالفعل ينهزمون ويعانون من هذه الآلام بصورة دورية، فالشخص يمكن أيضاً أن ينهزم نتيجة أنه لا يريد أبداً أن ينهزم، فبينما هو يتجنب أي احتمال للهزيمة من خلال تجنب مخاطر دخول المعركة، ينهزم "بردو" بالانسحاب عادي جداً. وهنا تكون النصيحة ... لا تمشي وراء الأتيكيفوبيك ولا تخلي الأتيكيفوبيك يمشي وراك.

 

إنهاء حرب التخالف وتجنب عصر الاضمحلال:

حكم المحكمة الإدارية بوقف الانتخابات، يعطي للإخوان والقوى السياسية فرصة للخروج من وضع كارثي. فالإخوان هم أقلية صغيرة ومتطرفة وبعيدة عن التيار الوسطي المصري، ومهما كان حجم تمويلهم وأسلحتهم ومخازنهم السلعية، لن يستطيعوا أن يقهروا الشعب المصري، وما يفعلونه الآن نتيجته سيئة جداً ستعاني منها الجماعة نفسها إذا استمرت في طريق العناد، وستكون النهاية أسوأ من أي كابوس يتخيله المرشدير والشاطر، والحل الذي تعلمه أي أقلية ناجحة هو الائتلاف مع الآخرين والمشاركة في الحكم وليس الانفراد. وفي نفس الوقت، لابد أن تفكر المعارضة بصورة احترازية، فجماعة المافيا لا يهمها سقوط مصر شرطة وجيشاً وهيكلا إداريا للدولة بل لعلها تتمناه، حتى تستطيع هي أن تنشر ميليشياتها وتتحكم في مقدرات البلاد. ولهذا لابد من العمل بكل الوسائل للخروج من "حرب التخالف"، حيث لا يتفق الأطراف على ملعب مشترك للصراع السياسي بقواعد متفق عليها، فنجد كل طرف يشد في ناحية، واحد ماسك رجل، والتاني بيشد إيد، والتالت بيشد شعر الست المسكينة، وتتخلع أوصال البلاد نتيجة لحرب التخالف ونكون جميعا من الخاسرين. اللي بيحب أكتر بيخاف أكتر على اللي بيحبه، وعندما حكم القاضي بشق الطفل نصفين، ظهرت الأم الحقيقية ورفضت هذا الحكم "العادل"، وأصرت على تسليم ابنها للسيدة الأخرى، فعلم القاضي من هي الأم الحقيقية. لقد دخلت مصر في عصور الاضمحلال عدة مرات، بين الدولتين القديمة والوسطى، والوسطى والحديثة وهكذا. ويتميز عصر الاضمحلال بضعف الحكومة المركزية وإفلاسها، وتبدأ الأقاليم (المحافظات) في الإعلان عن استقلالها الذاتي، وتشح السلع في الأسواق، ومعها يتسع نطاق السلب والنهب، وتنهار سطوة القانون، ثم تنهار الدولة. هل يذكرك هذا بأي مشهد معاصر؟

دعاء ختامي:

ما علاقة كل هذا الكلام الفارغ ببعضه؟ كيف أدى استخدام رجل الحمار في الغزل إلى كل هذا؟

 

اللهم خلصنا من الأحمق الذي يصر على أن يغزل برجل حمار، واشف المريض برهاب الهزيمة، واجعله يتعلم من تجربة الطلبة وحفلات الحصبة. اللهم اطعم مريديه العجوة بالبيض، وجنبهم المشي وراءه إن هو أصر على الأتيكيفوبيا، حتى نتجنب أن تدخل مصر في عصر الاضمحلال، في وردية حراستنا القصيرة لأرض الأم. آمين. قادر وكريم.

 

 

 الخروج من الأزمة قبل انهيار الدولة

 رؤية مصرية

من أرشيف 2013 - نشرت بجريدة التحرير

وائل نوارة

 

ينظر الكثيرون حولهم، فيجدون العمارات شاهقة والسيارات فارهة، والشوارع عامرة والتليفونات ناطقة، والأسواق مزدحمة والبنوك بنقود العملاء متخمة، والعيش في المخبز والخضار في السوق، وحوادث السطو والسرقة محدودة نسبياً، وأعمال العنف محصورة في أماكن قليلة، بينما الحياة الطبيعية تأخذ مجراها في كل مكان آخر، وبالتالي يشعرون بالأمان، ويأخذون وجود الدولة المصرية كأمر مسلم به. وليس الهدف هنا تخويف القارئ أو خلق فزاعة جديدة من انهيار الدولة، ولكن التنبيه ودراسة المخاطر التي تحيط بالدولة المصرية في هذه اللحظة.

 

الدولة، عبارة عن مجتمع منظم يعيش على رقعة أرض محددة تحت قيادة سياسية موحدة. والسبب الوظيفي لظهور الدولة، هو تقديم خدمات حياتية لأفراد المجتمع، يعجز أي منهم عن أن يحصل عليها وحده أو يصعب عليه ذلك، مثل الطرق والكباري والأمن الداخلي والخارجي وهكذا. ومن أجل تقديم هذه الخدمات الجماعية، تحتوي الدولة على مجموعة من المنظومات التي تعمل وتتفاعل وتتشابك لتشكل معاً منظومة متكاملة، فكل من هذه المنظومات تمثل عموداً يقوم عليه بنيان الدولة، وتأتي الحكومة لتدير هذه المنظومات وتتحقق من حسن عملها وتطور منها، وتتخذ القرارات والسياسات والتشريعات التي تحدد شكل وطريقة عمل هذه المنظومات، والموارد المخصصة لكل منها، وآليات ومصادر تمويلها.

 

وللإنصاف، دخلت الدولة المصرية في حالة ضعف وتحلل منذ عقود عديدة، ظهر في قصور وظيفي لأداء هذه المنظومات، مثل الأمن والتعليم والصحة، والنقل الداخلي والإسكان والتراخيص، والتشريع والأمن والعدل والسياسة والإعلام ... إلخ، ونتيجة لهذا القصور والفشل في أداء هذه الوظائف الحياتية، ظهرت المنظومات الموازية (مثل الدروس الخصوصية – والعلاج الخاص – والميكروباص – وشركات الأمن الخاصة والبلطجة، والجماعات والحركات السياسية غير الرسمية، والمدونات والشبكات الاجتماعية، ... إلخ)، وتشابكت هذه المنظومات الموازية وتفاعلت بدورها مع بعضها البعض، حتى تكون ما أطلقنا عليه "الدولة الموازية" في سلسلة من المقالات نشرت في الفترة من 2002 وإلى 2006. ويمكن القول بأن ثورة يناير كانت تعبيراً عن لحظة تقلصت فيها سلطة الدولة الرسمية مقابل تعاظم سلطة الدولة الموازية، فسقطت الدولة الرسمية بقرار من دولة موازية في ميدان التحرير وباقي ميادين الثورة، التي حلت محل مجلس الشعب بل وجزء من السلطة التنفيذية.   

 

وصاحب الفترة الأولى للثورة المزيد من التصدع في أعمدة الدولة، فقد انهار جهاز الأمن الداخلي بالكامل، وحملت القوات المسلحة عبئاً جسيما للحفاظ على ما تبقى من تماسك بنيان الدولة، في مواجهة انفجار القدر المضغوط، حيث خرجت كل طوائف الشعب المقهورة تعبر عن غضب كان مكتوما لسنوات وعقود، فالبعض يطالب بزيادة مبررة في الرواتب، والبعض الآخر يطالب بإسقاط الديون أسوة بغيره، وآخرون يطالبون بتغيير الهياكل والقيادات الفاسدة وهم محقون، ومتطرفون يطالبون بتطبيق رؤيتهم المتشددة في التشريع، وإخوان كاميليا يطالبون بكاميليا، وهكذا. وفي نفس الوقت، قام عدد مؤثر من أصحاب الأعمال بتصفية أو تقليص أعمالهم خوفاً من المحاسبة أو الانتقام، وبعضهم نجح في تحويل أرصدته لخارج مصر، كل هذا في الوقت الذي كانت فيها أعمدة الدولة بالفعل في حالة سيئة ومهترئة، وفي حاجة لتدخل إصلاحي سريع بالتنكيس والتقوية أو إعادة البناء والهيكلة، وهو ما لم يتم. وفي نفس الوقت، سعت جماعة الإخوان المسلمين للهيمنة على المشهد السياسي بعد الثورة، وأقنعت المجلس العسكري بقصة وهمية عن قدرتها على التحكم في مسار الحراك الثوري، فانفردت برسم خريطة التحول الديمقراطي التي فصلتها لمصلحتها الخاصة باستخدام نظرية الروافع المتتالية. وتتلخص نظرية الروافع المتتالية في تحويل التأييد الشعبي المحدود للجماعة والذي بلغ في انتخابات مجلس الشعب حوالي 37% - في غياب قوة كانت أساسية في المشهد السياسي السابق وهي الحزب الوطني المنحل – حيث نجح الإخوان في تحويل هذه النسبة إلى سيطرة بنسبة 100% على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، من خلال أن تفوض خريطة الطريق البرلمان في اختيار أعضاء التأسيسية – مع رفض وضع أي معايير للاختيار، فأصبح هذا يعني أن أي تيار أو تحالف سياسي يملك 51% من مقاعد البرلمان، يستطيع أن يختار 100% من أعضاء اللجنة التأسيسية.

 

ثم جاءت الانتخابات الرئاسية وظهر بوضوح أن التيار الطائفي لا تزيد شعبيته عن 25% أو على الأكثر 33% من الأصوات رغم بذخه الشديد في الإنفاق، وأصبح السؤال، كيف سيستطيع الإخوان والسلفيون وحدهم أن يحكموا البلاد وهم أقلية متطرفة وبعيدة عن الوسطية المصرية، وخاصة في مرحلة من المفترض أنها انتقالية، يتم وضع أسس العملية السياسية فيها. ومن أجل أن يفوز مرسي في الانتخابات، سعى لتكوين جبهة من القوى الثورية لتؤيده في المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وفي المقابل، قدم عدة وعود، مها إعادة تشكيل التأسيسية بصورة متوازنة. ولكن بعد فوزه، تنكر مرسي لتعهداته، وزاد عليها بأن انقلب على الإطار الدستوري الذي أقسم على احترامه، مرة في قرارات أغسطس، والأخرى في قرارات نوفمبر التي أشعلت الغضب ضده، وقامت ميليشيات التيار الطائفي بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي، وصولاً لأحداث الاتحادية التي نزلت فيها ميليشيات الإخوان وقتلت وجرحت وعذبت أكثر من ألف مصري ومصرية، وتم التعذيب في المساجد القريبة من وداخل القصر الجمهوري نفسه. وبقيام الإخوان باستخدام هذه الميليشيات في قتل مصريين، انهار ما بقي من دولة القانون وتخضبت أيدي الجماعة بدماء المصريين، وأصبحت البلاد في حالة حرب أهلية. فطبقاً لتعريف ماكس ويبر فإن أحد خواص الدولة أنها تحتكر العنف المشروع من خلال الشرطة والجيش، فجاءت ممارسات الإخوان لتهدم ركنا جديداً من أركان الدولة.

 

أما المقوم الأساسي للدولة، وهو بمثابة صبة الأساسات التي ترتكز عليها باقي الأعمدة، فهو وجود مفهوم موحد يتبناه أهلها للتعايش السلمي المشترك الذي يوثقه في العادة إعلان للمبادئ والحقوق أو دستور، وعندما طرح مرسي مسودة دستور غير توافقي للاستفتاء عليه، وهو الدستور الذي يصفه برهامي بأنه يضع قيودا كاملة على الحريات لم توجد من قبل في أي دستور مصري، فقد نسف هذا الأساس، حيث صوت 57% من أهل القاهرة عاصمة البلاد ضده، ولكن هذا الدستور مرر بنسبة 63% في استفتاء حفل بالتجاوزات، ولم يمكن تمريره سوى بالاعتماد على المناطق البعيدة عن أعين الإعلام ورقابة المجتمع المدني أو التي تعاني من سوء الخدمات التعليمية أو الأماكن التي لم تصل إليها الأحزاب الجديدة بعد. وفي كل الأحوال، فقد قسم هذا الدستور المصريين بدلاً من أن يوحدهم، ضارباً أساس الدولة المصرية في مقتل.

 

ومع غياب وجود توافق وطني حول الدستور وقواعد العملية السياسية، والرفض الشعبي لمحاولات جماعة الإخوان الهيمنة على البلاد و"أخونة" مفاصل الدولة، تصاعدت الاحتجاجات وأصبح النظام السياسي مهدداً بالانهيار في أي لحظة، مما أدى بالطبع لآثار اقتصادية خطيرة، فقد تراجعت حركة السياحة والاستثمار، وتراجعت العملة الوطنية لأدنى مستوى لها على الإطلاق، مع تصاعد عجز الموازنة والدين العام لأرقام غير مسبوقة في تاريخ مصر، وأصبحت مصر على شفا الإفلاس، وقيل أن الحكومة قد تعجز عن سداد رواتب موظفيها أو قد تضطر "لطبع نقود وهمية" مما يؤدي لموجة غلاء. وعندما تنصل مرسي من وعوده مرة أخرى بتعديل الدستور، علاوة على غياب أي تحقيقات في وقائع الاتحادية، اندلعت الاحتجاجات في ذكرى الثورة، وتأزمت الأمور لدرجة كارثية وخاصة في السويس وبورسعيد مع سقوط خمسين شهيداً وآلاف الجرحى، وفرض حالة الطوارئ وحظر التجول، الذي لم يمكن تطبيقه وتحداه شعب مدن القناة، وبهذا انهار عمود آخر، وهو هيبة الدولة. 

 

إذن تصدعت أعمدة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمن والقضاء واحترام القانون والدستور بل وهيبة الدولة نفسها – مع وجود مخاوف نتيجة لتصريح وزير الدفاع تتعلق بتماسك الجيش نفسه، وهو خط الدفاع الأخير للدولة المصرية، التي تقترب بسرعة من نقطة اللاعودة. ومع استمرار حالة الاحتراب السياسي وانتشار الميليشيات والأسلحة، والتربص بين التيار الطائفي وباقي التيارات، مما يضع على هذه الأعمدة المزيد من الأحمال وبالتالي يضاعف من مخاطر انهيار الدولة ككل.

 

كيف نخرج من هذه الأزمة؟

 

مفتاح حل كل هذه الأزمات هو تصميم المبنى وأساساته، أي الدستور وقواعد اللعبة السياسية، ولابد من الوصول لحل سياسي بسرعة يتضمن تعديل الدستور ورسم خريطة طريق لمرحلة انتقالية جديدة، وإلا قد ينهار النظام السياسي مما قد ينتج عنه انهيارات في أعمدة أخرى تتهاوى بصورة متتالية مثل قطع الدومينو. وبالطبع انهيار النظم السياسي قد يؤدي للمزيد من العنف بين الأنصار الغاضبين من الطرفين، كما سيرسخ حالة التربص على فرض استطاعة الطرف الآخر أن يشكل مجلس رئاسي أو سلطة انتقالية. أما إذا أصرت السلطة على الاستمرار في هذا الوضع المستقر، تكون كمن يحاول أن يجعل خروفا يقف على رجل واحدة بدلاً من أربعة أرجل، وهو وضع غير مستقر ويجعل الخروف في النهاية يسقط سقوطاً مدوياً.

فلاش باك من سيناريوهات اليوم التالي

 فلاش باك من سيناريوهات اليوم التالي

رؤية مصرية  

من أرشيف 2013 - نشرت بجريدة التحرير

وائل نوارة

لو رأينا سيناريوهات المستقبل، هل يمكن أن نختار أحدها ونسلك الطريق الذي يأخذنا له؟ أم أننا اخترنا بطبيعتنا المحددة أحد المسارات  منذ زمن طويل ولا يمكن أن نحيد عنه الآن، وقدرنا أن نلتقي بالنهاية المحتومة؟

السيناريو الأول: تتحول الثورة للعنف ويسقط النظام ولكن!

 

بدأت مجموعات من الشباب الملثم في تصعيد العنف ضد قوات الأمن، وأعلنت أن الفوضى هي نتيجة لغياب العدل والقصاص، وهجمت على المحلات والمنشآت الحيوية، وقطعت الطرق والكباري السكك الحديدية ومترو الأنفاق، وبدأت هذه الجماعات الفوضوية تستولى على الأتوبيسات وسيارات الأمن المركزي وتهاجم بها محابس ورموز السلطة، مثل التليفزيون وقصور الرئاسة والوزارات السيادية، بينما انسحبت معظم الحركات السلمية ووقفت بعض القوى السياسية في مؤخرة الأحداث تنتظر ما ستسفر عنه المصادمات، ربما تفرز موازين جديدة للقوى تعضد موقفها السياسي والتنظيمي الضعيف، أو عل المواجهات تفرز فراغاً في السلطة يتقدمون بسرعة من المؤخرة لاستغلاله. وانسحب أفراد الشعب المتعاطفون مع الثورة عندما رأوا أنهم ينجرون لمصادمات تنخذ المبادأة بالعنف سبيلاً لها، أما الحركات السلمية، فقد تركت كلها تقريبا الميدان باستثناء خدمات الإسعاف والمساعدات الحقوقية لمن يلقى القبض عليهم.

 

ولعدة أيام استمرت المواجهات الدامية وحروب الشوارع وامتدت لتشمل رقعة واسعة غير محددة، حيث كانت تأتي الضربات من مجموعات صغيرة في أماكن متفرقة، مثل أقسام الشرطة ومقرات الحزب الحاكم وجماعته، وأعلن الحزب الحاكم أن الشرطة متواطئة مع الفوضويين، رغم أن الشرطة كانت من أكثر المتضررين من الأحداث أفراداً وعتاداً ومنشآت، وبدأت الجماعات الجهادية تخرج بأسلحتها، لتتسع رقعة المواجهات وتتعقد، تارة بين الشرطة والفوضويين، وتارة بين الفوضويين والجماعات الجهادية، وفي معظم الأحيان بين الشرطة وبين أطراف متعددة، أو بين أطراف غير محددة بعضها البعض.

 

وتدريجيا انهارت قدرة الشرطة على مواجهة الأحداث، وبدأت بعض المنشآت الحيوية ومحطات الكهرباء والمياه والقناطر ووسائل الإعلام تتساقط في أيدي مسلحين متعددي الانتماءات، وأعلنت القوات المسلحة أن الوضع على وشك الانفلات بالكامل فنزلت بكامل ثقلها مدعومة بمطالبات من القوى السياسية محليا ودوليا وسط تأييد شعبي واسع، وأعلنت الأحكام العرفية، ونجح الجيش في أيام قليلة في استعادة السيطرة على بعض المنشآت الهامة، وقلت حدة الاشتباكات إلى حد ما مع عودة اللجان الشعبية وتعاونها مع الجيش.

 

قرر الجيش إلغاء الدستور الجديد سبب المصائب، وعودة العمل بدستور 1971 بعد تعديله، ودعى القوى السياسية للحوار حول تشكيل مجلس رئاسي مدني عسكري، لإنقاذ البلاد من الفوضى، وبعد أيام من مناقشات عقيمة، انسحبت القوى الدينية من الحوار، وأعلنت أن الجيش يحابي القوى السياسية المدنية، وأنه لا بديل عن عودة الشرعية والرئيس المنتخب والدستور الذي أقره الشعب، وعندما رفض الجيش تلك المطالب بحجة أنها لا تتفق مع معطيات الواقع المعقد، الذي يستدعي تشكيل جبهة سياسية واسعة تشمل قوى أخرى خلاف الإسلاميين للوصول للسلام الاجتماعي، أعلنت الجماعات الدينية تكفير قيادات الجيش، وأنهم قد خضعوا لابتزاز بني علمان ومن يساندهم من القوى الغربية، وأعلنوا الجهاد المسلح ضد الدولة الكافرة التي ترفض تطبيق شرع الله.

 

ومع ذلك تشكل المجلس المدني العسكري بمشاركة بعض الرموز الدينية، ولكن الجماعات الجهادية بدأت في شن هجمات متتالية على قوات الجيش والشرطة والمنشآت الحيوية، وأعلنت انفصال سيناء وقيام إمارة إسلامية بها، واستغلت إسرائيل الفرصة وبدأت تخترق الحدود المصرية بصورة منتظمة بحجة الدفاع عن نفسها وحماية حدودها، مهددة باحتلال سيناء لأي نقطة تراها مناسبة للدفاع عن أمنها الاستراتيجي إذا لم تنجح السلطة المصرية في استعادة السيطرة على شبه الجزيرة في خلال مهلة محددة.

 

واستمر الوضع المأساوي غير المستقر لسنوات عديدة، وازدادت المعاناة وشحت السلع الأساسية وانهار الأمن والخدمات بصورة غير مسبوقة، ووقفت الدولة المصرية الحديثة مترنحة على حافة الانهيار.

السيناريو 2: تتحول الثورة للعنف ولكنها تفشل ويولد نظام جديد متوحش

 

مع قيام المجموعات الفوضوية بمهاجمة الجيش والشرطة والمنشآت الحيوية، طالب الجيش القوى السياسية المعارضة بسحب تنظيماتها من الشارع وإدانة العنف، ولكن في الواقع لم تكن هناك سيطرة حقيقية للمعارضة على الأحداث، فأعلن الجيش أن المعارضة لم تستجب لنداء العقل، وأنها تغامر بإشعال حرب أهلية تهدد المصالح العليا للبلاد، وأعلن الجيش أنه نتيجة لهذا سيتدخل لحماية الشرعية التي اختارها الشعب، وأعلن الرئيس الأحكام العرفية، وأصدر النائب العام الأمر بالقبض على قيادات القوى السياسية المعارضة والحركات الشبابية والإعلاميين المحرضين، وفوض الرئيس القوات المسلحة في اتخاذ ما تراه مناسباً لاستعادة السيطرة على الأوضاع، وحظت هذه القرارات بتأييد واسع من الشعب الذي ضج من غياب السلع الأساسية. فرض الجيش حظر تجول طويل وأعلن التعامل بحزم مع أي محاولة لخرق حظر التجول أو تكدير الأمن، وتم بالفعل إطلاق نيران حية على بعض من خرقوا حظر التجول ليكونوا عبرة لغيرهم، ولكن هذا أدى لتعاظم الغضب ضد الجيش والدولة لدى الجماعات الثورية التي تحول معظمها للعنف ملتحقاً بصفوف الفوضويين، وتصاعدت وتيرة الصدامات العنيفة، ولكن الجيش نجح في استعادة السيطرة على زمام الأمور تدريجياً بتكلفة باهظة من الأرواح والاعتقالات، ثم أخذ في تأمين جميع المصالح والمنشآت والإعلام بصورة مباشرة، وبالتالي بدأت قبضة السلطة المدنية تتقلص، ثم بدأ الجيش في القبض على العناصر الفوضوية والجهادية والكشف عن تسليحها، وألقى بعشرات الآلاف في السجون وتم إعدام المئات ممن أعلن تورطهم في حمل السلاح أو القيام بأعمال عنف وتخريب، ولكن الجماعة لم ترض بخروج السلطة من يدها بهذه الطريقة، حيث أصبحت سلطات الرئيس تقريباً شرفية ومراسمية، وأصبحت كل السلطات في يد الجيش، الذي تواجد ضباطه في كل موقع ومنشأة ومصلحة لحمايتها، ولكن الجيش نجح في احتواء هذا الغضب من خلال إعطاء الجماعة بعض مساحات السلطة والاقتصاد، فرضيت بذلك إلى حين، مضمرة الانقلاب على الجيش في أقرب فرصة، واستمرت البلاد في وضع غير مستقر، وتراجعت الحريات والديمقراطية لأسوأ مستوى لها في البلاد على مر قرن ونصف.

 

السيناريو 3: تبقى الثورة سلمية وتنجح في بناء نظام جديد النظام

 

أعلنت قيادات المعارضة أن هدفها هو إسقاط دستور الجماعة بصورة سلمية وحذرت من العنف، وشكلت مجموعات كثيفة من الثوار للحيلولة بين الجماعات الفوضوية وبين التصادم مع الشرطة، وأعلنت قيادات شباب الثوار أن اللجوء للعنف هو بمثابة شهادة وفاة للثورة، لأن الشعب سيلفظ جر البلاد للفوضى، ونجحت تنظيمات المعارضة السلمية في جذب أعداد كبيرة من المؤيدين في الميدان، وأصبحت الجماعات الفوضوية معزولة وانكشف صغر حجمها وتأثيرها الضعيف، وبدأ أعضاؤها ينسلون منها واحداً بعد الآخر لينضموا للتنظيمات الثورية السلمية أو يؤيدونها ويمشون وراءها. وحاصر الثوار قصر الاتحادية، وبعد عدة أيام وضغوط من وراء الستار من جهات متعددة، أعلن الرئيس إلغاء العمل بالدستور المعيوب، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وفوض رئيس المحكمة الدستورية العليا في رئاسة البلاد بصورة مؤقتة، وتم تشكيل لجنة بتمثيل متوازن من كافة أطياف الشعب لوضع مسودة لدستور الثورة، وقام تيار إصلاحي من شباب الجماعة بالإطاحة بالقيادات "التي شاخت" وأعلنوا حل تنظيمات الجماعة السرية وميليشياتها العسكرية وتصفية شركاتها، وأسس البعض الآخر جمعيات دعوية وأقسموا على الابتعاد عن السياسة بشكل كامل، مكتفين بوجود أحزاب سياسية تمثلهم دون تداخل بين السياسة والعمل الدعوي، وأعلن حزبهم بعد إعادة تشكيله أنه لن يسعى للحصول على الأغلبية في البرلمان القادم، وأنه سيكتفي بالمنافسة على ثلث المقاعد، حتى لا يحصد سلطة أكبر من تمثيله الحقيقي في المجتمع، وحتى لا يصبح تفوقه التنظيمي واللوجيستي سبباً لهلاكه، مع إعطاء دور أكبر لشباب الثوار والمرأة والمسيحيين والعمال والفلاحين وأهل البدو والنوبة بجانب الخبراء والعلماء والمفكرين، وبدأت البلاد لأول مرة تتنسم عبير السلام الاجتماعي، وبدا أن الصراع السياسي الطويل قد أقنع جميع القوى والطوائف أنه لا يمكن التخلص من أي طرف، وأن حصول أي حزب أو جماعة على نصيب أكبر من حجمه الحقيقي هو عبء عليه وليس ميزة، وأن المشاركة في المسئولية بين الجميع عقب ثورة عظيمة، هو الحل الوحيد لبناء نظام جديد يتسع للجميع ويسمح بالخروج من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتفاقمة. وفي خلال شهور قليلة، بدأت وطأة المشاكل والأزمات والكوارث تخف تدريجياً، ثم بدأت مصر تحصد ثمار الاستقرار السياسي اقتصادياً واجتماعيا، ولم ترض بعض القوى الإقليمية والدولية عن هذا الوضع الجديد، وبدأت تحيك المؤامرات لوضع بذور الفرقة بين المصريين من جديد، خشية من القومة الهائلة للعملاق المصري من سباته العميق. 

خاتمة

والآن، أي سيناريو نختار؟ وهل يمكن أن نقوم بعمل فلاش باك من السيناريو المطلوب ونشرع في تنفيذه اليوم؟

 

                                                                   

نحس دكر

 

تفسير علمي مبسط لنحس الجماعة

رؤية مصرية

من أرشيف 2013 - نشرت بجريدة التحرير

 

وائل نوارة

 

احترنا في تفسير السلسلة المتلاحقة والمتسارعة للكوارث التي تلاحق مصر تحت حكم الإخوان، حيث يسقط الضحايا الأبرياء في حوادث قطارات وسفن وانهيار عقارات واشتعال حرائق بصورة متكررة أسبوعياً، ثم تطورت الأمور لتصبح الكوارث يومية، مع انضمام الأعاصير والزلازل لجبهة معارضي الجماعة، ثم تفاقم النحس بصورة غير مسبوقة حيث بدأت الكوارث تقع بمعدل كل ساعة، وأحياناً عدة كوارث أثناء الساعة الواحدة، وأصبح الواحد يستيقظ قلقاً بعد نوم سويعات، يتساءل عن عدد الضحايا الذين سقطوا من لحظة ما نام، ويتحسس رأسه ويقرص خده ليتأكد إن كان هو شخصياً ما زال حياً يرزق، أم انهار البيت على رأسه، أو خرم أحد القطارات على مُـلة السرير في غرفة نومه ظناً أنها أحد قضبان السكة الحديد، وذلك أثناء بحث القطار عن سيمافور شارد جنب الكومودينو، أو مزلقان تايه ناحية التسريحة.

ومع تزامن الكوارث مع زيارات وتشريفات كبار وصغار مسئولي الجماعة ومندوبيها، أصبح المحافظون والمواطنون يخشون من زيارة مسئولي الإخوان لمواقعهم، بل أشيع أن بعض الدول الأجنبية بدأت في إلغاء زيارات إخوانية كانت مقررة لبلادهم لتفادي النحس الإخواني الدكر، مع رفع حالة التأهب والاستعداد لأقصى درجة.  ومع فشل الحكومة والوزارات المختلفة في تفادي هذه الكوارث أو التخفيف من حدتها المتصاعدة بالوسائل التقليدية، بدأ البعض يقترح بجدية استحداث جهاز حكومي جديد متخصص في طرد الأرواح الشريرة التي لبست البلد من ساعة ما مسكها اللي ما يتسموش، سواء عن طريق حفلات الزار، أو باستخدام السحر الشعبي والرقية الشرعية مع ما تيسر من البخور بالمستكة والحبهان والحشيش الأفغاني، مع إضافة قشر الليمون طبعاً من أطنان بقايا الليمون المعصور.

ورغم عدم إيمان الكثيرين بالنحس والتطير، إلا أن هناك تفسير علمي مبسط و"محصن" لكل هذه الحوادث وارتباطها بالجماعة الملعونة. 

لقد خلق الله الكون ووضع فيه قوانين فيزيائية تجسد التناغم بين قوى الطبيعة، وشاءت حكمة المولى عز وجل، أن تعاقب الطبيعة كل من يحاول أن يهدم هذا التناغم أو يتجاهل قوانينها التي هي آية من آيات الله في الكون وفي الآفاق. مثال بسيط: لو تجاهلت قانون الجاذبية، وحاولت أن تغير مسار مياه نهر، لتصعد من الأرض الواطية لا مؤاخذة للأرض العالية، ستتكبد مشقة شديدة، بينما لو سايرت النهر واستفدت من قوة اندفاعه يمكنك أن تستخدمها في النقل وتوليد الطاقة والري وهكذا، ومن هنا نطق الأجداد بحكمة عظيمة تجسد إرادة الله: الميه مش بتمشي في العالي.


نفس الشيء في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية. نفترض أن أحد الأحزاب مثلاً له شعبية 20% أو 25%، لكنه قرر أن يسرق بلداً بالكامل عن طريق الصفقات السياسية المشبوهة والحيل والتلاعب مثلاً في تشكيل الجمعية التأسيسية، كما نبهتنا اعترافات الشيخ برهامي كرم الله وجهه. ماذا سيحدث آنذاك؟ يتنبه أصحاب البلد أن تياراً صغيراً منهم، يريد أن يسيطر وحده على مقدرات بلدهم ويغزو دولتهم من خلال "تمكين" تنظيم عصابي "شاطر" من مفاصل السلطة ومفاتيح الثروة، واغتصاب جسد البلاد وقتل روحها بالتلاعب في جيناتها الثقافية. وينتج عن هذا بالطبع أن تقاوم البلد وتفلفص محاولة أن تنجو من الاغتصاب وخاصة مع قبح أفراد هذه العصابة الذين يشبهون أبا لهب وأبا جهل وباقي الكفار في أفلام فجر الإسلام، مع تميزهم بالغلظة وسوء الأخلاق والكذب والنفاق والجشع ونقض العهود والحنث باليمين وتحليل الحرام وتحريم الحلال حسبما تكون مصلحة جماعتهم التي يكادون يعبدونها من دون الله، حيث بدأت الجماعة كوسيلة دعوية لغاية نبيلة، ثم تحول تنظيم الجماعة نفسه لمعبد وغاية في حد ذاته، وتناسى أفراد العصابة الغاية الأولى.


هل يمكن أن تلوم البلد على رفضها هذا الاغتصاب وإصرارها على مقاومة هذا الغزو الفيروسي أو السرطاني الشرير؟ بالطبع لا. ما هي نتيجة المقاومة؟ حمى شديدة، حيث تتزاحم كريات الدم البيضاء وأجسام المناعة وتتسابق في مهاجمة الفيروس أو الخلايا المصابة بالسرطان والعياذ بالله، وبالتالي تصاب بعض الخلايا السليمة مع الخلايا المصابة في سبيل دحر الغزاة، فترتفع درجة الحرارة وينشغل الجسد بالمقاومة. ماذا إذا كان هذا الجسد في الأصل يعاني من أمراض أخرى مزمنة؟ أو كان يحتاج لعملية جراحية عاجلة؟ قد يضطر الجراح أن يؤجل العملية حتى تستقر حالة الجسد وتنخفض درجة حرارته، وقد يتسبب تأخير العملية في مضاعفات سلبية تحل على الجسد، لكن ما باليد حيلة، فالجسد مشغول بمقاومة الغزو كأولوية أولى.

 

هل يمكن أن ينتصر الفيروس أو الورم، وهو تركيبته الجينية مستوردة أو محورة ومختلفة عن الجسد الأصلي؟ عادة لا. قد ينجح الفيروس أو السرطان في أن يخدع خلايا الجسم ويغزوها بالكامل، ولكن في نفس اللحظة التي يعلن فيها انتصاره النهائي والحاسم، يموت الجسم، ويموت معه الورم السرطاني، لأن خلايا الورم تحتاج لعائل مكون من خلايا سليمة، ولأن خلايا الورم في حد ذاتها ليست بجسد صحي سليم، بل هي مجرد خلايا سرطانية دخيلة.


نفس الشيء في السياسة. عندما تحاول جماعة واحدة أن تنصب على باقي الشعب وتغير من هويته، تكون النتيجة الطبيعية أن يتصدى لها الشعب بمختلف الوسائل، وبالتالي يحتدم الصراع، وبدلاً من استغلال موارد البلاد والطاقات الخلاقة لشعبها في إصلاح المرافق المهترئة، والشبكات المتهالكة، والمنظومات الفاسدة، ينشغل أهل البلاد في الدفاع عن هويتهم وحقوقهم وحرياتهم المسلوبة بـ "قيود كاملة لم توجد من قبل في أي دستور مصري"، وصد عدوان جماعات الأمر بالمنكر، والتصدي لبلطجة ميليشيات جماعات الشر، والإضراب احتجاجاً على غياب العدالة والعدوان على القضاء والنيابة، والتخطيط للاحتجاجات والتظاهرات والعصيان المدني لرفض محاولات الهيمنة وتغيير الهوية وسرقة الأرض والعرض.

 

وتمر الشهور والسنوات، وجماعة الشر لا تفكر إلا في التمكين لنفسها وسلب ما ليس لها، وبالتالي تستمر المصادمات والصراعات، وتتوقف عمليات الإصلاح والتحديث والإحلال والتبديل، فتتفكك وصلات القطارات وتتعطل أجهزة التحكم عن بعد لغياب الصيانة، وتتدهور أحوال مرافق الدولة يوما بعد يوم، وتتآكل هوامش الآمان، وتتضاعف مخاطر الانهيارات والحوادث والكوارث الطبيعية، ويصبح وقوع الحوادث بصورة يومية أو شبه يومية حتمية إحصائية، بل أن الغريب والاستثناء يصبح أن تمر ساعة واحدة دون حوادث. هذا هو النحس الدكر.

 

هناك فرق كبير بين النحس وبين البركة.

 

ما هي البركة؟ هي عكس النحس. البركة هي أن ترضى بنصيبك بل تتنازل عن جزء منه، فيزيد ما عندك! هي أن تتحسن الأمور بصورة غير متوقعة نتيجة وجود نفوس راضية ووجوه مبتسمة وناس تدعو لك بالتوفيق وتعمل على أن يأتي لك هذا التوفيق. البركة هي أن تجد العون من آخرين قد لا تعرفهم، فيساعدونك على تحقيق هدفك أو الهدف المشترك.

 

البركة تأتي من طاعة الله والتسليم بقوانينه وتعاليمه. إذا كان لك 25% من بيت على المشاع ولإخوتك ملكية باقي الأنصبة، احرص على أن تشاركهم في ريع العقار والقرارات التي تمس البيت. أما إذا احتلت عليهم للاستيلاء على أنصبتهم، فلا عجب بعد ذلك إن امتنع أحدهم عن إصلاح عمود أو كمرة لأنه ذاهب ومهاجر بعيدا عنك وعن جشعك. وعندما يقع البيت وينهار فوق دماغك، فلا تشكوَّن من النحس. فقد جلبته على نفسك. 

 

 

إخوان علي بابا – بداية ونهاية

 

وائل نوارة

 

من حوالي شهر، تحت عنوان "علي بابا والأربعين حرامي – مشهد ما بعد النهاية"، نشرت على صفحات التحرير، الجزء الأول من إحدى حكايات الراوي، ولكن من ألسنة متواترة وأعين مغايرة، متتبعاً مشهد ما بعد النهاية التقليدية. فبعد أن قامت ثورة الشباب ووصلوا لمغارة الأربعين حرامي، تمتم علي بابا بأن دخول المغارة يحتاج لشفرة خاصة، أشبه بالفوازير، لكن لكل فزورة حل، والسمسم هو الحل - في هذه الحالة. الله أكبر ولله الحمد، افتح يا سمسم، وتنفتح المغارة ويدخل علي بابا الكهف محمولاً على الأعناق وسط تهليل إخوانه، ويزعق الإخوان المندسون وسط جموع الشباب بأن علي بابا وهو ولي من أولياء الله وشيخ طريقة له الطاعة على أتباعه، وهو الأحق بولاية البلد بعد ما خلصهم بربانيته من شرور عصابة الأربعين حرامي، ولكن علي بابا يظهر الزهد والورع، ويترفع عن المنصب، ويرشح لهم كبديل "عتريس" أحد أتباعه المتفقهين الذي اصطفاه ورباه منذ الصغر، وأنه كشيخه يحله من عهد الطاعة له، ويقبل الشباب بعتريس بعد أن درات أكواب شراب الليمون عليهم في احتفال عظيم، ويذهل عتريس وتغرورق عيناه بدموع العرفان، ويجلس على مقعد الوالي في تواضع ويفتح صدره للشباب، ويعدهم بإصلاح الأحوال، وأنه لن ينفرد برأي أو قرار، بل سيضعون معاً كتاباً يكون بمثابة دستور للحكم وللبلد، يحدد الحقوق والواجبات، والوزارة والقضاء، وتدابير بيت المال والمحتسبة الرقباء. وبعد الاحتفال صرف أعوان علي بابا الشباب بلطف، ووعدوهم بأن الأمور سوف تنصلح في خلال 100 يوم، وليس عليهم سوى الانتظار والصبر الجميل.

 

وما أن أغلقت عليه أبواب المغارة، حتى حفر علي بابا أرضها بسرعة واستخرج صناديق الذهب والمجوهرات المدفونة، حيث أخذ إخوانه يشاركون كل تاجر أو صانع أو قهوجي، تماماً كما كان الوضع من قبل، وبدأوا في إنشاء سلاسل لدكاكين البقالة والثياب ومستلزمات الحرائر والجواري، وجلابيب وسراويل الرجال والخصيان، ثم بدأ يضع أعوانه في كل مناصب البلد، ويمسك بمفاتيح أسوارها، وعين أحد أتباعه كبيراً للرواة حتى يسيطر على الحكايات، وأمر أن تُطفأ أنوار المدينة بعد العشاء، ونشر المخابيل والمتطرفين يهاجمون الشباب وكل صاحب رأي أو نقد بالعصي والسيوف والنبال والبلي، بحجة أنهم يسيئون الأدب في حق ولاة الأمر أو يخرجون عن تقاليد السلف الصالح. واطمأن علي بابا وطمأن عتريس وإخوانهما، بأن البلد قد دانت لهم، متناسياً ما حدث للوالي المخلوع حينما سقط وسط أعوانه وجنوده.

 

وبدأ عتريس في ممارسة عمله كوال للبلد، ويهمس له الناصحون أن يقدر حجم المسئولية الجديدة، وأن يشكر الله بأن يتقيه فيها، وأن يوجه اهتمامه لمصالح أهل البلد، ويسهر على خدمتهم، وينشئ ديوانا للمظالم، يستمع فيه لكل صاحب شكوى أو مظلمة، ويهتم بأمر الشباب الذين مكنوه من كرسيه، ويسمع للحكماء والعلماء ويأخذهم كمستشارين، يسألهم في كل كبيرة وصغيرة، حتى لا يثور الشباب مرة أخرى إن وجدوه مثلاً يحابي إخوانه ويضعهم في أماكن ليسوا أهلاً لها. والحق أن عتريس أعجب لوهلة بالفكرة، وفي ليلة صفاء، أكثر من الدعاء، ونام بعد أن صلى العشاء، طالباً البشارة. وجاءته في المنام رؤيا عظيمة، حيث تمثل له في المنام يوسف الصديق عليه السلام، وذكره بصور من حياته كلها، منذ نشأته البسيطة، وأهله الطيبين في محلة صغيرة خارج أسوار المدينة، إلى اليوم الذي عطف فيه علي بابا عليه وهو بعد صبي طري العظام، فاتخذه عتريس أباً ومرشداً روحياً له، وكان علي بابا له تفاهمات وصفقات مع الوالي المخلوع لا يعلم بأمرها إلا المقربون، فتوسط له حتى ابتُعث ليأخذ العلم عن الخوارزمي في بيت الحكمة ببغداد، وبعد ذلك كيف عاد، وأصبح صاحب عمود، ثم كيف طالته وشايا الكياد، حتى ألقي به في غياهب السجن، ثم كيف أفرج عنه في فورة حماس الشباب، ليصبح واليا على البلاد. وأخبره الصديق أن الله قد من عليه بهذه النعم كابتلاء واختبار، فهل يقدر النعمة، ويرعى البلاد والعباد، أم يخضع لمطالب علي بابا وجماعته وجشعهم الذي لا سقف له ولا يشبعون، بعد ما علم من قبائحهم ودخائلهم وصُدم فيهم حين شب عن الطوق وبدأ يعرف حقيقتهم الإجرامية؟

 

استيقظ عتريس من النوم سعيداً راضي القلب، فقد أنعم الله عليه برؤيا ظهر فيها الحق ناصعاً أبلج، والباطل مظلماً لجلج. فكر عتريس في حل يجعله يتبع ما رأى، دون أن يغامر بإغضاب علي بابا وجماعته، بما يعنيه ذلك من مخاطر، أبسطها أن يؤلبوا عليه الناس إن هم رأوا منه تقاعساً عن تحقيق مطامعهم. وهداه تفكيره لأن يبدأ بتوازنات بين مصالح علي بابا وعصابته ليتقي شرهم، وبين مصالح باقي أهل البلد، ووضع بالفعل الحكماء والعلماء في معيته، كمستشارين له، وقلل من لقاءاته بعلي بابا وإخوانه، متعللاً بأن ذلك كفيل بذر الرماد في العيون، حتى لا يتنبه أهل البلد فيثورون، عليهم جميعاً.

 

وطالبه الشباب بأن يفي بوعده في كتاب يسجل الحقوق لكل ذي حق، فجلس معهم واستمع لهم وطلب منهم ومن مستشاريه أن يقترحوا عليه ما يرون. اقترح الشباب أن يشكل عتريس مجلساً يمثَل فيها أهل البلد وطوائفها وصناعها وروابطها وكل محلة قريبة أو بعيدة، ليسطر هؤلاء هذا الكتاب، فأعجبته الفكرة ووعدهم بالقيام على تنفيذها. واجتهد ومستشاروه في اختيار أعضاء المجلس المنشود، ولكن يوم اجتماع المجلس فوجئ عتريس والشباب بتبديل الأسماء، وبأن كل أعضاء المجلس من إخوان علي بابا، باستثناءات شكلية غير مؤثرة، لدرجة أن سأل سائل، ولكن أين تمثيل الشيعة في مجلس البلد؟ فقام أحد الموالين لعلي بابا وهو سني المذهب وقال: أنا أمثل الشيعة في المجلس! وفوجئ الشباب بأن رئيس المجلس لديه نص أعده علي بابا سلفاً، قام الرئيس بتمريره على أعضاء المجلس بعد منتصف الليل وأهل البلد نيام، حتى لا يشعر أحد بالجريمة، وهو نص يضع كل الصلاحيات في أيدي علي بابا، حيث عهد إليه بتفسير الأحكام الشرعية، هو ولجنة يختارها، مع تهميش دور قاضي القضاة والمحتسبة، ليصبحوا ألعوبة بين أصابع علي بابا، الذي أصبح له سلطة تعيينهم وصرفهم، مع تشكيل عدة مجالس صورية يسيطر علي بابا عليها جميعا من خلال أعوانه. وجد الشباب علي بابا وقد أصبح الحاكم الفعلي للبلد، وأن كلمته أضحت دستوراً وسيفاً فوق الرقاب، فغضبوا وذكروا عتريس باتفاقهم الذي لم تمض عليه شهور، فحاول عتريس ملاطفتهم بكلام مؤثر عن الأخلاق والدين والحب، الذي يجعل المجتمع كله يحتضن بعضه البعض دون قانون مكتوب، ولكن الشباب رفضوا حديثه وأمهلوه للغد كإنذار أخير.

 

تخفى عتريس في ملابس سوداء، ووضع لثاماً على وجهه، وخرج من الباب الخلفي للقصر مع أخلص حراسه متوجهاً لمغارة علي بابا في جبل المقطم. استقبله علي بابا بترحاب وهدوء، ووضع أمامه صحن فاكهة ضخم، واستحلفه أن يأكل قبل أي كلام، فهو قلق على صحته، وربت على خده كأب محب، وبعد أن أكل سأله عما يشغله. أجابه عتريس بمخاوفه وتهديدات الشباب بمحاصرة قصره إن هو أخلف وعده وحنث بقسمه معهم، فتظاهر علي بابا بالاهتمام وجاراه في الحديث، سائلاً عتريس ما الذي ينصح بعمله في هذا المأزق الصعب. أجاب عتريس بما رآه، ويتلخص في أن يبدأوا جميعاً بداية جديدة، بعد أن أغدق الله عليهم من عطاياه ونعمائه، ويتخذوا الشرف والأمانة والعدل طريقا لهم، وينبذوا أساليب الماضي بما فيها من تعاملات سرية مشبوهة وخطايا وآثام سترها الله بفضله. ضحك علي بابا وقرص أذنه بحب قائلاً، لا عجب أنني اخترتك لهذا المنصب بدلاً من أبي لهب "الكشر"، إنك فعلاً لمخلص وهذا ما جعل الشباب يصدقونك، لكن كيف يا ولدي ننبذ الماضي، أليس هذا الماضي الذي تراه الآن مشيناً لجلج، هو ما صنع منك رجلاً وعالماً ثم والياً على البلاد، ألم تعلم أن تجارتنا وأساليبنا السرية التي تخجلك الآن، هي التي أوصلتك لما أنت فيه، وأن جماعتنا المسلحة والمتطرفين المخابيل الذين اليوم تتحرج من أفعالهم، هم من يحمون كرسيك ويصدون معارضيك، فإن كنت ترغب صادقاً في التوبة، فاخلع عنك ثياب الأبهة واترك القصر والسلطة، وتعالى نبدأ معاً من جديد. ما رأيك؟

 

صمت عتريس يفكر. وما زال يفكر ويفكر. لكن ما رأيك أنت؟ وبماذا تشير على عتريس أن يفعل؟

 

من أرشيف 2012

7 ديسمبر 2012

نشرت في التحرير ثم ضاع السيرفر!

رؤية مصرية



علي بابا والاربعـين حرامي – مشهد ما بعـد النهاية

وائل نوارة

في عصور ما قبل التاريخ المكتوب، ولدت القصص والحكاوي، وظهر القصاص والراوي، ولاحظ الرواة أن أحدهم كان دائما ما يعود لمنزله محملاً بأفخاد الغزلان بينما الباقون يحصلون على الفروة والحوافر، وربما الرأس بعد نزع اللسان في أفضل الحالات، فحاروا في سر غريمهم المحظوظ، وقرروا أن يقوموا بإجراء أول بحث تسويقي في التاريخ لدراسة المنافسين. اختبأ أحدهم وراء الصخور بجوار تجويف يكشف ما بداخل كهف زعيم القبيلة، وراقب ما يحدث. الحكايات عادية جداً، لكنه لاحظ أن زوجات زعيم القبيلة الأربعة وأولادهن العشرين، يجلسون على الأرض مأخوذين بل مسحورين، بينما يتربع صاحبنا الراوي المحظوظ على صخرة أمامهم، ويتمايل وهو يحكي الروايات المليئة بالمغامرات الخطيرة في مواجهة الوحوش الضارية، ويتمهل وهو يصف الموقف المرعب حينما تحيط الأسود والنمور السائمة، بالفتاة الجميلة النائمة، وتستعد لالتهامها، ويسكت قليلاً ثم يزعق فجأة فيرتجف المستمعون خوفاً من أن تكون صرخته صدى لصرخة الفتاة عندما تهجم عليها الوحوش المفترسة، لكن هيهات، فالصيحة الحيوانية هي للبطل الزعيم، يلقي من خلالها الرعب في قلوب أشرس الوحوش، في ظهور مفاجئ في اللحظة الأخيرة، حيث يطير الزعيم المنقذ فوق رءوس الوحوش متعلقاً بإحدى يديه بأغصان الأشجار، بينما تلتقط ذراعه الأخرى الفتاة الجميلة لينقذها، ويقفز بها في النهر العميق ويعود بها للقرية، فتفتن به وتقع أسيرة لحبه، ويصر أهلها على تزويجها له، حيث يعيشان منذ تلك اللحظة معا وإلى ما شاء الله في سعادة مقيمة، وينجبان الأطفال الأصحاء الذين يصبح كل منهم زعيماً لقبيلة ضخمة! وما أن يسدل الراوي ستار النهاية، حتى تنتفض المستمعات والمستمعين في نشوة وجذل، وتصفق الفتيات بأيديهن الصغيرة في فرح، ويطالبن بالمزيد، بينما تنهال الخيرات على الراوي من زوجات الزعيم. هكذا اكتشف الرواة أن الزبون يحب النهايات السعيدة، رغم أن النهايات في العادة حزينة بطبيعة الحياة المتقلبة، لكن المستمع دائماً على حق، وفخذة الغزالة غالباً أطيب من لحم الرأس.

لكن، ماذا حدث في الواقع بعد مشهد النهاية؟ النهاية السعيدة ما هي إلا مشهد مؤقت، ولا نعلم في الحقيقة كيف عاش الزعيم مع الفتاة الجميلة، وهل كان مثلاً بصباصاً لبنات الكهوف المجاورة، فاشتعلت غيرة الزوجة الجميلة وأطلقت عليه ثعباناً ساماً وهو نائم في الليل ليقبض روحه؟ أم تربصت به وبها الوحوش بعد ذلك الموقف المهين والتهمت أول أولادهما، فجن الزعيم لفقدان وريثه الذكر وحطم رأسها بحجر كان في متناول يده وقت أن صدمه الحادث، ثم انتبه لفعلته الشنعاء، فطفق يبكيهما معاً، وهام على وجهه في الغابات والفيافي يطلب الموت هرباً من الذكريات الدامية؟

خذ عندك مثلاً، قصة علي بابا وعصابة الأربعين حرامي، الذين عاثوا في الأرض فساداً وكونوا أول لجنة سياسات في التاريخ مهمتها تقليب أهل البلد ونهب ثرواتهم إلى أن كنزوا الذهب والفضة والمجوهرات من حصيلة السلب والنهب والقروض وتخصيص أراضي البلد السخنة والساقعة والانفراد بالأحكار المتعددة، وخزنوا ثروتهم في مغارة قريبة من النهر العظيم، لا تفتح إلا بشفرة خاصة. ولأن الراوي يحتاج لبطل نزيه ومنزه عن الطمع والشر لتكتمل الحبكة ويحصل على مكافأته من السميعة فتة بالفخذة، يصنع من علي بابا بطلاً، ويغفل مثلاً أن يذكر أن علي بابا نفسه زعيم عصابة سرية، تشفط أموال الهبات والتبرعات وصناديق رابطات الصناع والحرفيين، ويتعامى الراوي عن وصف العلاقات الممتدة، والتفاهمات والصفقات التي ميزت التعاون بين العصابة وعلي بابا وإخوانه، وأنهم حصلوا من قبل في إحدى المناسبات – مثلاً - على 88 جرة مترعة بالخيرات نظير مساعدتهم العصابة في وأد إحدى انتفاضات أهل البلد. ويشتد ظلم العصابة وطغيانها، وينجحون في إسكات كل معارض وشراء كل راوي وإفساد كل مسئول، حتى استحالت العيشة مراراً. وفي أحد الأيام كما هو متوقع، يفيض الكيل بأهل البلد، عندما يقوم أحد الزبانية بتهشيم رأس شاب من فتيان البلد دون سبب، سوى أنه تجرأ وعارض بعض التصرفات الإجرامية لأحد العسس الموالين لزعيم العصابة. يثور شباب البلد ويتوجهون نحو المغارة يوم عيد العسس، مطالبين برءوس مجرمي العصابة وزعيمهم. ويعلم علي بابا بالكارثة، فيتبرأ منها علناً، ويبعث ببعض إخوانه ليطيبوا خاطر الشباب المحتجين، متعللاً بأن وقوفه علنا معهم يفسد خطتهم، وفي نفس الوقت يبعث أسرع خيوله، برسول وكتاب مختوم فيه 10 نقاط، ينصح من خلالها زعيم العصابة بأن ينحني للموجة، ويقوم ببعض الترضيات الشكلية، لوأد الفتنة وتنفيس غضب الشباب، حتى تعود الأمور لسابق عهدها. ويرفض الزعيم العنيد اي حلول وسط، محتمياً بعصابته والعسس الموالين له، ولكن في لحظة، تنهار مقاومة العسس، ويبدأ أعوان زعيم العصابة في التساقط أو الهرب ناجين بأنفسهم، ويصبح الطريق مفتوحاً أمام الشباب لاقتحام المغارة. وفجأة يظهر علي بابا وكأن الأرض انشقت عنه، وينتشر إخوانه في الميدان، يحاولون ركوب الموجة بأي صورة. أما علي بابا، فيتمتم بأن دخول المغارة يحتاج لشفرة خاصة، أشبه بالفوازير، لكن لكل فزورة حل، والسمسم هو الحل في هذه الحالة.

وتنفتح المغارة ويدخل علي بابا وإخوانه، وينسدل ستار النهاية بينما يدخل علي بابا الكهف محمولاً على الأعناق وسط تهليل أنصاره، وتدخل بجواره الست مرجانة، ليعيشا في تبات ونبات، ويزعق إخوان علي بابا المندسين وسط الجموع بأن أحد أعوان علي بابا هو الأحق بولاية البلد، ويصرفون الشباب، ويعدونهم بأن الأمور سوف تنصلح في خلال 100 يوم، وليس عليهم سوى الانتظار والصبر الجميل.  وتنتهي الحكاية من وجهة نظر الراوي الذي لم يدخر وسعاً في تنقية القصة من أي قبائح قد تزعزع الوضع البطولي لعلي بابا وجماعته.

 

ماذا بعض مشهد النهاية؟ تقول بعض البرديات العتيقة أن علي بابا ما أن أغلق عليه أبواب المغارة، حتى حفر أرضها بسرعة واستخرج صناديق الذهب والمجوهرات المدفونة، حيث أخذ إخوانه يشاركون كل تاجر أو صانع أو قهوجي، تماماً كما كان الوضع من قبل، وبدأوا في إنشاء سلاسل لدكاكين البقالة والثياب ومستلزمات الحرائر والجواري، وجلابيب وسراويل الرجال والخصيان، ثم بدأ يضع أعوانه في كل مناصب البلد، ويمسك بمفاتيح أسوارها، وعين أحد أتباعه كبيراً للرواة حتى يسيطر على الحكايات، وأمر أن تطفأ أنوار المدينة بعد العشاء، ونشر المخابيل والمتطرفين يهاجمون الشباب وكل صاحب رأي أو نقد بالعصي والسيوف، بحجة أنهم يسيئون الأدب في حق ولاة الأمر أو يخرجون عن تقاليد السلف الصالح.

يقول البعض أن الأمور لم تختلف كثيراً أو قليلاً في عهد علي بابا عن عصر عصابة الأربعين حرامي، بينما يمجد آخرون علي بابا ويبرئونه من أي إثم، ويذكرون له فضله في إزاحة العصابة، متعللين بأن ما حصل عليه من ثروات كان للعصابة المفترية، لكن كبار السن يتذكرون يوم أن كانت هذه الأموال والأراضي والثروات ملك أهل البلد، قبل أن تنهبها العصابتين. أما علي بابا، فمطمئن بأن البلد قد دانت له ولإخوانه، ويطرب لمديح الراوي الذي اكتراه بنفسه، بل يبدأ جشعه في إغرائه بالتطلع لبسط نفوذه على البلدان والممالك والأقطار المجاورة، متناسياً ما حدث لسلفه حينما سقط وسط أعوانه وجنوده، وانمحت من ذاكرة علي بابا فورة الشباب وصحوة الشعب الذي لم يعد يطيق الظلم، متوهماً أن هذا هو المشهد الأخير.

 



من أرشيف 2012

31-10-2012

نشرت في التحرير ثم ضاع السيرفر!

رؤية مصرية

 

كيف تسرق بلداً وتسجلها في الهيصة

رؤية مصرية - وائل نوارة

أعتذر عن قطع سلسلة مقالات مصر 2030 هذا الأسبوع – فقد رأيت أنه من الواجب أن أعلق على هذه الموضوع الطريف.

 

السرقة عيب وحرام لكنها يومياً بتحصل وأكتر مما نتخيل وأحياناً في أشياء بسيطة غير ملحوظة، وأحياناً في حاجات كبيرة ولكنها غير ملحوظة برضو. القصة إن فيه فيللا في شارعنا في مصر الجديدة بينا وبينها بيت واحد. كان يملكها شخص غير متزوج يلبس نضارة شمس غامقة لا نعرف عنه أي شيء سوى إن اسمه عمو اللوا. غالباً هو كان لواءا متقاعدا في الجيش أو المخابرات، وكان عنده عربية فيات 1100 بيضاء في أوائل السبعينات – أيام ما كان الشارع كله فيه حوالي 3 عربيات – كان لازم نتجنبهم ونختار حتة فاضية في الشارع واحنا بنخطط الأسفلت بالجير أو الطوب الأحمر علشان نقسم ونلعب كورة. في التمانينات أتوفى اللوا وعرفنا إنه انتقل لرحمة الله لأنه اختفى من الشارع وبعد شوية جت ست محترمة شيك كبيرة في السن وشبهه – تقريباً أخته - واتنقلت تسكن في الفيللا حيث كان المجلس المفضل لها في البلكونة. في التسعينات أتوفت هي كمان بدليل انها اختفت – الله يرحمهم هما الاتنين. فضلت الفيللا مقفولة فترة، نعدي عليها ونترحم على اللوا وأخته. وفجأة السنة اللي فاتت بعد الثورة بأسابيع، لقينا واحد حارس كشر بدقن طويلة مشعثة، قاعد جوا الفيللا نفسها ومشغل التليفزيون بصوت عالي وكدا، عامل حس يعني بيقول نحن هنا. بعد كام أسبوع فجأة الفيللا اتهدت، وبعدين الأرض اتباعت بيقولوا لواحد من قطر، والمشتري الجديد بيطلع رخصة علشان يبني بدل الفيللا اللي كانت دور واحد أرضي – عمارة من 8 أدوار.

 

هناك أشخاص حرفتهم الأساسية أن يمروا على الشوارع في الأحياء القديمة يرصدون الفيللات القديمة المغلقة. وكل فترة، يعثرون على فيللا أو قصر مغلق لفترة طويلة، يتقصون عن شأنه، وأحياناً يعلمون أن اصحابه متوفين ولا ورثة لهم، أو أن ورثتهم يعيشون بالخارج مثلاً، فيأخذون الخطوة التالية. يصطنعون عقد بيع ابتدائي بإمضاء مزيف من المتوفي لأحدهم. ثم يستأجرون أحد البلطجية ويكلفونه بأن يقتحم الفيللا ويعيش فيها لعدة أسابيع أو أشهر ويبدأون في إرسال بعض الخطابات والمراسلات باسم المشتري المزيف لإثبات سكنه بالمكان. وقد يقوم المشتري الجديد بتحرير عقد إيجار مؤقت لأحد أعوانه، ويقوم الأخير بإثبات تاريخ لهذا العقد في "الشهر العقاري"، ثم يقوم مثلاً بتغيير اسم المشترك في شركة الكهرباء أو الغاز وهكذا. وبعد فترة يبيع المشتري الفيللا والأرض لمشتري آخر بعقد "صحيح" حتى تنطمس معالم الجريمة ويصبح المالك الجديد محصناً من أي سوء لأنه هو نفسه اشترى الفيللا والأرض بعقد "صحيح" من شخص موجود وحي – لكن المشكلة بالطبع أن البائع لا يملك الفيللا ولا الأرض – ولكن مع وضع اليد على الحيازة وغياب الورثة أو ابتعادهم عن الصورة – تكتمل أركان الجريمة مع عدم وجود نزاع أو استشكال من أي صاحب شأن في كل هذه الإجراءات المزيفة.

 

نفس الشيء حدث معنا في الثمانينات في الأسكندرية. ذهبنا لشقة المصيف كما تعودنا في شهر يونيو وهي إيجار دائم قديم باسم والد أحد أصدقائنا. ودخلنا الشارع في المندرة ولكننا لم نتعرف على العمارة. العمارة لا زالت موجودة على الناصية ولكن لونها تغير وبوابتها انتقلت من الشارع العمودي على البحر لشارع موازي للبحر، حيث أن العمارة على الناصية، وتوجد بوابة حديد مغلقة بجنزير وقفل ثقيل. وبعد حيرة ومكالمات وبحث، تأكدنا وتأكد صديقنا أنها نفس العمارة فدخلنا نستطلع الأمر. وجدنا شقة أسرته بابها مفتوح ولا يوجد بداخلها أي أثاث أو أجهزة، وبها سلم نقاشين وبعض جرادل الطلاء وآثار تشطيب جديد. في الصباح جاء من ادعى أنه المالك، شخص ملتحي يكثر من استخدام العبارات الدينية ويقسم أنه اشترى العمارة خالية من السكان وأن أوراقه سليمة، وأننا معاً ضحية لنصب من "طرف ثالث" باع له العمارة، لكن بما أن العمارة تحت حيازته – بوضع اليد – فعوضنا على الله – وخاصة أن صديقي "مجرد مستأجر" على حد كلامه – أما هو، فقد دفع الملايين في العمارة كلها وتسلمها خالية دون أثاث أو أجهزة على حد وصفه وبالتالي فهو أولى بالحيازة. استغرقت القضية حوالي 10 سنوات حتى حصل والد صديقي مرة أخرى على شقته المؤجرة، قبل وفاته بسنوات قليلة.

 

نفس الشيء حدث بعد الثورة. جاءت جماعة سرية ذات أنشطة معروفة في غسيل الأموال وجمع التبرعات من شيوخ الخليج وتوظيف وتسفير المجاهدين والبطاطين، والسطو على النقابات وشفط أموالها في تمويل معارض السلع المعمرة التي يديرها أحد أشطر رجالها، ومجموعة أخرى من الأنشطة المحلية والدولية المتعددة باسم أشخاص هم واجهة لهذه الجماعة السرطانية الأشبه بالمافيا، التي ليس لها أي كيان قانوني ولا تخضع لأي رقابة من أي نوع. وتدير الجماعة علاوة على الشركات والميليشيات بعض الجمعيات "الخيرية" في القرى التي تتلقى على حسها التبرعات، مع ما تيسر من لجان "الإغاثة" النشطة في توزيع البطاطين والسرنجات والأسبرين في أفغانستان والصومال وبعض البؤر الإرهابية ومعاقل القرصنة.

 

في الهيصة، زحفت الجماعة على الفيللا، وأدعت أمام الجيران والثوار والإعلام مشاركتها في الثورة، وأقسمت أنها جماعة وطنية تحمل الخير ولم تشارك في أي شر أو فساد هو يخص النظام القديم وحده، وأنها لم تكن جزءاً من ذلك النظام القديم ولم يكن لها 88 كرسي في البرلمان ولا حاجة. أما أمام رموز النظام القديم فقد ادعت العكس تماماً، ذهبت الجماعة أولاً لنائب الرئيس المخلوع بعد يومين من انضمامها للثورة، وأكدت أنها عارضت الثورة في البداية ولم تنضم لها إلا من أجل احتواء الأوضاع، وأقسمت أنها على استعداد للانسحاب من الميدان لتصفية الثورة بمجرد الإشارة لها بذلك، مقابل بعض المكاسب السياسية المتواضعة للجماعة. ولكن الجماعة والنائب فوجئوا بنجاح الثورة واختفاء المخلوع من الصورة، فتوجهت الجماعة مباشرة للمجلس العسكري، ودللت على ولائها للنظام بجلوسها المبكر مع النائب واستعدادها المعلن للانسحاب من الميدان وأحاديث قياداتها في الفضائيات التي قبلت بخطة المخلوع بالبقاء في السلطة لمدة ستة أشهر، وأكدت للمجلس سيطرتها على الميدان واحتواءها للثورة، وأقسمت له على الإخلاص والتعاون والنصح الأمين، ورشحت له مجموعة من الرجال "الثقات" تكتب التعديلات الدستورية بما يرضي الله. وقامت المجموعة بكتابة التعديلات تحت إرشاد الجماعة، بصورة تضمن أن تتم الانتخابات البرلمانية قبل كتابة الدستور، بحيث تسيطر الجماعة على البرلمان قبل قيام أي أحزاب جديدة، وبالتالي تهيمن على تشكيل تأسيسية الدستور، وتكتب العقد الاجتماعي الذي "يسجل" ملكيتها للأرض، ويمكنها من مفاتيح الفيللا، ويجعل الدولة ملكية خالصة لجماعة غير شرعية، لا تمثل نصف في المائة من الشعب. السرقة معروفة ومنتشرة، لكن المذهل والشاطر هو من يسرق السريقة ثم يقوم بتسجيلها في الشهر العقاري رسمياً لنفسه وعصابته.

 

من أرشيف 2012

24 أكتوبر 2012

نشرت في جريدة التحرير ثم ضاع السيرفير!



My Page on Facebook

Wael Nawara on Facebook